ما طبيعة التحالفات المدنية في السودان وما وجهتها؟
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
لعقود طويلة من الزمن ظلت الانقسامات سمة ملازمة للمشهد السياسي في السودان، لكن بالتوازي مع التشظي العسكري والأمني الكبير الذي يشهده السودان منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، تزايدت حالة الانقسام والاستقطاب مما أدى إلى بروز عدد من التحالفات المدنية.
التغيير ــ وكالات
ثورة ديسمبر خلفية الانقساماتعند اندلاع ثورة ديسمبر 2028، شاركت معظم القوى السياسية في الحراك تحت مظلة تحالف عريض، عرف وقتها بتحالف “قوى الحرية والتغيير”، لكن التوتر الحاد الذي اندلع بين العسكريين والمدنيين خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت سقوط نظام الإخوان في أبريل 2019، وبروز قوى جديدة بعد توقيع اتفاق السلام مع الحركات المسلحة في أكتوبر 2020، أحدث خلخلة كبيرة في التماسك المدني.
وتزايدت حدة الخلافات أكثر خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت انقلاب 25 أكتوبر 2021، ما نجم عنه انقسام قوى الحرية والتغيير إلى جناحين، ضم أحدهما معظم الأحزاب والتنظيمات السياسية والمهنية والمدنية التي كانت منضوية في التحالف الأصل، في حين شكلت مجموعة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا – عدا حركتي عضوا مجلس السيادة السابقان الهادي ادريس والطاهر حجر – وبدعم من عدد من واجهات النظام السابق وتنظيم الإخوان جناح ثاني للحرية والتغيير عرف بـ”الكتلة الديمقراطية”، فيما خرجت أحزاب رئيسية مثل الشيوعي والبعث عن التحالف الأم.
وفي حين قادت المجموعة الأولى المكونة للجناح الأم الحراك الرافض للانقلاب واعتقل الكثير من قياداتها لأشهر طويلة، دعم الجناح الذي يضم حركات اتفاق جوبا وواجهات تنظيم الإخوان الانقلاب بقوة وشارك في السلطة التي تشكلت بموجب الانقلاب.
وبعد اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل 2023، برز واقع جديد حيث شكلت مجموعة قوى الحرية والتغيير الأصل تحالف اعرض عرف بتنسيقية القوى المدنية “تقدم” والذي ضم أكثر من 100 جسم سياسي ومهني ومدني وهو يقود حاليا الجهود الرافضة للحرب ويحظى بتأييد دولي وإقليمي كبير.
وفي الجانب الآخر اتخذت مكونات الكتلة الديمقراطية التي تضم حركات مسلحة أبرزها حركتي وزير المالية الحالي جبريل إبراهيم وحاكم إقليم دارفور مني أركي مناوي ومجموعات صغيرة موالية لتنظيم الإخوان، موقفا مناصرا للجيش وداعما لاستمرار الحرب.
وخلال الأسابيع الأخيرة أعلنت مجموعة أخرى عن تشكيل تحالف جديد أطلق عليه اسم القوى المدنية المتحدة “قمم”.
توجهات متباينةيصف بكري الجاك المتحدث باسم تنسيقية “تقدم”، المجموعة بأنها تحالف عريض يعمل على وقف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي.
ويقول الجاك لموقع سكاي نيوز عربية “يهدف تحالف تقدم إلى إيقاف الحرب أولا وإعادة بناء الدولة السودانية على أساس المواطنة المتساوية واستعادة مسار الانتقال المدني الديمقراطي.. نجح التحالف خلال أقل من عام على تكوينه في طرح نفسه كخيار مدني رافض للحرب ومنحاز كليا للسلام”.
