سوريا بلاد الفقهاء وحاضرة العلماء
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
#سوريا #بلاد_الفقهاء و #حاضرة_العلماء
بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي
ذهبت لأداء صلاة المغرب في مسجد الحسن بدمشق، كعادتي في كل زيارةٍ إلى سوريا، أحرص على الصلاة في مساجدها العامرة، وأتابع دروس العلماء فيها، تماماً كما كنت طوال فترة إقامتي فيها، كما أغلب أهلها وزوارها، الذين يحبون مساجدهم، ويقدرون علماءهم، ويحرصون على حلقات الذكر ومجالس العلم فيها، ويلتزمون أوقاتها ويتواصون مواعيدها، ويتزينون عند كل صلاة، ويصطحبون إليها الصبية والأطفال، يعلمونهم ويعودونهم على أن بيوت الله عز وجل في أرضه، هي بيوت الأمان والسلام والإيمان.
مساجد دمشق كثيرة وجميلة، وواسعةٌ كبيرة، وبهيةٌ نظيفةٌ، تشعر فيها بالطمأنينة والراحة، والخشوع والسكينة، ويطمئن قلبك وأنت فيها، وتسمو روحك وتزكو نفسك وأنت تذكر وتقرأ، وتشعر فيها بشوق الوصل وأنت تنتظر إقامة الصلاة، وتجول بعيونك فترى فيها أغلب أحبابك وأعز أصدقائك، ومن غابوا عن ناظريك طويلاً، ومن كانوا يوماً جيرانك، وفيها تجد العائدين من سفرهم، والغائبين لسنواتٍ عن بلادهم، وكأنها تجمع الجميع بين أروقتها وصحونها، وتعيد الكل إلى أحضانها.
مقالات ذات صلةفوجئت قبل أن أصل إلى بوابة مسجد الحسن، بمئات الدراجات الهوائية المصفوفة على امتداد الطريق المؤدي إلى المسجد وداخل فنائه، ورأيت المئات من المصلين يزحفون إلى المسجد، يدخلون إليه فرادى وجماعاتٍ، وقد غص بهم الفناء وامتلأت المداخل، واصطف المئات على الأدراج والسلالم، وأغلق المصلون مدخل المسجد، إذ امتلأت باحته الداخلية بالمصلين، ولم يعد فيه متسعٌ لجديدٍ، وبقي المئات واقفين ينتظرون أن تتاح لهم الفرصة للدخول إلى المسجد، أو أن يجدوا لهم متسعاً خارجه، وإن بدا ذلك صعباً لكثرة المصلين والوافدين.
رغم أن المسجد بكل زواياه وأركانه كان يغص بالمصلين، إلا أن الجميع كان صامتاً هادئاً، فلا فوضى ولا اضطراب، ولا صخب ولا جدال، ولا همهمة ولا غمغمة، ولا أحاديث جانبية ولا مزاحمة على الأماكن التي بدت عزيزة ونادرة لكثرة المصلين الذين وصلوا باكراً واحتلوا أماكنهم في كل أنحاء المسجد.
تساءلت بيني وبين نفسي، لماذا كل هذه الجموع، وهم لفيفٌ من الشبان والشيوخ، والصبية والكهول، ممن يبدو على أكثرهم أنهم سراةٌ أغنياء، وأساتذةٌ وطلابٌ، وتجارٌ وعمالٌ، وفقراءٌ ومتوسطو الحال، حرت وأنا بينهم وتساءلت، أتراهم قد تنادوا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ولكنني أعلم أن اليوم هو الأول من ربيع الأول وليس الثاني عشر منه، وهذا يعني أن الجمع ليس احتفالاً بالمولد.
أم أنهم قد جاؤوا لسببٍ آخر لا أعلمه، إلا أنني لم أجد من المناسب أن أسأل أحداً عن سبب جمعهم فأبدوا غريباً بينهم، أو جاهلاً لا أعرف سبب اجتماعهم، لكنني قررت مشاركتهم، وحجزت لي مكاناً بصعوبةٍ بينهم، وجلست أنتظر بدء برنامجهم، ولفت نظري تواصل احتشاد المصلين والتصاق صفوفهم وتراصها، ورغم ذلك فقد بقيت جموع الناس تقف حتى بوابة المسجد الخارجية ولم تجد لها مكاناً فيه، فاكتفوا من الحضور بالإصغاء.
تقدم إلى المنصة شيخٌ وقورٌ جليلٌ لم يسبق لي أن رأيته، واتخذ مكانه أمام المصلين، وبدأ حديثه مرحباً بالحاضرين القدامى والملتحقين الجدد، وتمنى للبلد وأهله السلم والأمن والرخاء، والرزق الواسع والسخاء، وشكر الله عز وجل على النعماء في السراء والضراء، وحمده على العطاء والابتلاء، وسأله سبحانه وتعالى أن يرفع عن الأمة البلاء والغلاء وتسلط الأعداء.
ثم بدأ محاضرته، التي خصصها لشرح بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا الجميع خلال درسه إلى الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرح للناس وبين لهم فضل الصلاة على الرسول، ويكفي أن من يصلي على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنه يشترك مع الله سبحانه وتعالى وملائكته في الصلاة والسلام على نبيه، وهذا شرفٌ عظيم تنكسر الأعناق دونه.
