كابل- حان وقت الغداء، ولا تجد السيدة الأفغانية "نازية" ما يسدّ رمق أبنائها الذين تسكن معهم في أحد الأحياء العشوائية بأطراف العاصمة الأفغانية كابل، سوى الشاي وبعض كسرات من الخبز الجاف، بعد أن عادت عصرا من وظيفتها كعاملة نظافة في إحدى الحضانات الحكومية.

تقول نازية "استشهد زوجي في الحرب، وأنا أعمل في هذه الوظيفة منذ سنوات وأحصل على راتب شهري قدره 70 دولارا، وهذا المبلغ لا يكفي لسد احتياجاتنا الأساسية، اضطررت لإخراج ابني الكبير من المدرسة ليعمل بإحدى ورش صيانة السيارات، ليساعدني في تأمين احتياجاتنا".

وتُعد عائلة نازية واحدة من العائلات الأفغانية التي تعيش تحت خط الفقر، والتي تشكل نصف السكان في البلاد بحسب تصريح لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" في أفغانستان، الذي عبّر عن قلقه من خفض ميزانيات المساعدات الإنسانية لتلبية الاحتياجات المتزايدة في البلاد، حيث إن "واحدا من كل أفغانيين اثنين يعيش حاليا تحت خط الفقر".

نسبة 80% من الأسر الأفغانية تكسب أقل من دولار واحد يوميا لكل فرد من أفراد الأسرة (الفرنسية) نصف الشعب فقير

وفي الذكرى الثالثة لوصول حركة طالبان للحكم في أفغانستان، وعلى الرغم من تأكيدها مرارا على أنها تعمل لزيادة التنمية، وإيجاد فرص عمل للشباب، وتحسين مستوى معيشة السكان، فإن الوضع يزداد سوءًا يوما بعد يوم، بحسب التقارير الأممية.

وقالت المنظمة التابعة للأمم المتحدة في تغريدة على منصة "إكس" الخميس الماضي، "على الرغم من بقاء 4 أشهر حتى نهاية العام 2024، فإن المجتمع الدولي قدم 25% فقط من الأموال المطلوبة هذا العام لمساعدة المحتاجين".

ووفقا للأمم المتحدة، ينتشر الفقر والجوع بين الأفغان يوما بعد يوم، حيث تكسب 80% من الأسر الأفغانية أقل من دولار واحد في اليوم لكل فرد من أفراد الأسرة.

وفي الوقت الذي يحتاج فيه 23.7 مليون شخص في أفغانستان إلى مساعدات إنسانية هذا العام، فإن الأمم المتحدة وشركاءها لا يستطيعون توفير مساعدة لأكثر من 17.3 مليونا منهم.

كما أعرب برنامج الغذاء العالمي عن قلقه من خفض الميزانية المخصصة للتعامل مع الأزمة الإنسانية في أفغانستان، وقال إن ما لا يقل عن مليون طفل وأم مرضع لا يستطيعون حاليا الحصول على الغذاء الخاص المعدّ للوقاية من سوء التغذية.

وشددت الوكالة التابعة للأمم المتحدة على أن النساء والأطفال سيعانون أكثر من غيرهم من تخفيضات الميزانية، وقال المكتب "لقد وزعت المنظمات الدولية مساعدات إنسانية على 12.1 مليون أفغاني في الأشهر الستة الأولى من هذا العام".

بين محتاجي المساعدة الإنسانية في أفغانستان 52% أطفال و25% نساء (أسوشيتد برس) خطر سوء التغذية

تعيش السيدة الأفغانية حميرا، في منزل طيني بإحدى قرى بدخشان النائية، وتقول إنها وعائلتها كانوا يعتمدون على عمل زوجها في الزراعة لتوفير احتياجاتهم، لكنه توقف عن العمل بعد أن أصيب بتليّف الرئة، ولديها 3 أطفال يعاني اثنان منهم من سوء التغذية.

تقول حميرا "في السنوات السابقة كنا نحصل على المساعدات من المواد الغذائية ومواد التدفئة في الشتاء من إحدى المنظمات الدولية، والآن انخفضت هذه المساعدات كثيرا، نحن نعيش في حالة سيئة جدا".

وتشير الإحصائيات الصحية في أفغانستان إلى ارتفاع نسبة وفيات الأطفال بسبب سوء التغذية، فعلى سبيل المثال أعلنت مصادر صحية محلية في ولاية "بدخشان" (شمال شرق) مؤخرا، وفاة 26 طفلا على الأقل بسبب سوء التغذية في المستشفى المركزي للإقليم، علما أن هذه الإحصائية لمدة 6 أشهر فقط، وفي مستشفى واحد، ولا تشمل المستشفيات والمراكز الصحية الأخرى.

