الجماعات المنحدرة من غرب أفريقيا (الفلاتة) في ولاية القضارف
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
"الجماعات المنحدرة من غرب أفريقيا(الفلاتة) في ولاية القضارف: عملية الاستقرار والاندماج في المجتمع المحلي"
ملخص للبحث
د. الأمين أبو منقة، ود.كاثرين ميلر.
"ترجمة د. محمد عبد الله الحسين"
هذه ترجمة لبحث أجراه د. الأمين أبو منقة بالاشتراك مع د. كاثرين ميللر. يوجد البحث منشوراً في موقع academia.edu) ) بتحت عنوان:
A.
تم نشر نسخة منقحة من هذا الموضوع في عام 2005 في.ك.ميلر(محرر) 2005، الأرض والعرق والشرعية السياسية في شرق السودان. القاهرة، سيديج، 375-424.
نبذة عن المؤلفَين:
* البروفيسور الأمين أبو منقة محمد: تخرج في جامعة الخرطوم كلية الآداب قسم اللغة الفرنسية وله ماجستير في اللغات السودانية والأفريقية ودكتوراه في اللغات الأفريقية من جامعة ماربورج بألمانيا الغربية ويعمل حالياً رئيس قسم اللغات السودانية الأفريقية. يجيد اللغة العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الألمانية، ولغة الهوسا، واللغة الفولانية، وغيها من اللهجات المحلية. يشغل رئيس قسم اللغات السودانية الأفريقية، في معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية، بجامعة الخرطوم منذ عام 1991. يشغل أيضاً منصب رئيس المجلس القومي للتراث الثقافي وترقية اللغات، له العديد من الدراسات والمؤلفات والمقالات المنشورة.
*البروفسير كاثرين ميلر:
هي أستاذة في جامعة إيكس مرسيليا، في فرنسا، وتعمل مديرة لمعهد البحوث والدراسات حول العالم العربي والإسلامي، وهي باحثة متخصصة في علم اللغة الاجتماعي، ومهتمة بدراسة العلاقة بين اللغويات والإثنيات، والهوية. أجرت عدة أبحاث ودراسات حول علم اللغة الاجتماعي الحضري للعالم العربي. لديها العديد من الأبحاث المتعلقة باللغة واللهجات في العالم العربي خاصة منطقة المغرب العربي ومصر والسودان حيث أجرت العديد من الدراسات، من بينها دراسة حول عربي جوبا.
**********************
ملخص البحث:
ركز البحث على موضوعين رئيسيين، وهما الأنماط التاريخية لهجرة واستقرار جماعات غرب أفريقيا في منطقة القضارف، والموضوع الثاني هو موضوع الهوية والاندماج في المجتمعات المحلية. يحاول البحث الإجابة عن متى، وكيف استقرت هذه الجماعات في منطقة القضارف، وعن مدى ارتباطهم بجماعات غرب أفريقيا الأخرى في منطقة النيل الأزرق، وعلاقاتهم مع الجماعات العربية المحلية، ودور الإدارة الاستعمارية في هجرة واستقرار هذه الجماعات.
ليس هناك تاريخ محدد مُتَّفق عليه حول بداية هجرة واستيطان جماعات غرب أفريقيا في السودان. ولكن هناك أدلة على أنه يمكن إرجاع استيطان الفولاني والكانوري في دارفور إلى عدة قرون، إلا أن التاريخ المبكر لوجود جماعات غرب أفريقية في السودان يتطلب مزيدًا من التقصّي. لقد لعب العلماء المسلمون من جماعات غرب أفريقيا دورًا مهمًا في أسلمة غرب السودان، وقد تم اندماج العديد من تلك الجماعات بالكامل، أو احتلوا مكانةً بارزة في هذه المناطق. تعتبر الأسباب الدينية عاملاً مهمًا في عمليات الاستقرار لمجموعات غرب أفريقيا، وذلك من خلال سعيهم للانضمام إلى شيوخ دينيين محددين. لعبت العائلة والشبكات العشائرية دورا كبيرا في عملية الاستقرار، حيث كان التجمع العائلي أو العشائري هو الأساس في معظم المستوطنات.
