لجريدة عمان:
2025-02-09@23:02:04 GMT

النظريات الاقتصادية بين المفهوم والتطبيق

تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT

النظريات الاقتصادية تمثّل الموجهات للسياسة الاقتصادية ومرجعا لفهم تحولات السوق وتغيّراته؛ فهي البوابة لفهم العلاقات الاقتصادية وتحليل عناصرها، والإطار الفكري لتفسير الظواهر الاقتصادية وتحليل الأسواق والمتغيّرات التي تطرأ عليها عبر تحليل سلوكها ودراسة أبعادها والعوامل المؤثرة عليها. ورغم تنوّع النظريات الاقتصادية ومنهجيّات استخدامها، فإن نظرية العرض والطلب في تحديد أسعار السلع والخدمات التي أسّسها آدم سميث هي السائدة بين المحللين والنقّاد الاقتصاديين والمهتمين بالمجالات الاقتصادية وحتى المراقبين للمتغيرات الاقتصادية ومدى أثرها على مكوّنات الاقتصاد الكلي عموما؛ لتبنّيها التوجيه الاقتصادي الكلاسيكي القائم على أفكار ومفاهيم عديدة مثل اليد الخفية ونظرية القيمة ونظرية التوظيف الكامل.

ورغم تشبّع الأفكار والتحليلات والمعارف بالنظرية الكلاسيكية ومسوغاتها ودوافعها، فإن النظريات الاقتصادية تطوّرت مع التطور التكنولوجي والعولمة التي يشهدها العالم بأساليب ومنهجيات وطرق متطوّرة؛ فمثلا بعض النظريات الحديثة تأخذ في الحسبان تطبيقات الاقتصاد السلوكي الذي بدأ يؤثر على ديناميكية السوق ويربك مؤشراته من حيث العرض والطلب على السلع والخدمات؛ لأسباب مرتبطة بمحدودية اطلاع الأشخاص على المعلومات المتوفّرة عن السلع، فيتخذون قرارات غير عقلانية عند الشراء أو عند الاستفادة من خدمة معيّنة، وهي قرارات في مجملها غير عقلانية؛ كونها تعتمد على الجانب النفسي والعاطفي للأشخاص، لكن في المقابل أدى ذلك إلى انفتاح الأسواق على المنهجيات التسويقية والترويجية وتفعيل الجانب الدعائي والإعلاني للوصول إلى ذائقة الأشخاص ودراسة الأبعاد النفسية والفسيولوجية للمجتمع عموما، مما ساعد على قياس قوى العرض والطلب وفقا لتلك المعطيات، وكذلك شجّع التجّار وروّاد الأعمال على إيجاد منهجيات جديدة للتسويق عن منتجاتهم وخدماتهم.

فاعلية تطبيق النظريات الاقتصادية مرتبطة تماما بالزمان والمكان وهي قابلة للانتقاد وتعدد الآراء حولها؛ نظرا للاختلافات الفكرية للاقتصاديين ومتخذي القرار الاقتصادي، وصعوبة إيجاد نموذج اقتصادي متكامل يحقّق كل التطلعات المرجوة من تطبيق النظريات، إلا أن الاستفادة من فحوى النظريات الاقتصادية ربما يقتصر على فهم بعض السياسات الاقتصادية المتخذة في مرحلة ما، إضافة إلى أنها مرجع لتفسير بعض الأحداث الاقتصادية وتحليلها وفهم السياقات المرتبطة بها وزمن حدوثها ودوافعه، رغم أنه من المسلَّم به هو ارتباط الأحداث السياسية بالمتغيّرات الاقتصادية؛ لذلك من الصعب إسقاط النظريات الاقتصادية الكلاسيكية على المتغيّرات الاقتصادية والجيوسياسية التي يشهدها العالم حاليا بسبب اختلاف المنهجيات المستخدمة والأدوات والطرق التي أدت إلى وجود المتغيّرات وعدم فاعلية النظريات الاقتصادية الكلاسيكية.

لذلك بات وجود نظريات اقتصادية حديثة أمرا واقعيا وحتميا وملحّا لفهم الأحداث والظواهر الاقتصادية الحالية تتوافق مع المتغيّرات الاقتصادية، وتعطي إجابات واضحة وتفسيرات منطقية للأحداث الاقتصادية، ولن يتحقق ذلك إلا بتعاون المؤسسات العلمية والبحثية في استحداث نظريات اقتصادية تُبنى عليها سياسات اقتصادية متزّنة وتتناسب مع متطلبات المرحلة الحالية التي تشهد إرباكا لمكوّنات الاقتصاد الكلي، وقلّلت من فاعلية النظريات الاقتصادية الكلاسيكية؛ بسبب الصراعات والنزاعات في مختلف بقاع العالم، والاختلافات الفكرية بين علماء الاقتصاد وكثرة الانتقادات على النظريات الاقتصادية التي تستند إليها السياسة الاقتصادية في بعض الدول.

