التوصية الأخيرة التي أصدرتها بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في السودان حول إرسال قوة لحفظ السلام تأتي في سياق معقد للغاية. منذ اندلاع الصراع المسلح بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في أبريل 2023، تزايدت الانتهاكات ضد المدنيين، وسط انقسام عميق في المجتمع السوداني بشأن إمكانية التدخل الدولي. البعض يرى أن هذه الخطوة قد تسهم في حماية المدنيين وتحسين الأوضاع الإنسانية، بينما يعتبرها آخرون مجرد ورقة ضغط لإجبار الحكومة السودانية على العودة إلى طاولة المفاوضات.


إمكانية التدخل الدولي ظروف معقدة ومعارضة داخلية
التوصية بإرسال قوة حفظ سلام تعكس حقيقة خطيرة و أطراف الصراع في السودان فشلت في حماية المدنيين. لكن تحويل هذه التوصية إلى قرار دولي يواجه تحديات كبيرة، منها صعوبة الحصول على دعم من مجلس الأمن الدولي. فروسيا والصين، اللتان تمتلكان حق الفيتو، قد تعرقلان أي محاولة لإصدار قرار بالتدخل العسكري بموجب الفصل السابع، بسبب مصالحهما الاقتصادية والسياسية في السودان. علاوة على ذلك، يتطلب التدخل العسكري موافقة السلطة الحاكمة في السودان، وهو أمر قد لا يكون متاحًا نظرًا لمواقف الحكومة السودانية من التدخلات الخارجية.
من ناحية أخرى، المعارضة الداخلية لفكرة التدخل الدولي تشكل عائقًا كبيرًا. كثيرون في السودان ينظرون إلى أي تدخل دولي على أنه انتهاك للسيادة الوطنية وتكرار لتجارب سابقة مثل بعثة "يوناميد" في دارفور، التي فشلت في تحقيق أهدافها وكانت وجودها مجرد شكلية. هذه المعارضة قد تمتد إلى مقاومة عنيفة ضد القوات الأممية، مما يهدد بزيادة تعقيد الوضع الأمني في البلاد. تجارب الصومال وأفغانستان تُظهر أن التدخلات العسكرية الدولية ليست دائمًا حلاً، بل قد تؤدي إلى تعميق الأزمات.
السيناريوهات المحتملة تأثير التدخل الدولي على طرفي الصراع
في حالة نجاح الأمم المتحدة في تنفيذ قرار بإرسال قوات حفظ سلام إلى السودان، ستكون هناك انعكاسات كبيرة على طرفي الصراع -
الجيش السوداني و إذا قبل الجيش بوجود قوات حفظ سلام دولية، فقد يعتبر ذلك تنازلًا كبيرًا للضغوط الدولية، وهو أمر قد يضعف موقفه أمام الداخل السوداني وأمام خصومه السياسيين. في المقابل، قد يمنحه هذا التحرك بعض الحماية الدولية، خاصة في مناطق سيطرته التي تعاني من تدهور إنساني وأمني. لكن الجيش سيظل قلقًا من تأثير هذه القوات على حرية حركته، خاصة إذا تم تقييد عملياته العسكرية ضد قوات "الدعم السريع".
قوات "الدعم السريع" من الواضح أن قوات "الدعم السريع" ستكون أكثر تضررًا من وجود قوات دولية على الأرض. فهي تعتمد بشكل كبير على الفوضى الأمنية والقدرة على التحرك بحرية في المناطق النائية والريفية، حيث تتهم بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد المدنيين. وجود قوات حفظ سلام قد يعزلها ويحد من قدرتها على المناورة، وربما يقوض تحالفاتها الإقليمية والدولية. كما أن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الضغوط على قادتها لمواجهة تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، مما يدفعهم إلى تكثيف مقاومتهم.
تأثيرات التدخل الدولي على المشهد السوداني الداخلي
إذا تم تنفيذ التدخل الدولي، سيواجه السودان تحديات كبيرة تتعلق بالتوازن بين الحفاظ على السيادة الوطنية وتأمين الحماية للمدنيين. من جهة، هناك حاجة ملحة لإيقاف الحرب وحماية المدنيين، لكن من جهة أخرى، فإن التدخلات الدولية قد تزيد من تفاقم الانقسامات الداخلية.
في المجتمعات التي عانت من حروب أهلية أو صراعات طويلة الأمد، يكون التدخل الدولي غالبًا محل خلاف، وذلك لأنه يُنظر إليه على أنه تدخل في الشؤون الداخلية واستغلال للمصالح الوطنية. في السودان، قد يؤدي وجود قوات حفظ سلام إلى تأجيج المعارضة الداخلية وإثارة ردود فعل عنيفة من القوى الرافضة للتدخل الأجنبي. وبالتالي، سيكون هناك خطر من أن تتحول القوات الدولية إلى هدف لهجمات من قبل جماعات محلية أو إقليمية.
التدخل الدولي كحل أم زيادة تعقيد الوضع؟
التدخل الدولي في السودان يبدو خيارًا صعب التحقيق على المدى القريب بسبب التعقيدات السياسية والأمنية، فضلاً عن معارضة العديد من الأطراف الداخلية والخارجية. إن انتشار القوات الدولية قد يكون خطوة ضرورية لحماية المدنيين، لكنه في الوقت نفسه يحمل مخاطر كبيرة على استقرار البلاد وعلى توازن القوى في الصراع القائم.
في النهاية، يجب أن تكون أي خطوات نحو التدخل الدولي مرفقة بتفاهمات سياسية واضحة تشمل جميع الأطراف السودانية. بدون حوار شامل وإرادة سياسية داخلية لإيجاد حل للنزاع، سيظل التدخل الدولي مجرد حل مؤقت لا يعالج جذور المشكلة. الأهم من ذلك هو العمل على إنهاء الحرب من خلال الحوار السياسي، والبحث عن حلول مستدامة تضمن للسودان استعادة الأمن والاستقرار دون الحاجة إلى تدخلات خارجية تزيد من تعقيد المشهد.