أوضح البحث المسارات الرئيسية لهجرة هذه الجماعات إلى السودان، مع التأكيد على أهمية دور الشبكات والتجمعات الإثنية النشطة في استقرار تلكم الجماعات في منطقة النيل الأزرق والمنطقة الشرقية(القضارف). تعتبر جماعات غرب أفريقيا ثاني أهم مجموعة إثنية في المنطقة من حيث الثقل السكاني. لم يقتصر النشاط الاقتصادي لهؤلاء الجماعات على العمل الزراعي فحسب، بل شاركوا في مختلف الأنشطة الاقتصادية، كما انهم يتواجدون في كل من المراكز الحضرية والقرى الريفية.
تؤكد الدراسة على أهمية الفترة الاستعمارية في هجرة هذه الجماعات، حيث استقر معظمهم خلال تلك الفترة، وأصبحوا الآن مندمجين مع الجماعات الإثنية الأخرى، ومشاركين في المشكلات العامة مثل التغيرات البيئية، ومشاكل تدهور التربة والمراعي، ومشكلات الزراعة الآلية. ومع ذلك، فإنهم يواجهون مشكلات خاصة بسبب وضعهم وخلفيتهم التاريخية.
تنقسم جماعات غرب أفريقيا إلى أربع مجموعات إثنية رئيسية، وهي: الفولاني، الهوسا، الكانوري(أو البرنو)، والصونغاي (الزبارما). تنتمي كل من هذه الجماعات إلى عائلات لغوية مختلفة، وقد تشكلت هذه العائلات اللغوية من خلال عمليات اختلاط واندماج تاريخية. تنتشر هذه الجماعات في جميع أنحاء السودان، مع تركيز خاص في منطقتين رئيسيتين: وسط السودان والنيل الأزرق.
يصعب تقييم الثقل السكاني لهذه الجماعات بسبب عدم التمييز في السجلات السكانية، وأيضاً بسبب الاندماج مع الجماعات المحلية. ومع ذلك، تشير السجلات البريطانية إلى أن عددهم كان يقدر بحوالي 21,004 في عام 1912، و50,000 في عام 1918، و80,000 في عام 1924. تم تقدير هذه الجماعات في تعداد عام 1956، بين 600,000 و900,000 من إجمالي عدد السكان البالغ 10 ملايين، أي بنسبة تعادل حوالي 8.8% من السكان. في تعداد عام 1993، تم تقدير عدد السكان المنحدرين من غرب أفريقيا بـ 1,431,338 نسمة، أي حوالي 7.42% من إجمالي سكان شمال السودان. وكانت أعلى النسب في ولايات سنار والنيل الأزرق وجنوب كردفان والقضارف وكسلا.
يتناول البحث كذلك أنماط الاستيطان من خلال تحليل الخلفية التاريخية لأنماط الهجرة والاستيطان لكل واحدة من المجموعات الإثنية. تجدر الإشارة إلى أن التقسيم الإثني يعتبر ملتبسًا، حيث يمكن لأعضاء الجماعات المختلفة الانضمام إلى مستوطنات أخرى لمجموعة مختلفة. فيما يتعلق بأنماط الاستيطان لهذه الجماعات فهي تتبع الخطوط العشائرية، بالرغم من أن بعض الجماعات لم تتبع نظامًا واضحًا في الاستيطان. كان أسلوب إنشاء المستوطنات لجماعات غرب أفريقيا يبدأ بإقامة مواقع إقامة مؤقتة أولاً، وذلك بالتنسيق مع السلطات المحلية، وعادة يتم إنشاء المستوطنات على ضفاف الأنهار تحت قيادة الشيخ.
تعتبر مجموعة "الهوسا" حسب التقديرات أكبر مجموعة من بين جميع جماعات غرب أفريقيا في السودان، وربما هي أكبر مجموعة من مجموعات الهوسا في الشتات، في العالم. وتتواجد قبيلة الهوسا بشكل رئيسي في المدن، وفي الأراضي المزروعة في السهول، وفي المشاريع المروية، والآلية في غرب، ووسط وشرق السودان. وهم معروفون كمزارعين وصيادي أسماك، وعمال يدويين، وتجار صغار.
ويمكن تقسيم الفولاني إلى: فولاني رعويين (أصحاب مواشي)، وفولاني حضريين. وتوجد مجتمعات الفولاني الرعوية في دارفور، وكردفان، والنيل الأزرق، وفي منطقة كسلا- القضارف. توجد مستوطنات الفولاني الرئيسية على امتداد الأنهار، في المدن أو القرى. في النيل الأزرق (سنار، مايرنو، الشيخ طلحة، الدمازين، الروصيرص)، وفي النيل الأبيض ونهر الرهد، وعطبرة، وسيتيت في منطقة كسلا-القضارف.