أما بالنسبة لطبيعة وتوجهات تحالف الكتلة الديمقراطية، فيوضح محمد زكريا، الناطق الرسمي باسم التحالف، لموقع سكاي نيوز عربية “نعمل على التأكيد على أهمية شمولية العملية السياسية وإشراك جميع الأطراف لمنع محاولات السيطرة من قبل مجموعات صغيرة تسعى لتحقيق مصالح ضيقة.. هذه المجموعات ترى في توسعة دائرة المشاركة والانتخابات الحرة النزيهة تهديداً لخططها، وتلجأ إلى تشويه صورة الآخرين والتحجج بأن التوسعة تُغرق العملية السياسية”.
ويتهم الكثير من المراقبين الكتلة الديمقراطية بالمساهمة في قطع الطريق أمام التحول المدني من خلال دعمه لانقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر، لكن زكريا يقول “تقوم الكتلة بدعم مؤسسات الدولة والقوات المسلحة في دفاعها عن الوطن، وتعارض محاولات انتهاك سيادة السودان وتقسيمه من قبل بعض الجهات الدولية التي تسعى لتسييس الإغاثة واستخدامها كذريعة للتدخل الدولي”.
ويمضي زكريا في رده على الاتهامات الموجهة لتحالفه باتهامات مماثلة لتنسيقية تقدم، ويقول “الخارطة السياسية للتحالفات المدنية تُظهر أن معظم القوى السياسية والمدنية تدعم الوطن والمواطن ضد الدعم السريع، مع استثناء مجموعة تقدم التي تحالفت معها، رغم ادعائها الحياد”.
وفي حين تشارك بعض مكونات الكتلة الديمقراطية بقوات على الأرض مع الجيش، ولديها وزراء ومسؤولين ممثلين في السلطة القائمة حاليا في بورتسودان والتي أعلنت في مناسبات عديدة رفضها لانخراط الجيش في الجهود الدولية والإقليمية الرامية لوقف الحرب، تشدد تقدم على أنها تتخذ موقف الحياد من طرفي الحرب الحالية وتؤكد العمل على دعم جهود وقف الحرب.
وتنفي تقدم الاتهامات التي وجهها لها زكريا بالانحياز للدعم السريع، وتقول إن كل مساعيها خلال الفترة الماضية تركزت على محاولة التواصل مع طرفي القتال من أجل الدفع في اتجاه وقف الحرب وإنهاء معاناة السودانيين، مشيرة إلى أن لقائها مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا في يناير الماضي، جاء بعد استجابته للخطابات التي أرسلتها له ولقائد القوات المسلحة والتي دعتهما فيها للقاءات عاجلة تبحث قضايا حماية المدنيين وتوصيل المساعدات الإنسانية وسبل وقف الحرب عبر المسار السلمي.
من جانبه يشير إبراهيم زريبة الأمين السياسي لتحالف القوى المدنية المتحدة “قمم” إلى أن طبيعة تكوين التحالف تقوم على البناء الرأسي من خلال تنظيم الفاعلين في المجتمع من كافة المستويات.
ويوضح لموقع سكاي نيوز عربية “تشكيل التحالف تم على إثر حراك وسط الجماهير وفهم مشاكلهم ومعاشهم رغم الضنك الذي ولدته الحرب وعبر العمل الطوعي لمنسوبينا وشبكات منظماتهم المتواجدة علي الارض”.
ويرى زريبة أن ما يميزهم عن الكتل الأخرى الموجودة في الساحة، هو “الانسجام والتناغم”.
وحول الاتهامات التي تعتبر تحالف “قمم” حاضنة سياسية لقوات الدعم السريع، يقول زريبة “هذه الاتهامات تندرج في سياق الانقسام المجتمعي بفعل خطاب الكراهية الموجه ضد مكونات اجتماعية بعينها”.
طرح متباينتطرح تنسيقية “تقدم” التي يرأسها رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، رؤية من 4 محاور لحل الأزمة المستفحلة في البلاد؛ تبدا بوقف إطلاق النار وفتح مسارات آمنة للسكان ومعالجة الأزمة الإنسانية والدخول في عملية سياسية تشمل الإصلاح الأمني والعسكري وقضايا العدالة الانتقالية وإعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة.
