قائد سابق لحلف «الناتو» يعدد 3 دروس ميدانية لـ«أنفاق غزة»
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
تلعب شبكة الأنفاق الأرضية، التى أنشأتها المقاومة الفلسطينية، دورًا مهمًّا فى المواجهات مع قوات الاحتلال منذ السابع من أكتوبر الماضي، خاصة فيما يتعلق بتخزين الأسلحة، تدريب المقاتلين، فى منشآت يصل عمقها لـ30 مترًا، وبطول 600 كيلو متر، فضلاً عن الدور المحورى للأنفاق في صمود المقاومة لمدة 11 شهرًا، رغم الحرب غير المتكافئة، بين القوات الإسرائيلية التي تستخدم أحدث الأسلحة والمعدات وأجهزة الاستخبارات، وبين عناصر المقاومة، التى تعتمد على أسلحة عادية، ومع ذلك، لم يحقق جيش الاحتلال هدفه المعلن (القضاء على المقاومة، استعادة الرهائن) بعدما مثلت الإنفاق الأرضية العامل الأساسى فى إدارة الحرب، حتى الآن.
هذه التداعيات، لفتت أنظار صناع قرارات الحرب، عالميًا، في التفكير لإيجاد طرق ووسائل للتعامل مع حروب المستقبل، التى تعتمد في جزء منها على ما يدار تحت الأرض، بحسب مقال نشره القائد الأعلى السابق لقوات حلف شمال الأطلسى (ناتو) جيمس ستافريديس، في موقع «بلومبيرج» الأمريكي: بعد مرور قرابة عام على قتال إسرائيل ضد حماس، أصبح من الواضح أن مركز الثقل العسكرى وهو العنصر الأكثر أهمية في الصراع، ليس الصواريخ أو عدد المقاتلين. وإنما كان الأكثر أهمية من كل ذلك هو الأنفاق المحفورة تحت الأرض فى قطاع غزة والتى تمتد لأكثر من 600 كم، حيث تمكنت حماس من تدريب وتجهيز وتنظيم وإطلاق الهجمات فى 7 أكتوبر باستخدام تلك الأنفاق.
الجيش الإسرائيلى حصل على كتيب تم الاستيلاء عليه من حماس في عام 2019 يوضح بالتفصيل كيف سعت الحركة إلى تعظيم قدراتها القتالية التي بنتها بشق الأنفس تحت الأرض وبعيدًا عن الأنظار، حيث قامت الجماعة بتدريب القوات على القتال في البيئة تحت الأرض، باستخدام غطاء الظلام، ونظارات الرؤية الليلية، وتوقيت الثوانى، وأجهزة تعقب نظام تحديد المواقع العالمى، والتمويه المعقد والأبواب الواقية من الانفجارات. حيث تمكنت قوات حماس من خلق ساحة معركة مختلفة تمامًا عن القتال التقليدى فوق الأرض.. هذا النمط من القتال قدم تحديات جديدة للمخططين العسكريين فى جميع أنحاء العالم، لمعرفة أماكن تواجد الأنفاق القاتلة الأخرى فى مناطق الصراع فى العالم، وماذا ينبغى على الولايات المتحدة وحلفائها للاستعداد لمواجهة حروب المستقبل التى سينطلق الكثير منها من باطن الأرض.
المهندسون الذين يعملون فى قطاع المتفجرات شيدوا مجمعات من الأنفاق على مر القرون، منذ الجيوش اليونانية والرومانية القديمة. كما استخدم الصينيون القدماء والأتراك العثمانيون مجمعات الأنفاق فى تقويض المدن المحاصرة.. الأنفاق لعبت دورًا هامًّا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ففى الحرب العالمية الأولى على سبيل المثال، زرعت قوات الحلفاء ألغامًا متفجرة قوية تحت الخطوط الألمانية. وفي الحرب العالمية الثانية، بنى الجيش الإمبراطورى اليابانى مجمعات أنفاق كثيفة على العديد من الجزر التي سعى إلى الاحتفاظ بها ضد القوات الأمريكية الغازية. ووجد اليابانيون أنهم قادرون على مضاعفة مستوى الخسائر التي يلحقها بالعدو من خلال الدفاع من داخل الأنفاق بدلاً من محاولة وقف الهجمات على الشواطئ. وفى جزيرة إيو جيما اليابانية، أسفر استخدام مجمعات الأنفاق عن سقوط 27 ألف ضحية أمربكية، بما في ذلك ما يقرب من 7 آلاف قتيل.
