لجريدة عمان:
2025-03-17@17:08:24 GMT

النظريات الاقتصادية بين المفهوم والتطبيق

تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT

النظريات الاقتصادية تمثّل الموجهات للسياسة الاقتصادية ومرجعا لفهم تحولات السوق وتغيّراته؛ فهي البوابة لفهم العلاقات الاقتصادية وتحليل عناصرها، والإطار الفكري لتفسير الظواهر الاقتصادية وتحليل الأسواق والمتغيّرات التي تطرأ عليها عبر تحليل سلوكها ودراسة أبعادها والعوامل المؤثرة عليها. ورغم تنوّع النظريات الاقتصادية ومنهجيّات استخدامها، فإن نظرية العرض والطلب في تحديد أسعار السلع والخدمات التي أسّسها آدم سميث هي السائدة بين المحللين والنقّاد الاقتصاديين والمهتمين بالمجالات الاقتصادية وحتى المراقبين للمتغيرات الاقتصادية ومدى أثرها على مكوّنات الاقتصاد الكلي عموما؛ لتبنّيها التوجيه الاقتصادي الكلاسيكي القائم على أفكار ومفاهيم عديدة مثل اليد الخفية ونظرية القيمة ونظرية التوظيف الكامل.

ورغم تشبّع الأفكار والتحليلات والمعارف بالنظرية الكلاسيكية ومسوغاتها ودوافعها، فإن النظريات الاقتصادية تطوّرت مع التطور التكنولوجي والعولمة التي يشهدها العالم بأساليب ومنهجيات وطرق متطوّرة؛ فمثلا بعض النظريات الحديثة تأخذ في الحسبان تطبيقات الاقتصاد السلوكي الذي بدأ يؤثر على ديناميكية السوق ويربك مؤشراته من حيث العرض والطلب على السلع والخدمات؛ لأسباب مرتبطة بمحدودية اطلاع الأشخاص على المعلومات المتوفّرة عن السلع، فيتخذون قرارات غير عقلانية عند الشراء أو عند الاستفادة من خدمة معيّنة، وهي قرارات في مجملها غير عقلانية؛ كونها تعتمد على الجانب النفسي والعاطفي للأشخاص، لكن في المقابل أدى ذلك إلى انفتاح الأسواق على المنهجيات التسويقية والترويجية وتفعيل الجانب الدعائي والإعلاني للوصول إلى ذائقة الأشخاص ودراسة الأبعاد النفسية والفسيولوجية للمجتمع عموما، مما ساعد على قياس قوى العرض والطلب وفقا لتلك المعطيات، وكذلك شجّع التجّار وروّاد الأعمال على إيجاد منهجيات جديدة للتسويق عن منتجاتهم وخدماتهم.

فاعلية تطبيق النظريات الاقتصادية مرتبطة تماما بالزمان والمكان وهي قابلة للانتقاد وتعدد الآراء حولها؛ نظرا للاختلافات الفكرية للاقتصاديين ومتخذي القرار الاقتصادي، وصعوبة إيجاد نموذج اقتصادي متكامل يحقّق كل التطلعات المرجوة من تطبيق النظريات، إلا أن الاستفادة من فحوى النظريات الاقتصادية ربما يقتصر على فهم بعض السياسات الاقتصادية المتخذة في مرحلة ما، إضافة إلى أنها مرجع لتفسير بعض الأحداث الاقتصادية وتحليلها وفهم السياقات المرتبطة بها وزمن حدوثها ودوافعه، رغم أنه من المسلَّم به هو ارتباط الأحداث السياسية بالمتغيّرات الاقتصادية؛ لذلك من الصعب إسقاط النظريات الاقتصادية الكلاسيكية على المتغيّرات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها العالم حاليا بسبب اختلاف المنهجيات المستخدمة والأدوات والطرق التي أدت إلى وجود المتغيّرات وعدم فاعلية النظريات الاقتصادية الكلاسيكية.

