المشهد اليمني:
2024-09-17@08:43:01 GMT

مع الزبيري في وثنيّاته

تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT

مع الزبيري في وثنيّاته

مع الزبيري في وثنيّاته.

المصدر: المشهد اليمني

إقرأ أيضاً:

التوجيه المعنوي العسكري عبر الأزمان

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

معرفة الإنسان بفوآئد الإنتصار في الحروب و أن التفوق القتالي يجلب الكثير من المكاسب المادية و المعنوية و ما يليها من السلطات و السمعة و النفوذ و الأراضي و الممتلكات و المحفزات الأخرى دفعته منذ عهدٍ بعيد إلى الإهتمام البالغ بعلوم الحرب و القتال و فنون إدارة المعارك ، و قادته إلى تجويد صناعة السلاح و مهنة القتل بصورة إحترافية و عبر عدة سبل و محاور أستخدمت فيها العلوم و وسآئل و أليات و أدوات مختلفة ، متنوعة و مبتكرة...
التوجيه المعنوي العسكري و تحفيز الجنود على القتال قديم قدم الكون و الزمان و الحروب ، و قد قادت التجربة بني الإنسان إلى إستخدام/إستغلال التوجيه المعنوي كألية إستراتيجية مساندة للتدريب و التجهيز القتالي ، و قد أبانت التجارب أن المدارس العسكرية الناجحة و القادة العسكريين الافذاذ هم أولئك الذين يفلحون كثيراً في توظيف التوجيه المعنوي لإثارة أقصى درجات الحماسة و الجرأة في أنفس الجنود مما يرفع من درجات إستعدادهم للتضحية و الإقبال على القتال و الإشتباك مع العدو و إلحاق الهزيمة به...
و قد أتاحت الوثآئق التأريخية المقروءة و المسموعة و المشاهدة معرفة العديد من وسآئل و أساليب التوجيه المعنوي عبر القرون منذ حروب ملوك كوش و النوبة و قدمآء المصريين و الآشوريين مروراً بالإمبراطوريات اليونانية و الرومانية و الفارسية و الهندوسية و الصينية و الممالك المغولية و الإسلامية و الدول البيزنطينية و العثمانية...
و من أنواع التوجيه المعنوي التحفيز الذي يعرج على تفاصيل المكاسب الآنية في الحياة الدنيا المترتبة على الإنتصار من جهة الغنآئم و الأنفال و السبي و ممارسات مسكوت عنها تحدث عند إستباحة البلدات المهزومة و في غياب الرقابة و الحساب ، مكاسب يزينها القادة للمقاتلين قبل بدء القتال مما يجعلهم يتوقون و يتحرقون شوقاً إلى بلوغها و نيلها على ظهور الخيل أو السيارات ذات الدفع الرباعي و مع صليل و قعقعة الأسلحة كالسيوف و الرماح أو البنادق السريعة الطلقات!!! ، هذا إلى جانب الفوآئد طويلة الأمد المكتسبة في فترة ما بعد توقف القتال و إنتهآء الحرب و المتمثلة في: الإشادات و نيل الترقيات و منح الأوسمة و الأنوطة و النياشين و تقديم الخدمات الإستثنآئية و الإمتيازات المعاشية لقدامى المحاربين و الإحتفال و الإحتفآء بهم و إقامة النصب التذكارية للمعارك و نحت التماثيل للجنود المجهولين و لأبطال وطنيين مقاتلين عُرِّفُوا بأسمآءهم و ألقابهم ، و كذلك الحرص العظيم على إحيآء حفلات الذكرى السنوية للمعارك الفاصلة...
