لعقود طويلة من الزمن ظلت الانقسامات سمة ملازمة للمشهد السياسي في السودان، لكن بالتوازي مع التشظي العسكري والأمني الكبير الذي يشهده السودان منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، تزايدت حالة الانقسام والاستقطاب مما أدى إلى بروز عدد من التحالفات المدنية.

التغيير ــ وكالات

ثورة ديسمبر خلفية الانقسامات

عند اندلاع ثورة ديسمبر 2028، شاركت معظم القوى السياسية في الحراك تحت مظلة تحالف عريض، عرف وقتها بتحالف “قوى الحرية والتغيير”، لكن التوتر الحاد الذي اندلع بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الإخوان في أبريل 2019، وبروز قوى جديدة بعد توقيع اتفاق السلام مع الحركات المسلحة في أكتوبر 2020، أحدث خلخلة كبيرة في التماسك المدني.

وتزايدت حدة الخلافات أكثر خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت انقلاب 25 أكتوبر 2021، ما نجم عنه انقسام قوى الحرية والتغيير إلى جناحين، ضم أحدهما معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية والمهنية والمدنية التي كانت منضوية في التحالف الأصل، في حين شكلت مجموعة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا – عدا حركتي عضوا مجلس السيادة السابقان الهادي ادريس والطاهر حجر – وبدعم من عدد من واجهات النظام السابق وتنظيم الإخوان جناح ثاني للحرية والتغيير عرف بـ”الكتلة الديمقراطية”، فيما خرجت أحزاب رئيسية مثل الشيوعي والبعث عن التحالف الأم.

وفي حين قادت المجموعة الأولى المكونة للجناح الأم الحراك الرافض للانقلاب واعتقل الكثير من قياداتها لأشهر طويلة، دعم الجناح الذي يضم حركات اتفاق جوبا وواجهات تنظيم الإخوان الانقلاب بقوة وشارك في السلطة التي تشكلت بموجب الانقلاب.

وبعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، برز واقع جديد حيث شكلت مجموعة قوى الحرية والتغيير الأصل تحالف اعرض عرف بتنسيقية القوى المدنية “تقدم” والذي ضم أكثر من 100 جسم سياسي ومهني ومدني وهو يقود حاليا الجهود الرافضة للحرب ويحظى بتأييد دولي وإقليمي كبير.

وفي الجانب الآخر اتخذت مكونات الكتلة الديمقراطية التي تضم حركات مسلحة أبرزها حركتي وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم وحاكم إقليم دارفور مني أركي مناوي ومجموعات صغيرة موالية لتنظيم الإخوان، موقفا مناصرا للجيش وداعما لاستمرار الحرب.

وخلال الأسابيع الأخيرة أعلنت مجموعة أخرى عن تشكيل تحالف جديد أطلق عليه اسم القوى المدنية المتحدة “قمم”.

توجهات متباينة

يصف بكري الجاك المتحدث باسم تنسيقية “تقدم”، المجموعة بأنها تحالف عريض يعمل على وقف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي.

ويقول الجاك لموقع سكاي نيوز عربية “يهدف تحالف تقدم إلى إيقاف الحرب أولا وإعادة بناء الدولة السودانية على أساس المواطنة المتساوية واستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي.. نجح التحالف خلال أقل من عام على تكوينه في طرح نفسه كخيار مدني رافض للحرب ومنحاز كليا للسلام”.

أما بالنسبة لطبيعة وتوجهات تحالف الكتلة الديمقراطية، فيوضح محمد زكريا، الناطق الرسمي باسم التحالف، لموقع سكاي نيوز عربية “نعمل على التأكيد على أهمية شمولية العملية السياسية وإشراك جميع الأطراف لمنع محاولات السيطرة من قبل مجموعات صغيرة تسعى لتحقيق مصالح ضيقة.. هذه المجموعات ترى في توسعة دائرة المشاركة والانتخابات الحرة النزيهة تهديداً لخططها، وتلجأ إلى تشويه صورة الآخرين والتحجج بأن التوسعة تُغرق العملية السياسية”.

ويتهم الكثير من المراقبين الكتلة الديمقراطية بالمساهمة في قطع الطريق أمام التحول المدني من خلال دعمه لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، لكن زكريا يقول “تقوم الكتلة بدعم مؤسسات الدولة والقوات المسلحة في دفاعها عن الوطن، وتعارض محاولات انتهاك سيادة السودان وتقسيمه من قبل بعض الجهات الدولية التي تسعى لتسييس الإغاثة واستخدامها كذريعة للتدخل الدولي”.