وأعلنت التنسيقية دعمها لمنبر جدة التفاوضي ومبادرة الاتحاد الأفريقي التي طرحها في الخامس والعشرين من يونيو والتي تتبني خطة تدمج بين رؤية منبر جدة ومقترحات الهيئة الحكومية للتنمية “الايقاد” والتي تنص على إجراءات تؤدي لوقف الحرب وإطلاق عملية سياسية تفضي لإنتقال السلطة من العسكر للمدنيين. كما أعلنت دعمها للمفاوضات التي جرت في منتصف أغسطس في مدينة جنيف السويسرية.
اما الكتلة الديمقراطية فتلخص رؤيتها في الحل السوداني ورفض الأجندات الغربية. وفي هذا الإطار يوضح الناطق باسم الكتلة “برزت مواقفنا في معارضة الاتفاق الإطاري الذي رعته بعثة يونتامس الاممية.. نعمل بجدية من أجل التحول الديمقراطي، والتفاعل الإيجابي والموضوعي مع المبادرات الرامية لحل الأزمة السودانية، في حين يقاطع الآخرون منابر الحوار”.
ويضيف “تتمسك بوحدة السودان وسيادته، وترفض التدخل الأجنبي السلبي، بينما يدعو الآخرون لإدخال قوات أممية”.
ويحدد إبراهيم زريبة أولويات التحالف الوليد بالقول “ما يحتاجه الشعب السوداني هو وقف الحرب والمصالحة الوطنية الكبرى وبناء السلام”. ويشدد على أن الأزمة الانسانية الطاحنة تستدعي التدخلات من أجل تقديم العون الإنساني وحشد الموارد من أجل السودان”.
وتشدد “قمم” على أنها تولي اهتمام كبير بالدعوة لوقف ضربات الطيران الانتقائية واستهداف الأطفال والنساء المدنيين العزل والتصدي لخطاب الكراهية واحترام التنوع، وإشراك مجتمعات الأقاليم المختلفة في إدارة شئونها وعدالة توزيع الموارد والفرص.
وتتبنى “قمم وفقا لأمينها السياسي، رؤية تقوم على إعادة تأسيس جيش قومي مهني يعبر عن تنوع أهل السودان وينأى عن السياسة.
ماذا يقول المراقبون؟يرى محمد خليفة أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، أن التحالفات السياسية في السودان تقوم على “أرضية هشة” بسبب التشوهات التي حدثت خلال سنوات الحكم العسكري الطويلة التي عاشتها البلاد منذ الاستقلال.
ويقول خليفة لموقع سكاي نيوز عربية “حالة السيولة السياسية والأمنية الحالية تلقي بظلالها على الأحزاب والمكونات السياسية وتسفر بالتالي عن تحالفات هشة ومرحلية وقابلة للتفكك في اي لحظة”.
ويضيف “غالب التحالفات الموجودة حاليا لا يمكن اعتبارها تحالفات استراتيجية أو طويلة الأمد فهي في الغالب تركز على مغازلة من يملك القوة وتدور في فلكه”.
ويشير خليفة إلى عدد من القواسم المشتركة بين التحالفات السياسية الموجودة مثل الضعف وعدم القبول الواسع لأن معظم مكونات الشعب السوداني فقدت الثقة في الأحزاب السياسية، بحسب تعبيره.
وفي ذات السياق، ينبه الصحفي والمحلل السياسي محمد مختار، إلى أن بروز معظم التحالفات الحالية جاء نتيجة استقطاب سياسي حاد لم يشهده السودان من قبل، وفي ظل تمايز واضح في المواقف حيال قضايا مفصلية مثل التحول الديمقراطي وأهداف ثورة ديسمبر بل حتى في مسألة السلام والحرب.
