أ. د. المهدي إمبيرش **
مصطلح اللاهوت قد نقرؤه ترجمةً للفظ اليوناني الفينيقي، (Theology)؛ حيث المقطع الأول اليوناني يمكن إرجاعه إلى زيوس Theos، الذي في الميثولجيا (Methodology)، اليونانية، رب الأرباب في مجمع الآلهة اليونانية، وهو ابن كرونوس الزمن، أما المقطع الفينيقي (logy)، فهو من (logos)، أي اللغة، حيث كان حرف (S) مستخدماً في الفينيقية مثل (قدموس) أي القديم، و(ديموس) أي المظلم والدامس الذي انتقل إلى اليونانية على أنه الديمقراطية، أي الدهماء والسواد، وقد استخدمه أفلاطون بهذا المفهوم.
من ثَم فإنَّ الثيولجي، كان عند اليونانيين المفارق أو الذي في السماء. من ثَم فإنه يكونوا متشيأ، أي المحدود في الظرف ومن ثَم فهو معقول ومنطقي أي تم عقله داخل المحدود ومتحيز داخل نطاقه. هنا لا يمكن الوصول إليه إلا بالصعود المعراجي.
وقد أخد اليونانيون هذه الفكرة من خرافة صعود زرادشت إلى السماء على حيوان خرافي وهو ما أدخله الفرس من خلال تفاسيرهم في قصة المعراج على حيوان بين البغل والحصان اخترعوا له اسم البراق. ومن ثَم ظهر مصطلح الانطولجيا، (Ontology)، وهو اسم مركب من ثلاثة مقاطع، الاون (oon) ومعناها الوجود، والانطو (onto)، أي الموجود من الوجود، ويكون اللغوس أو المنطق متجهاً إلى الموجود من الوجود، وهو الذي اهتم به اللهوتيون الأوروبيون (الدليل الانطولجي) على وجود الله، والدليل هو دليل الموجود، وليس الوجود ومن ثَم يدخل في مبحث اللسانيات، وتحديدا، منطق اللغة أو قواعدها.
أما المصطلح الثاني فهو مصطلح (Theosophy) ويقوم هذا المصطلح الذي في مقطعه الثاني، فينيقي من (سوفس) الذي نستخدمه اليوم في الصفاء والطهارة ومنه الصوفية أي التجرد من المادي والملموس. وتقوم هذه الفكرة على الشامانيه، (الصوفية العدمية) في الهند والتي اتخدت مما يعرف بالتناسخ وسيلة للتطهير أي أن طقس حرق الجثة يُحيلنا إلى أنَّ الجسد ملوث وأن وضع الرماد في نهر الكنج يبعد اللعنة عن الأحياء.
والطليف أن سقراط وأفلاطون كانا شاميين (من الشامانية الوثنية) يعتقدان في التناسخ، وفي مقولة سقراط الشامانية (الموت مطلب الفلاسفة) وأن أفلاطون كان صوفيًا تجريديًا على الطريقة الأوريثية القديمة، في جذورها الشامانية، ومن ثَم التجريدية الفيثاغورثية، التي تنتصر للعدد المجرد، وتتخد من الدائرة رمزًا للوصول للعدمية والتي تنفي الحركة والتغير والوصول إلى النرڤانا، والتي يُقابلها عند سقراط وأفلاطون مصطلح اليودايومونيا؛ أي الكمال والخلاص والطهارة بإفناء الجسد.
ولأن تناول هذه القضايا يحتاج إلى أكثر من مداخلة تحت نفس العنوان نرجئ الحديث إلى مقال آخر.
*************
** أ.د. مهدي مفتاح إمبيرش وزير الثقافة الليبي الأسبق، يعمل على درجة أستاذ في كلية الآداب قسم الفلسفة جامعة طرابلس ليبيا متحصل على درجة الماجستير من قسم الدراسات الشرقية بجامعة توسان، أريزونا في الولايات المتحدة بمرتبة الشرف في دراسة المقارنة بين جبران خليل جبران وفريدريك نيتشه، تحصل على درجة الدكتوراه في فلسفة التاريخ من جامعة لايبتزغ، والدكتوراه الثانية من جامعة طرابلس ليبيا في فلسفة الحضارة، وله العديد من الكتب والمؤلفات والدراسات المطبوعة.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
حكم الصلاة بالوشم القديم الذي تتعذر إزالته
قالت دار الإفتاء المصرية إن الوشم القديم الذي فيه حبس الدم تحت الجلد حرامٌ شرعًا، ولا يجب إزالته إن كان في ذلك ضررٌ على صاحبه، وتكون الصلاة به صحيحةً شرعًا على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
الأسباب الشرعية لتحريم الوشم الدائموأوضحت دار الإفتاء أن الوشم الثابت هو الذي يتم عن طريق إحداثِ ثُقْب في الجلد باستخدام إبرة معينة، فيخرج الدم ليصنع فجوة، ثم تُملَأ هذه الفجوة بمادة صِبغية، فتُحدِث أشكالًا ورسوماتٍ على الجلد.