و من الناحية الأخرى يبرع الدعاة الدينيون و المُدَّعُون في توصيف الوعود بالمكاسب و المغانم الغيبية القادمة فيما بعد الموت و الحياة الآخرة (الوعود اللاحقة) و تسويقها للمقاتلين المجاهدين على أنها هي الأميز و الأعلى قيمة طالما هي كانت بنية القتال و الموت و الإستشهاد جهاداً في سبيل الله ، و تعتمد الوعود اللاحقة على المعتقد و الإيمان بالله و القيم الموروثة و الفوز بالمكاسب العظيمة في الحياة الآخرة في حالة الإستشهاد من حيث التمييز و الأجر المضاعف لجماعة الشهدآء و التمتع بالنعيم و ما يلي ذلك من الإقامة في أفضل الجنان و أعالي الفراديس ، و الملاحظ أن الدعاة و المُدَّعُين يبالغون كثيراً في وصف دقآئق جزآء الشهدآء حتى يخال للمرء أنهم حتماً قد عاشوا تجربة نعيم الجنان و الفراديس في الحياة الآخرة ثم عادوا إلى الحياة الدنيا ليوصفوها للناس!!!...
و لقد ذخرت كتب السير و التأريخ الإسلامي بالعديد من القصص التي تبين تأثير التحفيز و التوجيه المعنوي بالوعود اللاحقة على الأنفس الإنسانية ، فعلمنا بقصة الصبي أسامة بن زيد بن الحارثة الذي تظاهر بطول القامة حتى يبدو أكبر من عمره الحقيقي و حتى يظفر بشرف الجهاد و القتال في صفوف المجاهدين ، و يبدوا أن محفزه و ربما دافعه إلى ذلك الفعل الوعود اللاحقة المغرية بالجزآء الوفير في الحياة الآخرة ، أو حادثة ذلك الصحابي الأنصاري ، عمير بن الجموح ، الذي و عند سماعه تحفيز و ترغيب الرسول صلى الله عليه و سلم للمقاتلين بالجنة في حالة الموت في سبيل الله قذف تمراً كان في يده و رمى بنفسه في أتون المعركة حتى قتل ، و قد روى المؤرخون و تناقلت الأجيال الأثر القوي التي تركته مقولة و خطبة القآئد طارق بن زياد في أنفس المقاتلين من بعد إحراقه للسفن:
(البحر خلفكم و العدو أمامكم)
و كيف أنه قد قيل و تم تداوله على أن تلك الخطبة و الفعل كانت السبب المباشر و المحفز الأول في فتح بلاد الأندلس و شبه الجزيرة الآيبيرية!!!...
و بالضرورة فإن رفع الروح المعنوية و درجات الحماس و التشجيع على القتال و التحفيز على فوآئد ما بعد القتال يبدأ قبل أو مع بداية مراحل التدريب و التجهيز للمعارك و الإشتباك القتالي ، حيث يركز/يصر المختصون في أمور التوجيه المعنوي على أن يشمل/يتضمن التحفيز إلهاب أنفس المقاتلين و بث الحماس فيها عن طريق: تزكية العيش الخشن و الخطب النارية الحماسية من شاكلة (تكحيل العيون بالشطة) و (أكل و قَرش الجَّمُر) و إستخدام الموسيقى و الإيقاعات الصاخبة و الغنآء و الشعر الحماسي كما ذلك الذي نظمته بَنُونَة بِت المَك نِمِر:
ما دَايرَالَك الميتة أم رماداً شح...
دَايرَاك يوم لُقَا بِدَمِيك تتوشح...
الميت مَسُولَب و العجاج يكتح...
أَحَيَّ علي سيفو البِسَوِّي التَّح...
و
الخيل عَركَسَن ما قال عِدَادِن كم...
فَرتَاق حافلن مَلَّاي سروجن دم...
أو على نسق جلالات الجيش السوداني الحماسية:
كان نَزَّلُو الملكية...
دَيَّاشِي يوزن مية...
و
أَنِحنَا رجال أبونا الدود...
أولاد أم (..) دخلوا البيوت...
و
أنحنا العَنَزَة المجنونة...
أولاد أم (..) بِتعَرفُونا...
و
الليلة وِينُم...
عيال عَوِين جروا...
