التعليم الرسمي: بين غياب التمويل ورفض مساهمة الاهالي
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
كتبت بولا اسطيح في" الشرق الاوسط": لم يمرّ قرار وزير التربية عباس الحلبي، الذي حدَّد بموجبه مساهمة مالية تُدفَع لتسجيل التلامذة في المدارس الرسميّة مرور الكرام، بالرغم من أن المبالغ التي لحظها القرار (50 دولاراً أميركياً للطالب اللبناني، و100 دولار أميركي لغير اللبناني)، قد تبدو مقبولة لكثيرين إذا ما قورنت بالمبالغ الضخمة التي تُدفع في المدارس الخاصة التي ضاعفت هذا العام أقساطها.
ووجد الحلبي نفسه مضطراً لهذا القرار، على الرغم من أن القوانين اللبنانية تقول بمجانية التعليم الرسمي حتى صف الشهادة المتوسطة (البريفيه)، بسبب نقص الأموال، وخصوصاً شُحّ المساعدات الدولية التي كانت تغطي معظم مصاريف التعليم الرسمي خلال السنوات الـ5 الماضية.
وتردَّد أن الحلبي انزعج من الانتقادات الكثيرة التي طالته، ولوَّح بالاستقالة من الحكومة، إلا أن مصادر قريبة منه أكّدت أنه لا توجد لديه نية للاستقالة، قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «لكن هناك تراكمات كثيرة سيتحدث عنها الوزير بعد عودته من السفر».
وأشارت المصادر إلى أن «صناديق المدارس الرسمية فارغة، كما أن هناك 4 ملايين دولار من الجهات المانحة كان يفترض أن تُدفع العام الدراسي الماضي لم يتم تسديدها بعد، وبالتالي إذا لم تكن هناك مساهمات مالية كيف يُفترض أن نؤمّن المصاريف التشغيلية؟».
ويؤكد مدير عام وزارة التربية عماد الأشقر أن «ما تم إقراره هو مساهمة بصندوق الأهل، وليس رسماً، باعتبار أن القانون يتحدث عن مجانية التعليم»، لافتاً إلى أن «القرار هدفه تأمين انطلاقة صحيحة للعام الدراسي». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نسمع اعتراضات في الإعلام أكثر مما نسمع اعتراضات على الأرض، أي من قِبل الأهالي المفترض أنهم سيدفعون هذه المساهمة».
ويشير الأشقر إلى أن «هناك مبالغ من العام الماضي لم تسدَّد بعد من قِبل الجهات المانحة التي أعطت التزامات جديدة للعام الدراسي المقبل، ونحن ننتظر أن تحدِّد المبالغ النهائية التي ستساهم بها».
ويبلغ، حسب أرقام وزارة التربية، عدد الطلاب اللبنانيين في المدارس الرسمية الذين يتعلمون في فترة قبل الظهر 263 ألفاً، فيما يبلغ عدد الطلاب السوريين الذين يتعلمون في فترة بعد الظهر 160 ألفاً، علماً بأن الوزير الحلبي كان قد تحدّث عن 700 ألف نازح سوري بعمر الدراسة موجودين في لبنان.
وترفض رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي بلبنان رفضاً قاطعاً فرض رسوم على الطلاب، وإن أتت تحت عنوان «مساهمات».
وتشير رئيسة الرابطة، دكتورة نسرين شاهين، إلى أن «هذه الرسوم بدأت العام الماضي مع طلاب الثانوي، ولكن اليوم تجرأوا على مد اليد على جيوب أهالي الطلاب في صفوف الروضات، حيث يفترض أن يكون التعليم مجانياً بالكامل حتى صف البريفيه»، مضيفةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «التحجج بأن لا أموال دعم من الخارج أمر غير مقبول، حيث وصلت الكثير من الأموال لوزارة التربية بالسابق، واليوم وقْف الدفع قد يكون بسبب التشكيك بمصداقية الوزارة التي رفعت عدد الأساتذة المستفيدين من صندوق المدرسة إلى 2200 أستاذ، وبالتالي الأموال التي كانت تصل بوصفها كُلفة تشغيلية للمدارس تم دفعها لهؤلاء الأساتذة».
