صلاح فرج الله.. مأساة وطن
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
صلاح فرج الله.. مأساة وطن
صلاح شعيب
ضمن تأثرنا كل ساعة بأحوال مواطنينا أثناء الحرب، تأثر أكثرنا للغاية بعد مشاهدة البروف صلاح الدين فرج الله، وهو بتلك الهيئة التي بدا فيها نزيلاً بدار إيواء المسنين في كسلا، وأي دار؟!. تحدث الرجل القامة عن معاناته المرضية، وظروف النزوح التي أبعدته عن حبيبته أمدرمان.
الصديق صلاح من الذين نذروا حياتهم للتنوير الثقافي، والفني، والاجتماعي، والرياضي. تعلمنا منه الكثير من المعارف. والأهم من كل هذا تعلمنا عنده المثابرة في العمل الثقافي، وهو المتبتل في محرابه. لا أولوية له في كل حياته التي عاشها بين مصر والسودان أسبق من الالتقاء بالناس لإسماعهم ما يحمل من علوم، والاستماع لرؤاهم. وصلاح مثقف سجالي من طراز فريد لا يني من الوصول إلى الناس كافة في أي بقعة في البلاد لينقلهم إلى عمق الحياة.
ضمتنا مع صلاح الدين منتديات ثقافية، ورياضية، واجتماعية. وكذلك رفقة إلى منازل أصدقاء، ومثقفين دون استئذان. وتلك عادته دائماً، حيث يحثنا على تفقد الأصدقاء، والمبدعين، بشكل فجائي محبب عنده. فما إن نطرق باب أحدهم إلا وتلقف صلاحاً بصدور رحبة، وأكرمونا بوفادته. ومرة دخل بيتنا، وتعالى حماسه في الحديث عن دور عبدالله عشري الصديق في مثاقفته السودانوية مع مدرسة الهاشماب. وما هنيهة إلا وأتى عمنا إبراهيم زرقان الطاعن في السن ليقف أمامه، ويباغته بالسوال: بالله أنت تتذكر ناس محمد عشري الصديق؟!. فضحك صلاح بصوته العالي الساخر، وأجلسه. وبعد حين تحولت الجلسة إلى مناظرة بينه وصلاح حول أمدرمان الستينات، وقهوة الزيبق، وقهوة يوسف الفكي، والترام وديمتري، وقرعم، وسينا برميل، وأسطوانات إبراهيم عبد الجليل عصفور السودان، والذي ألف له صلاح كتاباً بديعاً. في تلك الجلسة التي امتدّت طوال الليل لذت مع صديقي الزبير سعيد إلى الصمت فيما يحومان بنا – صلاح وعمي – في تاريخ أمدرمان الاجتماعي.
في سفرياتنا إلى بعض مناطق السودان أدركنا صلاحاً بحق، حيث كان فيها دائماً نجماً متألقاً في الحديث الأنيق العميق، وهو ينتقي عباراته بشكل جيد. فضلاً عن ذلك فقد شهد منزلنا ومنزل الأستاذ الزبير، ود. طلال دفع الله عبد العزيز في الحصاحيصا، مسامرات ثقافية ماتعة. فيها يطوف بنا صلاح في جولات من المرح الموشى بالمعرفة، ويجادل بتجاربه المتعددة في هذا المجال، وضحكته المجلجلة عنصر أساسي في أنسه، فيخلط أجواء المسامرة بالنكتة، والسخرية بالشعر، والنقد بالمرح.
الذي لا يعرفه الناس عن صلاح هو أنه كذلك رياضي مطبوع، وعمل مدربا معتمداً لمدربي كرة القدم باتحاد الخرطوم المحلي. اصطحبنا ذات مرة إلى تمرين المدربين الأسبوعي باستاد الخرطوم وهو في كامل بذلته الرياضية ليجري معهم ثم يحاضرهم عن دور المدرب، وتفهمه لنفسية اللاعب والجمهور، واهتمامه الأبوي بهما، موضحاً أن المدرب هو مثل أم العروس في محفل المباراة، فهمته الفائقة هي التي تقود إلى النصر.
