يقول محللون سياسيون إن التسريبات الأخيرة التي نشرتها صحيفة إسرائيلية تصدر من بريطانيا وتتحدث عن خطة لتهريب ما تبقى من الأسرى الإسرائيليين الأحياء إلى مصر ومنها إلى إيران ليست سوى رواية هوليودية يحاول رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ترويجها لتثبيت مخططه الرامي لمواصلة الحرب واحتلال محور فيلادلفيا وأيضا للسيطرة على الرواية الإسرائيلية الرسمية بشكل كامل.

ويرى المحللون أن هذه التسريبات هي جزء من محاولات نتنياهو لإحكام قبضته على المؤسسة العسكرية وجعلها تابعة له من خلال الترسيخ لصورتها كجيش ضعيف فاشل في تحقيق الأهداف.

وخلال مشاركته في برنامج "غزة.. ماذا بعد؟"، قال المحلل السياسي الدكتور أحمد الحيلة إن الخطة التي تتحدث عنها الوثيقة المسربة تتماشى تماما مع رواية نتنياهو التي يريد من خلالها إسكات كافة الأصوات التي تطالب بوقف الحرب والخروج من محور فيلادلفيا إذا كان البقاء سيكون ثمنه خسارة الأسرى.

رواية هوليوية تخدم مخططات اليمين

ووصف الحيلة التسريب الأخير بأنه "رواية هوليودية" لا يمكن تطبيقها حتى من الناحية الفنية لكنه قال إنها تدعم مخططات اليمين المتطرف التي يخشى الجيش أن تجعله يعلق في قطاع غزة والضفة الغربية وربما لبنان، وهو ما دفعه لإعلان التحقيق في الأمر ليقطع الطريق على نتنياهو.

الرأي نفسه ذهب إليه الباحث في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين بقوله إن نتنياهو يحاول تحميل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) المحدودة القدرات، الوقوف وراء مشروع لتفكيك إسرائيل النووية صاحبة المؤسسات والتي يقترب عمرها من 80 عاما.

وقال جبارين إن حالة صناعة التسريبات التي تعيشها إسرائيل خلال هذه الحرب كجزء من الصراع بين نتنياهو والجيش تجعل المحللين يقفون وراء الصحيفة التي تنشر المعلومة والصحفي الذي نقلها والمصدر الذي قالها لكي نعرف من يقف وراءها خصوصا في ظل الرقابة العسكرية الشديدة على كل ما يتعلق بالحرب.

ومن هذا المنطلق، فإن جبارين يعتقد أن نتنياهو هو من يقف وراء هذه القصة التي قال إنها تتشابه تماما مع ما كانت وسائل الإعلام الغربية تنشره بشأن وقوع ضربات في سوريا "يُعتقد أن إسرائيل هي من نفذها" دون تأكيد قيامها بها.

ويتفق الحيلة مع حديث جبارين بقوله إن الهدف من نشر الوثيقة هو نشر محتواها، مشيرًا إلى أن المحتوي يخدم خطط نتنياهو الذي اتهمته مصر مؤخرًا علنًا بتعطيل المفاوضات رغم أنها لم تفعل هذا طوال فترة عملها كوسيط.

وإلى جانب ذلك، فإن هذه الطريقة تتماشى مع سلوك نتنياهو القائم على تسريب أمور من شأنها تعطيل أي اتفاق محتمل، وهو ما فعله لكي يبرر تدمير غزة عندما روج لمزاعم حرق الأطفال والاغتصاب واحتفال هانوفا الذي أكدت تحقيقات الشرطة الإسرائيلية لاحقا أنه استهدف بطائرة إسرائيلية.

السيطرة على الرواية الإسرائيلية

وفيما يتعلق بما يمكن للجيش أن يفعله تجاه هذه الورقة، قال جبارين إن الجيش لن يفعل أكثر من نشر استنتاجات خاصة دون الإعلان عن المسؤول الأساسي، وأشار إلى أن الجيش يلجأ أحيانا لتحميل أحد قياداته المتوسطة وغير المهمة مسؤولية بعض الأمور إذا استشعر خطرًا على قادته.

ومن ناحية أخرى، فإن الجيش لا يمكنه تصعيد مسألة هذه الوثيقة لأنه متورط في نشر معلومات كاذبة لتبرير تنفيذ عمليات عسكرية كما حدث في مستشفى الشفاء ومن ثم فإنه يخشى أن تلقي عليه الحكومة مسؤولية تقديم معلومات غير دقيقة دفعت القيادة السياسية لاتخاذ قرارات عسكرية، كما يقول جبارين.