وتضيف: «نحن أصلاً لدينا نسبة مرتفعة من التسرب المدرسي، وبالتالي هذه القرارات الجديدة تهدّد مصير الطلاب، وخصوصاً أن رواتب بعض الأهالي لا تتجاوز الـ200 دولار، فكيف نطلب من الأهالي أن يدفعوا 50 دولاراً في المدرسة الرسمية، بضربٍ واضح لمفهوم مجانية التعليم في لبنان المكرّسة بالدستور والقوانين والاتفاقيات الدولية؟!».
وكتبت" الاخبار": للعام الخامس، يعيش التعليم تحدّيات الأعباء المالية وعدم القدرة على الوصول إلى الجودة، بفعل الأزمة الاقتصادية والعدوان الإسرائيلي. فقد أظهر استطلاع أجراه، أخيراً، الباحث في مركز الدراسات اللبنانية، محمد حمود أن النزوح من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية سيكون، هذا العام، مرتفعاً نسبياً مقارنة بالنزوح المعاكس، إذ قال 30% من العيّنة المستطلَعة (2075 وليّ أمر من المحافظات الثماني) إنهم نقلوا أطفالهم إلى المدرسة الرسمية، والسبب الأساس «عدم قدرتهم على تحمل الأقساط في المدرسة الخاصة»، في مقابل 4% فقط نقلوا أبناءهم إلى المدرسة الخاصة «بسبب تدهور جودة التعليم الرسمي».
هذا النزوح المتوقع هذا العام، بخلاف الأعوام السابقة التي شهدت «هروباً» من التعليم الرسمي بسبب الإضرابات، تفسّره الزيادات المتواصلة على الأقساط، والتي رفعت المتوسط السنوي لقسط الطفل الواحد في المدارس الخاصة من 3620 دولاراً العام الماضي إلى 3964 دولاراً هذا العام، بزيادة 344 دولاراً تتضمن كلفة النقل. في المقابل، بلغ متوسط دخل الأسرة، بحسب استطلاع هذا العام، 855 دولاراً، أي بتحسن ملحوظ مقارنة بـ 463 دولاراً العام الماضي، لكنه لا يزال غير كافٍ لتغطية تكاليف المعيشة والتعليم المرتفعة والمتزايدة سنوياًَ.
السبب الاقتصادي ليس السبب الوحيد لانعدام الاستقرار التعليمي. ففي المناطق المتأثرة بالعدوان الإسرائيلي، أشار 24% من الأهالي المستطلَعين إلى أنهم نزحوا من مناطقهم نتيجة العدوان المستمر، فيما أفاد 60% بأن العدوان كان له تأثير سلبي على تعليم أطفالهم. ففي العام الدراسي الماضي (2023 ـ 2024) اضطرّ 10% من الأهالي إلى نقل أطفالهم إلى مدرسة أخرى بسبب العدوان، بينما أفاد 14% عن إغلاق مدرسة أطفالهم وانتقالها إلى التعلم عن بعد. ولفت 27% إلى أن مدرسة أطفالهم أغلقت لفترة وجيزة ثم استأنفت الدراسة، مَا تسبّب في المزيد من المعوّقات التعليمية. وعلاوة على ذلك، يعتقد ما يقرب من ثلث الأهالي (29%) أن العدوان المستمر أثّر سلباً على الأداء الأكاديمي لأطفالهم.
وبناءً عليه، أكد 13% من الأهالي أن أطفالهم لن يلتحقوا بالعام الدراسي المقبل بسبب العدوان الإسرائيلي، فيما أشار 22% إلى أنهم نقلوا أطفالهم إلى مدرسة أخرى نتيجة استمرار العدوان، في حين أن نحو ثلثَي الأهالي (66%) رأوا أن العدوان المتواصل كان له تأثير سلبي على الحالة النفسية لأطفالهم.
وسط هذه التحديات، بدا 23% فقط من الأهل واثقين بأن أطفالهم سيتمكّنون من مواصلة تعليمهم، بينما 77% قلقون على مستقبل أطفالهم الدراسي. وأقرّ 10% من الأهالي بأنّ لديهم طفلاً واحداً على الأقل تحت سنّ 18 عاماً تسرّب من المدرسة، غالبيّتهم من الذكور (67%).