ويمضي زكريا في رده على الاتهامات الموجهة لتحالفه باتهامات مماثلة لتنسيقية تقدم، ويقول “الخارطة السياسية للتحالفات المدنية تُظهر أن معظم القوى السياسية والمدنية تدعم الوطن والمواطن ضد الدعم السريع، مع استثناء مجموعة تقدم التي تحالفت معها، رغم ادعائها الحياد”.

وفي حين تشارك بعض مكونات الكتلة الديمقراطية بقوات على الأرض مع الجيش، ولديها وزراء ومسؤولين ممثلين في السلطة القائمة حاليا في بورتسودان والتي أعلنت في مناسبات عديدة رفضها لانخراط الجيش في الجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب، تشدد تقدم على أنها تتخذ موقف الحياد من طرفي الحرب الحالية وتؤكد العمل على دعم جهود وقف الحرب.

وتنفي تقدم الاتهامات التي وجهها لها زكريا بالانحياز للدعم السريع، وتقول إن كل مساعيها خلال الفترة الماضية تركزت على محاولة التواصل مع طرفي القتال من أجل الدفع في اتجاه وقف الحرب وإنهاء معاناة السودانيين، مشيرة إلى أن لقائها مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في يناير الماضي، جاء بعد استجابته للخطابات التي أرسلتها له ولقائد القوات المسلحة والتي دعتهما فيها للقاءات عاجلة تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي.

من جانبه يشير إبراهيم زريبة الأمين السياسي لتحالف القوى المدنية المتحدة “قمم” إلى أن طبيعة تكوين التحالف تقوم على البناء الرأسي من خلال تنظيم الفاعلين في المجتمع من كافة المستويات.
ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية “تشكيل التحالف تم على إثر حراك وسط الجماهير وفهم مشاكلهم ومعاشهم رغم الضنك الذي ولدته الحرب وعبر العمل الطوعي لمنسوبينا وشبكات منظماتهم المتواجدة علي الارض”.

ويرى زريبة أن ما يميزهم عن الكتل الأخرى الموجودة في الساحة، هو “الانسجام والتناغم”.

وحول الاتهامات التي تعتبر تحالف “قمم” حاضنة سياسية لقوات الدعم السريع، يقول زريبة “هذه الاتهامات تندرج في سياق الانقسام المجتمعي بفعل خطاب الكراهية الموجه ضد مكونات اجتماعية بعينها”.

طرح متباين

تطرح تنسيقية “تقدم” التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، رؤية من 4 محاور لحل الأزمة المستفحلة في البلاد؛ تبدا بوقف إطلاق النار وفتح مسارات آمنة للسكان ومعالجة الأزمة الإنسانية والدخول في عملية سياسية تشمل الإصلاح الأمني والعسكري وقضايا العدالة الانتقالية وإعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة.

وأعلنت التنسيقية دعمها لمنبر جدة التفاوضي ومبادرة الاتحاد الأفريقي التي طرحها في الخامس والعشرين من يونيو والتي تتبني خطة تدمج بين رؤية منبر جدة ومقترحات الهيئة الحكومية للتنمية “الايقاد” والتي تنص على إجراءات تؤدي لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي لإنتقال السلطة من العسكر للمدنيين. كما أعلنت دعمها للمفاوضات التي جرت في منتصف أغسطس في مدينة جنيف السويسرية.

اما الكتلة الديمقراطية فتلخص رؤيتها في الحل السوداني ورفض الأجندات الغربية. وفي هذا الإطار يوضح الناطق باسم الكتلة “برزت مواقفنا في معارضة الاتفاق الإطاري الذي رعته بعثة يونتامس الاممية.. نعمل بجدية من أجل التحول الديمقراطي، والتفاعل الإيجابي والموضوعي مع المبادرات الرامية لحل الأزمة السودانية، في حين يقاطع الآخرون منابر الحوار”.

ويضيف “تتمسك بوحدة السودان وسيادته، وترفض التدخل الأجنبي السلبي، بينما يدعو الآخرون لإدخال قوات أممية”.

ويحدد إبراهيم زريبة أولويات التحالف الوليد بالقول “ما يحتاجه الشعب السوداني هو وقف الحرب والمصالحة الوطنية الكبرى وبناء السلام”. ويشدد على أن الأزمة الانسانية الطاحنة تستدعي التدخلات من أجل تقديم العون الإنساني وحشد الموارد من أجل السودان”.

