الفكر المكيافيلي.. كيف يؤثر على قرارات قادة العالم؟
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
يتمحور الفكر المكيافيلي حول فكرة أن "الغاية تبرر الوسيلة"، حيث يبرر استخدام القوة والخداع لتحقيق الأهداف السياسية، وذلك نسبةً إلى نيكولو مكيافيلي (1469م-1527م)، الفيلسوف والسياسي الإيطالي الذي يعتبر كتابه "الأمير" مرجعًا أساسيًا في فلسفة السياسة الواقعية. وقد أثرت أفكار مكيافيلي بشكل كبير على التفكير السياسي والإستراتيجيات التي يتبناها العديد من قادة العالم.
الفكر المكيافيلي هو فلسفة سياسية تركّز على استخدام السلطة بطرق عملية وواقعية. ويعتبر كتاب "الأمير" المصدر الإرشادي للقادة حول كيفية الحصول على السلطة والحفاظ عليها. ونستعرض فيما يلي المفاهيم الرئيسية لهذا الفكر:
الواقعية السياسية: ويُقصد بها التعامل مع السياسة بناءً على الحقائق والمواقف الفعلية، بدلًا من التركيز على الأهداف المثالية أو الطموحات الأخلاقية. الواقعية العملية: يجب على القادة أن يتخذوا قرارات مستندة إلى الظروف الواقعية، حتى وإن كانت هذه القرارات صعبة أو غير شعبية. قرارات غير أخلاقية: أحيانًا قد تتطلب السياسة اتخاذ قرارات لا تتوافق مع المعايير الأخلاقية المعتادة، مثل استخدام الخداع أو القوة. ويمكن استحضار مثال على ذلك، إذا كان الحفاظ على السلام يتطلب عقد تحالف مع طرف غير موثوق به، فإن الواقعية السياسية تعتبر هذا التحالف ضروريًا لتحقيق هدف أكبر. الغاية تبرر الوسيلة: هي فكرة تعني أن الهدف النهائي يبرر استخدام أي وسيلة لتحقيقه، مهما كانت هذه الوسائل غير أخلاقية أو قاسية. أهمية تحقيق الأهداف: في السياسة، يُعتبر تحقيق الأهداف السياسية المهمة أكثر أهمية من الالتزام بالمعايير الأخلاقية. استخدام الخداع والقوة: قد يكون من الضروري استخدام الخداع أو القوة لتحقيق الاستقرار أو الحفاظ على السلطة. ففي حالات الحرب، مثلًا، يمكن استخدام التضليل الإعلامي لإرباك العدو وتحقيق النصر، حتى لو كان ذلك يتم بطريقة غير أخلاقية. المرونة والتكيّف: وتعني أن القادة يجب أن يكونوا قادرين على التكيف مع التغيرات السريعة والمفاجئة في الظروف السياسية المتقلبة. الاستجابة للتغيرات: يجب على القادة أن يكونوا مستعدين لتغيير إستراتيجياتهم وسياساتهم بسرعة إذا تغيرت الظروف. استخدام الظروف لصالح السلطة: يمكن للقادة استخدام التغيرات غير المتوقعة لصالحهم؛ لتعزيز سلطتهم. وكمثال على ذلك، أنه إذا واجه قائد ما أزمة اقتصادية، يجب أن يكون لديه القدرة على تعديل سياساته الاقتصادية بسرعة للتعامل مع الأزمة، والاستفادة منها؛ لتعزيز موقفه السياسي. تأثير الفكر المكيافيلي على قادة العالمتأثر العديد من رؤساء وقادة العالم بأفكار مكيافيلي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ويمكن في هذا السياق سرد بعض الأمثلة البارزة على ذلك:
هنري كيسنجر: مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية الأميركي السابق، الذي يعتبر من أبرز المدافعين عن الواقعية السياسية، استخدم في سياسته الخارجية تكتيكات تتماشى مع الفكر المكيافيلي، بما في ذلك دعم الأنظمة الاستبدادية لتحقيق التوازن في الحرب الباردة. ومن ذلك دعمه نظام بينوشيه في تشيلي، حيث تغاضى عن الانتهاكات الحقوقية؛ لتحقيق استقرار سياسي في المنطقة يحمي مصالح الأميركيين. ونستون تشرشل: رئيس الوزراء البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية، الذي استخدم الخداع والمعلومات المضللة كجزء من إستراتيجياته الحربية، مما يعكس تأثير الفكر المكيافيلي في تحقيق أهدافه. حيث استخدم عملية "الطعام الجاهز" (Operation Mincemeat)، وهي عملية خداع تضمنت إسقاط جثة تحمل وثائق مزورة للإيهام بأن الحلفاء سيغزون اليونان بدلًا من صقلية. فلاديمير بوتين: الرئيس الروسي الحالي، الذي يتبنى سياسات واقعية قائمة على استخدام القوة والضغط السياسي؛ لتعزيز مصالح روسيا، مستخدمًا تكتيكات تتماشى مع الفكر المكيافيلي للبقاء في السلطة والتأثير على السياسة الدولية.فقد ضمّ شبه جزيرة القرم واستخدم القوة العسكرية والسياسية في النزاعات الإقليمية؛ لتعزيز موقف روسيا في مواجهة تدخلات حلف الناتو الغربي الذي بدأ يلعب على الحدود الروسية.