و غيرها من الاهازيج و الجلالات و أغاني الحَكَّامَات الحماسية التي تمجد المحاربين الأقويآء و ترفع من شأن التضحية بالأنفس من أجل الأهداف النبيلة ، و في ذات الوقت تستصغر و تُحَقِّرُ الأعدآء الجبنآء الذين فروا من ساحات القتال لأن ما رأوْا من البأس و القوة الباطشة قد قذف في قلوبهم الرعب ، و أكد لهم أنهم منهزمون لا محالة!!!...
و على الصعيد العالمي فقد بين لنا التأريخ القريب إستخدامات قوات الحلفآء و الولايات المتحدة الأمريكية للتوجيه المعنوي في جهودها لمحاربة ألمانيا النازية و محورها الإيطالي و الياباني و في حروب جنوب شرقي آسيا و أفغانستان و الشرق الأوسط ، و كيف أنهم قد وظفوا إقامة الحفلات و إستقدام/إستخدام/إستغلال نجوم الغنآء و السينما و المسرح في الترفيه و تخفيف الرهبة و الضغط النفسي عن الجنود المقاتلين و رفع معنوياتهم و دعمها قبل الدفع بهم إلى جحيم المعارك القتالية ، هذا إلى جانب بذل المتعة الحسية للجنود قبل و أثنآء و بعد القتال عن طريق تسهيل الحصول على الخمور و التبغ و المخدرات و ممارسة الجنس مع الغانيات/العاهرات المجلوبات من بلد المنشأ أو المحليات ، و قد مارست الكثير من الجيوش و الدول و الجماعات تلك الفعاليات و الأليات و الأدوات بدرجات متفاوتة!!!...
و إلى جانب (الوعود اللاحقة) المكتسبة من الإستشهاد في سبيل الله فقد إستحدثت/أضافت الجماعات الإسلامية في دولة الخلافة الإسلامية في الهلال الخصيب و بلاد الرافدين (جهاد النكاح) كوسيلة تغري و تشحذ بها همم المجاهدين و تزيد من قوتهم و جرأتهم على القتال و إقبالهم على التضحيات بالقنابل البشرية و الممارسات الوحشية من جز الرؤوس و حرق و إغراق الأحيآء أو القذف بهم من أعلى البنايات و المرتفعات!!!...
و قد هيأت وسآئل الإعلام الحديثة و تطبيقات الهواتف الذكية و أسافير الشبكة العنكبوتية للسودانيين و الآخرين معرفة الكيفية التي إستخدمت بها الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) الضآلة الفاسدة الإعلام و التوجيه المعنوي و التحفيز و الترويج لما أسمته مشروعها الحضاري و الجهاد في سبيل الله!!! ، فسمعنا بهبوب (رياح الجنة) و (روآئح المسك) التي عبقت أجوآء بلاد السودان!!! ، و شاهدنا و استمعنا إلى أهازيج:
في سبيل الله قمنا نبتغي رفع اللوآء...
لا لدنيا قد عَمِلنَا نحن للدين فدآء...
فَليَعُد للدين مجده أو تُرُق منا الدمآء...
أو تُرُق منهم دمآء...
أو تُرُق كل الدمآء...
كما استمعنا إلى دقات طبول الحرب في (ساحات الفدآء) و إلى إيقاعات (دخلوها و صِقِيرَها حام) يرقص على أنغامها أمير الجماعة و ولي الأمر و قادة الجماعة و الجند المعصوبون بالعصابات الحمرآء ، كما عاصرنا الحضور المكثف للشهدآء من الصحابة و التابعين و هجرتهم الثالثة إلى بلاد السودان!!! ، و ظهورهم كأسمآء تُعَرِّفُ المدارس و الشوارع في البلدات و تزين بوابات القاعات و تميز الكتآئب القتالية ، و تعرفنا على كتابات و خيال إسحاق فضل الله البالغ الخصوبة ، و سمعنا و قرأنا قصصه عن الغزالة المجاهدة المتطوعة التي تمد الجنود