وتشدد “قمم” على أنها تولي اهتمام كبير بالدعوة لوقف ضربات الطيران الانتقائية واستهداف الأطفال والنساء المدنيين العزل والتصدي لخطاب الكراهية واحترام التنوع، وإشراك مجتمعات الأقاليم المختلفة في إدارة شئونها وعدالة توزيع الموارد والفرص.

وتتبنى “قمم وفقا لأمينها السياسي، رؤية تقوم على إعادة تأسيس جيش قومي مهني يعبر عن تنوع أهل السودان وينأى عن السياسة.

ماذا يقول المراقبون؟

يرى محمد خليفة أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، أن التحالفات السياسية في السودان تقوم على “أرضية هشة” بسبب التشوهات التي حدثت خلال سنوات الحكم العسكري الطويلة التي عاشتها البلاد منذ الاستقلال.

ويقول خليفة لموقع سكاي نيوز عربية “حالة السيولة السياسية والأمنية الحالية تلقي بظلالها على الأحزاب والمكونات السياسية وتسفر بالتالي عن تحالفات هشة ومرحلية وقابلة للتفكك في اي لحظة”.
ويضيف “غالب التحالفات الموجودة حاليا لا يمكن اعتبارها تحالفات استراتيجية أو طويلة الأمد فهي في الغالب تركز على مغازلة من يملك القوة وتدور في فلكه”.

ويشير خليفة إلى عدد من القواسم المشتركة بين التحالفات السياسية الموجودة مثل الضعف وعدم القبول الواسع لأن معظم مكونات الشعب السوداني فقدت الثقة في الأحزاب السياسية، بحسب تعبيره.

وفي ذات السياق، ينبه الصحفي والمحلل السياسي محمد مختار، إلى أن بروز معظم التحالفات الحالية جاء نتيجة استقطاب سياسي حاد لم يشهده السودان من قبل، وفي ظل تمايز واضح في المواقف حيال قضايا مفصلية مثل التحول الديمقراطي وأهداف ثورة ديسمبر بل حتى في مسألة السلام والحرب.

ويصف مختار التحالفات السياسية الحالية بأنها تحالفات “تصطف على طرفي نقيض، منها ما يقف مع وقف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي وإعادة تأسيس جديدة تتجاوز سلبيات الماضي، مثل تحالف تقدم، وأخرى تسعى لتحقيق مصالح سياسية وايديلوجية ضيقة وتبحث عن موضع لها في معادلة ما بعد الحرب لذلك تدفع نحو استمرار الحرب”.

ويضيف مختار في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية “خارج هذا الاصطفاف الثنائي توجد قوى سياسية متفرقة لها انحيازات واصطفافات ذات ملمح مباشر وغير مباشر مع الطرفين، أبرزهم الحزب الشيوعي وحزب البعث والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور”.

أبرز التحالفات

تنسيقية “تقدم”: تأسست في أكتوبر 2023، وتعتبر التحالف الأعرض منذ تشكيل تحالف ثورة 2018، وتتكون من 16 حزب سياسي و24 نقابة ومجموعة مهنية وأكثر من 100 جسم مدني وأهلي إضافة إلى 4 حركات موقعة على اتفاق السلام من تلك التي رفضت انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. وأعلن التحالف رفضه للحرب الحالية وعدم الانحياز لأي من أطرافها.
الكتلة الديمقراطية: تتكون من عدد من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام إضافة إلى أحزاب سياسية ومجموعات قبلية وعدد من المجموعات الموالية لتنظيم الإخوان الذي أطاح الحراك الشعبي في أبريل 2019 بنظام حكمه الذي استمر 30 عاما. أيد التحالف انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 وشاركت معظم مكوناته في السلطة التي تم تشكيلها في أعقاب الانقلاب، وانضمت مجموعة من الحركات المسلحة المنضوية تحت التحالف إلى جانب الجيش في حربه الحالية مع قوات الدعم السريع.
القوى المدنية المتحدة “قمم”: تتألف من 68 مكون تشمل مجموعات شبابية ونسوية وقيادات مجتمعية وطرق صوفية ومنظمات مجتمع مدني وقوي سياسية. تشكل التحالف حديثا، وسط اتهامات – ينفيها التحالف – بأنه يشكل واجهة سياسية لقوات الدعم السريع.