-٣-
لصلاح في مصر – كما حكي لي سمينا صلاح أبو جبر، وكذلك الصحافي والكاتب محمد يوسف وردي – قصص، وحكايا أخرى. يجدانه في سحابة يومه موزعاً بين أروقة الجدل في الجامعات، ومندساً مرات في تجاويف مكتبة مدبولي ليقرأ حزمة كتب يعود إليها بين الفينة والأخرى ليكمل فصولها. ذلك نظراً لحاجات الطلاب الضيقة في الحصول على مال كاف أثناء التحصيل الخارجي. فهو يقرأ في وجوده في المكتبة خمسة فصول أولى لخمسة كتب ثم يعود في كل مرة ليفعل ذات الشيء. ويداوم على هذا المسلك المثابر حتى ينهي قراءة خمسة كتب في شهر واحد. وبتلك الخاصية في نهمه إزاء الاطلاع عرفه العم مدبولي وصادقه. وكان ينتظر عودته. وعندما يختفي صلاح يسأل عنه السودانيين الذين يزورون المكتبة العتيقة في وسط البلد.
عند زيارتي الأخيرة للبلاد لم أتمكن من اللقاء به كما هي عادتي في كل مرة حيث أضعه في قائمة زيارات الأهل. فمثل صلاح يستحق مقام الأهل لكونه ينضح محبةً، وحرصاً على معارفه. سألت عنه الزبير فقال لي إنه يسافر الاثنين إلى جامعة في شندي ليحاضر الطلاب. ويعود إلى أمدرمان ثم يغادر الأربعاء إلى جامعة القضارف. وفي بقية الأيام تجده محاضراً في شرق النيل، أو النيلين. وصلاح ودود للغاية بطلبته.
أتذكر في ندوة في عطبرة كان يترأسها لمناقشة دور القصة القصيرة النسائية في السودان. ولما حمي وطيس النقد لعمل قدمته الأستاذة نفيسة الشرقاوي انبرى صلاح فقال: رفقاً بالقوارير فضجت الندوة بالضحك وشاركهم الضحك أكثر. فقد امتص النقد المتحامل وطالب بألا تتم مقايضة أعمال النساء الأدبية بمعايير النقد الصارمة. وأضاف أن تشجيعهن الدائم بدلاً عن النقد الحاد سيشجع المزيد من النساء على الدخول في محراب القصة القصيرة، والرواية، وهن قليلات أصلاً عنده. فصفقت له النساء الحاضرات طويلا لكونه نصر حضورهن في المشهد الثقافي مهما تعاظلت البدايات عليهن. فالمستقبل دائماً مشرق أمام حضور النساء في المهن والساحات التي يحتكرها الذكور. وبعد عقدين من ذلك المحفل رأينا كيف أن عدد الروائيات السودانيين قد تضاعف. بل حزن على الجوائز الأولى لمسابقات مركز عبد الكريم ميرغني، وخارج السودان حتى.
-٣-
أسرة صلاح أمدرمانية عريقة. وفي الأسرة نوابغ ونجوم. فالعم فرج الله كان صول مدرسة الأهلية بجديته، وصيته الواسع لدى خريجي المدرسة. وشقيقه النعيم فرج الله كان بطلاً، ومدرباً للملاكمة، ومن الرواد الذين عملوا في البريد والبرق، وكذلك عمل مدرساً في الأحفاد، وترأس قيادة عدد من الأندية الرياضية. والأسرة جميعها تضم منارات أمدرمان السامقة في التصاهر السوداني الذي جمع فأوعى. بل لا يستقيم وجود للراسخين من أهل العباسية أكثر من رسوخ أسرة فرج الله يعقوب التي امتدّت عبر تاريخ أمدرمان التساكني لتجمع شسوع السودان في البقعة المباركة.