إن الاقتصاد بنظرياته وسياساته هو الأساس لفهم سلوك الأشخاص والمؤسسات والأسواق؛ فهو الذي يدرس التفاعلات والمتغيّرات المؤثرة عليه والداعمة له، ويدرس أيضا العلاقة بين مكوّناته سواء على المستوى الكلي أو الجزئي، مع ضرورة الاستفادة من جميع المدارس الاقتصادية في صنع السياسات العامة والتحليل الاقتصادي وبناء السياسة الاقتصادية المناسبة للزمان والوقت، وعدم بنائها وفقا لتجارب دول تختلف ظروفها الاقتصادية ودوافع اتخاذ سياسة اقتصادية معيّنة. وفي رأيي من الجيد مراجعة نتائج السياسات الاقتصادية المتخذة بين فترة وأخرى؛ لضمان عدم تأثيرها على السياق الاجتماعي على وجه الخصوص، وألا نعتمد على مسلَّمات فكرية في المضي لتنفيذها أو توجهات اقتصادية أو مالية دون الوضع في الحسبان الآثار الاجتماعية والمالية المترتبة على اتخاذها.

أيضا من المهم ألا يقيس الشخص نظرته الاقتصادية كفرد على المجتمعات؛ لاختلاف العرض والطلب بين الطرفين وفقًا لما أوضحه عالم الاقتصاد ملتون فريدمان عندما أشار في نظريته الاقتصادية إلى أنه عندما يذهب الفرد للتسوّق فإن كمية الطلب على السلع قليلة وسيكون سعرها ثابتا، أما في حال رغب مجموعة من الأشخاص شراء نفس المنتج بكمية أكبر فإنها لا تكفي لتلبية طلبهم؛ فمن الطبيعي ارتفاع السعر، هذه النظرية التي نعيشها يوميًّا أن الطلب والعرض يعتمدان على الكمية المطلوبة، وفي حال عدم تساويهما فإن السعر سيتغيّر بالارتفاع أو الانخفاض حسب توفّر السلع والطلب عليها.

أخيرا.. يعد علم الاقتصاد أحد العلوم التي تستند في تحليلاتها إلى الفهم العميق والدقيق، ويبني نتائجه وفقا للمتغيرات والعلاقات العكسية والطردية وتنوّع الخيارات؛ لذلك من الضرورة أن يتصف المنغمس في العلوم الاقتصادية بالعقلانية والرشد في اتخاذ القرارات الاقتصادية لحساسيتها وتأثيراتها على مكوّنات الاقتصاد الكلي.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث ومحلل اقتصادي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: رات الاقتصادیة العرض والطلب

إقرأ أيضاً:

اقتصادية قناة السويس توقع عقود إنشاء ساحة شاحنات ذكية بميناء غرب بورسعيد

شهدت الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس مراسم توقيع عقود ساحة شاحنات ذكية جديدة لخدمة ميناء غرب بورسعيد، حيث تهدف الساحة المزمع إنشائها إلى معالجة الازدحام، وتعزيز الكفاءة التشغيلية اعتمادًا على التكنولوجيا المتطورة لرقمنة وتحسين تدفق الشاحنات من وإلى ميناء غرب بورسعيد وترسيخ مكانته كمركز لوجستي إقليمي رائد، حيث قام وليد جمال الدين، رئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، و اللواء محب حبشي خليل، محافظ بورسعيد، بتوقيع عقود تأجير الأرض من المحافظة، فيما وقع وليد جمال الدين، وكل من: و عبير لهيطة، الرئيس التنفيذي لإيجيترانس Egytrans، و سمير مبارك، رئيس مجلس إدارة نافذ إنترناشيونال Nafith International، عقدًا يمثل شراكة استراتيجية لمدة 25 سنة هي مدة المشروع بالكامل مع تحالف يضم الشركتين، لتطوير وتشغيل الساحة الذكية لتجميع الشاحنات بميناء غرب بورسعيد بتكلفة استثمارية 250 مليون جنيه على أن يبدأ التشغيل التجريبي للساحة خلال 6 أشهر والفعلي بعد عام واحد، هذا وقد حضر مراسم التوقيع عدد من قيادات المنطقة الاقتصادية، وممثلو الشركتين.

وعلى هامش التوقيع صرح وليد جمال الدين أن هذا الاتفاق يتوافق مع الأهداف الاستراتيجية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتحديث البنية التحتية للمواني، وتبسيط العمليات اللوجستية، وتعزيز الكفاءة الشاملة لسلسلة التوريد في مصر، حيث يعد ميناء غرب بورسعيد مكونًا حيويًا لحركة التجارة والأنشطة والخدمات اللوجستية التي تحرص اقتصادية قناة السويس على تقديمها في إطار خطة التطوير الشامل لميناء غرب بورسعيد، مشيرًا إلى دور المشروع في تعزيز قدرة الميناء وتنافسيته، من خلال تطبيق التقنيات المتقدمة وأفضل الممارسات، بما يخلق بيئة لوجستية عالمية المستوى تجذب المزيد من الاستثمارات وتدفع النمو الاقتصادي، لافتًا إلى أهمية الساحة الذكية للتغلب على تحديات التكدس والازدحام في الميناء، لما تمثله من حلٍّ مبتكر لتحسين تدفق حركة المرور، وتقليل التأخيرات، وإطلاق العنان للإمكانات الكاملة لمواني الهيئة، مما يعود بالنفع على الشركات والمجتمع المحلي على حد سواء.