لذلك، فإن هذه الرواية بالأخير تدخل في سياق محاولات نتنياهو إخضاع المؤسسة العسكرية لسيطرته كما يفعل مع القضاء، وأيضا هي جزء من خططه للسيطرة على الرواية الإسرائيلية بشكل كامل، وفق جبارين الذي قال "إن أحد الأمور الغريبة في هذه الحرب أن نتنياهو حيّد وزارة الخارجية تماما وألغى وزارة الهاسبراه (الرواية) التي كانت وظيفتها الوحيدة ترويج الرواية الإسرائيلية، عندما أوقفها بعد أسبوعين من الحرب بذرائع تتعلق بممارسات مالية".

وتماشيًا مع هذه الفرضية، يقول الحيلة إن ما يجري حاليا هو نتيجة اختلاف وجهة نظر نتنياهو مع الجيش والمؤسسات الأمنية بشأن مستقبل غزة والضفة وربما التعامل مع لبنان حيث يريد رئيس الحكومة مواصلة الحرب بينما الجهات العسكرية والأمنية عكس ذلك.

وهذا الخلاف -برأي الحيلة- هو ما دفع الجيش لمطالبة رئيس الوزراء بالالتزام علنًا بعدم احتلال غزة بشكل دائم تجنّبًا للفاتورة الأمنية والعسكرية والاقتصادية.

وبالتالي فإن الصراع مرشح للتفاقم لأن نتنياهو قال في السابق إن إسرائيل دولة لها جيش وليست جيشا له دولة وهذا جوهر صراع كبير بين اليمين المتطرف والجيش، حسب الحيلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الروایة الإسرائیلیة

إقرأ أيضاً:

أخيرًا.. نتنياهو يجثو على ركبتيه!

بعد 15 شهرا كاملا من المكابرة والعناد والغطرسة، جثا نتنياهو أخيرًا على ركبتيه، كما توعّده أبو عبيدة في أكتوبر 2023، وقبِل صاغرًا وقف الحرب، وعقد صفقة تبادل أسرى وفق أغلب شروط المقاومة.

طيلة 15 شهرا، ظلّ مجرم الحرب نتنياهو يهرب إلى الأمام، ويصرّ على مواصلة الحرب وارتكاب المجازر، وتجويع الفلسطينيين، والتدمير المنهجي لغزة، أملا في تحقيق “النصر المطلق”، وتحرير أسراه بالقوة، والقضاء على المقاومة، وإسقاط حكم حماس، وتهجير سكان القطاع إلى سيناء في خطوة كبيرة لتصفية القضية الفلسطينية وحسم الصراع لصالح الاحتلال نهائيّا.

وحينما فشل في مخطط التطهير العرقي والتهجير الشامل، حاول تنفيذ تهجير جزئي لشمال غزة وطرد سكانها إلى الجنوب، وإعادة استيطانه، وشرع في تنفيذ “خطة الجنرالات” منذ أزيد من 100 يوم، ارتكب خلالها مجازر مروِّعة ونسف جباليا وبيت حانون وبيت لاهيا من الوجود، لكنّ الخطة فشلت؛ فعشراتُ الآلاف من السكان أصروا على البقاء في منازلهم المهدَّمة رغم الجوع والقصف، والمقاومة صمدت وزاد لهيبُها في الأسابيع الأخيرة، وخسائر الاحتلال تراكمت، فتوصّل نتنياهو في الأخير إلى قناعة بضرورة وقف الحرب عند هذا الحدّ والقبول بخطة بايدن التي رفضها في أواخر ماي الماضي.

خلال هذه المدة الطويلة من الحرب، قصف الاحتلال غزة بنحو 100 ألف طن من القنابل والمتفجِّرات (100 مليون كلغ)، أي ما يعادل خمس قنابل نووية، وغزا القطاع بـ360 ألف جندي ومرتزق، ومع ذلك صمدت المقاومة وبقيت تقاتل وتوجّه ضربات موجعة للعدوّ حتى آخر لحظة، ولو استمرّت الحرب لبقيت المقاومة صامدة رغم اختلال التوازن العسكري كلّيا لصالح العدوّ، وهذا في حدّ ذاته إعجازٌ حربيٌّ سيخلّده التاريخ بالكثير من الإعجاب والذّهول.

إنّ قراءة سريعة في نصّ اتفاق وقف إطلاق النار تُظهر بوضوح لأيِّ متتبّع منصف أنّ المقاومة قد فرضت أغلب شروطها المتعلقة بوقف الحرب وانسحاب جيش الاحتلال، ولو مرحليًّا، وعودة السكان إلى أحيائهم في الشمال بلا قيود، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية بلا عراقيل، وعقد صفقة تبادل تحرِّر بموجبها 1737 أسير فلسطيني في المرحلة الأولى وقد تحرِّر أكثر من هذا العدد في المرحلة الثانية مقابل جنود العدوّ وهم أكثر أهمية من المدنيين..