زهير عثمان

zuhair.osman@aol.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: التدخل الدولی قوات حفظ سلام الدعم السریع فی السودان

إقرأ أيضاً:

قائد قوات درع السودان للجزيرة نت: نحتفل بالنصر والحسم يقترب بدارفور

الخرطوم- كشف قائد قوات درع السودان اللواء أبو عاقلة كيكل عن قرب هزيمة قوات الدعم السريع في دارفور وجنوب كردفان، مشددا على أن السيطرة الكاملة على الخرطوم تعني تخطي المرحلة الأصعب في الحرب كون "العدو" كان يستغل المدن ذات المباني العالية في استخدام القناصين.

وأكد كيكل، في حوار خاص مع الجزيرة نت، أن الجيش السوداني يمتلك خبرة طويلة في القتال في المناطق المكشوفة، معتبرا أن الحرب انتهت والآن مرحلة الاحتفال.

ويرى كيكل، الذي كان قائدا في قوات الدعم السريع قبل أن ينشق وينضم للجيش السوداني، أنه اتضح له بعد الانضمام للدعم السريع زيف شعارات هذه المليشيا، مما دفعه إلى العودة إلى الصواب والانضمام إلى جانب الجيش السوداني.

وفيما يلي نص الحوار:

بعد سيطرة الجيش والقوى المساندة له على الخرطوم.. برأيك هل تجاوز الجيش المرحلة الأصعب في الحرب، أم أن القتال في دارفور لن يكون سهلا؟

نحن نثق بالله ثم في أنفسنا وقواتنا المسلحة وكل القوات المساندة، وقد تخطينا الأصعب في قتال المدن ذات المباني العالية التي يستغلها العدو في استخدام القناصين.

والجيش له خبرة طويلة في القتال في المناطق المكشوفة، وقد بشرنا أهلنا في الوسط والخرطوم بالانتصار، وقد حدث، الآن نقول لأهلنا في دارفور: ستعود كل دارفور إلى حضن الوطن، وذلك ليس ببعيد، إن شاء الله.

إعلان ما سر القوة والانتصارات المتتالية لكيكل عندما كان يقاتل بجانب قوات الدعم السريع، وعندما عاد لحضن الجيش السوداني؟

كيكل كشخص لا يملك عصا سحرية، لكنها البيئة التي تربيت فيها، ومؤسسة الدرع القائمة على البسالة والثبات والفداء، والحمد لله الذي أعطانا الفرصة لنشارك الشعب السوداني والقوات المسلحة الانتصارات التي تحققت.

كيف تفسر الهزائم المتلاحقة لقوات الدعم السريع في محاور القتال المختلفة منذ خروجك منها قبل أشهر؟

أعتقد أننا جزء من حلقة كاملة، وكما قال القائد العام، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، كنا جزءا من "الكماشة"، فقد أكملنا الحلقة والقبضة، وبحمد الله، أثبتنا في محورنا شراسة قتالية، فأنا أعرف بنية الدعم السريع وطرق قتاله، وتوفرت لنا معدات مهمة، وحماس كبير، ودعم شعبي غير محدود، وقد شهدنا انهيار المليشيا ونحن نقاتلها في كافة المحاور: محور شرق النيل، ومحور الجزيرة، والمحور الغربي، ومحور جبل أولياء، الذي كان قاصمة الظهر للمليشيا والسيطرة على آخر معاقلها في معسكر طيبة.

كيف أصبح كيكل فجأة قائدا ضمن قادة الدعم السريع؟

هناك تفاصيل كثيرة، لكننا عندما بدأنا كنا منحازين لقضايا بلدنا ومنطقتنا، ووثقنا علاقات خلال فترة الثورة مع كافة الأطراف، ومن بينها الدعم السريع، وبعد قيام الحرب، كنا وما زلنا نتمسك بأهدافنا، وسمعنا شعاراتهم، التي اتضح لاحقا أنها كانت شعارات زائفة.

