الصيد والبحر في الشارقة.. ذكريات خالدة تروي قصص الحاضر وشغف الماضي
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
مع كل فجر جديد ، يحضر الثمانيني سلطان خليفة أبو شبص، عميد الصيادين في الشارقة، قاربه الصغير نحو البحر ليكتب فصلاً جديداً من حكايته التي بدأت قبل أكثر من 70 عاماً.
في كل مرة يبحر فيها يكون “اليم ” أمامه مثل كتاب مفتوح، يعرف أسراره وخفاياه لعلاقته الأزلية بهذا الأزرق الواسع، ففي كل رحلة صيد، لا يُبحر أبو شبص كما يناديه الصيادون وحده، بل ترافقه سنوات من التجارب ومئات القصص التي كتبها مع البحر.
المكتب الإعلامي لحكومة الشارقة رافق رحلة عميد الصيادين ليبحر معه بين ذكريات المهنة العريقة وحكاياها وحكمها …وبما تجسده رحلة الصيد في الشارقة من اتصال عميق ومؤثر بين الإنسان والبحر.
يقول أبو شبص …رحلة الصيد هي الجسر الذي يربط بين عبق الماضي ووهج الحاضر، فروح التعاون والمثابرة التي تُميز هذه الرحلة تعكس القيم الأساسية التي تربى عليها الأجيال، وتُبقي على التراث الحي نابضاً في قلوب كل من يشارك في هذه المغامرة البحرية.
ويضيف “البحر ليس مجرد مسطحٍ مائي، بل شريكاً في الحياة ومصدر رزق قبل وبعد ظهور النفط، ومستقبل أجيال بأكملها وتطورت هذه العلاقة لتصبح جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، تحكي قصة شغفٍ عميق وارتباطٍ وثيق بين الإنسان والبحر”
مغامرة يومية
وسط تلك الرمال الذهبية، يمتد البحر كعالمٍ أزرق لا ينتهي، ليبدو نافذة سحرية تطل على أسرار الأزمنة والأماكن البعيدة، ليتناغم لقاء الأرض بالماء وتنمو علاقة الإنسان في الشارقة بالبحر والصيد كقصة خالدة معبقة بأريج الماضي الجميل لتتكرر فصولها عبر الأجيال.
عندما يبدأ أبو شبص رحلته في عرض البحر، تبدو الأمواج مع حبال شباكه بتناغم وانسجام لإتمام رحلة صيد بالنسبة له ليست مجرد عملية جمع الأسماك، بل هي مغامرة يومية، تكشف خبايا البحر ومكتنزاته …وهي لحظة تواصل مع الطبيعة ومع رفاقه من الصيادين الذين يتبادلون القصص والتجارب على متن القارب.
ويبين .. يوجه الصيادون قواربهم بمهارة بارعة، إلى المناطق الغنية بالأسماك، مستخدمين شباكهم المنسوجة بدقة، ففي كل حركاتهم معانٍ تدرس، وبين طيات شباكهم قصص تُروى وتجارب تُكتسب.
وبين معاني رحلة الصيد التي تحمل رمزاً عظيماً يربط الإنسان في الشارقة بجذور أرضه العريقة، وبساطة الحياة البحرية، تعد هذه المهنة الأصيلة مصدر الرزق والكسب والثروة القومية للبلاد.
وللحياة نبض مختلف في شرايين الساحل الهادئ، حين يلتقي الصيادون على ضفاف البحر مع بزوغ الفجر ليعج المكان بالنشاط، وتبدأ مراسم الرحلة بالحماس، فيمتزج عبق البحر بالصباح الباكر، ليخلق جواً مفعماً بالحيوية والأمل.
يقول أبو شبص “عادة ما يُبحر الصيادون مع شروق الشمس، لتأخذهم قواربهم إلى المناطق الغنية بالأسماك، حاملين معهم تقاليد الأجداد وقيم التعاون التي لطالما ميّزت مجتمعهم”.