ويصف مختار التحالفات السياسية الحالية بأنها تحالفات “تصطف على طرفي نقيض، منها ما يقف مع وقف الحرب واستعادة المسار المدني الديمقراطي وإعادة تأسيس جديدة تتجاوز سلبيات الماضي، مثل تحالف تقدم، وأخرى تسعى لتحقيق مصالح سياسية وايديلوجية ضيقة وتبحث عن موضع لها في معادلة ما بعد الحرب لذلك تدفع نحو استمرار الحرب”.
ويضيف مختار في حديثه لموقع سكاي نيوز عربية “خارج هذا الاصطفاف الثنائي توجد قوى سياسية متفرقة لها انحيازات واصطفافات ذات ملمح مباشر وغير مباشر مع الطرفين، أبرزهم الحزب الشيوعي وحزب البعث والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور”.
أبرز التحالفاتتنسيقية “تقدم”: تأسست في أكتوبر 2023، وتعتبر التحالف الأعرض منذ تشكيل تحالف ثورة 2018، وتتكون من 16 حزب سياسي و24 نقابة ومجموعة مهنية وأكثر من 100 جسم مدني وأهلي إضافة إلى 4 حركات موقعة على اتفاق السلام من تلك التي رفضت انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021. وأعلن التحالف رفضه للحرب الحالية وعدم الانحياز لأي من أطرافها.
الكتلة الديمقراطية: تتكون من عدد من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام إضافة إلى أحزاب سياسية ومجموعات قبلية وعدد من المجموعات الموالية لتنظيم الإخوان الذي أطاح الحراك الشعبي في أبريل 2019 بنظام حكمه الذي استمر 30 عاما. أيد التحالف انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021 وشاركت معظم مكوناته في السلطة التي تم تشكيلها في أعقاب الانقلاب، وانضمت مجموعة من الحركات المسلحة المنضوية تحت التحالف إلى جانب الجيش في حربه الحالية مع قوات الدعم السريع.
القوى المدنية المتحدة “قمم”: تتألف من 68 مكون تشمل مجموعات شبابية ونسوية وقيادات مجتمعية وطرق صوفية ومنظمات مجتمع مدني وقوي سياسية. تشكل التحالف حديثا، وسط اتهامات – ينفيها التحالف – بأنه يشكل واجهة سياسية لقوات الدعم السريع.
نقلاً عن سكاي نيوز عربية
الوسومالأزمة الإنسانية الحرية والتغيير تحالف حمدوك طرح متباينالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الأزمة الإنسانية الحرية والتغيير تحالف حمدوك
إقرأ أيضاً:
تحذير إسرائيلي: الجيش يواصل تدهوره الخطير وتحقيقاته بـكارثة أكتوبر لا تقدم حلولا
رغم الهالة الكبيرة المحيطة بالتحقيقات التي يجريها جيش الاحتلال بشان إخفاقه الكارثي أمام هجوم السابع من أكتوبر، فإنها وباعتراف الإسرائيليين أنفسهم، لا تقدم حلولا لإخفاقاته الأساسية، كما أن إعادة فحص نتائج تحقيقاته من جانب فريق من الجنرالات المعينين من قبل رئيس الأركان مضيعة كاملة للوقت.
وبدلا من إعادة تأهيل الجيش من المستوى الميداني إلى القيادة، يتجنب قائد الجيش تقديم الحالة الحقيقية للجيش إلى المستوى السياسي في مواجهة التهديدات التي تتطور في جميع القطاعات بحسب خبراء إسرائيليين.
الجنرال يتسحاق بريك القائد الأسبق بسلاح المدرعات، وقائد الكليات العسكرية، ومفوض شكاوى الجنود لعقد من الزمن، أكد أن "تعليمات رئيس الأركان آيال زامير لفريق كبير من ضباط الاحتياط برتبة لواء لإعادة النظر في التحقيقات التي أجراها الجيش في إهماله يوم السابع من أكتوبر، غير مجدية، وسيكون وصول الضباط مضيعة للوقت، لأنها ليست تحقيقات على الإطلاق".