تعتبر مجموعة الكانوري (البرنو) مجتمعًا قديمًا، لا سيما في غرب السودان. يمكن العثور على أحياء الكانوري (البرنو) مثلها في ذلك مثل أحياء الهوسا، في العديد من مدن غرب، ووسط، وشرق السودان. يُعتَقد بأن البرنو هم من بين أوائل السكان وي مدينتي القضارف، وفي كسلا. لقد تم تعريب معظم مجموعات الكانوري(البرنو) في المستوطنات القديمة، بالكامل.
أما مجموعة الصونغاي (الزبرما) فهي أصغر جماعات غرب أفريقيا في السودان، يتكون المتحدثون بلغة الصونغاي في السودان من مجموعتين متميزتين اثنياً، الصونغاي الأقحاح، والفولاني. وتُطلِق المجموعة الأولى على نفسها اسم الزبرما. ويعتقد أن هجرة الزبرما جاءت من هجرة فولاني مالي. بينما استمر معظم مهاجري فولاني مالي في الهجرة إلى الحجاز، بقي جزء منهم في النيل الأزرق وانتقلوا لاحقاً إلى شرق السودان في عام 1910. توجد معظم مستوطنات الزَبَرْمَا في الجزء الشرقي من ولاية القضارف في محافظة الفشقة. يعيش الزبرما في حوالي 15 قرية في شرق السودان، ويتوزعون بين نهر الرهد، والحدود الإثيوبية. أما الفولاني الناطقين بلغة الصونغاي، فيتواجدون في 5 قرى على النيل الأزرق بالقرب من مدينة سنار. يعتبر الموطن الأصلي لكلا المجموعتين الناطقتين بلغة الصونغاي هو منحنى نهر النيجر (بما في ذلك ما يعرف اليوم بجمهورية النيجر ومالي). وقد استقر أفراد من هذه الجماعات في السودان خلال فترات مختلفة، تتراوح بين القرن السادس عشر، وحتى الخمسينيات من القرن العشرين.
خاتمة:
الهوية والاستيعاب:
تمثل مشكلة الهوية والاستيعاب في المجتمع المحلي الهاجس الأكبر لجماعات غرب أفريقيا في السودان.
تاريخياً فقدت أعداد كبيرة من جماعات غرب أفريقيا، أراضيهم في السبعينيات بسبب قيام مشروع الرهد، مما جعلهم أقرب إلى العمال المأجورين، أي بدون أرض. الآن مع التوسعة الجديدة للمشروع، يسعى هؤلاء المستوطنون للدفاع عن حقوقهم في الأراضي من خلال الاعتماد على أنفسهم. بعد عقود من وضعهم السياسي المتدني، خلال فترة حكم الإنقاذ بدأوا في محاولة الاستفادة من الوضع السياسي الجديد لمصلحتهم مما أدى إلى حدوث تعبئة سياسية قوية في ولاية القضارف عام 1996، حيث تم انتخاب ثلاثة نواب لأول مرة من هذه الجماعات. كان التنافس بين المرشحين يدور حول الدفاع عن مصالح مجتمعاتهم تحت شعارات إسلامية وتحت مظلة حكومة الإنقاذ. تم التعبير عن التطلعات نحو المساواة ونحو الحقوق الاجتماعية من خلال "الحقوق القبلية". أصبحت التعبئة السياسية القائمة على الأساس الإثني وسيلة ليس لاكتساب الهوية الاجتماعية فقط (خلال فترة حكم الإنقاذ)، بل أيضًا وسيلة للتعبئة السياسية، وحصلت بعض التنظيمات القبلية على اعتراف رسمي في السودان. إن التوجّه نحو الاعتراف بتجمع اثني واسع للفلاتة، لا يرتبط بتيار سياسي معين، حتى وإن كان واضحًا أن الخطاب الإسلامي المُنَمّق (الذي كان سائداً في ذلك الوقت)، قد يساعد في شرعنة مثل هذا التجمع الاثني (العريض)-العابر للمجموعة الإثنية.
يرتبط الاتجاه نحو تشكيل هوية عريضة للفلاتة بشكل أكثر وضوحًا بنوع من الوعي الاجتماعي، وبالوعي بالهوية. حيث يمكن تحويل الاسم التحقيري القادم من خارج الجماعة (مثل اسم: الفلاتة، والأجانب ، وغير العرب) إلى انتماء إيجابي يقوم على الانتساب الذاتي.
mohabd505@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: هذه الجماعات فی غرب أفریقیا فی ولایة القضارف النیل الأزرق فی السودان العدید من فی منطقة من خلال فی عام
إقرأ أيضاً:
خبراء أمميون: الدعم المالي والعسكري للحوثيين من العراق يشكل تهديداً للأمن في البحر الأحمر
كشف فريق الخبراء الأممي المعني باليمن عن تصاعد التعاون بين مليشيا الحوثي وعدد من الجماعات المسلحة في العراق ولبنان.
