سواليف:
2024-09-17@09:56:34 GMT

سوريا بلاد الفقهاء وحاضرة العلماء

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

#سوريا #بلاد_الفقهاء و #حاضرة_العلماء

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

ذهبت لأداء صلاة المغرب في مسجد الحسن بدمشق، كعادتي في كل زيارةٍ إلى سوريا، أحرص على الصلاة في مساجدها العامرة، وأتابع دروس العلماء فيها، تماماً كما كنت طوال فترة إقامتي فيها، كما أغلب أهلها وزوارها، الذين يحبون مساجدهم، ويقدرون علماءهم، ويحرصون على حلقات الذكر ومجالس العلم فيها، ويلتزمون أوقاتها ويتواصون مواعيدها، ويتزينون عند كل صلاة، ويصطحبون إليها الصبية والأطفال، يعلمونهم ويعودونهم على أن بيوت الله عز وجل في أرضه، هي بيوت الأمان والسلام والإيمان.

 

مساجد دمشق كثيرة وجميلة، وواسعةٌ كبيرة، وبهيةٌ نظيفةٌ، تشعر فيها بالطمأنينة والراحة، والخشوع والسكينة، ويطمئن قلبك وأنت فيها، وتسمو روحك وتزكو نفسك وأنت تذكر وتقرأ، وتشعر فيها بشوق الوصل وأنت تنتظر إقامة الصلاة، وتجول بعيونك فترى فيها أغلب أحبابك وأعز أصدقائك، ومن غابوا عن ناظريك طويلاً، ومن كانوا يوماً جيرانك، وفيها تجد العائدين من سفرهم، والغائبين لسنواتٍ عن بلادهم، وكأنها تجمع الجميع بين أروقتها وصحونها، وتعيد الكل إلى أحضانها.

مقالات ذات صلة هكذا ننفق المليارات 2024/09/10

فوجئت قبل أن أصل إلى بوابة مسجد الحسن، بمئات الدراجات الهوائية المصفوفة على امتداد الطريق المؤدي إلى المسجد وداخل فنائه، ورأيت المئات من المصلين يزحفون إلى المسجد، يدخلون إليه فرادى وجماعاتٍ، وقد غص بهم الفناء وامتلأت المداخل، واصطف المئات على الأدراج والسلالم، وأغلق المصلون مدخل المسجد، إذ امتلأت باحته الداخلية بالمصلين، ولم يعد فيه متسعٌ لجديدٍ، وبقي المئات واقفين ينتظرون أن تتاح لهم الفرصة للدخول إلى المسجد، أو أن يجدوا لهم متسعاً خارجه، وإن بدا ذلك صعباً لكثرة المصلين والوافدين.

رغم أن المسجد بكل زواياه وأركانه كان يغص بالمصلين، إلا أن الجميع كان صامتاً هادئاً، فلا فوضى ولا اضطراب، ولا صخب ولا جدال، ولا همهمة ولا غمغمة، ولا أحاديث جانبية ولا مزاحمة على الأماكن التي بدت عزيزة ونادرة لكثرة المصلين الذين وصلوا باكراً واحتلوا أماكنهم في كل أنحاء المسجد.

تساءلت بيني وبين نفسي، لماذا كل هذه الجموع، وهم لفيفٌ من الشبان والشيوخ، والصبية والكهول، ممن يبدو على أكثرهم أنهم سراةٌ أغنياء، وأساتذةٌ وطلابٌ، وتجارٌ وعمالٌ، وفقراءٌ ومتوسطو الحال، حرت وأنا بينهم وتساءلت، أتراهم قد تنادوا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ولكنني أعلم أن اليوم هو الأول من ربيع الأول وليس الثاني عشر منه، وهذا يعني أن الجمع ليس احتفالاً بالمولد.

أم أنهم قد جاؤوا لسببٍ آخر لا أعلمه، إلا أنني لم أجد من المناسب أن أسأل أحداً عن سبب جمعهم فأبدوا غريباً بينهم، أو جاهلاً لا أعرف سبب اجتماعهم، لكنني قررت مشاركتهم، وحجزت لي مكاناً بصعوبةٍ بينهم، وجلست أنتظر بدء برنامجهم، ولفت نظري تواصل احتشاد المصلين والتصاق صفوفهم وتراصها، ورغم ذلك فقد بقيت جموع الناس تقف حتى بوابة المسجد الخارجية ولم تجد لها مكاناً فيه، فاكتفوا من الحضور بالإصغاء.

تقدم إلى المنصة شيخٌ وقورٌ جليلٌ لم يسبق لي أن رأيته، واتخذ مكانه أمام المصلين، وبدأ حديثه مرحباً بالحاضرين القدامى والملتحقين الجدد، وتمنى للبلد وأهله السلم والأمن والرخاء، والرزق الواسع والسخاء، وشكر الله عز وجل على النعماء في السراء والضراء، وحمده على العطاء والابتلاء، وسأله سبحانه وتعالى أن يرفع عن الأمة البلاء والغلاء وتسلط الأعداء.

ثم بدأ محاضرته، التي خصصها لشرح بعض أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا الجميع خلال درسه إلى الإكثار من الصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرح للناس وبين لهم فضل الصلاة على الرسول، ويكفي أن من يصلي على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أنه يشترك مع الله سبحانه وتعالى وملائكته في الصلاة والسلام على نبيه، وهذا شرفٌ عظيم تنكسر الأعناق دونه.

