مصر وتركيا ومرحلة جديدة في المنطقة !
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
ليس من المبالغة في شيء القول بأن الزيارة التي قام بها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى تركيا يوم الأربعاء الماضي ردا على زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر في فبراير الماضي، قد أكملت حلقة التحسن الملموس في العلاقات المصرية التركية التي استغرقت وقتا طويلا حتى نضجت العلاقات السياسية بين البلدين وتمت استعادة الثقة المتبادلة واحتواء العديد من الخلافات بين أنقرة والقاهرة وذلك برغم أن العلاقات التجارية بين البلدين كانت تسير في الواقع في مسار آخر لا يتقاطع بشكل حاد مع مسار العلاقات التجارية أو الاقتصادية الثنائية بمفهومها الأوسع بين البلدين وهو ما وفّر للدولتين الكبيرتين في المنطقة تجربة مفيدة لهما يمكنهما الاستفادة الكبيرة منها في الفترة القادمة، بل ويمكن للمنطقة من حولهما الاستفادة منها كذلك بسبل متعددة وعملية أيضا، وهو ما أكد عليه الرئيسان السيسي وأردوغان خلال الزيارة وفي ختامها وكذلك وزير الخارجية التركي بعدها.
ولذا فإنه يحسب للقيادتين المصرية والتركية أنهما مارستا الكثير من ضبط النفس في فترة تأجج الخلافات حول الأوضاع في ليبيا وتخطيط الحدود البحرية في البحر المتوسط عام 2021، وتفضيلهما وضع هذا الموضوع جانبا لتناوله في ظروف أفضل ستتوفر لاحقا وبما يمكن حله في ظروف أفضل تخدم المصالح المشتركة للدولتين الصديقتين وهو ما سيعود بالنفع على مجمل المنطقة حولهما وعليهما كذلك بالطبع. وفي هذا الإطار فإن الدولتين أنشأتا «مجلس التعاون الإستراتيجي» لتعزيز مجالات التعاون بينهما ودفعها للأمام ولتوسيع نطاق التعاون المثمر مع دول وأطراف إقليمية ودولية أخرى في الفترة القادمة عندما تتهيأ الظروف وهي تتهيأ في هذه الفترة، وهو ما قد يستغرق بعض الوقت بحكم طبائع الأشياء كما يحدث في مجالات التعاون في هذه المجالات، خاصة ذات الطابع الفني وغير السياسي ولكن المستند بالضرورة إلى الإرادة والتفهم السياسي المتبادل الذي يذلل أية عقبات قد تظهر بشكل أو بآخر.
وإذا كان مما له دلالة أن مصر وتركيا أنشأتا «مجلس التعاون الإستراتيجي» بينهما وأنشأتا لجنة متابعة على أرفع مستوى ووقعتا خلال زيارة الرئيس السيسي لأنقرة ثماني عشرة اتفاقية ومذكرة تفاهم شملت مجالات عديدة لتنشيط وتوسيع مجالات التعاون فيما بينهما فإنه لا يؤثر على ذلك أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي أنشئ عام 1981 هو مجلس مغلق بالنسبة لعضوية دول جديدة، ولكن من غير المستبعد أن هذا الأمر قد يتغيّر بشكل ما في إطار التغيّرات التي سوف تشهدها المنطقة في السنوات القادمة وليس مصادفة أن تشكل مصر وتركيا مجلس التعاون الاستراتيجي الجديد، خاصة أنهما معا تمثلان أكبر قوة في المنطقة يمكنها تعزيز ودفع مسيرة التعاون والتكامل لصالح الدول الثماني (أي مجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون الإستراتيجي المصري التركي) عندما تتهيأ وتنضج الظروف المناسبة لتحقيق ذلك بشكل ملائم وبما يخدم الدول الثماني والدول الأخرى في المنطقة وبعقلية جديدة وبعيدة النظر أيضا، وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها أولا، أن الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط هي ظروف بالغة الدقة وبالغة الصعوبة أيضًا ليس فقط لأنها المرة الأولى التي تمر فيها المنطقة بمثل هذه الظروف والأوراق المتداخلة والمصالح المتقاطعة والطموحات غير المحدودة لبعض الأطراف التي تسعى لاستعادة الماضي أو بعض ظلاله بشكل أو بآخر، ولكن أيضا لأن ديناميكية التغيرات لا تزال في بداياتها، وأن التغيرات يمكن أن تتسارع على نحو قد تختلط معه أوراق أو تتقاطع مصالح أو تتغير حدود أو تتعدل خرائط بكل ما يصاحب ذلك من آلام وحروب ومواجهات تتطلب تشكيل قوى وتحالفات وبناء علاقات جديدة كان من غير الممكن أو من الصعب تخيلها قبل عدة سنوات، وقد بدأت ملامحها في الظهور وستتكامل في السنوات القادمة.