نقلاً عن سكاي نيوز عربية

الوسومالأزمة الإنسانية الحرية والتغيير تحالف حمدوك طرح متباين

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأزمة الإنسانية الحرية والتغيير تحالف حمدوك

إقرأ أيضاً:

منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ

منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ (1-3)
عبد الله علي إبراهيم
الفصل الحادي والاربعون من كتابي “. . . ومنصور خالد”
حاولت عبر عقود الإنقاذ الثلاثة مهاداة المعارضة أن تكف عن الخوض في خطاب الهامش والمركز بالغرض المعارض (أو الجهل لا فرق). فالإنقاذ ستسقط، ولكنهم سيرثون فتنة الأعراق التي استثاروها. وتجد هنا فصلاً من كتابي “. . . ومنصور خالد” أخذت فيه عليه مجازفته بربط عمل جماعات من شعب جبال النوبة “الألتة” (نقل “عيفونة” المراحيض) إلى مستقرها برق الشماليين التاريخي بينما نهضت الدلائل على فساد هذه الفكرة. والغريبة أنه وقف على مرجع درس الظاهرة بغير حاجة إلى ربطها بالرق الشمالي فأضرب عنه وأخذ منه العفو. وهذا عتو.
ولذا قلت إن كان لهذه الحرب من ثقافة من ورائها فهي من عوس معارضة وقع طلاق البينونة بينها وبين الفكر. ولما جاءت للحكم تفجر ذلك العوس في وجهها وقصم ظهرها.
إلى الفصل:
نسبني البعض للاشتطاط وذلك حين اشتبهت في تقلُّد منصور درجة الدكتوراه التي ظلت تسبق اسمه منذ ذاع صيته في السودان بمقالات بعد ثورة أكتوبر جمعها في كتابه “حوار مع الصفوة” (1979). بل تجرَّأ أحدهم وقال إن الرجل يزين هذه الدرجة العلمية ونقصها لا يشينه. وهذا تبذُّل ذهب بالإحسان في بلدنا جملة واحدة. ولم نكن لنشغل أنفسنا بمؤهَّل منصور لو أنه كتب ما يعنُّ له مثل سائر الكاتبين. ولكنه كاتب ذو عزة مهنية علمية سامقة كما رأينا. فقد نعى على فكرنا الاختباط نسدجُّ به في الباطل لمفارقته المنهج التوثيقي. وهو عنده المنهج الأشد “لزوماً عند تناولنا القضايا الاجتماعية المعقَّدة التي لا ينبغي أن يبتني الناسُ أحكامهم فيها على افتراضات وساوس، وشوائع ملهوجة، وثوابت مزعومة “جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 7”. ومثل هذا كثير جداً عند الرجل. فلا يستغربن محاكمته بما قال إلّا أرعن.
أقف بالقارئ بهذا الفصل من كتابنا عن منصور ليرى بنفسه عوار منهج منصور العِلمي. وأفدح مظهر في سوأة الرجل ككاتب أنه يـُطفِّف في مراجع بحثه. فلا تَرُدُّه عن رأي اتفق له حُجَّة أو كشف فكري. فلم يُخْلَق بعد المرجع الذي يتواضع عنده منصور. فيعيد النظر عن ذائعة وافقت هواه أو معتقده. ومتى بطُل مفعول المرجع أصبح البحث لعبةً غرضها الأسمى طلب الكاتب الشوكة بها لنفسه، كما قال أحدهم. وهذا العتوُّ الفكري مستغرب من مثل منصور الذي سلق فكرنا بلسان حديد لأننا نتشاحَّ في الأمور “بلا كتاب منير يضئ طريق البحث والاستقصاء” “جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 6″. وستجد منصور يَزورُ الكتاب المنير فيزوَّر عنه مستعصماً بـ”افتراضات وساوس، وشوائع ملهوجة، وثوابت مزعومة”.
وأضربُ على استعلاء منصور على مصدره مثلاً. فقد ظل يروج لفكرة أن عمل أبناء جبال النوبة في “الألته” (وهي نقل قاذورة مراحيض الجرادل) من آثار الرق في السودان. وهو رق مارسه عرب الشمال المسلمون على النوبة. ومن ذيوله إيكال هذه الخدمة المهينة لهم. وعرض منصور لهذه المسألة مرَّتين على الأقل في كتبه السائرة. مرة في “جنوب السودان في المخيلة العربية” (2000) وثانية في “السودان: أهوال الحرب” (2003). وكان بمتناول منصور كتاب منير (زكاه هو نفسه بعبارات قوية) لربما لو قرأه حقاً لتحفَّظ في