صمتٌ شديدٌ خيم على المسجد وران على المصلين بينما الشيخ يلقى درسه عليهم، والكل يرنو إليه ويتطلع، ويصغي إليه ويسمع، وكأنهم يتلقون كلماته ويحفظونها، ويسمعون شروحاته ويرددونها.
عرفتُ من شاشة العرض أن الشيخ الذي جاء ليستمع إليه مئات المصلين في مسجد الحسن بدمشق الفيحاء، كان هو الشيخ الطبيب الدكتور خير الدين الشعَّال، الذي هالني بعلومه، وسلبني حضوره، وأدهشني شرحه، وشدني إليه أسلوبه، ولفت نظري إقبال المصلين عليه وزحفهم إلى مسجده من كل حدبٍ وصوبٍ، ومنهم من جاء إليه من كل فجٍ قريبٍ وبعيد، وقد علم أن اليوم هو يوم الاثنين، يوم درس الشيخ الشعار وحلقة علمه.
رغم ما أصاب سوريا وأهلها، وما حل بها وبأبنائها، وما نزل بها وبمؤسساتها، ورغم الفقر والجوع، والحصار والحرمان، والقصف والغارات والعدوان، فإن الخير ما زال معقودٌ بنواصيها، والرزق في ركابها، والأمل ما زال يسكن قلوب أهلها، ويمنيهم بالغد الآتي والمستقبل الواعد القريب، لتعود الحصن المنيع والقلعة الشامخة والأسوار العالية، وما ذلك على الله بعزيز.
حفظ الله دمشق وعلماءها، وسوريا وأهلها، ومساجدها ودور العلم فيها، وجعلها منارة هدى وجامعة رشاد، وأعاد إليها الأمان الذي كان، والسلم الذي ساد، وكتب لها الخير والسداد، والتوفيق والرشاد، وجعلها بلاد علمٍ وعملٍ، وسلامٍ وأمانٍ، وسخاءٍ ورخاء.
دمشق في 10/9/2024
moustafa.leddawi@gmail.com
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
هل يُقبل صيام الشخص المتنمر؟.. الأزهر يجيب
هل يُقبل صيام الشخص المتنمر؟ سؤال أجابت عنه الدكتورة النجار، عضو مركز الأزهر العالمي للفتوى.
وقالت “النجار” خلال برنامج تليفزيونى إن التنمر من الذنوب العظيمة التي يجب أن يحذر منها المسلم، خاصة في شهر رمضان المبارك، كما ينبغى ان يسعى الجميع إلى التحلي بالأخلاق الحسنة والتقرب إلى الله عز وجل
ولفتت الى أن التنمر لا يقتصر أثره على الكلمات الجارحة، بل قد يؤدي إلى أضرار نفسية جسيمة، تصل في بعض الحالات إلى الاكتئاب الحاد أو حتى الانتحار، خاصة إذا كان الشخص المتنمر عليه غير قادر على الهروب من بيئته، كما هو الحال في المدارس أو أماكن العمل.
وأشارت الى أن الإسلام شدد على ضرورة عدم إيذاء الآخرين،"فلا ضرر ولا ضرار".
ودعت الجميع إلى الانتباه لما يقولونه، فالكلمة قد تترك أثراً لا يُمحى في نفس الإنسان.
وأكدت أن الصيام لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يجب أن يشمل الامتناع عن الأفعال السيئة، ومنها التنمر، حتى يكون الصيام صحيحًا ومقبولًا عند الله.
هل يقبل صيام من لا يصلى ولا يزكىأوضح الدكتور محمد عبد السميع، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، في رده على سؤال، أن الصيام في رمضان مقبول إذا تم وفقًا لشروطه وأركانه، حتى وإن كان الشخص مقصرًا في أداء الصلاة أو الزكاة.
وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال لقاء بأحد البرامج الدينية ، اليوم الأربعاء: "الصيام يقع بشروطه إذا امتنعت عن الطعام والشراب والشهوات من الفجر حتى المغرب، وبالتالي فإنك تحصل على ثواب الصيام."
وأضاف: "لكن إذا كنت مقصرًا في الصلاة والزكاة، فإنك ستخسر ثواب الصلاة والزكاة، وستحاسب على تقصيرك في ذلك يوم القيامة، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: 'أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلاته صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.'"
وأكد أن الصلاة هي أهم أركان الإسلام، وأن التقصير في أداء الصلاة يؤدي إلى ضياع سائر الأعمال، وإذا كانت الصلاة غير صحيحة أو غير مكتملة، فإن باقي الأعمال قد لا تكون مقبولة أيضًا، وستظل محاسَبًا عليها يوم القيامة.
أما بالنسبة للزكاة، فقد أوضح أن هناك نوعين من الزكاة: زكاة الفطر وزكاة المال، موضحا أن زكاة الفطر تكون واجبة في آخر شهر رمضان، وهي سهلة ويمكن إخراجها عن الشخص وعن أسرته، أما زكاة المال، فهي واجبة على الأموال التي يمتلكها الشخص، ويجب إخراجها سنويًا.
وشدد على أن التقصير في الصلاة والزكاة معصية كبيرة، ويجب على المسلم أن يحافظ على أداء هذه الفرائض لكي يحصل على كامل الثواب من الله سبحانه وتعالى.