وهنا فإنه ليس مصادفة أن تأخذ العلاقة المصرية التركية الشكل الذي اتخذته والذي سيتبلور بشكل أكبر وأكثر تحديدًا في المستقبل. برغم أن تركيا أردوغان نشطت بالفعل بشكل كبير ومتسع في ليبيا والصومال وهو ما يتم في السودان وتحاوله أنقرة في سوريا الآن وإن كان من الصعب تخيل أن يكون ذلك هو الشكل النهائي للعلاقات والمصالح بين الدول المشار إليها والذي يتطلب بالقطع عدالة وتوازنا للمصالح بين الدول المعنية حتى يمكن الحفاظ على ديمومة واستمرارية المصالح المشتركة والتي تلتقي الدول المعنية عند الاتفاق على الحفاظ عليها وتعميقها لخدمة مصالحها المشتركة والمتبادلة، أما الاستئثار أو محاولة الحصول على أكبر قدر ممكن من المصالح لخدمة طرف أو توسيع مصالحه على حساب طرف أو أطراف أخرى تحت أية ادعاءات أو مزاعم، فإنه هو في الواقع، وكما أثبتت التجارب، أسرع السبل للخلافات وظهور المشكلات وانهيار صيغ التعاون والتكامل في النهاية ولو من خلال أسلوب التجميد أو الحد من توسيع التعاون والمشروعات المشتركة التي لا تخدم المصالح الحقيقية لطرف أو أطراف معينة في النهاية. وعلى أية حال فإنه إذا كانت الدول الثماني -مجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون الإستراتيجي- قد توفرت لها في السنوات الماضية خبرات كافية للاستفادة منها، فإن السنوات القادمة وما ستحمله من تغيرات تفرض نفسها على كل دول المنطقة ستجعل من الممكن بل والضروري قبولها والتكيف معها لخدمة المصالح المشتركة وحمايتها في مواجهة طموحات غير مقبولة في جانب أو آخر أو على نحو يؤثر على استقرار دول وشعوب المنطقة ومصالحها والمؤكد أن التعامل الواقعي والرزين هو ما يتطلبه الموقف وليس المبالغة أو الإغراق في التفاؤل والقفز على الحواجز المرئية وغير المرئية، ومن حسن الحظ أن قيادات المنطقة أو معظمها تتمتع ببعد النظر وبالقدرة على التعامل الواقعي مع التطورات التي استفادت منها في السنوات الماضية.