ووفقًا للتقرير، تزايدت الروابط العسكرية والسياسية بين الحوثيين وهذه الجماعات، وهو ما أدى إلى توسيع نطاق عمليات "محور المقاومة" الذي يجمعهم. وقد اتضح من التحقيقات أن جماعات عراقية مثل "كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء" و"حركة النجباء" تقدم دعماً مباشراً للحوثيين في مجالات التدريب والتسليح وجمع التبرعات.
التعاون العسكري والمالي بين الحوثيين والجماعات المسلحة في العراق
أكد الفريق أن جماعات مسلحة عراقية تنظم حملات تبرعات لدعم الحوثيين، بإشراف قيادات محلية بارزة، مثل أمير الموسوي المتحدث باسم "تجمع شباب الشريعة" الخاضع لسيطرة "كتائب حزب الله". كما تطرقت مصادر أخرى إلى دور شحنات النفط التي تُرسل من العراق لدعم أنشطة الحوثيين ماليًا.
وبحسب التقرير، يتلقى الحوثيون تدريبات عسكرية تحت إشراف خبراء من "الحشد الشعبي" في معسكرات خاصة، مثل مركز بهبهان التدريبي في منطقة جرف الصخر، حيث يتم تدريب مقاتلين حوثيين على تقنيات عسكرية متقدمة تستهدف تعزيز قدراتهم البحرية، بما في ذلك استهداف السفن في البحر الأحمر. ولفت الفريق إلى أن نقل المقاتلين يتم باستخدام جوازات سفر مزورة، وأن هذه الأنشطة تضاعفت منذ إعادة فتح مطار صنعاء في عام 2022.
العمليات المشتركة ضد إسرائيل وتوسيع النفوذ الحوثي في العراق
وأشار التقرير إلى تصاعد التنسيق العسكري بين الحوثيين والجماعات المسلحة العراقية في الأشهر الأخيرة، حيث أطلق الطرفان هجمات مشتركة على مدن إسرائيلية مثل حيفا وأشدود في يونيو 2024. كما نقلت مصادر سرية أن الحوثيين يخططون لشن هجمات أخرى بالتعاون مع "المقاومة الإسلامية في العراق" انطلاقاً من مرتفعات الجولان.
وتناول التقرير أيضًا الدور المحوري للقيادي في مليشيا الحوثي أحمد الشرفي، المعروف باسم "أبو إدريس"، الذي يعد أحد القادة البارزين في هذا التعاون. فهو مؤسس أول مصنع عسكري للحوثيين في صعدة، ويتولى مسؤولية شراء الأعتدة وترتيب دورات تدريبية للمقاتلين الحوثيين بالتعاون مع الجماعات المسلحة العراقية، إلى جانب تنظيم زيارات قادة الحوثيين إلى بغداد.
وفي الآونة الأخيرة، أشارت المصادر إلى نقل الشرفي لأنشطة الحوثيين إلى مكاتب رسمية في بغداد والنجف، وعقده لقاءات مع مسؤولين عراقيين رفيعي المستوى، كان أبرزها اجتماعه بمستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي في يونيو 2024. ولفت الفريق إلى أن هذه التحركات تشير إلى سعي الحوثيين لتعزيز نفوذهم في العراق وتحقيق مصالح مشتركة في المنطقة.
توصيات التقرير وتأثيرها على العقوبات الأممية
يشدد فريق الخبراء على أن العقوبات المفروضة على الحوثيين لن تحقق تأثيرًا ملموسًا ما لم تشمل الشبكات الإقليمية الداعمة لهم. وأوصى الفريق بضرورة اتخاذ إجراءات لقطع التدفق المالي والعسكري المقدم من الجماعات المسلحة العراقية، واتخاذ تدابير شاملة لوقف التهديدات الأمنية الناجمة عن تصاعد هذا التعاون العسكري بين الحوثيين والجماعات المسلحة في العراق ولبنان، حيث إن هذا الدعم يشكل انتهاكاً صريحاً لحظر الأسلحة والعقوبات المالية المفروضة من مجلس الأمن.