وفي وقت سابق، حذّرت منظمات إغاثة دولية أيضا من أن أفغانستان ستكون معرّضة لخطر التحول إلى "أزمة منسية" دون الدعم والمشاركة المستمرين من المجتمع الدولي، فوفقا لبرنامج الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، فإن 52% من محتاجي المساعدات (وعددهم نحو 23.7 مليون شخص) هم من الأطفال، و25% منهم نساء.

وقالت الأمم المتحدة أيضا إن انعدام الأمن الغذائي منتشر في أفغانستان، مع نزوح 6.3 ملايين شخص داخليا، وتضاعف البطالة مقارنة بالعام الماضي.

عوامل زيادة الفقر

تقول مرضية، وهي أستاذة جامعية سابقة، إن زوجها كان يعمل قاضيا في الحكومة السابقة، ومع وصول طالبان للحكم، تم استبعاده من عمله مثل معظم العاملين في السلك القضائي، وهو ما جرى معها أيضا بعد قرار منع الفتيات من التعليم الجامعي.

وتضيف "لدي ابنتان، إحداهما كانت طالبة جامعية تدرس الطب في السنة الخامسة، والأخرى في السنة الثانية بقسم الأدب الفارسي، الآن كلتاهما تجلسان في البيت بعد إغلاق الجامعات، نحن أسرة متعلمة، ومع ذلك فإننا اليوم لا نكاد نجد قوت يومنا، أفكر جديا بالهجرة إلى مكان آخر حيث يمكننا العمل ويمكن لبناتي مواصلة تعليمهن".

ويُنسب للسياسات التي اتبعتها حركة طالبان السبب في ارتفاع نسبة الفقر بصورة كبيرة في السنوات الأخيرة، ولا سيما بعد إخراج أعداد كبيرة من موظفي الحكومة السابقة من وظائفهم، إضافة لمنع النساء من العمل في الدوائر الحكومية أولا، ثم منعهن أيضا من العمل في المنظمات الدولية والمحلية، كما مُنعت معظم الأعمال التي تديرها النساء، وأبرزها صالونات التجميل، مما أدى إلى فقد الآلاف من العائلات الأفغانية لمصادر رزقها.

ومن جهة أخرى أدى خفض المساعدات الإنسانية الدولية إلى تفاقم مشكلة الفقر والجوع في أفغانستان، كما ساهم خفض رواتب الموظفين الحكوميين إلى أقل من 50%، إضافة لعدم تسديد معاشات المتقاعدين لتدهور الحالة الإنسانية لعائلاتهم، ومنهم فيروز خان وهو أحد المتقاعدين الذين يتظاهرون يوميا أمام وزارة المالية مطالبين بمعاشهم.

يقول خان إنه عمل لمدة 40 عاما في وزارة المالية، وهو الآن في السبعين من عمره، ويعاني من عدة أمراض مزمنة، ولديه عائلة كبيرة، ويشتكي من عدم تسديد معاشه التقاعدي. وتحدث وهو يجهش بالبكاء "هذا ظلم ما بعده ظلم، لقد وهبت شبابي وحياتي خدمة لوطني، وعملت جاهدا لسنوات، والآن هذا هو جزائي".

وعلى الرغم من أن حكومة طالبان لم تعلق حتى الآن على تقرير منظمة "أوتشا" فإن المتحدث الرسمي لوزارة الاقتصاد عبد الرحمن الحبيب، كان قد علّق في وقت سابق على تقرير لبرنامج الغذاء العالمي حول ارتفاع مستويات الفقر في أفغانستان قائلا "إن الوضع الاقتصادي الحالي أفضل بالمقارنة مع الوضع السابق".

وأضاف المتحدث أنه بسبب التغيرات المناخية، والقيود المفروضة على البلاد، وتجميد الأصول المالية من النقد الأجنبي، وضعف البنية التحتية، فإن مشكلتي البطالة وانعدام الأمن الغذائي تؤثران سلبيا على السكان، "ونحن نعمل جاهدين لإيجاد برامج اقتصادية تدعم الأسر الأفغانية وترفع قدرتها الشرائية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأمم المتحدة فی أفغانستان سوء التغذیة

إقرأ أيضاً:

الأمم المتحدة: إثيوبيا بحاجة إلى ملياري دولار للاستجابة الإنسانية في 2025

أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية (أوتشا) بأن الوضع الإنساني في إثيوبيا لا يزال حرجا، بسبب الصراعات المستمرة والصدمات المناخية، ما يجعلها بحاجة إلى ملياري دولار للاستجابة الإنسانية في عام 2025.. لافتا إلى وجود فجوة تمويلية تبلغ 496 مليون دولار للنصف الأول من العام الجاري.