وقالت الإفتاء إنعه قد اتفق الفقهاء على نجاسته ومن ثَم حكموا بحرمته؛ لما رواه الشيخانِ في "صحيحيهما" عَنْ علقمةَ، عن عبد اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَال: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».
وفي هذا الحديث دليل على حرمة الوشم بالصورة السابقة؛ لأنَّ اللعن الوارد في الحديث لا يكون إلا على فعل يستوجب فاعلُه الذَّمَّ شرعًا؛ قال العلامة ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (1/ 70، ط. مكتبة القاهرة) بعد ذكر حديث النهي: [فهذه الخصال محرمة؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن فاعلها، ولا يجوز لعن فاعل المباح] اهـ.
الأسباب الشرعية لتحريم الوشم الدائم
وكشفت الإفتاء عن الأسباب الشرعية لتحريم الوشم الدائم، وهي ترجع إلى أمور:
أولًا: ما يترتَّب على بقاء الوشم من التدليس والتغييرِ لخلق الله سبحانه وتعالى، كما جاء في نصِّ الحديث السَّابق ذِكْره: «الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ».
وما جاء في قول الله تعالى -على لسان الشيطان-: ﴿وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا﴾ [النساء: 119].
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (5/ 393، ط. دار الكتب المصرية): [وهذه الأمورُ كلُّها قد شهدت الأحاديثُ بلَعْنِ فاعلِها وأنها من الكبائرِ، واختُلِف في المعنى الذي نهي لأجلها، فقيل: لأنّها من باب التدليس، وقيل: من باب تغيير خلق الله تعالى، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه، وهو أصحُّ، وهو يتضمَّنُ المعنى الأول] اهـ.
ثانيًا: ما فيه من إيلام للجسد بغرز الإبرة. وغرزُ الإبرةِ ضررٌ بالإنسان من غير ضرورة؛ ومن المعلوم شرعًا حُرمة الإضرار بالنفس أو بالغير؛ لقول الله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195]، وقوله عز وجل: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: 29]، فقد نصت الآيتان على النهي عن الإضرار بالنفس، والإلقاء بها في المهالك، والأمر بالمحافظة عليها من المخاطر والأضرار؛ فمن مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على النفس، ولهذا حرم الله تعالى كلَّ ما يؤدي إلى إتلاف الإنسان أو جزءٍ منه.
ثالثًا: أنَّ الوشم فيه مشابهة لما يفعله الفُسَّاق والجُهَّال؛ قال الملا علي القاري في "مرقاة المفاتيح" (5/ 1895، ط. دار الفكر): [وإنما نهي عنه؛ لأنه مِن فِعل الفُسَّاق والجُهَّال، ولأنه تغيير خلق الله؛ وفي "الروضة": لو شق موضعًا من بدنه وجعل فيه وعاءً أو وشمَ يدَه أو غيَّرها، فإنه ينجس عند الغرز] اهـ.
رابعًا: ما يُحدِثه من نجاسةٍ للموضع الموشوم بسبب الدم المختلط بالصبغ؛ قال الإمام النووي في "المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج" (14/ 106، ط. دار إحياء التراث العربي): [قال أصحابنا: هذا الموضع الذي وُشِم يصير نجسًا] اهـ.
وجاء في "اللامع الصبيح بشرح الجامع الصحيح" (14/ 508، ط. دار النوادر): [قال الفقهاء: ما وُشِمَ يصير نجسًا، فإن أمكنَ إزالتُه وجبَتْ، وإن أَورَثَ ذلك شَينًا أو تَلفَ شيءٍ فلا] اهـ.