ريتشارد نيكسون: الرئيس الأميركي السابق، الذي استخدم تكتيكات سرية ودبلوماسية خلف الكواليس؛ لتحقيق أهدافه السياسية، مثل تدشين العلاقات مع الصين، وهو ما يعكس تأثرًا واضحًا بالفكر المكيافيلي، فقد قام نيكسون برحلة إلى الصين عام 1972، سرًا ودون إعلان مسبق؛ لتحقيق تحول إستراتيجي في العلاقات الدولية هدفه الأساس محاصرة أميركا للاتحاد السوفياتي. النقد والجدل حول الفكر المكيافيليرغم التأثير الكبير لفكر مكيافيلي على السياسة العالمية، فإنه لا يخلو من النقد، إذ يعتبر البعض أن هذا الفكر يبرر الأفعال غير الأخلاقية ويعزز الأنانية والاستبداد.
إفساد القيم الأخلاقية: يرى البعض أن المكيافيلية تبرر استخدام الوسائل غير الأخلاقية، مثل؛ الكذب والخداع لتحقيق الأهداف السياسية، مما يفسد القيم الأخلاقية، ويؤدي إلى تدهور المعايير الأخلاقية في المجتمع. كأن يلجأ بعض السياسيين في المعارك الانتخابية، إلى نشر معلومات مضللة أو تشويه سمعة المنافسين للفوز في الانتخابات، مما يضر بثقة الجمهور في النظام الديمقراطي، ويزيد من حدّة الاستقطاب.
تشجيع الانتهازية: يُعتقد أن الفكر المكيافيلي يشجّع القادة على أن يكونوا انتهازيين، بمعنى أنهم يسعون لتحقيق مصالحهم الشخصية على حساب المصلحة العامة. فقد يتخذ بعض القادة قرارات قصيرة الأجل لزيادة شعبيتهم أو سلطتهم، حتى لو كانت هذه القرارات تضرّ بالبلاد على المدى البعيد، مثل؛ الإنفاق الزائد على المشاريع غير الضرورية لشراء الأصوات.
تعزيز الاستبداد: يعتبر بعض النقاد أن هذا الفكر يمكن أن يستخدم وسيلة للاستبداد والقمع، حيث يمكن للقادة تبرير الإجراءات القمعية بأنها ضرورية للحفاظ على الاستقرار والسيطرة، حيث يتم قمع الحركات المعارضة؛ بحجة أنها تهدد الأمن والاستقرار، كما في بعض الأنظمة الدكتاتورية التي تسجن أو تقتل المعارضين السياسيين.
في المقابل يدافع البعض عن الفكر المكيافيلي بأنه يقدم رؤية واقعية للسياسة تتماشى مع الطبيعة البشرية والتحديات التي تواجه القادة.
الواقعية يدافع مؤيدو المكيافيلية بأن السياسة تتطلب أحيانًا قرارات قاسية وغير شعبية؛ للحفاظ على الاستقرار والأمن. ويقدمون مثالًا على ذلك، أنه في حالة الأزمات الوطنية، قد يكون من الضروري اتخاذ إجراءات قاسية، مثل؛ فرض حالة الطوارئ أو تقييد الحريات المدنية لضمان بقاء الدولة.
التكيف مع الطبيعة البشرية: يجادل المؤيدون بأن البشر ليسوا دائمًا أخلاقيين أو مثاليين، والسياسة تحتاج إلى الاعتراف بهذه الحقيقة والعمل بناءً عليها لتحقيق الأهداف. مثل استخدام الدبلوماسية الخادعة للتفاوض على اتفاقيات السلام، أو التحالفات التي قد لا تكون ممكنة إذا كان الجميع يتبع المبادئ الأخلاقية الصارمة.
التعامل مع التحديات: يبرر المدافعون عن المكيافيلية بأن السياسة مليئة بالتحديات المعقدة التي تتطلب مرونة واستعدادًا لاستخدام وسائل غير تقليدية لتحقيق الأهداف المهمة. ويقدمون مثالًا على ذلك، إبرام صفقات سياسية مع دول غير ديمقراطية؛ لضمان الاستقرار الإقليمي أو المصالح الاقتصادية، كما في العلاقات بين الدول الغربية وبعض دول الجنوب، حيث الأزمات مستفحلة.