اللحظات التي يقضيها عميد الصيادين مع زملائه لا تخلو من روح الأخوة والتضامن، لتُروى قصص البحر، وتتجدد ذكريات المغامرات القديمة. وتتردد أهازيج الصيادين في عرض البحر، لتبدو الرحلة وكأنها طقس قديم يتكرر مع كل يوم جديد.
أسرار وكنوز
يشير عميد الصيادين الذي امتهن الصيد منذ نعومة أظافره إلى أنه أدرك أسرار البحر قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره، وأصبح قائداً ويملك سفينة كبيرة قبل أن يكمل الخامسة عشر ربيعاً-
بتحضير قاربه الصغير وشباكه بدقة اعتادها منذ صباه عندما قاد أولى رحلاته وهو في العاشرة من عمره يباشر أبو شبص عادة رحلته… ليتخذ من البحر معلماً له في الصبر والمثابرة والوصول إلى الأهداف بما زرعه في قلبه شغفاً لا يخمد. …”لطالما شكل البحر مصدر الحياة عند سكان الشارقة، الذين اختاروا أن يخوضوا مغامرةً غير عادية في أعماق مياه المحيط بحثًا عن كنوزٍ نادرة، في تلك الأيام”.
ويضيف ” لم يكن البحر بساطاً أزرق فقط، بل كان عالماً غامضاً يحتفظ بأسراره العميقة، وكان اللؤلؤ، تلك الجواهر الفريدة التي تختبئ في أعماق المحار، لتصبح حلماً ينبض في قلوب الغواصين”.
ويعد الغوص من أجل اللؤلؤ فنًا بحد ذاته، يتطلب براعةً ومهارةً وشجاعةً نادرة، وكما يروي البحارة فإن الغواصين يرتدون ملابسهم التقليدية، ويستعينون بأوزانٍ ثقيلة ليتعمقوا في قاع البحر، متطلعين إلى نغمات البحر التي تروي حكاياتهم عبر الأمواج، وكانوا يغوصون ويعودون إلى السطح محملين بقصصٍ عن الأحلام المفقودة والكنوز المكتشفة.
وثمة طقوس يذكرها أبو شبص في الغوص على اللؤلؤ، تتمثل في تجمع البحارة مع وجود أهاليهم على الجهة المقابلة من الشاطئ لتوديعهم، من أجل الاستعداد لرحلة الغوص نحو الهيرات وهي “مواقع تجمع محار اللؤلؤ”، وعندها يعلن السردال وهو قائد أسطول السفن بدء رحلة الانطلاق، وفي هذه الأثناء يرفع النهام صوته منشداً الأشعار بصوته الشجي لانطلاق الرحلة التي تمتد إلى ما قد يزيد على 4 أشهر.
البحر.. حكواتي القصص
بعد انتهاء رحلة الصيد يتحول الميناء إلى مهرجان من النشاط والحركة، حيث تُعرض الأسماك التي جادت بها الشباك والقراقير على الساحل، من مختلف الأنواع كالهامور والكنعد والجش، وسلطان إبراهيم، وغيرها ليتقاسمها الجميع بكل ود.
ويتم توزيع حصاد الصيد على كل الموجودين، حتى الذين لم يشاركوا في الصيد، فالكل ينال نصيبه، وتُعد الأطباق البحرية الشهية التي تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من المائدة الإماراتية، وبينما يسترسل أبو شبص سرده تداعت له صورة منذ الماضي : “بعالم البحر فمنذ زمن الطيبين لم ينم بيننا جائع”.
بالنسبة ل أبو شبص ، البحر ليس فقط مصدر رزق، بل هو مكان للتأمل واكتشاف الذات. يعود من كل رحلة حاملاً معه صيداً وفيراً وأفكاراً جديدة، فهو يرى في البحر معلمًا وحكواتيًا يروي له دروس الحياة، ويجدد له في كل مرة علاقته بالطبيعة والوجود.
ومع مرور السنوات، أصبحت رحلات عميد الصيادين أبو شبص جزءًا من التراث البحري، وشخصيته رمزًا للأجيال الشابة التي تسير على خطى الأجداد، محملين بالأمل والشغف، ويستمدون من البحر قصصًا تعزز إرثهم وهويتهم.