فى الوقت الراهن يوجد النظام الأكثر تعقيداً للأنفاق المخصصة للحرب في كوريا الشمالية، وهي مدفونة على عمق كبير، وربما لا تخترقها حتى أكبر الضربات التقليدية بالقنابل أو الصواريخ. ولذا تجرى القوات الأمربكية والكورية الجنوبية تدريبات مكثفة مصممة لدخول مثل هذه المجمعات وتدميرها في نهاية المطاف. والأنفاق في كوريا الشمالية أكبر كثيراً وأفضل دفاعاً ومليئة بالأسلحة الأكثر تقدماً من تلك الموجودة في غزة.
حلفاء الولايات المتحدة وحلف «الناتو» لديهم أيضًا مجمعات أنفاق خاصة بهم. وأبرزهم مجمع شايان ماونتن فى كولورادو، الذى تديره قوة الفضاء الأمريكية، وهو مخبأ دفاعي ضخم محصن ضد الضربات النووية في قلب قيادة الدفاع الجوى الفضائى لأمريكا الشمالية.. عندما كنت القائد الأعلى لقوات الحلف، كان لدينا نسخة أصغر من جبل شايان بالقرب من مقرى فى مونس، بلجيكا.. تلك المرافق تختلف اختلافاً جوهرياً عن مجمعات الأنفاق التي أنشأتها حماس وكوريا الشمالية وإيران وفي تورا بورا في أفغانستان، والتي كانت ذات يوم تستخدم كمخبأ لتنظيم القاعدة والآن تسيطر عليها حركة طالبان. وتزعم روسيا أنها استخدمت أنظمة الأنفاق للوصول إلى ما وراء الخطوط الأوكرانية لشن هجمات مفاجئة. كما توجد المجمعات التي تديرها الدول المارقة والجماعات المسلحة للسماح بالحصانة من الاستخبارات الغربية والضربات العسكرية التقليدية.
يخلص المقال إلى عدة دروس يجب أن يتعلمها مخططو الحرب من محاولات الجيش الإسرائيلى للسيطرة على متاهة المقاومة الفلسطينية، تحت الأرض: أولاً، يجب على أنظمة الاستخبارات التقليدية أن تركز بشكل أكبر على أنظمة الأنفاق في إيران، التي تخفي برنامجها النووي، وكوريا الشمالية، التي لا تخفي الأسلحة النووية فحسب، بل وأيضاً منصات الإطلاق لنشرها، كما يتعين على الوسائل التقنية- مراقبة الهواتف المحمولة، والمراقبة السيبرانية- والاستخبارات البشرية (العملاء الذين تم زرعهم فى وحدات العدو) أن تلقى المزيد من الضوء على ما يحدث في الظلام.
ثانيًا، تحتاج القوات الأمريكية وحلفاؤها إلى إعداد أفضل للعمليات القتالية تحت الأرض: التدريب على تدمير شبكات الأنفاق ذات الحجم الكبير، إن التكامل الهندسى مع الوحدات القتالية لا يشمل فقط الوسائل المتفجرة، بل يشمل أيضاً، على سبيل المثال، إغراق الأنفاق بالمياه، والتدريب على استخدام أجهزة الرؤية الليلية في الأماكن الضيقة للغاية، واستخدام القوات الخاصة كقوات صدمة تحت الأرض (على غرار فئران الأنفاق في فيتنام)، والاستعداد النفسي للحرب تحت الأرض بشكل مختلف تماماً عن العمليات فوق الأرض.
ثالثًا، الحاجة إلى تطبيق تقنيات جديدة، وتشمل هذه التقنيات أنظمة الاستخبارات القادرة على اكتشاف وقياس مجمعات الأنفاق من الفضاء أو استخدام طائرات بدون طيار طويلة المدى. وهذا من المحتمل أن يشمل تكنولوجيا الطيف الفائق- التصوير عالي الدقة القائم على المعلومات عبر الطيف الكهرومغناطيسي- لرؤية حركة الأرض مع توسع الأنفاق. ومن الضروري أيضاً وجود قدرات فوق الأرض غير مأهولة- الكشف الصوتي والأشعة تحت الحمراء والضوء- والتي يمكن أن تعمل قبل القوات البشرية للحد من الخسائر.