الأكاديمي صلاح الدين فرج الله عشق الأنثروبولوجيا، والسيوسيولجيا معا، ويجمع بينهما في تفسير الظاهرات الثقافية، والاجتماعية. ولذلك عندما يتحدث ناقداً للأدب فإنه يستعير المفاهيم التي تشربها لعلماء الاجتماع أمثال سبنسر، ودوركايم، وابن خلدون، وماكس فايبر، ليخلص إلى أحكامه التي يراها دائما استقرائية مفتوحة على أفق السجال الأكاديمي بمنهجيات أخرى. وصلاح في هذا الضرب من التحصيل العلمي بديع حين يتناول العمل الروائي، وقصص علي آلمك، وعيسى الحلو، أو حتى حين يستقريء شعر الحقيبة، وينعطف وهو في أوج حديثه لتحليل مقتل زنقار بكثير من الربط بين حداثة الفنان وليبراليته والفقه المحافظ الذي يعزز كلاسيكية النظر لشؤون، وأحوال الفنان، وتقلبات شخصيته. ولعله في كتابه عن عصفور السودان استخدم ذات المنهجية الاستقرائية لبلورة الفن كظاهرة اجتماعية في الأساس قبل أن تتحول إلى ظاهرة إبداعية. وهو هنا يختلف عن علماء اجتماع يرون أن مفاهيم الفن هي التي تخلق الاجتماع، وليس العكس.
نتمنى أن نهتم جميعاً نحن الذين عرفنا صلاح الدين فرج الله إنساناً معرفياً من الدرجة ونجماً من نجوم التنوير الثقافي أن نتكاتف للوقوف بجانبه. وما أقسى جور، وجحود الدولة. إذ تحتفي بأنصاف المثقفين والمعلمين، وتصرف عليهم – وهم في كامل صحتهم – صرف من لا يخشى الفقر بينما يعاني علماء، ومثقفو البلد الذين أفنوا زهرة شبابهم لخدمتها بصدق، وتجرد. وما قدمه صلاح فرج الله جدير بالاحترام، والتقدير، ويستحق العرفان، لا من الدولة فحسب، وإنما منّ سائر الناس الذين يقدرون العلماء، ورموز المجتمع.
فصلاح، وهو يتحدث عن أهواله في النزوح، يكاد يحول حديثه المقتضب عن مأساته إلى محاضرة عن مأساتنا الوطنية. فشكواه فضحتنا نحن أكثر من كونها تتضمن الحاجة إلى العون الإنساني لرد غائلة الزمان. وعندئذ فهو قد تركنا للجدل حول ما إذا كانت دولتنا تاريخياً تقيم المثقف العضوي المسالم أم المثقف الانتهازي. الوسومالمنتديات صلاح شعيب مأساة صلاح فرج الله
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: المنتديات
إقرأ أيضاً:
مأساة غزة.. امتحان أسقط عناوين الزيف والخداع
يمانيون/ تقارير
في العتمة، حيث كان الأطفال لا يزالون يصرون على مواجهة الأيام المقبلة بالأمل، بالرغم من الحقائق المريرة حولهم.. فجأة، تحولوا جميعاً إلى غارقين في بحر من الدموع، يتساءلون عن سبب كل هذا الحزن، وعما إذا كان يسمح للأمل أن يُهدى من قلوب من لا يعرفون قيمة الحياة؟ الذين لم تخترق طائراتهم حاجز الصوت في السماء، بل كانت تخترق أحلام الأبرياء في أنفسهم الصغيرة، لتقطع خيوط الأمل في عالمٍ يحلمون فيه بالأمان.
في أجواء السحر الرمضاني، وبينما كانت العائلات في غزة تستعد لسحور يوم جديد، يرافقه أمل يلوح في الأفق ربما يبشر بصفاء نسبي وسط المعاناة طويلة الأزل. حينها، كان الأطفال على سرائرهم يحلمون بنسمات الربيع، وكانت الأمهات يجهزن المائدة بإمكانات متاحة وسط آمال بسيطة، دون أن يدركوا أن ثمة لحظات مليئة بالآلام قادمة.