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: المدارس الرسمی التعلیم الرسمی العام الماضی فی المدارس من الأهالی هذا العام إلى أن
إقرأ أيضاً:
الأندية.. شركات أهلية
أحمد السلماني
تشهد الرياضة العالمية تحولًا جذريًا من مجرد أنشطة تنافسية إلى صناعة متكاملة تحقق أرباحًا ضخمة وتعزز النمو الاقتصادي. وفي ظل التسارع الكبير الذي يشهده هذا القطاع، أصبح من الضروري إعادة النظر في وضع الأندية العُمانية؛ حيث ما يزال العديد منها يعاني من شح الموارد المالية وضعف البنية التحتية والإدارية.
وهُنا تبرز فكرة تحويل الأندية إلى شركات أهلية مساهمة عامة، بحيث تصبح كيانات اقتصادية مستدامة تدار وفق أسس تجارية ومؤسسية حديثة.
وتحويل الأندية إلى شركات أهلية يساهم في تحقيق عدة أهداف محورية، منها:
1. الاستدامة المالية والتطوير المؤسسي
عندما يصبح النادي شركة مساهمة، يكون له رأس مال واضح ومستثمرون من أبناء الولاية أو حتى مستثمرين محليين وأجانب، مما يضمن تدفقًا ماليًا مستمرًا. كما أن وجود إدارة تنفيذية متكاملة، برئاسة رئيس تنفيذي وطاقم إداري متخصص، يساعد في تعزيز الأداء المالي والإداري للنادي.
2. تنويع مصادر الدخل
يعتمد النموذج الحالي للأندية على الدعم الحكومي وبعض الرعايات التجارية، واستثمارات عقارية "دكان وشقة"، مما يجعلها عرضة للتقلبات المالية. لكن مع التحول إلى شركات رياضية استثمارية، يمكن للنادي أن يمتلك مشاريع تجارية مثل المولات، المطاعم، المقاهي، الفنادق، والمرافق الرياضية والصحية، مما يخلق مصادر دخل متعددة ومستدامة فضلاً عن خلق وظائف للباحثين عن عمل.
3. تفعيل الأنشطة الرياضية والثقافية والاجتماعية
تتحول الأندية إلى مراكز متكاملة تقدم خدمات متنوعة، من رياضات تنافسية وأنشطة شبابية إلى برامج ثقافية واجتماعية، ما يعزز الترابط المجتمعي ويجذب المزيد من الأعضاء، وبالتالي يعزز العوائد المالية والاستدامة.
4. رفع التنافسية والمواكبة العالمية
في ظل التغيرات المتسارعة، فإن الأندية التي لا تتطور إداريًا وماليًا تجد نفسها متأخرة عن الركب. وعليه، فإن تحويلها إلى شركات يجعلها أكثر قدرة على استقطاب المواهب، تطوير الفئات السنية، استقطاب استثمارات خارجية، والمشاركة في بطولات عالمية، ف"إن لم تتجدد ستتبدد".
الإطار القانوني والحوكمة: مفتاح النجاح
ولضمان نجاح هذا التحول، يجب وضع إطار قانوني وتشريعي واضح، بحيث تكون الحكومة شريكًا بالأصول، ولها اليد الطُولى في القرارات السيادية وفق أسس تحفظ حقوق جميع الأطراف، بما في ذلك، الملاك والمستثمرون، الأعضاء والمجتمع المحلي، الجهات الرقابية والتشريعية.
كما إن حوكمة الأندية تضمن الشفافية، المحاسبة، وضبط الإنفاق، مما يعزز ثقة المستثمرين والجمهور في المشروع.
وتحويل الأندية إلى شركات أهلية مساهمة لم يعد مجرد فكرة طموحة؛ بل هو حتمية رياضية واقتصادية لضمان استدامة القطاع الرياضي ومواكبة التطورات العالمية، عدا ذلك فسنظل ندور في فلك التخلف وقد تتجمد أندية وتضمحل أخرى.
ويتطلب هذا التحول فكرًا ثوريًا وقرارًا جريئًا، يُعيد صياغة مفهوم الأندية لتصبح مؤسسات اقتصادية رائدة، تُحقِّق التوازن بين التنافسية الرياضية، الاستدامة المالية، والخدمة المجتمعية.
إنَّ الرياضة اليوم لم تعد مجرد هواية؛ بل هي صناعة متكاملة، وحان الوقت لنأخذ هذا المفهوم على محمل الجد.
رابط مختصر