التدخل الدولي في السودان- ضرورة لحماية المدنيين أم تهديد لاستقرار البلاد؟
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
التوصية الأخيرة التي أصدرتها بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان حول إرسال قوة لحفظ السلام تأتي في سياق معقد للغاية. منذ اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في أبريل 2023، تزايدت الانتهاكات ضد المدنيين، وسط انقسام عميق في المجتمع السوداني بشأن إمكانية التدخل الدولي. البعض يرى أن هذه الخطوة قد تسهم في حماية المدنيين وتحسين الأوضاع الإنسانية، بينما يعتبرها آخرون مجرد ورقة ضغط لإجبار الحكومة السودانية على العودة إلى طاولة المفاوضات.
إمكانية التدخل الدولي ظروف معقدة ومعارضة داخلية
التوصية بإرسال قوة حفظ سلام تعكس حقيقة خطيرة و أطراف الصراع في السودان فشلت في حماية المدنيين. لكن تحويل هذه التوصية إلى قرار دولي يواجه تحديات كبيرة، منها صعوبة الحصول على دعم من مجلس الأمن الدولي. فروسيا والصين، اللتان تمتلكان حق الفيتو، قد تعرقلان أي محاولة لإصدار قرار بالتدخل العسكري بموجب الفصل السابع، بسبب مصالحهما الاقتصادية والسياسية في السودان. علاوة على ذلك، يتطلب التدخل العسكري موافقة السلطة الحاكمة في السودان، وهو أمر قد لا يكون متاحًا نظرًا لمواقف الحكومة السودانية من التدخلات الخارجية.
من ناحية أخرى، المعارضة الداخلية لفكرة التدخل الدولي تشكل عائقًا كبيرًا. كثيرون في السودان ينظرون إلى أي تدخل دولي على أنه انتهاك للسيادة الوطنية وتكرار لتجارب سابقة مثل بعثة "يوناميد" في دارفور، التي فشلت في تحقيق أهدافها وكانت وجودها مجرد شكلية. هذه المعارضة قد تمتد إلى مقاومة عنيفة ضد القوات الأممية، مما يهدد بزيادة تعقيد الوضع الأمني في البلاد. تجارب الصومال وأفغانستان تُظهر أن التدخلات العسكرية الدولية ليست دائمًا حلاً، بل قد تؤدي إلى تعميق الأزمات.
السيناريوهات المحتملة تأثير التدخل الدولي على طرفي الصراع
في حالة نجاح الأمم المتحدة في تنفيذ قرار بإرسال قوات حفظ سلام إلى السودان، ستكون هناك انعكاسات كبيرة على طرفي الصراع -
الجيش السوداني و إذا قبل الجيش بوجود قوات حفظ سلام دولية، فقد يعتبر ذلك تنازلًا كبيرًا للضغوط الدولية، وهو أمر قد يضعف موقفه أمام الداخل السوداني وأمام خصومه السياسيين. في المقابل، قد يمنحه هذا التحرك بعض الحماية الدولية، خاصة في مناطق سيطرته التي تعاني من تدهور إنساني وأمني. لكن الجيش سيظل قلقًا من تأثير هذه القوات على حرية حركته، خاصة إذا تم تقييد عملياته العسكرية ضد قوات "الدعم السريع".
قوات "الدعم السريع" من الواضح أن قوات "الدعم السريع" ستكون أكثر تضررًا من وجود قوات دولية على الأرض. فهي تعتمد بشكل كبير على الفوضى الأمنية والقدرة على التحرك بحرية في المناطق النائية والريفية، حيث تتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. وجود قوات حفظ سلام قد يعزلها ويحد من قدرتها على المناورة، وربما يقوض تحالفاتها الإقليمية والدولية. كما أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الضغوط على قادتها لمواجهة تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، مما يدفعهم إلى تكثيف مقاومتهم.
تأثيرات التدخل الدولي على المشهد السوداني الداخلي
إذا تم تنفيذ التدخل الدولي، سيواجه السودان تحديات كبيرة تتعلق بالتوازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية وتأمين الحماية للمدنيين. من جهة، هناك حاجة ملحة لإيقاف الحرب وحماية المدنيين، لكن من جهة أخرى، فإن التدخلات الدولية قد تزيد من تفاقم الانقسامات الداخلية.
في المجتمعات التي عانت من حروب أهلية أو صراعات طويلة الأمد، يكون التدخل الدولي غالبًا محل خلاف، وذلك لأنه يُنظر إليه على أنه تدخل في الشؤون الداخلية واستغلال للمصالح الوطنية. في السودان، قد يؤدي وجود قوات حفظ سلام إلى تأجيج المعارضة الداخلية وإثارة ردود فعل عنيفة من القوى الرافضة للتدخل الأجنبي. وبالتالي، سيكون هناك خطر من أن تتحول القوات الدولية إلى هدف لهجمات من قبل جماعات محلية أو إقليمية.