فجأة، كل شيء بدأ يتغير.. اخترقت أصوات الطائرات سماء غزة؛ نذير شؤم بحلول مصير مؤلم. لقد انتهك العدو الإسرائيلي وقف إطلاق النار، وبدأت سلسلة غارات جوية ضمن المتوقع كالعادة. وخلال سحور تلك الليلة، نزل رعب القذائف من السماء ليحول الأحياء المأهولة إلى مقابر؛ تصدح في أجوائها أصداء نواح الألم والأنين تخرج من بين ركام ما تتركه الغارات الوحشية من أطلال الدمار.
تحت أزيز الطائرات
وفي ذلك الفجر المشؤوم، كانت الإصابات تتجاوز الأجساد لتدمي الأرواح، وتترك آثارًا من الحزن لا تمحى؛ عائلات كانت تجتمع حول مائدة إفطار الصغار وسحور الصائمين، أصبحت منقسمة بين فراق ووجع؛ بعضهم فقد الأب، وبعضهم فقد الأخت، والبعض الآخر لم يعرف بعد ماذا حل بأحبابهم؟ برزت الولايات المتحدة لتبرر هذا التصعيد للعدوان الصهيوني بقولها: “إن إسرائيل استشارتها قبل استئناف الحرب الشاملة على القطاع”.
هكذا، جعلت أمريكا من جحيم الحروب مجرد لعبة سياسية على طاولة المفاوضات. بينما كان “بنيامين نتنياهو”، المجرم الذي يخفي وجهه تحت طيات قراراته العسكرية، يخرج ليقول بلهجة ملأتها السخرية: “إن المفاوضات بشأن وقف إطلاق النار ستستمر، ولكن تحت النيران”.
وخلال الأسبوع الماضي فقط، تواصلت معاناة الإنسانية في غزة مع العثور على جثث خمسة عشر عاملًا إنسانيًا في مقبرة جماعية في رفح، جنوب القطاع. كان من بينهم مسعفون من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني وفرق الدفاع المدني، بالإضافة إلى موظف من الأمم المتحدة. بدت الجثث تحمل آثارًا مروعة تتحدث عن فصول من الألم والمعاناة، حيث وجدت مقيدة الأيدي ومع علامات إصابات في الرأس والصدر، وبعضها تعرض لقطع الرأس.
وُصفت هذه الأحداث بـ”أبشع جرائم الإعدام بوحشية”، حيث قامت قوات العدو الإسرائيلي بقصف سيارات الإسعاف وشاحنة إطفاء ومركبة تابعة للأمم المتحدة أثناء استجابة العاملين لنداء استغاثة لإنقاذ الأرواح.
وظهرت الأعداد المتزايدة من الجثث في مقبرة جماعية، دفنت تحت سيارات الإسعاف المحطمة، بينما قدم العدو تبريرًا بادعاء استخدام هذه المركبات لأغراض عسكرية، وهو ما نفته حماس والجهاد الإسلامي بشدة. وأكدت الأمم المتحدة أن العاملين قُتلوا أثناء ارتداء زيهم الرسمي، وهم في طريقهم لإنقاذ أرواح المدنيين.
وفي “خان يونس”، حيث كانت العائلة الفلسطينية النازحة تستعد لحفل زفاف، وقعت مأساة أخرى. الغارة الجوية التي استهدفت منزلهم أسفرت عن استشهاد 12 فردًا من الأسرة، في حين كان الجميع يحتفلون بمولود جديد ويستعدون لمناسبتهم السعيدة. تحدثت بسمة القاعود، إحدى قريبات الضحايا، بمرارة قائلةً: “كنا نستعد في منزلنا لحفلة زفاف، ونبارك لوالدتنا مولدها ونطمح ليوم سعيد”.
انتصبت بسمة تحكي قصص الضحايا، مشيرة إلى أنهم أشخاصًا عاديين. كان ياسر مُعلّمًا، وعبود يعمل في مجال التجميل، وإسماعيل كان موظفًا في السلطة الفلسطينية سابقًا. “هؤلاء أبنائي مدنيون، منهم عروس مجهزة لحفل زفاف، وعريس مخطوب امرأة في مصر، ماذا عساي أن أقول أيضًا؟ أحد أبنائه متزوج وزوجته حامل.”