صحيحٌ أنّ المقاومة لم تحقِّق شرطها بتبييض سجون العدوّ، لكن ليس بالإمكان أفضل ممّا كان؛ إذ طال أمدُ هذه الحرب وحان الوقت ليتوقف نزَفُ دم سكان غزة، ويستريحوا من أهوالها، ويلتقطوا أنفاسهم، ويعودوا إلى ديارهم ولو كانت مهدَّمة، ويشرعوا في تضميد جراحهم، واستئناف حياتهم، بعد 15 شهرا كاملا من الموت والتشرّد والجوع والمعاناة…

وهنا لا بدّ أن يهبَّ مليارَا مسلم، وفي مقدّمتهم 46 مليون جزائري، لنجدة إخوانهم في غزة بما يستطيعون تقديمه من أغذية وأدوية وأفرشة وأغطية وبيوت جاهزة وخيم ومواد إغاثية أخرى… فالحدود مفتوحة ولا يُقبل منهم أيُّ تقاعس أو عدم اكتراث منذ الآن، لأنّ معركة أخرى بدأت وهي الضّغط على حماس وابتزازها بالمساعدات الإنسانية وملفّ إعادة الإعمار لترك حكم غزّة لعملاء الاحتلال.

نبارك للمقاومة الفلسطينية نصرها التاريخي على الاحتلال وكسر شوكته وإجباره على وقف الحرب بشروطها، ونبارك لـ2.2 مليون فلسطيني بغزة صمودهم الأسطوري في أراضيهم وإفشال مخطط العدوّ لتهجيرهم.. لقد انتصرت المقاومة بشهادات بلينكن وثلاثة وزراء من حكومة الاحتلال وهم جدعون ساعر، وبن غفير، وسموتريتش، وكذا رئيس الموساد السابق تامير باردو، وصاحب “خطة الجنرالات” المشؤومة غيورا آيلاند، وعدد كبير من المحللين الصهاينة، في حين يصرّ المرجفون العرب على أنّ حماس هي التي خسرت بقياس فاسد وهو الخسائر البشريّة الكبيرة والدّمار الكبير الحاصل في غزة، وكأنّ الثورات التي انتصرت في التاريخ على المستعمِرين لم تدفع تضحياتٍ جسيمة.

نتنياهو جثا على ركبتيه أخيرا، ومشروعه القائم على تغيير الشرق الأوسط، تبخّر، وقريبًا ستنتهي حياته السياسية ويحاكَم ويُسجَن بتهم فساد سابقة، أو يبقى مطارَدًا من المحكمة الجنائية الدولية، وجيشُه هُزم، وعددٌ من وزرائه بكوا في جلسة الحكومة للتّصديق على اتفاق وقف إطلاق النار، ما يدلّ على مدى وقع الهزيمة في نفوسهم، أما سكّانُ غزة فقد احتفلوا طويلا بالنصر على حرب الإبادة والتهجير، وردّدوا نشيد “سوف نبقى هنا” وتكبيراتِ العيد وكأنّه يوم عيد، كما انتشرت شرطة حماس في عموم أنحاء القطاع، في رسالةٍ واضحة تؤكّد أنّ “اليوم التالي” للحرب، هو بقاء حكم حماس ورسوخه أكثر، ولا عزاء للصّهاينة وحلفائهم المتصهينين الذين كانوا يتداعون إلى دخول قوّات عربية ودولية لحكم غزّة بعد نهاية الحرب.

الشروق الجزائرية

مقالات مشابهة

  • أهداف فشل نتنياهو في تحقيقها من حرب غزة.. اعرفها
  • أخيرًا.. نتنياهو يجثو على ركبتيه!
  • يلوح بعصا العقوبات.. ترامب: إذا لم يأتِ بوتين إلى طاولة المفاوضات بشأن أوكرانيا
  • ترامب يهدّد الرئيس الروسي بشأن المفاوضات حول الحرب الأوكرانية
  • ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرا من الحرب؟
  • استقالة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ومناوشات مع نتنياهو .. ماذا يحدث؟
  • انتصار غزة.. الفضل ما شهدت به الأعداء
  • دبلوماسي أوكراني سابق: بوتين يحاول الخروج من عزلة الغرب بالتواصل مع ترامب
  • تأكيدا لموقف أُعلن منذ بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