من جانبها صرحت العضو المنتدب لشركة "إيجيترانس" أن شركة نافذ مصر تجمع بين خبرة إيجيترانس اللوجستية الواسعة و الخدمات المتميزة و الحلول التكنولوجية التحويلية التي تقدمها "نافذ الدولية" على مستوى العالم، مضيفة أن الشركة الجديدة تملك الإمكانيات لتقديم حلول مبتكرة للسوق المصري لتنظيم إجراءات ما قبل الشحن وإدارة عمليات النقل البري عبر الشاحنات، وأوضحت أن الخدمات اللوجستية التي تقدمها المنطقة الاقتصادية لقناة السويس تعد شريان حركة التجارة، حيث ينعكس أي ارتفاع في تكلفة النقل والخدمات اللوجستية على تدفقات التجارة وأسعار السلع مما يؤثر بدوره على تنافسية السوق.

كما أوضح رئيس مجلس إدارة نافذ إنترناشيونال Nafith International، أهمية التعاون مع إيجيترانس والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتقديم هذا التحول الكبير الذي يعكس الرؤية المشتركة لأهمية تحديث العمليات اللوجستية وتعزيز كفاءة عناصر البنية التحتية الأساسية مثل ميناء غرب بورسعيد التابع للمنطقة الاقتصادية، مشيرًا لتنفيذ شركة نافذ أنظمة رقمية متطورة وحلول متقدمة لإدارة اللوجستيات في المنطقة وحول العالم، وتعد نافذ الأردن، أول وأكثر شركة تابعة لمجموعة نافذ الدولية، نفذت حلول لوجستية رقمية على مستوى الدولة بما في ذلك نظام التحكم في الشاحنات بالإضافة إلى نظام مجتمع ظهير الموانئ في الأردن والعراق وعمان بنظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص، حيث تقوم مجموعة نافذ بالتعامل مع أكثر من 12، 000 شاحنة في اليوم من خلال أداء أكثر من 7 ملايين حركة لوجستية سنويا، وتؤكد هذه الإنجازات على حجم التطوير والتحول الناتج من الحلول الرقمية، مشددا على ثقة الشركة في تحقيق نجاح مماثل في ميناء غرب بورسعيد.

الجدير بالذكر أن ساحة تجميع الشاحنات الجديدة تتمتع بموقع استراتيجي على بعد 2 كيلومتر فقط من الميناء، وتمتد على مساحة 114، 000 متر مربع، وستضم بوابات آلية، وتحديد ذكي للحاويات بتقنيات تحديد الهوية بترددات الراديو RFID، ومركز قيادة وتحكم لأتمتة عمليات دخول وخروج الشاحنات وتصاريحها وتعزيز التواصل وتكامل البيانات، فيما يشمل المشروع سجلًا مركزيًا لإدارة تسجيلات المركبات والسائقين وأصحاب المصلحة رقميًا، مما يعزز التنسيق، كما يُبسّط نظام NFLOW الرقمي الذي نفذته شركة Nafith والمتاح عبر شبكة الإنترنت وتطبيق الهواتف المحمولة إجراءات ما قبل الوصول، للتحقق من وصول الشاحنة الصحيحة في الوقت والمكان المحددين بوثائق معتمدة، ويضمن النظام كذلك سلاسة استلام وتسليم البضائع، مما يقلل التأخير ويحسن الدقة التشغيلية.

مقالات مشابهة

  • أزمة اقتصادية خانقة تهدد المطاعم الشعبية في عدن المحتلّة بالإغلاق
  • اقتصادية النواب: رفع الحد الأدنى للأجور يعزز الاقتصاد ويحرك عجلة الاستثمار
  • اقتصادية قناة السويس توقع عقود إنشاء ساحة شاحنات ذكية بميناء غرب بورسعيد
  • «على قد الإيد».. 5 سيارات اقتصادية في البنزين 2025
  • «الإنتاج الحربي» تنظم ندوة توعوية حول التحديات الاقتصادية للدولة بالتعاون مع «الوطنية للتدريب»
  • بداري: تثمين البحوث وتحويلها إلى مشاريع اقتصادية ذات إيرادات
  • بغداد منصة اقتصادية للرباط في المنطقة.. تفاصيل لقاء عراقي - مغربي
  • النظام البيئي .. من المفهوم التقليدي الضيق إلى النموذج البحريني (2- 3)
  • تحويلات المهاجرين المغاربة قوة اقتصادية وقيود أوروبية
  • 5 قطاعات اقتصادية الأكثر نمواً باستقطاب العمال المهرة