في وقت يواصل فيه العدو الإسرائيلي ارتكاب الإبادة الجماعية أكدت بسمة القاعود، وهي من الناجين من القصف، أن كل الضحايا هم مدنيون، من بينهم فتاتان عمرهما ثلاثة أشهر وطفلة أخرى في الثالثة من عمرها. ذكرت بسمة، مع الدموع تملأ عينيها، أسماء الضحايا: “إحداهن كانت حاملاً، والثانية مخطوبة، والثالثة متزوجة حديثًا. كانت أفراحهن متوالية، لكن الحرب جعلتها أحزانًا مؤلمة”.
أما الشاب مصطفى الجمل، خطيب تسنيم، إحدى الضحايا، فقد عبر عن ألمه بعد فقدانه “لأميرتي”، كما كان يسميها. قال مصطفى: “خطبتُ خطيبتي خلال الهدنة الأخيرة. وهي تدرس التمريض مثلي. كانت حياتنا رائعة، كانت تجمع بيننا علاقة جيدة. كنا نخطط لمستقبل زاهر، لحياة مشتركة. لكن أحلامنا تحطمت عندما أدى الهجوم الإسرائيلي إلى مقتل تسنيم”. واسترسل قائلًا: “لقد كان الاحتلال عائقًا أمام كل ما أردنا القيام به”.
تظل هذه اللحظات المروعة تجسد تمامًا كيف تؤثر الحروب على حياة الأفراد، حيث يتحول الفرح بحسب أحداث مأساوية تعصف بالأرواح، وتؤكد على ضرورة اتخاذ المواقف العملية في وجه الإجرام الصهيوني. إذ إن كل شهيد في غزة يروي قصة إنسانية، وكل بهجة مفقودة تحكي عن أحلام غير محققة، تضيء الأفق بسؤال كبير: متى ينتهي التخاذل الدولي؟
احصائيات مرعبة
وفي إحصائية جديدة صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، ارتفعت حصيلة الشهداء والاصابات منذ 18 مارس 2025 إلى (1,309 شهداء، و3,184 إصابة). و ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 50,669 شهيدا و115,225 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023م.
أفادت بلدية غزة بأن المدينة تعاني أزمة عطش خانقة بسبب استهداف العدو لخطوط المياه، مما تسبب في تدمير كبير في شبكات المياه والآبار، وهنا ناشدت المنظمات الإنسانية والجهات الدولية بضرورة الضغط على العدو لاحترام الحقوق المدنية للسكان والسماح لفرق الصيانة بإعادة تشغيل خط “ميكروت”
الجوع والموت.. مأساة مزدوجة
ما يركز عليه العدو الصهيوني هو السعي للاستيلاء على مساحات واسعة من أراضي فلسطين ودول المحيط، ومن أجل ذلك وسع العدو هجومه في غزة يوم الأربعاء، 2 أبريل 2025، مُعززا عملياته العسكرية بهدف السيطرة على “مناطق واسعة” من الجيب الفلسطيني.” وزير الدفاع” في الكيان الإسرائيلي “يسرائيل كاتس” صرح بأن الهجوم يأتي “لسحق وتنظيف المنطقة من ساكنيها والبنية التحتية للاستيلاء على مناطق واسعة ستضاف إلى ما يسمى بالمناطق الأمنية لإسرائيل”.
كما واصل العدو الإسرائيلي عملية ترحيل الفلسطينيين من غزة، حيث أعلنت ما تسمى بوزارة الداخلية الإسرائيلية يوم الثلاثاء، أن مئات من سكان غزة، برفقة دبلوماسيين ألمان، تم نقلهم جواً من جنوب فلسطين المحتلة إلى مدينة لايبزيغ. هذا الإجراء عزز من شعور القلق والهلع بين سكان غزة، الذين يعانون من فقدان الحماية والأمان، في ظل تصاعد الهجمات والعمليات العسكرية.