نظرته للنوبة والألته، ولرتـًّبها بصورة أكثر نفاذاً ونفعاً لتاريخنا الاجتماعي. زعم منصور في كتابه عن المخيلة العربية (صفحة 427) أن خدمة الألته المسيئة وقعت للنوبة لأن الرق الشمالي قد أحلهم مرتبة اجتماعية دنيا. فمن رأيه أن الرق في السودان خلق تراتبية اجتماعية قطعت لكل قبيل من السودانيين ما يصلح له من شغل بحُكم الأصل والفصل. وجاء منصور في هذا السياق بما يذكِّر المرء بنظم الطوائف الهندية من براهما ومنبوذين وغيرهما. ففي السودان أيضاً، حسب قول منصور، طوائف محتـَقَرة تمارس مهناً وضيعة. ومن أولئك النوبة التي اختصَّها ذلك التراتب السوداني طائفياً بنقل حاويات البراز البشري من المراحيض العامة والخاصة على الرؤوس والأكتاف. وهي خدمة، في عقيدة منصور، لم يزاولها أبناء جبال النوبة مياومة في الخرطوم وضواحيها في فترة الاستعمار فحسب، بل وأيضاً طوال فترات الحكم الوطني حتى عام 1969 حين ألغي نظام انقلاب مايو 1969 هذه الممارسة بعد عقدين من الاستقلال. وقد أسعد ذلك المحامي معتصم التقلاوي فكتب كلمة تستدرّ الدموع فرحاً بالموقف. ومعتصم كان من بين صفوة النوبة الذين أنشأوا تنظيماً في 1967 باسم الزنوج الأحرار. ولم يسُر هذا أهل الشمال ف “استنفج” غضبهم، في قول منصور، أن تنشيء النوبة عصبة سياسية وهم قوم بور.
واستعان منصور بالنظرة المقارنة لبيان رأيه. فنظر إلى موريتانيا التي أصبحت صنواً للسودان في مادة الرّقّ وذيوله. فقارن منصور وضع البلدين من جهة التراتبية الاجتماعية. واستبعد أن يواجه السودان ثورة تحريرية دموية من “عبيده” السابقين كما وقع بين بيضان موريتانيا وسودانها. فالسودان ” كان أسعد حالاً لأسباب عددا. منها أن الاستعمار حارب الرق واستوعب المبرِّزين من أبناء الزنوج المنبتين (detribalized كما يقال)، أي مَنْ لم يربطهم بالريف والقبائل رباط؛ في مواقع مميزة كالجيش، فلعبوا دوراً مميزاً في المجتمع برغم جحود شمالي منكر. ومما لطّف من هذه الثورة أيضاً لجوء الجنوبيين للعنف منذ بواكير الاستقلال.
وفي كتابه (السودان: أهوال الحرب – 2003) عاد إلى موضوع الألته في سياق عرضه لنشأة جماعة الكتلة السوداء في 1942. وقد انحدر أسلاف مُنشئي هذا التنظيم من جبال النوبة والجنوب ودارفور بقيادة ضباط معاشيين منهم ومهنيين. وكانت خدمة النوبة في الألته من ضمن ما استفزهم لطلب المساواة بين الأعراق في البلد. وقال منصور أن أداء الألته كان محصوراً على أبناء جبال النوبة: “وكان قَدَرُ أبناء جبال النوبة أن يحملوا تلك القاذورات على رؤوسهم”. وزاد بأن شعب الدينكا شابه الشماليين في تكليف الجماعة المستضعفة بالمهن المستحقَرة. فقد قصَّروا الحدادة على الفرتيت البانتو ممَّن ظنَّوهم أدنى منزلة. ومع ذلك استقبح الألته وقال إنها الأفظع لتجريدها العامل فيها من آدميته. وقال إنها صنعة جاء بها الإنجليز من الهند وخصوا بها المنبوذين. ولم تُرفَع عنهم إلا باستقلال الهند. ولم يوقف هذه الممارسة المسيئة في السودان إلّا نظام نميري بعد 13 عاماً من الاستقلال.
الشاهد هنا أن منصور قصر عمل الألته على أبناء جبال النوبة كجماعة مستحقَرة لأنها كانت نهباً قديماً للنِّخاسة. ونريد هنا، قبل الخوض في نظرية منصور، عن هذه الخدمة المسيئة نقض عقيدة الرجل في أنّ النوبة وحدهم هم من ابتــُلوا بخدمة الألته من دون السودانيين الآخرين. ومتى ما أثبتنا أن الألته شملت النوبة وغير النوبة أصبح ميسوراً بالطبع الطعن في نظرية منصور عن الاستحقار والرق والمهن. فقد جاءت الدراسات المستجَدَّة بما وسّع نطاق من خدموا الألته فوضح شمولها غير النوبة.
ونواصل

منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ (2-3)
عبد الله علي إبراهيم
قصل من كتابي “. . . ومنصور خالد”
رأينا كيف قصر منصور قصر عمل الألته على أبناء جبال النوبة كجماعة مستحقَرة لأنها كانت نهباً قديماً للنِّخاسة. ونريد هنا، قبل الخوض في نظرية منصور، عن هذه الخدمة المسيئة نقض عقيدة الرجل في أنّ النوبة وحدهم هم من ابتــُلوا بخدمة الألته من دون السودانيين الآخرين. ومتى ما أثبتنا أن الألته شملت النوبة وغير النوبة أصبح ميسوراً بالطبع الطعن في نظرية منصور عن الاستحقار والرق والمهن.
جاءت الدراسات المستجَدَّة بما وسّع نطاق من خدموا الألته فوضح شمولها غير النوبة. فلم يَقصِر كتاب أحمد العوض سكنجا “من دَرَك الرَّقيق إلى دَرَج العُمَّال” (1996) الشغلة على النوبة. وهو كتاب قرأه منصور منذ تأليفه “جنوب السودان في المخيلة العربية” (2000) وأشاد به على صفحة 415 منه. ثم اعتمده في ثبت مراجعه في كتابه “السودان: أهوال الحرب” (2003). وعلى إلحاف منصور على مسألة النوبة والألته في كتابين؛ مرَّت سنوات ثلاث على صدورهما، لم يتمهل فيستجلي بيِّنة الأمر كما يجدر بباحث طويَّته البحث عن الحقيقة. لم يَقْصِر سكنجا في كتابه المنير مهنة الألته على النوبة كما ذكرنا. ففي صفحاته (123-125) شمل الرقيق المحررين أو الآبقين أيضاً في شغل الألته في بدء عهد الاستعمار. وقال إن هذا المصدر جفَّ بالتدريج لأن الرقيق السابقين اشمأزوا منه وابتعدوا عنه. فلجأت السلطات للسجناء ليخدموا الألته. وتعذَّر هذا المصدر أيضاً لأن خدمة المساجين هي سحابة النهار لا طوايا الليل بينما الألته من خدمات الليل لأنها مُقرفة وروائحها طاردة. فأولى بها أن تؤدَّى ليلاً. ولجذب العاملين للخدمة فيها زادت سلطات الخرطوم الأجر اليومي الى تسعة قروش بغير نتيجة. وشحَّ الطلب للعمل فيها حتى كادت السلطات أن تـُلغي النظام بأسره. ولكنهم وجدوا أن بعض مهاجرة النوبة في الخرطوم راغبين في الخدمة للغرض. ولكن هذا المدد النوبي سرعان ما تهدَّده التوقُّف لبدء الحكومة في “سياسة جبال النوبة” المعروفة التي قضت بالنجاة بالنوبة وغيرهم من تأثير الإسلام والعربية. ومن باب أولى أن تعترض الحكومة على هجرات النوبة للشمال النيلي حتى لا يقعوا فريسة تأثيرات الشمال المــُنكَرة. وكان الرأي أن “يكشوا” (جمع وترحيل الجماعة عنوة) النوبة في الخرطوم ليعودوا بهم إلى بلدهم لينشأوا على لبن ثقافتهم الأصل الخالصة. وطلب السكرتير الإداري من مديري المديريات الشمالية ردَّ النوبة إلى بلودهم. ثم استفسرهم عن أعداد النوبة وغير النوبة. العاملين في الألته، وعن أجورهم. وتساءل إن كان بوسعهم الحصول على غير النوبة لاستخدامهم في المهمة. واتضح بالتحرِّي أن وجود النوبة في تلك المديريات غير ضروري لخدمة الألته. ففي مديرية الفونج، التي خلت من النوبة، خدمها المساجين. ورأى المسؤولون أن بوسع المديرية استخدام شعب القُمَّز للخدمة كاحتياطي. وورد في تقارير تحرى المفتشين فيها عن النوبة في خدمة الألته فوجدوهم اثني عشرة من جملة مائة وتسعة عاملاً في مديرية بربر، وسبعة من تسعة وعشرين عاملاً في مديرية أخرى، بينما كان هناك اثنان وتسعون من الحلنقة والبني عامر والبورنو والفور، وثلاثة من جملة ثمانية عمال بالنيل الأبيض فيهم الدينكا والفور والفرتيت والهمج والبرقو.
لا تتَّفق إذن الاحصائيات من حصيلة تحرِّيات الإنجليز مع منصور في قَصْرِ عمل الألته على النوبة. بل جاءت بما يفيد أنه كان من بين عمالها عربٌ ممَّن نسبهم منصور إلى الجماعة الشمالية المميَّزة. وقد عَرَض سكنجا قائمة بالأصول العِرقية والقبلية لعمال الألته بمصطلح مفتشي الإنجليز فكانت على هذا النحو:
سودانيون (عبيد) وجنوبيون (زنوج) = 35
سودانيون (عبيد) وجنوبيون (زنوج) = 35
الفور وغرباويُّون من غير العرب = 28
عرب (رحل) = 19
فلاتة = 8
دناقلة = 6
أثيوبيون = 1
ونواصل

منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ 3-3
عبد الله علي إبراهيم
قبل أن تقع هذه الحرب استدعتها أقلام مثل منصور خالد بثقافة لم تتمثل لقواعد البحث في شعواء المعارضة أو تزكية النفس.
رأينا كيف قصر منصور قصر عمل الألته على أبناء جبال النوبة كجماعة مستحقَرة لأنها كانت نهباً قديماً للنِّخاسة. ولم يثبت هذا بالبحث. فجاءت الدراسات المستجَدَّة بما وسّع نطاق من خدموا الألته فوضح شمولها غير النوبة. فلم يَقصِر كتاب أحمد العوض سكنجا “من دَرَك الرَّقيق إلى دَرَج العُمَّال” (1996) الشغلة على النوبة. وهو كتاب قرأه منصور منذ تأليفه “جنوب السودان في المخيلة العربية” (2000) وأشاد به على صفحة 415 منه. ثم اعتمده في ثبت مراجعه في كتابه “السودان: أهوال الحرب” (2003). وعلى إلحاف منصور على مسألة النوبة والألته في كتابين؛ مرَّت سنوات ثلاث على صدورهما، لم يتمهل فيستجلي بيِّنة الأمر كما يجدر بباحث طويَّته البحث عن الحقيقة.
ويغري ما جاء عند سكنجا بدراسة الألته كي نبلغ تاريخاً اجتماعياً كاشفاً نافعاً يتجاوز منصور الذي كم ضَيَّق واسعاً! فواضح من مكاتبات الإداريين الإنجليز حول هذه المهنة العصيبة أنها ممّا تحكَمت فيه سياسات استعمارية للعمل والأجر والثقافة والإدارة. فـــالألته عملٌ مأجور لم يسبق في البلاد. فلم يفرضه الإنجليز سُخْرة حتى. مع أن السخرة كانت ضرباً معتمداً في الخدمة للمستعمرين تجلت في تعبيد الطرق وتنقية القنوات في جنوب البلاد وشمالها كما سنرى في فصلٍ قادم من هذا الكتاب (. . . ومنصور خالد).
وليس واضحاً في المكاتبات أن الإنجليز قصدوا النوبة بتلك الخدمة بإغراءٍ من منزلتهم الدنيا في التراتب الاجتماعي كما اعتقد منصور. فقد كانت الألته معروضة في سوق العمل لمن يأخذها. وقد رأينا أن النوبة لم يكونوا وحدهم فيها بل جمعت أشتاتاً من السودانيين. ولجذب العاملين للخدمة فيها جعلها الإنجليز المهنة الأعلى أجراً. فقد حصل العامل بين 120 إلى 170 قرشاً في الشهر. وهذا أعلى بكثير من أجر المياومين الآخرين. وبلغ أجر المياوم فيها ثلاثين قرشاً خلال الأزمة الاقتصادية في 1929.وتحاشاها كثير من العمال مع ذلك وقبلوا بأجر تراوح بين ثلاثة إلى أربعة قروش في اليوم للخدمة في غير الألته. وعليه فالنظر في الألته كعمل مأجور في سياق استعماري حداثي هو الخطة المثلى للعلم بهذا الجانب من تاريخنا الاجتماعي. وهذا التعريف الحسُن بالمسألة هو ما يسمِّيه منصور ب “تسوير المسألة” أي تحديدها. فتعريف مسألة البحث على وجهها الحق هو أول عتبة في طريق فهمها بشكل ناجز. فالتشخيص كما يعرف كل طبيب هو أسُّ العلاج.
من جهة أخري ستنبهم علينا خدمة الألته إذا لم نقرأها على خلفية سياسة المناطق المقفولة تلك التي زعم الإنجليز تبنيها للحفاظ على ثقافات “زنج” السودان من تأثيرات الثقافة العربية الإسلامية الشمالية. وكان رائد هذه السياسة، وعُرفت ب “سياسة النوبة” في مديرية كردفان ومديرها آي جى جيلان (1928-1932). وقامت هذه السياسة على “كرتنة” النوبة في جبالهم وحجبهم عن الهجرة للشمال. واستخدم الإنجليز “الكَشَّة” لحمل النوبة المهاجرة حملاً لإخلاء الخرطوم. ولكن سرعان ما تغلَّب منطق العمل المأجور على الثقافة. فعلى اتّفاق مدير مديرية الخرطوم