في نهاية كل يوم، حين يعود عميد الصيادين أبو شبص إلى الشاطئ، تظل أمواج البحر خلفه كأنها تودعه، على وعد بلقاء جديد مع الشروق، لتكتب مغامرة جديدة، وتُضيف فصولاً أخرى إلى حكايته الطويلة مع البحر.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
3 أسرار في أغانيها.. كيف صنع فريد الأطرش من أسمهان أيقونة خالدة؟
أسمهان اسم مضيء في تاريخ الموسيقى العربية كنجمة فريدة، جمعت بين الصوت الساحر والحضور الآسر، وُلدت في 25 نوفمبر عام 1912 لعائلة سورية عريقة، ونشأت في بيئة فنية، فكان شقيقها الموسيقار فريد الأطرش، وفي الثلاثينات دخلت عالم الفن من أوسع أبوابه، مقدمةً لونًا خاصًا من الغناء الذي يمزج بين الإحساس الراقي والتقنيات الموسيقية المبهرة، ومع الاحتفاء بذكرى ميلادها اليوم، نستعرض من حديث شقيقها الراحل حكايات أعمال جمعتهما، خلال لقاء إذاعي نادر.
حكاية 3 أغاني سجلها فريد الأطرش لأسمهانقال فريد الأطرش، خلال اللقاء النادر، عن شقيقته آمال الأطرش الشهيرة التي عرفها الجمهور العربي باسم أسمهان، بعد وفاتها، إنها كانت صاحبة صوت نادر، وتشبه الألماظ الذي ضاع منهم: «أسمهان درة وألماظه حلوة ضاعت مننا، مش عايز اقول راحت لأن هي عايشة بينا، الحنجرة القوية الصافية البراقة الحلوة، أتمنى نفضل عايشين مع صوت أسمهان، لأن صوتها من الأصوات النادرة الخالدة التي لا يمكن نسيانها».
وأوضح الأطرش، أن أغاني أسمهان قليلة، لأن عمرها الفني كان قصيرًا، ثم تطرق للأعمال التي ربطتهم سويًا، موضحًا أنه في عام 1937، طلبت شركة أسطونات أن تسجل معه ومع شقيقته أسمهان، متابعا: «طلبوا مني أقدم لها لحن من ألحاني، وإيه أعز عندي من أختي أسمهان أقدم لها أحسن الألحان وأجمل الأغاني، فقدمت لها في الوقت ده (رجعت لك يا حبيبي)، و(نويت أداري آلامي) و(عليك صلاة الله وسلامه)».
سر فريد الأطرش لجعل أسمهان أيقونه خالدةوكشف فريد الأطرش السر الذي جعل من أسمهان أيقونة غنائية خالدة، قائلا: «راعيت في أول ظهورنا، أنا والمرحومة أسمهان، أني أستغل قدرة صوتها وأقدم لها ألحان جديدة متطورة، موزعة توزيع موسيقي علمي، مش بس أغاني تتقال وخلاص»، متابعا: «في أغنية نويت أداري آلامي، هناك توزيع موسيقي لو اتقارن بالأغاني في التلاتينات، نلاقي أنها مخدومة فنيا وموسيقيا وتوزيع أوركسترالي، في الوقت اللي قليل جدا من الملحنين يهتموا بالتوزيع الأوركسترالي، وراعيت أن التوزيع الموسيقي يكون في الإطار الشرقي الأصيل، ومنخرجش حدودنا عن اللون العربي الصميم»، وعلى هذا الأساس أكملت أسمهان مشوارها القصير.
وقال «الأطرش» إنه قدم مع أسمهان، بعد 5 أو 4 سنين من أغنية «نويت أدار آلامي»، فيلم اسمه «انتصار الشباب» عام 1941: «فيه حشد من الأغاني والأوبريت والديلوجات الغنائية كتيرة جدًا، كانت بتأدي الأغنية بحلاوة وقوة، كلامي عنها مش بكبرها، هي كبيرة من غير أي شيء».