وفي جباليا، شمال قطاع غزة، أدى قصف إسرائيلي على عيادة تابعة للأمم المتحدة تؤوي نازحين فلسطينيين إلى استشهاد 22 شخصًا على الأقل. وصفت حركة حماس هذا العمل باستمرار الإبادة الجماعية وانعكاس لتجاهل المجرم بنيامين نتنياهو للقوانين الدولية والأعراف الإنسانية. ورفضت حماس المزاعم الإسرائيلية بأن العيادة كانت تستخدم كمقر لكتيبة جباليا التابعة لها، مُعتبرةً هذه الادعاءات افتراءات صارخة تهدف إلى تبرير هذه الجريمة البشعة.
إلى جانب القصف، شدد العدو الإسرائيلي حصاره على غزة، حيث أغلق معابر غزة مانعا إدخال المساعدات الإنسانية. وأكد برنامج الأغذية العالمي أن جميع المخابز المدعومة في جنوب القطاع ستغلق أبوابها بسبب نفاد الدقيق، مما سيؤدى إلى تفاقم الأزمة الإنسانية. ومع استمرار المجازر والحصار، يواجه سكان القطاع مشهدًا قاسيًا من الألم والمجاعة.
في قطاع غزة، حيث يعيش أكثر من مليونين و400 ألف نسمة تحت القصف والحصار، تعتمد الغالبية العظمى، بنسبة تتجاوز 80%، على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم اليومية. ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي، تتفاقم المعاناة الإنسانية بشكل غير مسبوق، لتصبح غزة مسرحًا لأبشع الجرائم التي تهز الضمير العالمي.
وأصدرت مؤسسات حقوقية ومنظمات إغاثة إنسانية تقارير تفيد بأن الوضع في غزة ينذر بكارثة إنسانية شاملة. فالأوضاع الإنسانية في تدهور مستمر، من تفشي الأمراض ونقص الغذاء، ليؤكد المقرر الأممي الخاص بالحق في الغذاء أن عدد من سيموتون في غزة بسبب الجوع سيزيد عمن سيموتون بسبب القصف. يشير ذلك إلى معاناة مستمرة تحاصر الفلسطينيين في ظل غياب المؤسسات الدولية التي تكتفي بإصدار البيانات.
ختاماً
إن التصعيد الصهيوني المستمر على الأراضي الفلسطينية، بات يشكل رمزًا لألم طويل عانى منه الشعب الفلسطيني، حيث تحولت آمالهم بحياة كريمة إلى كابوس مفزع. هذه الأحداث تُسقط الضحايا، لكن الحكايات الإنسانية التي تخرج من قلب هذه المأساة يجب أن تُروى وتُسمع كما يجب أن تنتهي فالسكوت عنها له تبعات على الحكومات والشعوب.
هذه القصص الإنسانية، التي ترويها عيون الأطفال الأيتام وأصوات الأمهات الأرامل والثكالى، ليست مجرد سرد لما حدث في ليلة 18 مارس أو ليلة 4 من أبريل، بل هي تجسيد للصمت العالمي ووحل الانحطاط العربي والإسلامي، وحيث القلوب تتحدى الألم، والروح تصمد أمام أعاصير الإجرام الصهيوأمريكي. إنه الجهاد في مواهة الطغيان الإسرائيلي الذي، يتجاوز في وحشيته مأساة كل صراع عرفته البشرية.
غزة، التي تعيش تحت القصف والحصار، تروي كل يوم قصصًا جديدة عن الألم والصمود. ومع استمرار العدوان، يبقى السؤال: إلى متى ستظل هذه المأساة الإنسانية دون حل؟ ولماذا الخوف من الكيان الصهيوني الجبان, وما يجب أن يعلمه الجميع أن الكيان الإسرائيلي لم يوغل في إجرامه إلا بالصمت المخزي العالمي، فهذا الكيان لا يردعه إلا القوة.
نقلا عن موقع أنصار الله