مع سياسة النوبة إلا أنه كان الأعلى صوتاً في الاحتجاج على “كشة” النوبة. فقد صارت خدمتهم في الألته، في مقتضى سوق العمل، ماسَّة لا يسُدُّ مَسَدَّهم أحدٌ. وحذّر مفتش الصحة، من جهة أخرى، أنه لو توقّف وفود الجنوبيين والنوبة إلى الخرطوم فسينهار النظام الصحي. وسادت البراجماتية على الثقافة. وتوقَّفت الحكومة عن “كَشَّة” النوبة. وقَبِل بذلك حتى جيلان، واضع السياسة، وفوَّض الأمر لمدير الخرطوم مع التذكير ألا يشجع النوبة على البقاء في الخرطوم ما وسعه بالبحث عن بدائل للعمل بغير النوبة. ولكنه قَبِل مع ذلك أن يبقى بالخرطوم النوبة المنبتُّون (the detirblized) ممن لا رباط قبلي حي لهم بالجبال ما لم يكونوا نواة استيطان لنوبة طازجين من الجبال. واستمر الإنجليز مع ذلك على سياسة عدم تشجيع لا الجنوبيين ولا النوبة للوفود الى الخرطوم.
ومتى “سوَّرنا” مسالة الألته والنوبة على هذا النحو فسدَت حُجّة منصور في الربط بين عمل النوبة هذا والرق الشمالي ومترتباته. فلم يأتِ النوبة للألتة كطائفة مستحقَرة ترسَّبت عن الرق. فقد جاءها سودانيون آخرون بعضهم لم يضرسهم الرق بنابه. كما جاء النوبة للمهنة المسيئة في ملابسات سوق العمل الذي فتحه الإنجليز على مصراعيه. وسيكون من المفيد أن ننظر إلى اختيار بعض النوبة العمل في الألته في مقتضى هذا السوق. فهل دفعهم لولوج هذا السوق حاجتهم للنقد لسداد ما عليهم للحكومة من جزية ودقنية فُرضت نقداً؟ وهل اضطرهم إلى هذه الشغلة حاجز من لغة، أو مؤهل، أو صلة نافذة حالت بينهم دون أشغال أخرى؟ فقد أوقفت بعض الجماعات السودانية بعض الخدمات على نفسها. مثل شغل الدَّريسة للرباطاب والمرمطونات للنوبيين. وكان هناك من بين هذه الجماعات من يـُجَنِّد لها من أهله. فواضح أن جبر الهجرة للعمل بالشمال (وفي مثل شغلة الألته) كان قوياً لم تصمد له حواجز سياسة جبال النوبة التي لم تُرد للنوبة أن يكونوا في الشمال أبداً.
ما جئنا به أعلاه هي طرائق البحث في التاريخ الاجتماعي على هدي كتاب منير. وكان حَرَيـَّاً بكتاب سكنجا المنير أن يُسعف منصور دون الترويج الأيديولوجي لعقائده التي قوامها “افتراضات وساوس، وشوائع ملهوجة، وثوابت مزعومة” مما اشتكى هو نفسه في شغل غيره.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • تحالف مدني سوداني يجدد الدعوة لتسليم البشير ورفاقه لـ«الجنائية الدولية» ،، «القوى المدنية المتحدة» تدعو لوقف الحرب وتنفي علاقتها بـ«الدعم السريع»
  • السوداني:ليست هناك حاجة لوجود تحالف قوامه (86) دولة
  • تحالف «قمم» يعلن عن تأسيسه في مؤتمر صحفي بكمبال
  • قرقاش: الإمارات تدعم الجهود السياسية لحل قضايا المنطقة
  • الفزعة السياسية الدولية؛ اسقاط الجنين (الدعم السريع) للحفاظ على الام (قحت) !
  • منصور خالد: أهدى طُرق الرجل في البحث هي التي يتَجنّبُ
  • وحدات الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في 43 موقعاً حول المملكة
  • الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في 43 موقعًا بالمملكة
  • السودان بين الحركات المسلحة والتغيير السياسي- نحو اندماج كامل في الحياة المدنية
  • الدخول في عملية سياسية تشمل القوى السياسية الوطنية عدا المؤتمر الوطني وواجهاته!