وأضاف في مقال نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "الجيش حاول ببساطة أن يعرض ما حدث بالفعل في ذلك اليوم، لكنه لم يستجوب الجنود والضباط، ولم يستجوب الوحدات التي قاتلت بشكل شامل، ولم يستخلص استنتاجات حول القادة الذين فشلوا، والأسوأ من كل ذلك أن القادة استجوبوا أنفسهم".
وأشار إلى أن "الجنرالات سامي ترجمان وعميكام نوركين وإيلي شارفيت، الذين اختارهم زامير مؤخرا لمراجعة تحقيقات الجيش، خدموا في مناصبهم، وهم يحملون رتبة جنرال في عهد رؤساء الأركان بيني غانتس وغادي آيزنكوت وأفيف كوخافي، وفي عهد هؤلاء حلّت بالجيش حالة تراجع لم تحدث من قبل، فقد تم تقليص القوات البرية إلى حد كبير، ونشبت مشاكل خطيرة للغاية تشير لعدم جاهزية الجيش للحرب في جميع جوانبها".
وأوضح أنه "تم طرح هذه النتائج في جميع عمليات التدقيق التي أجراها مراقب الدولة، ومراقب نظام الدفاع، ومراقب الجيش، وفي عمليات التدقيق التي قمت بها بنفسي، وبالتالي فإن هؤلاء الجنرالات لا يمكن أن يكونوا محققين موضوعيين، ولذلك علينا قطع الطريق سريعا على "تحقيقات التستّر" هذه، ونترك لطرف خارجي، مثل مراقب الدولة، إعادة التحقيق في شؤون الجيش".
وأكد أنه "يتعين التحقيق فيما حدث في العام الذي سبق الحرب، وما حدث في الساعات التي سبقت اندلاعها، في ساعاتها الثماني الأولى، عندما لم تعمل القوات الجوية والفضائية والأرضية على الإطلاق، وعلينا النظر لما حدث في الحرب نفسها، حيث لم تهزم حماس وحزب الله، وعلينا الوصول لحقيقة الأمر، ونفحص من يقود الغطرسة والغرور وعدم المسؤولية؛ ومن الضروري تتبع جذور القادة الذين تجاهلوا تماما تقارير مراكز المراقبة وتقارير الاستخبارات الأخرى، وكأنهم "يصغون ولا يستمعون".
وأشار إلى أن "الأمر سيكون صعبا على من لم يستخلصوا استنتاجات شخصية ضد القادة الفاشلين، ومن بينهم من لم يستخلصوا دروسا من شأنها أن تقدم الإجراءات والأوامر والانضباط العملياتي، والتحقيق فيما هو مطلوب لإصلاح الثقافة التنظيمية المكسورة، وفي نهاية المطاف سيقدم مراقب الدولة الدروس نفسها التي ستسمح بإصلاح المشاكل، وإعادة بناء الجيش حتى لا تتكرر مثل هذه "الكارثة" مرة أخرى".
وأوضح أنه "فيما شرع الجيش بتحقيقاته الخاصة بكارثة أكتوبر 2023، فقد دخلنا عاما آخر من الحرب العبثية، حيث أعلن زامير أن عام 2025 سيكون عام الحرب لهزيمة حماس؛ وإنشاء حكومة عسكرية في غزة؛ ويتولى الجيش مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية، واستبدال حكومة حماس، وهذه تصريحات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، فبدلا من إعادة بناء الجيش، وتوسيعه كما توقع الجميع منه، اختار زامير إرضاء رئيس الوزراء ووزير الحرب، ومواصلة حرب لا معنى لها".