ثانيا، أنه إذا كانت مصر وتركيا قد تمكنتا على المستوى الثنائي من مواكبة التغيّرات التي تقبل المنطقة عليها خلال هذه السنوات من خلال الجهود المشتركة في العمل والتعاون فيما بينهما لصالحهما معًا ولصالح دول المنطقة من حولهما، وبالطبع الاستعداد لما هو قادم، على المستويَين الفردي والثنائي، فإن الدولتين أكدتا في الواقع امتلاكهما للإرادة السياسية المشتركة للعمل على الأرض وعلى سبيل المثال زيادة حجم التبادل التجاري بينهما ليرتفع إلى خمسة عشر مليار دولار سنويًا خلال بضع سنوات وإتاحة الفرصة لتوسيع الاستثمارات والمشروعات المشتركة بين الدولتين في مختلف المجالات بما فيها النقل والتوسع في إفريقيا وعلى نحو يعزز خطط وبرامج التنمية الوطنية في البلدين، ويفتح المجال لتعزيز المصالح المشتركة في الأجلين القصير والمنظور مع الدول الصديقة الأخرى خاصة في إفريقيا ومع دول البريكس التي ستشارك تركيا في قمته القادمة قبل نهاية هذا العام. وفي ظل الإمكانيات الكبيرة لتركيا ومصر فإنه من الممكن أن تتوفر للدولتين معا الكثير من الإمكانيات التي يمكن أن تخدم خططهما وبرامجهما لتطوير تلك الإمكانيات بشكل أكثر فائدة لهما ولشعوبهما في الحاضر والمستقبل من ناحية، وهو ما يمكن أن يعزز كذلك فرص حل أية مشكلات عالقة بينهما على نحو أو آخر سواء في البحر المتوسط أو في الدول المجاورة أو الإسهام في فتح المجال أمام تحسين العلاقات التركية السورية ودعم الجهود الروسية في هذا المجال من ناحية ثانية. والمؤكد أن أنقرة لن تمانع في هذا المجال الذي يمكن أن يعزز التعاون بين تركيا ومصر وسوريا وروسيا أيضًا، وحتى إيران التي تميل إلى تطوير علاقات التعاون مع الدول المجاورة لها في ظل رئاسة الرئيس مسعود بزشكيان الذي يسعى لبناء علاقات طيبة وجديدة على أوسع نطاق مع الدول المجاورة ومع العالم وبأقل قدر من المشكلات. وفي النهاية فإنَّه يمهد السبيل لبناء علاقات تعود بالخير على كل دول وشعوب هذه المنطقة الحيوية من العالم .
د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجلس التعاون الإستراتیجی المصالح المشترکة فی المنطقة فی السنوات مصر وترکیا من ناحیة یمکن أن على نحو فی هذا وهو ما
إقرأ أيضاً:
تطورات جديدة في قضية الدولار المزور التي هزت الشارع التركي
في تطور جديد لقضية الدولار المزور التي أثارت القلق في الشارع التركي، تمكنت قوات الشرطة من ضبط 165 ألف دولار و249 ألف و400 ليرة تركية مزيفة في عملية نوعية في مدينة دوزجة. العملية أسفرت عن اعتقال شخص واحد، في حين تكشفت تفاصيل جديدة بشأن النشاطات الإجرامية المرتبطة بهذا النوع من التزوير.
تفاصيل العملية في دوزجة
نفذت الشرطة في دوزجة عملية متزامنة في أربع مواقع مختلفة، حيث تم العثور على أوراق نقدية مزيفة من فئات 100 دولار و200 ليرة تركية. كما تم ضبط العديد من المعدات التي تُستخدم في تصنيع العملات المزورة، منها آلة عد النقود، و48 ورقة مخصصة لصنع النقود، بالإضافة إلى 740 ورقة جاهزة للطباعة.
القبض على المشتبه به
تمكنت الشرطة من اعتقال المتهم البالغ من العمر 43 عامًا، “هـ. ك.”، الذي تبين أنه كان أحد أفراد الشبكة الإجرامية المتورطة في عمليات تزوير العملات. في الوقت نفسه، لم يتم الكشف بعد عن مزيد من التفاصيل حول هوية شركائه في هذا النشاط غير القانوني.
احذر من دخول هذه المطاعم في إسطنبول.. ستدفع 1500 ليرة حتى لو…
السبت 14 ديسمبر 2024الأثر على السوق التركي