لذلك بات وجود نظريات اقتصادية حديثة أمرا واقعيا وحتميا وملحّا لفهم الأحداث والظواهر الاقتصادية الحالية تتوافق مع المتغيّرات الاقتصادية، وتعطي إجابات واضحة وتفسيرات منطقية للأحداث الاقتصادية، ولن يتحقق ذلك إلا بتعاون المؤسسات العلمية والبحثية في استحداث نظريات اقتصادية تُبنى عليها سياسات اقتصادية متزّنة وتتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية التي تشهد إرباكا لمكوّنات الاقتصاد الكلي، وقلّلت من فاعلية النظريات الاقتصادية الكلاسيكية؛ بسبب الصراعات والنزاعات في مختلف بقاع العالم، والاختلافات الفكرية بين علماء الاقتصاد وكثرة الانتقادات على النظريات الاقتصادية التي تستند إليها السياسة الاقتصادية في بعض الدول.

إن الاقتصاد بنظرياته وسياساته هو الأساس لفهم سلوك الأشخاص والمؤسسات والأسواق؛ فهو الذي يدرس التفاعلات والمتغيّرات المؤثرة عليه والداعمة له، ويدرس أيضا العلاقة بين مكوّناته سواء على المستوى الكلي أو الجزئي، مع ضرورة الاستفادة من جميع المدارس الاقتصادية في صنع السياسات العامة والتحليل الاقتصادي وبناء السياسة الاقتصادية المناسبة للزمان والوقت، وعدم بنائها وفقا لتجارب دول تختلف ظروفها الاقتصادية ودوافع اتخاذ سياسة اقتصادية معيّنة. وفي رأيي من الجيد مراجعة نتائج السياسات الاقتصادية المتخذة بين فترة وأخرى؛ لضمان عدم تأثيرها على السياق الاجتماعي على وجه الخصوص، وألا نعتمد على مسلَّمات فكرية في المضي لتنفيذها أو توجهات اقتصادية أو مالية دون الوضع في الحسبان الآثار الاجتماعية والمالية المترتبة على اتخاذها.

أيضا من المهم ألا يقيس الشخص نظرته الاقتصادية كفرد على المجتمعات؛ لاختلاف العرض والطلب بين الطرفين وفقًا لما أوضحه عالم الاقتصاد ملتون فريدمان عندما أشار في نظريته الاقتصادية إلى أنه عندما يذهب الفرد للتسوّق فإن كمية الطلب على السلع قليلة وسيكون سعرها ثابتا، أما في حال رغب مجموعة من الأشخاص شراء نفس المنتج بكمية أكبر فإنها لا تكفي لتلبية طلبهم؛ فمن الطبيعي ارتفاع السعر، هذه النظرية التي نعيشها يوميًّا أن الطلب والعرض يعتمدان على الكمية المطلوبة، وفي حال عدم تساويهما فإن السعر سيتغيّر بالارتفاع أو الانخفاض حسب توفّر السلع والطلب عليها.

أخيرا.. يعد علم الاقتصاد أحد العلوم التي تستند في تحليلاتها إلى الفهم العميق والدقيق، ويبني نتائجه وفقا للمتغيرات والعلاقات العكسية والطردية وتنوّع الخيارات؛ لذلك من الضرورة أن يتصف المنغمس في العلوم الاقتصادية بالعقلانية والرشد في اتخاذ القرارات الاقتصادية لحساسيتها وتأثيراتها على مكوّنات الاقتصاد الكلي.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رات الاقتصادیة العرض والطلب

إقرأ أيضاً:

خريطة العمارة السعودية.. مكاسب اقتصادية وحفاظ على الإرث الثري للملكة

يمثل إطلاق سمو ولي العهد – حفظه الله – لخريطة العمارة السعودية والتي تشمل 19 طراز معماري يعكس اهتمام وحرص سموه الكريم بالمحافظة على الإرث العمراني والثقافي المتنوع والغني للمملكة العربية السعودية والاحتفاء به.
وتسهم العمارة السعودية التي أطلقها سمو ولي العهد – حفظه الله – في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تطوير المشهد الحضري وتحسين جودة الحياة مما يعزز من مكانة المدن السعودية من النواحي الثقافية والسياحية والاقتصادية.
أخبار متعلقة مرافق وخدمات المسجد الحرام.. وصول سهل وتيسير على ضيوف الرحمنيُشاهد بالعين المجردة.. رصد اقتران قمر رمضان بنجم السمّاك الليلة .article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } خريطة العمارة السعودية.. مكاسب اقتصادية وحفاظ على الإرث الثري للملكةتنوع جغرافي وحضاري
تُجسد العمارة السعودية التوجهات الوطنية في تحسين المشهد الحضري ورفع جودة الحياة، من خلال تصاميم تعكس عمارة كل نطاق جغرافي.
كما تسهم في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 من خلال خلق مجتمعات وحيوية تسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي، ودعم القطاعات الثقافية والسياحية.
وتعكس العمارة السعودية الإرث العمراني والثقافي الغني للمملكة، حيث تسلط الضوء على التنوع الجغرافي والحضاري الذي انعكس على كل طراز معماري في مختلف مناطق ومدن المملكة.
ومن خلال هذه المبادرة، يتم إحياء الطراز التقليدي بأساليب حديثة، مما يضمن استمرار القيم الجمالية والتاريخية للمباني والفراغات العمرانية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } خريطة العمارة السعودية.. مكاسب اقتصادية وحفاظ على الإرث الثري للملكة
وتعد العمارة السعودية مفهومًا عمرانيًا متكاملًا يهدف إلى التعريف بالعِمَارَة الأصيلة والمتنوعة في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية، وتعزيزها من خلال ضوابط وموجهات تصميمية ترتكز على تحقيق التوازن بين الأصالة والحداثة، وتحفز الإبداع.
بحيث تُوجّه عملية التصميم المعماري والعمراني نحو حلول معاصرة تعكس القيَم الجمالية والتراثية للمملكة، مما يساهم في تطوير بيئة عمرانية حديثة ومتجذرة في الطابع المحلي.
وتسهم العمارة السعودية في تعزيز جاذبية المدن السعودية من خلال تطوير بيئات عمرانية مستوحاة من الطابع المحلي، ما يعزز مكانتها السياحية والثقافية.
وهذا الجذب المتزايد ينعكس بشكل غير مباشر على الاقتصاد الوطني عبر زيادة أعداد الزوار والسياح، وتنشيط القطاعات المرتبطة بالسياحة والضيافة، ما يدعم النمو الاقتصادي والاستثمار في المدن السعودية، حيث ستسهم بزيادة إجمالي الناتج المحلي التراكمي بأكثر من 8 مليار ريال سعودي بحول 2030.

مقالات مشابهة

  • ميزانية إسرائيل 2025.. إنقاذ سياسي أم كارثة اقتصادية؟
  • الدولار يتراجع بسبب مخاوف اقتصادية
  • الدولار يتراجع بسبب مخاوف اقتصادية واليورو يحافظ على مكاسبه
  • الزكاة والصدقة.. أداة اقتصادية فعالة لمكافحة التضخم والركود
  • استعرض الأداء التنموي وأكد ريادة المملكة..”الشؤون الاقتصادية”: نجاح تنويع الاقتصاد السعودي ونمو «غير النفطية»
  • الإمارات وأميركا.. شراكة اقتصادية تصنع المستقبل
  • خريطة العمارة السعودية.. مكاسب اقتصادية وحفاظ على الإرث الثري للملكة
  • «اقتصادية الدولة» تناقش مشروع قانون التنظيم العقاري
  • مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يعقد اجتماعًا لمناقشة التقارير وإصدار التوصيات
  • مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يعقد اجتماعًا