صمتٌ شديدٌ خيم على المسجد وران على المصلين بينما الشيخ يلقى درسه عليهم، والكل يرنو إليه ويتطلع، ويصغي إليه ويسمع، وكأنهم يتلقون كلماته ويحفظونها، ويسمعون شروحاته ويرددونها.

عرفتُ من شاشة العرض أن الشيخ الذي جاء ليستمع إليه مئات المصلين في مسجد الحسن بدمشق الفيحاء، كان هو الشيخ الطبيب الدكتور خير الدين الشعَّال، الذي هالني بعلومه، وسلبني حضوره، وأدهشني شرحه، وشدني إليه أسلوبه، ولفت نظري إقبال المصلين عليه وزحفهم إلى مسجده من كل حدبٍ وصوبٍ، ومنهم من جاء إليه من كل فجٍ قريبٍ وبعيد، وقد علم أن اليوم هو يوم الاثنين، يوم درس الشيخ الشعار وحلقة علمه.

رغم ما أصاب سوريا وأهلها، وما حل بها وبأبنائها، وما نزل بها وبمؤسساتها، ورغم الفقر والجوع، والحصار والحرمان، والقصف والغارات والعدوان، فإن الخير ما زال معقودٌ بنواصيها، والرزق في ركابها، والأمل ما زال يسكن قلوب أهلها، ويمنيهم بالغد الآتي والمستقبل الواعد القريب، لتعود الحصن المنيع والقلعة الشامخة والأسوار العالية، وما ذلك على الله بعزيز.

حفظ الله دمشق وعلماءها، وسوريا وأهلها، ومساجدها ودور العلم فيها، وجعلها منارة هدى وجامعة رشاد، وأعاد إليها الأمان الذي كان، والسلم الذي ساد، وكتب لها الخير والسداد، والتوفيق والرشاد، وجعلها بلاد علمٍ وعملٍ، وسلامٍ وأمانٍ، وسخاءٍ ورخاء.

دمشق في 10/9/2024

moustafa.leddawi@gmail.com

المصدر: سواليف

إقرأ أيضاً:

كيف السبيل إلى رؤية رسول الله ؟

قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق إن السبيل إلى رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام كثرة قراءة سيرته العطرة.

دعاء المولد النبوي 2024 المولد النبوي.. وصف الجسد الشريف لسيدنا محمد

كيف السبيل إلى رؤية حضرة سيدنا رسول الله ﷺ ؟ 

وتابع جمعة اننا عندما نقرا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، سنجد أنفسنا أمام خلقٍ عظيم، وأمام إنسانٍ كامل، وأمام بشر يسعد من خلفه إذا أراد أن يلتمس خطاه؛ من شدة ما كان يعبد ربه بإخلاص وعن حق، في سهولةٍ ويسر لا تكون إلا إذا كان موفقًا من عند ربه.


واكد جمعة أن سيدنا رسول الله ﷺ الكلام عنه لا ينتهي، فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ، وأنه خير خلق الله كلهم
لكن،وكيف تدرك في الدنيا حقيقته، قومٌ نيام تسلوا عنه بالحُلُ.


وأضاف جمعة أن هذا شهر الأنوار، فأكثروا فيه من الصلاة على النبي المختار ﷺ ؛ فإن كل عملٍ بين القبول والرد إلا الصلاة على سيد الخلق؛ لأنها تتعلق بالجناب النبوي الشريف ﷺ ، وهي تزيد في الأرزاق، وبسببها يغفر الله الذنوب، وبسببها يوفق الله للأعمال، وبسببها يرد عليك رسول الله ﷺ سلامك، وبسببها تزداد مساحة نصيبك في الجنة، وبسببها يأتي الخير كله..؛ فأكثروا من الصلاة على النبي المختار.
أكثروا من الصلاة على النبي ﷺ في كل وقتٍ وحين .. الهجوا بها في الصبح والمساء فرادا وجماعات .. في بداية الدعاء، وفي بداية الأعمال وفي خواتيمها

 

وشدد جمعة على ضرورة تعليم الأولا حب رسول الله ﷺ ؛ فحب رسول الله أساس الإيمان، ورسول الله ﷺ ركن من أركان الإسلام، لا يدخل أحدهم الإسلام بشهادة أن (لا إله إلا الله) إلا إذا ضم إليها (محمد رسول الله).


وانتهى جمعه إلى أن مقدار نبينا عظيم، وهو الذي قال عن نفسه: (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ. وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشْفَّعٍ) مقدار نبينا عظيم، لم يعظّمه أحد في الناس إنما الذي عظّمه رب السماوات والأرض؛ فصلوا على النبي ﷺ في كل وقتٍ وحين .

مقالات مشابهة

  • التوجيه المعنوي العسكري عبر الأزمان
  • النهج النبوي حارب الأنانية والرأسمالية التي يتغول فيها الأغنياء على حساب الفقراء
  • رسالة خاصة من السنوار إلى الحوثي بعد وصول صاروخ فرط صوتي إلى إسرائيل.. ماذا قال فيها؟
  • الإفتاء توضح حكم قول "حرمًا" بعد الصلاة
  • إدخال 37 ألف لتر وقود لمدينة غزة وشمالها
  • عمر هاشم: هناك فرحة عظمى بجميع أنحاء الأرض بالمولد النبوي الشريف
  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • الحوثيون ينقلون مقاتلين إلى سوريا!
  • الحوثي: تدمير المسجد الأقصى أصبح هدف مٌعلن للصهاينة
  • كيف السبيل إلى رؤية رسول الله ؟