علي يوسف السعد يكتب: «تخليص الإبريز».. رائعة الطهطاوي
تاريخ النشر: 10th, September 2024 GMT
في قلب القرن التاسع عشر، وفي ظل التجديدات الثقافية والتعليمية التي شهدتها مصر، يأتي كتاب «تخليص الإبريز في تلخيص باريز» للعلامة رفاعة الطهطاوي كواحد من أبرز النصوص التي وثّقت تجربة الشرق في استكشاف الغرب.. نُشر الكتاب عام 1834م بعد عودة الطهطاوي من بعثة علمية دامت خمس سنوات في باريس، ويعد هذا العمل ملحمة ثقافية تبرز التفاعل بين الحضارتين الإسلامية والغربية.
«تخليص الإبريز» ينقسم إلى عدة أبواب رئيسة تغطي جوانب متعددة من الحياة الفرنسية والأوروبية، بدءاً من التعليم والنظام السياسي، مروراً بالتقنيات والعلوم، وانتهاءً بالعادات الاجتماعية والدينية، من أهم الأبواب: (التعليم والمدارس) وفيه يصف الطهطاوي بتفصيل كبير النظام التعليمي الفرنسي، مشيداً بدور المدارس والجامعات في بناء الدولة، أما الباب الثاني فهو (النظام السياسي) الذي يهتم بشرح تنظيم الدولة الفرنسية، مقدماً نظرة تحليلية للمؤسسات السياسية وكيفية إدارة الحكم.
وفي باب (العلوم والتقنية) يتحدث رفاعة عن التقدم العلمي والتقني الذي شهدته فرنسا، مشيراً إلى الاختراعات والابتكارات التي أثرت في العالم، كما لم ينسَ المؤلف في باب (الأخلاق والدين) أن يناقش الديانة الكاثوليكية، ويقارن بين الأخلاق الإسلامية والمسيحية في سياق تعزيز الفهم المتبادل.
استخدم الطهطاوي أسلوباً سردياً وصفياً محكماً في كتابته، معتمداً اللغة العربية الفصحى بتراكيبها البلاغية الرائعة، كان أسلوبه واضحاً وجذاباً، يمزج بين التحليل العقلاني والوصف العاطفي، مما جعل من كتابه وسيلة فعالة لنقل صورة حضارية متكاملة عن الغرب إلى القراء العرب.
«تخليص الإبريز» لم يكن مجرد رواية سفر، بل كان محاولة جادة لبناء جسور الفهم بين العالم العربي والغرب، ويُعد هذا العمل من النصوص الأساسية التي لعبت دوراً كبيراً في توجيه النظر إلى أهمية التعليم والانفتاح على الثقافات الأخرى، وقد استطاع الطهطاوي أن يقدم رؤية معتدلة تنبذ التعصب وتقدر العلم والمعرفة، مما جعل من كتابه مرجعاً دائماً للعديد من الأجيال.
بهذه الرحلة المعرفية الفريدة التي قدمها رفاعة الطهطاوي عبر «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، نجد أنفسنا أمام مصدر ثقافي غني وعميق، فالكتاب ليس فقط توثيقاً لحضارة، بل هو دعوة للتفكير والتأمل في كيفية التعايش بين الثقافات المختلفة بروح من التقدير والاحترام المتبادل، من هنا أثرى رفاعة الطهطاوي الأدب العربي بعمل لا يقدر بثمن، وسيظل شاهداً على تاريخ ثقافي مشترك يمتد عبر الزمان والمكان. أخبار ذات صلة علي يوسف السعد يكتب: يوم في قصر دراكولا علي يوسف السعد يكتب: جوهرة أرمينيا المائية
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: علي يوسف السعد
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: " العشوائيــــــات " فى عقول المصريين
أصبحت العشوائيات من سمات المحروسة،ولا أقصد بعشوائياتنا فى الأحياء السكنية،مثل الدويقة،ومنشية ناصر،والمجاورين، وباب الوزير، والمغربلين، والسلام،والعرب بالمعادى،وبولاق الدكرور ( الصين الشعبية) وطره وبقية 68 حى عشوائى بالقاهرة،تضم أكثر من 4 مليون نسمه، بما فيهم المقابر بحى الجمالية،ومدينة نصر،وكذلك إمتداد العشوائيات على كل الطرق المنشئة بما فيها الطريق الدائرى والدولى من غرب مصر إلى شرقها!!
ولكن أقصد عشوائيات القرارات الإدارية،وعشوائية السياسات فى قطاعات مثل المرور والمرافق والمياه،والصرف الصحى،والطرق والتراخيص وتشغيل وتراخيص مبانى،وإدارات صحية،وتموين ومواصلات … الخ.
وإستمرت هذه العشوائية منذ الستينيات من القرن الماضى إلى الحاضر فى القرن الواحد والعشرين وحتى بعد قيامنا بإنتفاضات شعبية وثورتين.
والمصيبة الأكبر أن أكثر ما يضير الأمة،أن العشوائية إنتقلت من القدم إلى الركبة،إلى الجسد،ووصلت إلى رأس الأمة،وأقصد به "التعليم الجامعى "وما بعده فى مراحل "الدراسات العليا "من ماجستير ودكتوراه،فأصبحت سمة العشوائية فى كل ما تتناوله رأس الأمة،من بحوث علمية غير ذى قيمة أو ذى فائدة تعود على الجميع.
وترجع خطورة إنتقال هذه السمة إلى هذا الجزء من "جسد الأمة " إلى المثل القائل بأن "السمكة تفسد من رأسها !!
والخوف كل الخوف،بأن ما يتم، وما نأمل فيه من إصلاح سياسى وإقتصادى، يقابله إستهتار إجتماعى شديد الضراوة،والشراسة،وتزداد سمة العشوائية ترسيخًا،فى وجدان هذه الأمة،مما يجعلنى أستصرخ الناس والقادة،والمسئولين عن ثقافة هذه الأمة بأن العشوائيات ستكون سببًا فى إنهيارنا.
ماذا لو أغلقنا كل الأبواق المزايدة،على مصالح ضيقة وخلافات حزبية،ووهم دينى متعصب أعمى فى المجتمع،وواجهنا جميعًا،إدارة وشعب،ما وصلنا إليه من هذا المرض العضال وهو " العشوائية فى مصر" وما السبيل إلى الإستشفاء حتى لو كان ذلك بتدخل جراحى،وإن إستدعى الأمر إستجلاب أطباء غير مصريين لإنقاذ جسد الأمة من الإنهيار،إذا كنا قد فقدنا الثقة فى أطباء وعقلاء هذا الوطن!!.
فلنا أن نستعين بأجانب للمساعدة مثما نفعل فى ( كرة القدم ) على سبيل المثال،ومثلما نفعل فى إدارة شئون الإقتصاد فى الدولة، حيث نستعين بمن يرى أننا نستحق المساعدة من العرب والأصدقاء.
نحن فى أشد الإحتياج للإهتمام بعقول هذا الوطن، وعشوائيات البشر حيث هؤلاء هم الذين نعمل على تنمية إقتصادهم ووسائط حياتهم، ولكن نسينا الإهتمام بعقولهم وهذا الأهم !!