وسيكون من المفيد إيجاد طرق جديدة لجعل الحياة تحت الأرض غير مستساغة، مثل الحد من الهواء والماء على سبيل المثال، أو عن طريق خلق أبخرة غير جيدة تندفع عبر تلك الأنفاق. غير أن وجود العشرات من الرهائن الإسرائيليين في غزة يجعل استخدام كل هذه الوسائل أكثر صعوبة. لذا، علينا أن نعتمد على خصوم آخرين في الاستفادة من تجربة حماس وبدء الصراعات من خلال اختطاف عدد كبير من المدنيين أو العسكريين. إن بذل كل ما في وسعنا للاستعداد لعمليات القتل والخطف أمر بالغ الأهمية.
أوضح المقال أن حرب الأنفاق مرعبة، والاستعداد لمزيد منها سيكون للأسف عنصراً حاسماً في ساحة المعركة في القرن الحادى والعشرين. فقد أصبحت الغواصات لأول مرة مفترسات رفيعة المستوى فى الحرب العالمية الأولى بسبب قدرتها على الغوص تحت الأمواج والخروج إلى السطح لجمع المعلومات الاستخباراتية والقتل. وسوف يفكر (الإرهابيون) والدول المارقة بشكل متزايد في كيفية القيام بنفس الشىء من تحت سطح الأرض.
اقرأ أيضاً«الأسبوع» تخترق «جدار السرية» الإسرائيلي شمال غزة
جنود أمريكان في أنفاق غزة.. صديق «آرون بوشنل» يكشف أسرار عسكرية لأول مرة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: القضية الفلسطينية حلف الناتو غزة أنفاق غزة تحت الأرض
إقرأ أيضاً:
تغريدة قائد الجيش الأوغندي والبعد الإقليمي لحرب السودان
وجه الحقيقة – إبراهيم شقلاوي
وأنا أبدأ كتابة هذا المقال على خلفية تغريدة قائد الجيش الأوغندي تحدثت مع أحد جنرالات الجيش السوداني السابقين الذين شهدوا حرب جنوب السودان قال: “يعلم العسكريون الأوغنديون الذين خاضوا معارك ضد الجيش السوداني في الاستوائية خلال أيام تمرد جون قرنق أن السودانيين يجيدون القتال المفتوح والمواجهة المباشرة من المسافة صفر حتى أن الأوغنديين كانوا يقيدون جنودهم بالسلاسل ليمنعوهم من الفرار من ساحة المعركة” .
لكن دعونا نحاول قراءة الدوافع والأهداف الكامنة خلف هذه التغريدة المثيرة للجدل ، والتي تم تداولها على نطاق واسع بين السودانيين في سياق الحرب الدائرة الآن . الجنرال “موهوزي كاينروجابا”، وهو أيضًا نجل الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني ، غرد بالأمس على منصة “إكس”: “نحن ننتظر فقط أن يصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة وبدعمه سوف نستولي على الخرطوم”. وأضاف أن ما أسماها “الفوضى” سوف تنتهي في السودان قريبًا ، وقال: “إذا كان هؤلاء الشباب في الخرطوم لا يعرفون ما هي الحرب فسوف يتعلمون” .
هذه التصريحات تفتح الباب لتحليل أوسع حول الأبعاد الإقليمية والدولية المتشابكة في حرب السودان خصوصًا في ضوء التاريخ المعقد بين السودان وأوغندا . إن تصريحات كاينروجابا ليست مجرد تهديدات عابرة بل هي جزء من سياق طويل ومعقد بين البلدين . فكما نعلم شهدت العلاقات بين السودان وأوغندا توترات متعددة ، بدءً من دعم أوغندا للحركات الانفصالية في جنوب السودان مرورًا بتدخلاتها في دارفور وانتهاءً بالدعم غير المعلن لقائد مليشيا الدعم السريع ، الذي كان أول ظهور له عقب اندلاع الحرب في أوغندا التي استقبلته استقبال المنتصرين . كما سعى الرئيس موسيفيني مرارًا لجمع قائد التمرد مع الرئيس البرهان لإيجاد موطئ قدم لمليشيا الدعم السريع في اليوم التالي من الحرب .
هذه الخلفية التاريخية تجعل تصريحات قائد الجيش الأوغندي أكثر دلالة على التوجهات الاستراتيجية لأوغندا في المنطقة . فالسودان الذي يُعد نقطة تقاطع استراتيجية بين العالم العربي وأفريقيا كان ولا يزال مسرحًا لصراعات سياسية وعسكرية معقدة . لذلك تأتي تصريحات كاينروجابا في وقت حساس ، ويمكن تفسيرها بأنها محاولة لتعزيز الحضور الأوغندي في المشهد الإقليمي خاصة مع احتمالية سعي بعض الدول لتوسيع نفوذها في ظل الحرب في السودان . ومن خلال الإشارة إلى إمكانية الدعم الأمريكي يفتح كاينروجابا المجال لتدخل دولي محتمل ، ظل يُلوح به بعض الأطراف كلما اقترب الجيش السوداني من حسم الحرب .