وذكر المكتب الأممي - في أحدث تقرير له عن الاستجابة الإنسانية ذات الأولوية وفجوات التمويل الحرجة أن انعدام الأمن الغذائي لا يزال يشكل قضية رئيسية خاصة أن سوء التغذية بين الأطفال والنساء وصل إلى مستويات مثيرة للقلق في أجزاء مختلفة من البلاد.. مشيرا إلى أن الاحتياجات الإنسانية لا تزال مرتفعة بسبب الصراعات المستمرة والصدمات المناخية وحالات الطوارئ الصحية.

ونبه إلى أن الوضع الإنساني لا يزال حرجًا خاصة في المناطق المتضررة من الصراع مثل أمهرا وغرب أوروميا، حيث أدى انعدام الأمن إلى تعطيل الوصول إلى الخدمات.. لافتا إلى أن المخاوف المتعلقة بالحماية لاتزال قائمة بما في ذلك العنف القائم على نوع الجنس، وفصل الأطفال، والإخلاء القسري، وتدمير الممتلكات بالإضافة إلى وجود ذخائر غير منفجرة في بعض المناطق.

وأوضح المكتب الأممي أن النشاط الزلزالي في عفار وأوروميا تسبب في تفاقم الأزمة، حيث تم تسجيل 232 زلزالًا منذ ديسمبر 2024.. مؤكدا أن مثل هذه المخاطر تزيد من التحديات التي تواجه السكان الضعفاء.

وكانت تقارير صحفية قد ذكرت سابقا أن النشاط الزلزالي المتكرر أدى إلى نزوح الآلاف في مناطق عفار وأوروميا وأمهرا فيما لجأ العديد من النازحين في عفار إلى موقع دايدو في منطقة أميبارا بعد إجبارهم على مغادرة منازلهم في منطقة أواش فنتالي فيما قوبلت جهود الحكومة لنقلهم إلى موقع نيو فيجن في أواش أربا بالمقاومة والرفض حيث تقول المجتمعات الرعوية إن الموقع المقترح يفتقر إلى الموارد الأساسية مثل المياه والأشجار للمأوى والحطب ومرافق الصرف الصحي المناسبة.

وأشار المكتب الأممي إلى أن التحديات المتعلقة بالمناخ أسهمت أيضا في زيادة الاحتياجات الإنسانية حيث إن الأمطار الناجمة عن ظاهرة النينيا في الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر 2024 كانت قليلة في المناطق الرعوية في الغالب"، مما أدى إلى ظروف تشبه الجفاف.. لافتا إلى استمرار نقص المياه وانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية الحاد في المجتمعات التي لاتزال تتعافى من الجفاف في الفترة 2020-2023 كما أن التوقعات الموسمية لأمطار مارس ومايو في عفار وغيرها من المناطق المنخفضة لاتزال مقلقة.

وتزيد الأزمات الصحية من تكاليف الاحتياجات الإنسانية، حيث وصف مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية تفشي الكوليرا المستمر في إثيوبيا بأنه الأطول في تاريخ البلاد.. مشيرا إلى زيادة حالات الملاريا والحصبة وأن حالات الطوارئ الصحية هذه إلى جانب الآثار المتبقية للجفاف والصراعات، أدت إلى ما وصفه بتآكل قدرة المجتمعات المتضررة على الصمود.

وعلى الرغم من هذه التحديات، أوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أن العمليات الإنسانية تستمر في استخدام الموارد التي تم ترحيلها من عام 2024 ومساهمات التمويل الجديدة لعام 2025.. محذرا في الوقت ذاته من أن القيود المالية أدت بالفعل إلى تعليق بعض المساعدات المنقذة للحياة.

اقرأ أيضاًالأمم المتحدة: النازحون في مخيمات جنين وطولكرم يفتقدون أدنى مقومات الحياة

لجنة الأمم المتحدة المعنية بوضع المرأة.. بين النشأة والمهام والتحديات

الأمم المتحدة تُعرب عن قلقها إزاء تأجيج التوترات والعنف في سوريا

مقالات مشابهة

  • منظمات: وقف المساعدات الإنسانية الأميركية يعرض ملايين النساء للخطر
  • مقررة أممية: إسرائيل تستهدف تصفية الأونروا
  • مقررة أممية: إسرائيل تريد تصفية “الأونروا” باعتبارها رمزا للوجود الدولي في فلسطين
  • الأمم المتحدة: إثيوبيا بحاجة إلى ملياري دولار للاستجابة الإنسانية في 2025
  • الأمم المتحدة تدعو بريطانيا لاستقبال مزيد من اللاجئين الأفغان
  • في اليوم العالمي للمرأة..الأمم المتحدة تطالب طالبان برفع القيود على الأفغانيات
  • الأمم المتحدة: منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة جريمة حرب
  • الأمم المتحدة: منع دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة يرقى لجريمة حرب
  • إطلاق نار على هليكوبتر أممية في السودان يسفر عن سقوط قتلى
  • قتلى من بينهم ضابط بإطلاق نار على طائرة أممية بجنوب السودان