التدخل الدولي كحل أم زيادة تعقيد الوضع؟
التدخل الدولي في السودان يبدو خيارًا صعب التحقيق على المدى القريب بسبب التعقيدات السياسية والأمنية، فضلاً عن معارضة العديد من الأطراف الداخلية والخارجية. إن انتشار القوات الدولية قد يكون خطوة ضرورية لحماية المدنيين، لكنه في الوقت نفسه يحمل مخاطر كبيرة على استقرار البلاد وعلى توازن القوى في الصراع القائم.
في النهاية، يجب أن تكون أي خطوات نحو التدخل الدولي مرفقة بتفاهمات سياسية واضحة تشمل جميع الأطراف السودانية. بدون حوار شامل وإرادة سياسية داخلية لإيجاد حل للنزاع، سيظل التدخل الدولي مجرد حل مؤقت لا يعالج جذور المشكلة. الأهم من ذلك هو العمل على إنهاء الحرب من خلال الحوار السياسي، والبحث عن حلول مستدامة تضمن للسودان استعادة الأمن والاستقرار دون الحاجة إلى تدخلات خارجية تزيد من تعقيد المشهد.
زهير عثمان
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: التدخل الدولی قوات حفظ سلام الدعم السریع فی السودان
إقرأ أيضاً:
مصر تكشف عن مبادرة لنشر قوات حفظ سلام في غزة والضفة
حسن الورفلي (غزة، القاهرة)
أخبار ذات صلةقال وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبد العاطي، أمس، إن نجاح خطة إعمار قطاع غزة تعتمد على القدرة على تثبيت إيقاف إطلاق النار، وتمكين السلطة الفلسطينية من إدارة شؤون القطاع.
جاء ذلك خلال لقاء مفتوح مع السفراء المعتمدين لدى القاهرة وممثلي الهيئات والمنظمات الدولية، بمشاركة وزير الصحة المصري الدكتور خالد عبد الغفار لاستعراض خطة إعمار غزة التي اعتمدتها القمة العربية الطارئة في القاهرة مطلع مارس الحالي.
وذكر الوزير عبد العاطي، وفق بيان صدر عقب اللقاء، أن ثمة متطلبات أساسية لنجاح الخطة، وهي تثبيت إيقاف إطلاق النار، وضمان أن يكون التعامل مع الوضع في القطاع باعتباره جزءاً أصيلاً من الأراضي الفلسطينية، إلى جانب تمكين السلطة من العودة إلى غزة للاضطلاع بمسؤولياتها.
وأضاف أن الخطة تنص على إنشاء لجنة مستقلة غير فصائلية لإدارة شؤون القطاع لفترة انتقالية تحت مظلة الحكومة الفلسطينية، مشيراً إلى بدء مصر والأردن في تدريب عناصر من الشرطة الفلسطينية؛ تمهيداً لنشرهم في القطاع.
وأكد عبدالعاطي حصول خطة إعادة إعمار غزة على تأييد إقليمي ودولي واسع، وأن مصر تعمل حالياً على استضافة مؤتمر لإعادة إعمار غزة لتأمين التمويل اللازم لتنفيذ الخطة.
وأشار إلى وجود مقترح بأن يقوم مجلس الأمن الدولي بدراسة تأسيس وجود دولي في الأراضي الفلسطينية في غزة والضفة الغربية، وذلك عبر استصدار قرار بنشر قوات حفظ سلام أو حماية دولية محددة الاختصاصات والمدة، وبما يضمن تأسيس دولة فلسطينية مستقلة.
وجرى خلال اللقاء تقديم عرض مرئي بشأن تأهيل القطاع الصحي في غزة، والذي دمره الجيش الإسرائيلي طيلة 15 شهراً من العدوان على القطاع، إضافة إلى التكاليف المتوقعة.
ووفقاً للبيان، استعرض وزير الصحة المصري الشق المتعلق بإعادة تأهيل القطاع الصحي الفلسطيني والتكاليف المتوقعة لعمليات إعادة البناء، ورفع كفاءة القطاع.
في غضون ذلك، يكثف الوسطاء من جهودهم لإنقاذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة خلال الفترة المقبلة مع رفض حركة حماس للشروط الإسرائيلية التي تطالب بنزع سلاحها وإقصائها من المشهد السياسي، وتسليم أكثر من 10 رهائن إسرائيليين من الأحياء ورفات بعض القتلى المحتجزين في غزة، بحسب ما أكده مصدر لـ«الاتحاد».
وأوضح المصدر أن الخلاف الرئيسي لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق يتمثل في عدد الرهائن الذين تطالب إسرائيل بالإفراج عنهم، موضحاً أن الوسطاء يحاولون التوصل إلى حل وسط بدفع حركة حماس وإسرائيل للاتفاق على الإفراج عن 5 رهائن من الأحياء و5 من جثامين القتلى، مقابل الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين، واستئناف دخول المساعدات الإنسانية والغذائية ومعدات إعادة الإعمار في غزة.