تنخرط الإدارة الأمريكية منذ شهور انخراطاً جاداً في محاولات التوصل لصفقة بين الطرفين المتحاربين في غزة، وتشير كل المؤشرات لصعوبة إن لم تكن استحالة التوصل لمثل هذه الصفقة ما بقيت الظروف الراهنة على ما هي عليه.
ولا شك في أن الدور الأمريكي في هذه المحاولات بالغ الأهمية، لأنه الوحيد الذي يملك قدرة الضغط على حكومة إسرائيل التي يكاد أن يكون هناك إجماع على أنها المسؤولة عن عرقلة التوصل للصفقة المأمولة.ومن هنا أهمية النظر إلى السلوك التفاوضي الأمريكي وتقييمه. ومن شبه المؤكد أن نية الإدارة الأمريكية صادقة، ليس لأي أسباب إنسانية، ولكن لأن هناك عاملين مهمين يحتمان عليها التحرك في هذا الاتجاه، أولهما خارجي والآخر داخلي، أما الخارجي فهو احتمالات تصعيد المواجهة الحالية لحرب إقليمية بسبب تورط أطراف إقليمية في المواجهة، وهي احتمالات تزداد كلما طال أمد الحرب، وبالذات مع لجوء إسرائيل إلى أعمال تصعيدية تهدد بانفجار المنطقة، كما أنها احتمالات غير مواتية للإدارة الأمريكية، أولاً لأنها تتكلف الكثير بسبب دعمها إسرائيل، فما بالنا لو تصاعدت الأمور إلى حرب إقليمية واسعة قد تجتذب قوى عالميةً في وقت تتحمل فيه الإدارة الأمريكية تكلفةً هائلةً في دعم أوكرانيا.
أما السبب الداخلي فهو أن المواجهة في غزة قد تفجرت قبل أكثر من سنة بقليل على إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومع طول أمد المواجهة وتصاعد الخسائر البشرية والمادية في قطاع غزة على نحو غير مسبوق، بدأ تعاطف الرأي العام العالمي مع أهل القطاع والقضية الفلسطينية يتزايد، والأهم هو امتداد هذا التعاطف إلى الداخل الأمريكي على نحو واضح لدى الشباب ذوي النزعة اليسارية داخل الحزب الديمقراطي، وقطاعات من شباب الجامعات عموماً، فضلًا عن قطاعات من الأمريكيين الأفارقة والسكان الأصليين، بل واليهود الأمريكيين غير الصهاينة. وعلى الرغم مِن أن نسبة هؤلاء المتعاطفين قد لا تكون عالية فإن وزنها النسبي كبير بالتأكيد، بسبب التقارب بين المرشحة «الديمقراطية» والمرشح «الجمهوري».
غير أن المعضلة أن الإدارة الأمريكية غير قادرة على ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل، سواء بسبب الانحياز الأمريكي التاريخي، أو لأن ممارسة هذا الضغط سوف تفقدها تأييدَ دوائر مهمة داخل «الديمقراطيين» ما زالت على ولائها لإسرائيل. وقد لجأت الإدارة الأمريكية بدايةً لتحميل الفصائل الفلسطينية مسؤوليةَ تعثر المفاوضات، فلمّا أصبح واضحاً أن المسؤول الأول عن هذا التعثر هو نتنياهو أُسقط في يدها وبدأت تحاول الوصول لحلول توافقية لم تنجح حتى الآن لدرجة الحديث مؤخراً عن إمكانية تخليها عن جهود الوساطة. وقد لاحظ المراقبون قبل ذلك المبالغةَ في التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق، وربما كانت هذه المبالغة موجهةً إلى الداخل لإقناعه بأن الإدارة في طريقها للنجاح في التوفيق بين المصالح الإسرائيلية والاعتبارات الإنسانية. لكن الواضح أن اللعبة لم تنجح حتى الآن، وليس ثمة أمل في تغير جذري في سلوك الإدارة الأمريكية في ظل المعطيات القائمة في الساحة الأمريكية.
إن مستقبل التوصل لوقف إطلاق النار سوف يتوقف بالتأكيد على استمرار صمود الفصائل الفلسطينية، سواء في غزة أو الضفة، وتداعيات هذا الصمود على الداخل الإسرائيلي فيما يتعلق باتساع دائرة سخط الرأي العام على الحكومة، واستمرار تحفظ المستوى العسكري والأمني على سياساتها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل الإدارة الأمریکیة
إقرأ أيضاً:
باحث سياسي: الإدارة الأمريكية تخطط لرفع العقوبات تدريجيا عن سوريا
قال طارق الأحمد، الكاتب والباحث السياسي، إن الإدارة الأمريكية تخطط لرفع تدريجي للقيود المفروضة على دمشق، مشيرًا إلى أن الهدف المعلن من قانون قيصر كان الضغط على الرئيس السوري بشار الأسد.
وتساءل الأحمد، خلال مداخلة هاتفية مع قناة «القاهرة الإخبارية»: “أين تأثير هذا الضغط على الأسد إذا كانت التقارير تشير إلى تهريبه مليارات الدولارات إلى روسيا؟”، مؤكدا أن الضغط الحقيقي وقع على الشعب السوري.
وأضاف الأحمد، أن الشعب السوري هو الذي يعاني من تبعات العقوبات، مشيرًا إلى أن أي حل سياسي يجب أن يدفع السلطات القائمة الآن إلى إشراك القطاعات السياسية والمدنية والشخصيات الفكرية في العملية السياسية، ولكن دون تحميل الشعب أعباء إضافية.
وأوضح أن الضغوط على الشعب السوري أدت إلى اعتماد النظام السابق على حلول بديلة، مثل الارتماء في أحضان إيران وروسيا.
وتابع: "كل ذلك يستهلك موارد الشعب السوري ومقدراته، ومن هنا تأتي أهمية أن تدعم الإدارة الأمريكية مساعي الأمم المتحدة والجامعة العربية لتحقيق توافق دولي بشأن سوريا، فالهدف يجب أن يكون إدخال سوريا في عملية سياسية تضمن انتقالها إلى دولة ديمقراطية تقوم على أسس المواطنة".