بالغذآء و البروتينات!!! ، و السحب المجاهدة التي تظلل المقاتلين المجاهدين بالغمام و تحميهم من هجير شمس الجنوب الحارقة!!! ، و القرود المجاهدة التي تكتسح الألغام في أحراش جنوب السودان!!! ، و عن حديثه و آخرين عن إمدادات الملآئكة التي تقاتل و ترمي بسهامها مع الكيزان المقاتلين المجاهدين!!! ، و إلى الروايات العديدة المتنوعة عن قصص أعراس و زفاف الشهدآء إلى سبعين من الحور العين أو يزيد و حضور الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة و جمع من الملآئكة لأحاديث و مجالس و صلوات قادة الجماعة الكيزانية!!! ، هذا عدا التنوير بالأمور الربانية و أكل البيض المسلوق في الجنة!!! ، كما سمعنا مقولات:
موتانا في الجنة...
و قتلاكم في النار...
أما آخر المستجدات في عالم التوجيه المعنوي و التحفيز في بلاد السودان فقد تجلت في أحاديث و خطب عساكر الجماعة الكيزانية من الفرقآء أركان الحروب و أصحاب الرتب الأخرى في أفرع الأسلحة المقاتلة و الفنية المساندة و خطب و توجيهات القونات و جماعات أعالي المنابر من قادة كتآئب الدَّبَابِين و الدفاع الشعبي و المستنفرين أصحاب الشهادات و المؤهلات و الألقاب المتعددة من أعضآء الجماعة الكيزانية و خطبهم فيما يخص الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان ، فقد أبانت تلك الخطب و الأحاديث الطفرة الهآئلة التي حدثت في أساليب و أدوات التوجية المعنوي الحديثة و كيف تم نقلها من التفآؤل و التبشير بالنصر و الفوز بالحوافز المعنوية اللاحقة و الآنية و إشعال الحماس عن طريق إستخدام الغنآء و العاهرات إلى التوجيه المعنوي عن طريق الدجل الديني و تسخير أدوات العهر السياسي و تطبيقات الإفك الإلكتروني و إستخدامها في التثبيط/التدليس المعنوي و التحفيز القتالي عن طريق: ذبح رقاب الأعدآء و جز الرؤوس و بقر البطون و أحاديث الزَّعِط و (البَل بس) و (الجَّغِم) و (أمن يا جن) و التبشير بحروب (المئة سنة) و (الموت حتى نكمل كلنا) و حتى لا تنتهك حرمة السبايا و لا تسرق الأنفال و الأعيان!!! ، و حتى (يقفل/يَرَكِّز) الجنود و المقاتلون الأشاوس من الطآئفتين على الوعود اللاحقة و الآخرة و الفوز بنعيم الجنان الخالد!!!...
و العجيب و المدهش و الملفت للنظر أن الطآئفتين المتقاتلتين في الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان يعلنون أنهم مجاهدون من أجل حماية بيضة الدين و في سبيل إعلآء كلمة الله!!! ، و تجدهم يرددون صيحات التكبير و التهليل كلما قتلوا فرداً أو جماعة من الطرف الآخر أو مثلوا بالجثث أو ألحقوا دماراَ بالمنشآءات!!! ، و قد يجد المرء تفسيراً لذلك السلوك و الصياح في حالة الحرب في جنوب السودان بحسبان أن مقاتلي الحركة الشعبية لتحرير السودان ، في نظر الجماعة الكيزانية ، من جماعات الكافرين الذين يحاربون الإسلام و المسلمين .، لكن ما يحير المرء و يدهشه أن الطآئفتين المتقاتلتين على تراب بلاد السودان يشهدون أنه لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com  

مقالات مشابهة