أمثلة من لحظتنا المعاصرةالحرب على الإرهاب: يوجه المنتقدون للمكيافيلية سهامهم لبعض الدول التي استخدمت "الحرب على الإرهاب" ذريعةً لتمرير قوانين قمعية وتقييد الحريات المدنية. في حين يعتبر المؤيدون أن هذه الإجراءات كانت ضرورية لحماية المواطنين ومنع الهجمات الإرهابية.
التعامل مع جائحة كوفيد- 19: يوجه المنتقدون اللوم لبعض الحكومات التي فرضت إجراءات صارمة، مثل؛ الإغلاق الكامل، والحجر الصحي الإجباري، مما أثر على الاقتصاد وحقوق الأفراد. في حين يرى المتشبعون بالميكيافيلية، أن هذه الإجراءات كانت ضرورية لحماية الصحة العامة ومنع انتشار الفيروس.
ختامًا:عمومًا يبقى الفكر المكيافيلي مؤثرًا بشكل كبير على السياسة العالمية وأسلوب حكم العديد من القادة، من خلال الاختباء خلف أو التركيز على مفاهيم الواقعية السياسية والمرونة في استخدام الوسائل المختلفة؛ لتحقيق الأهداف. حيث قدَّم مكيافيلي إطارًا يمكن للقادة السياسيين استخدامه للتعامل مع التعقيدات والتحديات السياسية.
ومع ذلك، يبقى الجدل قائمًا حول الجوانب الأخلاقية لهذا الفكر وتأثيره على القيم الديمقراطية، وحقوق الإنسان. إذ رغم التأثير الكبير للفكر المكيافيلي على السياسة العالمية، فإنه لا يخلو من النقد، حيث يعتبر البعض أن هذا الفكر يبرّر الأفعال غير الأخلاقية، ويعزّز الأنانية والاستبداد.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الواقعیة السیاسیة لتحقیق الأهداف على السیاسة هذا الفکر على ذلک
إقرأ أيضاً:
عميد الفكر النزواني
ولد عميد الفكر النزواني أبو سعيد محمد بن سعيد بن محمد بن سعيد الناعبي، في بلدة العارض من كُدَم في بدايات القرن الرابع الهجري في حوالي سنة 305هـ . وحين أصبح في ريعان شبابه قرر السفر إلى نزوى لتقلي العلم من علمائها، حيث اشتهرت نزوى دائما بكثرة العلماء وطلبة العلم فيها وما زال هذا حالها إلى يومنا هذا، فجلس الكدمي في مجلس الشيخ محمد بن روح بن عربي الكندي، والشيخ رِمشقي بن راشد ومحمد بن الحسن، والشيخ عبدالله بن محمد بن أبي المؤثر الخروصي لينال نصيبا من علمهم ويستمع لهم، ويحفر في ذاكرته حروف كلماتهم.
كان الكُدَمي مجدًا في طلب العلم وحريصا عليه. هذا الحرص جعل منه شخصية علمية غزيرة العلم والمعرفة . عاصر الكدمي ثلاثة من الأئمة: الإمام سعيد بن عبدالله الرُحيلي، والإمام راشد بن الوليد، والإمام حفص بن راشد، وفي فترة إمامة الإمام سعيد بن عبدالله نال محمد بن سعيد الكُدمي حظوة لدى الإمام لأمانته وإخلاصه في عمله، فعينه الإمام أمينًا على المحبوسين، وكتب الكدمي يصف الإمام سعيد على لسان معلمه أبي إبراهيم محمد بن أبي بكر الأزكوي قال: «الإمام سعيد بن عبدالله أفضل من الإمام الجلندى بن مسعود نظرا لكونه إماما عادلا صحيح الإمامة من أهل الاستقامة يفوق أهل زمانه أو كثيرا منهم في العلم ومع ذلك قتل شهيدا».
وكانت له منزلة كبيرة أيضا لدى الإمام راشد بن الوليد وكان مقربا منه، والكدمي يذكر الإمام راشد بقوله: «كان رحمه الله لرعيته هينا رفيقا بآرائهم، شفيقا غضيضا عن عورتاهم، مقيلا لعثراتهم بعيد الغضب عن مسيئهم، قريب الرضا عن محسنهم». وفي عهد الإمام حفص بن راشد كان الشيخ محمد بن سعيد هو المرجع الديني لعمان قاطبة، وتولى الجانب الديني والفقهي في حكومة الإمام.