لذلك في تقديري من الضروري أن يتبنى السودان موقفًا دبلوماسيًا حازمًا في مواجهة مثل هذه التهديدات، باستدعاء السفير الأوغندي ومطالبته بتوضيحات . كما يجب أن تعمل الحكومة السودانية على فتح قنوات تواصل مباشرة مع الحكومة الأوغندية لتفادي التصعيد العسكري مع توضيح أن أي تدخلا عسكريا في الأراضي السودانية تحت أي عنوان سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها ، وأن هذا يشكل تهديدًا للأمن الإقليمي لن ينجو منه أحد .
كذلك يجب على السودان أن يتقدم بشكوى عاجلة للمنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيقاد ضد هذا التدخل الأوغندي . وبجانب ذلك تعزيز التعاون مع دول أخرى بما يشكل جبهة إقليمية موحدة يعزز موقف السودان ، ويقلل من تأثير الضغوط الأوغندية أو أي ضغوط محتملة من أطراف تخدم أجندة المليشيا . وعلى الصعيد الدولي يجب أن يسعى السودان للحصول على دعم القوى الكبرى لإدانة المليشيا وتصنيفها كجماعة إرهابية .
من أبرز التساؤلات التي تثيرها تصريحات الجنرال الأوغندي أنها تزامنت مع أنباء عن لقاء بين عبد الرحيم دقلو الرجل الثاني في مليشيا الدعم السريع ورئيس تنسيقية القوى المدنية “تقدم” عبد الله حمدوك في نيروبي. وقد تكون تصريحات الجنرال الأوغندي بمثابة تحذيرا أو محاولة تنسيقا معلنا مع هذا التحالف ، بالنظر إلى الحديث عن حكومة محتملة في مناطق سيطرة مليشيا الدعم السريع للضغط على الحكومة السودانية . وربما تمثل محاولة لإعلان موقف من أوغندا داعم لهذه الحكومة .
أما حديثه عن “الشباب في الخرطوم”، فمن المؤكد أن الجنرال الأوغندي يشير إلى الشباب السودانيين الذين انخرطوا في الدفاع عن بلدهم. هؤلاء الشباب يعرفهم تاريخ المواجهة مع الأوغنديين إبان حرب جنوب السودان . وبالتالي، فإن تصريحاته بلا شك تمثل تهديدًا مباشرًا ، ليس بعيدًا عن بصمة تنسيقية القوى المدنية “تقدم” ، وربما تعكس نية أوغندا في اتخاذ مواقف عدائية تجاه القوات المسلحة السودانية والشعب السوداني قاطبة .
تصريحات الجنرال الأوغندي يمكن أن تُفهم في إطار محاولات ضغط إقليمي على السودان. قد يكون الهدف منها دفع الحكومة السودانية لقبول شروط معينة ، سواء سياسية أو أمنية أو الذهاب إلى تفاوض بحسب رؤية الداعمين المحليين والإقليميين . لذلك يرى مراقبون أن مثل هذه التصريحات قد تكون جزءً من مؤامرة أوسع تسعى إلى تغيير موازين القوى في البلاد بعد الانتصارات التي بدأ يحققها الجيش على المليشيا في عدد من جبهات القتال .
عليه، وبحسب ما نراه من “وجه الحقيقة” من المهم أن يصدر ردا رسميا حازما من الحكومة السودانية على هذه التهديدات ، حفاظًا على سيادة السودان وكرامته . كما يجب على القوى السياسية الوطنية والمدنية في السودان تبني موقف موحد لرفض التدخلات الخارجية ، وإرسال رسالة واضحة بأن السودان لن يقبل المساس بأمنه واستقلاله . عليه تظل تصريحات قائد الجيش الأوغندي تشير بوضوح إلى التدخلات الإقليمية والدولية في حرب السودان ، مما يستوجب على السودانيين مزيدًا من التكاتف والتعاضد لهزيمة كافة المخططات الإقليمية والدولية .
دمتم بخير وعافية .
الأربعاء 18 ديسمبر 2024م
Shglawi55@gmail.com
إبراهيم شقلاوي