عندما أعلن الدعم السريع يوم 8 أغسطس/آب 2023 انضمامك له، هل كان لديك تنسيق مسبق مع الجيش أم أن ذلك جاء في وقت لاحق؟

علاقتنا مع قيادة الدعم السريع نشأت بسبب تعامل بعض قيادات القوات المسلحة وعدم استجابتها لمطالبنا العادلة الخاصة بالمنطقة بعد اتفاقية سلام جوبا، مع العلم أن محمد حمدان دقلو "حميدتي" كان يمثل الرجل الثاني في الدولة السودانية، وكنا نشعر بأن الاتفاق ظلم أقاليم الوسط والشرق ظلما كبيرا.

رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، قال إنه بدأ الحديث معك قبل الحرب.. حول ماذا كان الحديث؟ إعلان

كان حديث الرئيس البرهان معنا ومع القيادات الأهلية والمجتمعية في المنطقة، حيث تحدثنا عن مخاوفنا من تعدد الجيوش والمليشيات، وطلبنا منه التسليح وانضمام أبناء الجزيرة والبطانة إلى الجيش.

هل صحيح أن الدعم السريع اكتشف تواصلك مع الجيش فسارعت بالخروج عنه والإعلان عن قتالك بجانب الجيش رسميا؟

كانت لديهم شكوك، وطبيعتهم قائمة على الشك في أي قيادة ليست من مجتمعاتهم، وتحدثوا معنا، وكنا نحاول كسب الوقت حتى نجنب أهلنا ردة فعلهم الإجرامية.

بالنظر إلى دوركم السابق كقائد في قوات الدعم السريع، هل ترون أن ذلك يستوجب الندم والاعتذار وربما طلب المغفرة؟

الاستغفار عبادة، والتوبة مطلوبة في كل وقت، لكننا مشينا في طريق كنا نظنه صحيحا، ورجعنا منه، وهذا أكبر معنى للتوبة، ولعبنا دورا مهما في هزيمة هذه المليشيا حينما تبين لنا خطأ موقفنا.

هل يمكن أن تمثل أمام المحكمة إذا تمت مقاضاتك في الحق الخاص؟

الجميع سواسية أمام القانون، وأتمنى أن تتسع دائرة تطبيق القوانين دون حرج، ولا مانع لدي من المثول أمام أي محكمة متعلقة بالحق الخاص.

كيف تنظر إلى ما يتردد عن محاولة الاتحاد الأوروبي فرض عقوباته عليك بجانب قائد قوات الدعم السريع حميدتي وشقيقه؟

ليس لدينا ما نخشاه، نحن قوة عسكرية منضبطة، وما نقدمه لشعبنا وأمتنا من حراسة لأرضنا وحماية لعرضنا، لا نخشى فيه شيئا، شبابنا قدموا أرواحهم في سبيل وطنهم وقضيتهم، فلن يُخيفنا فرضُ عقوبات أو غيره.

متى كانت آخر مرة تواصلت فيها مع حميدتي؟

انقطع التواصل منذ انضمامي للقوات المسلحة، وقبل ذلك كنت على تواصل دائم معه.

قبل الانضمام للدعم السريع، أين كان يعمل كيكل؟

تاجر ومزارع.

ما السيناريو الذي يتوقعه كيكل لنهاية الحرب، وهل يتوقع لها نهاية وشيكة ربما؟ إعلان

الحرب انتهت.. نحن نحتفل الآن.. وقريبا جدا سيتم حسم المليشيا في دارفور وجنوب كردفان.

كيف ترى مستقبل درع السودان، ومستقبل كيكل بعد انتهاء الحرب؟

نحن أبناء الوطن وتحت إمرة القوات المسلحة والقائد العام، وما يسري على غيرنا يسري علينا، شاركنا في هذه المعركة لا نرجو مكافأة ولا نطلب مكسبا، وعندما تنتهي الحرب ويحل السلام، سنتفرغ لمعركة البناء الوطني وإزالة آثار الحرب.

مقالات مشابهة

  • ترمب: العمليات ستستمر ضد الحوثيين للقضاء على تهديد الملاحة
  • السودان بعد استعادة الخرطوم.. تحديات استقرار البلاد وسط استمرار التوترات والفصائل المسلحة
  • البرهان: المعركة مستمرة وباب العفو مفتوح لمن يلقي السلاح
  • آركو: استهداف قوات الاحتلال للمسعفين انتهاك للقوانين الدولية
  • برلماني يؤكد على انهاء مهام التحالف الدولي في العراق: لا مبرر لوجوده
  • برلماني يؤكد على انهاء مهام التحالف الدولي في العراق: لا مبرر لوجوده - عاجل
  • تصريحات وزراء الحكومة الجديدة.. بناء جيش بعقيدة وطنية وإعادة دور سوريا الدولي وحفظ استقرار البلاد
  • دقلو يؤكد مغادرة الخرطوم.. ويتعهد بالعودة
  • رفعها السودان ضد الإمارات.. محكمة العدل الدولية تنظر في دعوى إبادة جماعية
  • قائد قوات درع السودان للجزيرة نت: نحتفل بالنصر والحسم يقترب بدارفور