وأضاف أن "زامير يملك تقريرا أعدته خمس فرق من الخبراء، قمت بقيادتها برعاية جامعة رايخمان، وتقريرا بعنوان توصيات للخطة الخمسية المقبلة، والاستعداد للحرب، وتم تقديم التقرير قبل الحرب ببضعة أشهر لوزير الحرب يوآف غالانت، ومدير عام الوزارة إيال زامير، وقائد الجيش هآرتسي هاليفي، وجميع صناع القرار الكبار على المستويين السياسي والعسكري، ووافق الثلاثة على التقرير، وقرروا إدراج توصياته ضمن خطة العمل المتعددة السنوات للوزارة والجيش".
وكشف أن "توصيات التقرير شملت تحديث مفهوم الأمن، وتكييفه مع الحروب الحالية والمستقبلية؛ وزيادة حجم الجيش البري بعد تقليصه إلى ثلث حجمه قبل عشرين عاما؛ والإعداد الروتيني للجبهة الداخلية للحرب، وإدارتها؛ وشراء أسلحة جديدة تفوق فعاليتها في التعامل مع الصواريخ والقذائف والطائرات المسيرة فعالية الطائرات في الدفاع والهجوم؛ وإعادة المهام اللوجستية والصيانة لسيطرة وقيادة الجيش، بعد خصخصة مهامه وخدماته اللوجستية والصيانة في السنوات الأخيرة لشركات مدنية لن تكون قادرة على العمل في حرب متعددة المسارح، وبالتأكيد لن تكون قادرة على التحرك لأراضي العدو بعد القوات المقاتلة".
وكشف أنه "عندما تم تعيين زامير رئيسا للأركان، قال إنه ينوي دمج توصيات التقرير في خطته المتعددة السنوات، لكن الوقت ينفد، وإذا لم نبدأ اليوم، فإن الجيش لن يكون مستعدا لحرب إقليمية في غضون بضع سنوات، وبالتأكيد لن يكون مستعدا في المستقبل القريب في مواجهة التهديدات المتزايدة القوة حول الدولة، لاسيما المحور التركي الذي أصبح تحت حماية سوريا".
وأكد أن "التهديدات تتوسع على دولة الاحتلال، حيث تجري سوريا محادثات متقدمة لنقل السيطرة على المنطقة المحيطة بمدينة تدمر للجيش التركي مقابل مظلة من المساعدات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الحقيقية، ويخشى الاحتلال من الاحتكاك الحتمي مع تركيا بسبب هذه الخطوة، وتقييد حرية عمله في سوريا، كما أنه ليس لدينا قوات لمواجهة الجيش المصري في أي لحظة، فيما بدأت الحدود الأردنية التي يزيد طولها عن ثلاثمائة كم تشهد تململات مقلقة، والوضع في الضفة الغربية يتدهور بشكل أسوأ".
وأضاف أن "الجيش أصبح الآن صغيرا ومنهكا، ويواجه صعوبة في تقديم الرد المناسب حتى في ساحة واحدة، إذا لم يعرض رئيس الأركان على المستوى السياسي وضعه الحقيقي، والحاجة الماسة لإعادة تأهيله للمستقبل، واستمر بدعم فكرة تجديد الحرب التي لا هدف لها، فإن الدولة ستكون على وشك الانهيار، وسيكون مصير المختطفين الموت في الأنفاق المظلمة، ووقوع الكثير من الخسائر في صفوف الجيش، وسنخسر في النهاية دول العالم التي ما زالت تدعمنا".
وختم بالقول إننا "نقف اليوم على عتبة صراع داخلي، وتدهور إضافي للجيش، وتدهور الاقتصاد، وفي نهاية المطاف، إذا لم يغير رئيس الأركان اتجاه قيادته، فسيكون مسؤولا عن كل ما يتم فعله أو يتم إغفاله في الجيش، تماما مثل رئيس الحكومة وباقي الوزراء الذين يتصرفون انطلاقا من مصالح سياسية ضيقة، وليس انطلاقا من مصالح الأمن القومي التي تحمي من خطر حقيقي على الدولة".