كتب الشيخ محمد بن سعيد عددًا من المؤلفات التي لا تزال تعد مصدرا مهما في دراسة الفكر الديني في عمان ومن هذه المؤلفات كتاب الاستقامة، ولخص هذا الكتاب علي بن محمد المنذري في كتاب نهج الحقائق، وللكدمي كتاب «المعتبر» والذي يقع في تسعة أجزاء، وهو شرح لجامع ابن جعفر ولم يتبق من هذا الكتاب القيم سوى جزأين، وكتاب «زيادات الأشراف»، وعلق الشيخ الكدمي في هذا الكتاب على كتاب «الإشراف على مذاهب أهل العلم» لمؤلفه محمد بن إبراهيم بن المنذر بن الجارود النيسابوري. وذكر البرادي أن للكدمي كتابًا بعنوان «المقطعات»، وله عدد من الرسائل والمكاتبات وردت في بيان الشرع، وعدد من القصائد والمنظومات حول قضية عزل الإمام الصلت بن مالك، وله جوابات جمعها سرحان بن سعيد أمبوعلي الأزكوي في كتاب أسماه «الجامع المفيد من أحكام أبي سعيد».
ويعد كتاب «الاستقامة» من أهم أعمال الشيخ أبي سعيد الكدمي، ويقع هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء، يتناول موضوع الولاية والبراءة كمحور رئيسي له، وتميز في طرحه بأنه تناول الجانب المعتدل والمتسامح وابتعد عن التطرف في إطلاق الأحكام، ومن أبرز الأسباب التي دفعت الكدمي إلى كتابة كتاب «الاستقامة» هو رغبته في شرح وجهة نظره حول موضوع الخلاف الشاغل بين العلماء في تلك الفترة وهي قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي، فحدث خلاف بينه وبين الشيخ ابن بركة، حيث كان ابن بركة وهو من أبرز علماء عصره وعميد للفكر الرستاقي الذي كان يرى ضرورة البراءة من راشد بن النظر وموسى بن موسى، وطلب ابن بركة من جميع طلابه أن ينهجوا نهجه، فضيق على الناس بطلبه هذا. فقرر الكدمي -والذي عرف بتوجهاته التي تميل دائما إلى الوسطية- أن يكتب كتابا يوضح فيه موقفه من قضية راشد بن النظر وموسى بن موسى، فكتب «الاستقامة» ووضح في كتابه هذا أن هذه الحادثة قديمة وأنهم في هذا الجيل لم يشهدوا الأحداث حتى يطلقوا الأحكام، لذا وجب الوقوف في مثل هذه الأمور، وعدم البراءة من أي شخص ممن عاصر قضية عزل الإمام الصلت. لاقى كتاب «الاستقامة» الذي تميز بعمق الطرح وينم عن غزارة العلم، استحسان الكثير من علماء عصره؛ وبذلك تأسس فكر مختلف عن الفكر الرستاقي عرف بالفكر النزواني الذي تولى ريادته الشيخ محمد الكدمي.
جاء الجزء الأول من الكتاب في أسس وقواعد الولاية والبراءة، والجزء الثاني في أحكام الولاية والبراءة، أما الجزء الثالث، فحول تطبيقات الولاية والبراءة.
استفاد من جاء بعده من العلماء من كتاب «الاستقامة»، فصاحب بيان الشرع نقل من الاستقامة كل ما يخص موضوع الولاية والبراءة، وكتب الشيخ ناصر بن خميس الحمراشدي يصف كتاب «الاستقامة»:
كتاب الاستقامة ليس يلقى له في الكتب شبه أو نظير
حوى علم الشريعة فاستقامت على قطب استقامته تدور
عليك به حياتك فاتخذه شعارك فهو برهان ونور
واشتهر عن أبي سعيد عدد من العبارات التي لا تزال تتداول إلى اليوم، ومن أشهر هذه العبارات (من تشجع بعلمه كمن تورع به)، وله أيضا عبارة (الأمر إذا ضاق اتسع، وإذا اتسع ضاق).
قرر الشيخ سعيد في آخر أيامه العودة إلى موطنه العارض، وهناك بنى فيها مسجدا ليعلم طلبة العلم فيه ويكون ذكرى باقيا عنه، وظل في العارض إلى أن انتقل إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالعلم في طلبه وفي نقله للأجيال اللاحقة. وظل الشيخ الكدمي معلما لمن جاء بعده من خلال مؤلفاته التي كانت تحمل بعدا فكريا عميقا، ويقول عنه الشيخ أبو نبهان الخروصي : «وكفى بأبي سعيد -رحمه الله- حجة ودليلا لمن أراد أن يتخذ الحق لنفسه سبيلا؛ لأنه أعلم من نعلم من الأحبار وآثاره أصح الآثار».