الحرة:
2025-03-03@22:06:09 GMT

بناء تحالف إسلامي ضد إسرائيل.. ماذا يريد إردوغان الآن؟

تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT

بناء تحالف إسلامي ضد إسرائيل.. ماذا يريد إردوغان الآن؟

تندرج الدعوة التي وجهها الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بشأن "تشكيل تحالف إسلامي ضد إسرائيل" في إطار "مقاربتين" كما ينظر إليها باحثون ومراقبون، ورغم وجود "هوّة كبيرة" تعترض عملية تطبيقها على الأرض، تحمل الفكرة في طياتها من جانب آخر دلالات تتعلق "بالتوقيت".

وكان إردوغان قال، قبل يومين، إنه "يتعين على الدول الإسلامية تشكيل تحالف ضد التهديد التوسعي المتزايد لإسرائيل"، مشيرا إلى أن الخطوات التي اتخذتها بلاده مؤخرا لتحسين علاقاتها مع مصر وسوريا "تهدف إلى تشكيل خط ضامن" ضد ذلك التهديد.

وبعدما أضاف أن "التهديد التوسعي يهدد لبنان وسوريا أيضا"، أكد أن "خطوة تشكيل التحالف هي الوحيدة التي ستوقف إرهاب الدولة الإسرائيلي"، على حد تعبيره.

ولم يصدر أي تعليق من جانب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، واقتصرت التعليقات الرسمية من جانب إسرائيل حتى الآن على حديث وزير الخارجية، يسرائيل كاتس، الذي اعتبر أن "تصريحات إردوغان كذبة خطيرة وتحريض".

واعتبر كاتس أيضا في بيان عبر موقع التواصل "إكس" أن "الرئيس التركي يعمل منذ سنوات مع إيران لتقويض الأنظمة العربية المعتدلة في المنطقة"، وأن "بيانه يرتبط بتصعيد الوضع".

ومنذ بداية الحرب في غزة اتبعت تركيا سياسة تصعيدية متدرجة ضد إسرائيل، وصلت آخر فصولها قبل أشهر عند نقطة قطع كافة التعاملات التجارية. وفي مقابل ذلك دائما ما كان الرئيس التركي يخرج بإطلالات صحفية ويوجه تصريحات لاذعة ضد إسرائيل، بسبب حربها المستمرة في غزة.

كما انضم إليه، أكثر من مرة، حليفه القومي زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت باهتشلي، داعيا في آخر تصريحاته بشأن غزة مطلع أغسطس الماضي إلى أن تقود تركيا "مبادرة إنشاء ميثاق القدس"، ردا على هجمات إسرائيل في غزة.

وقال باهتشلي، في الخامس من الشهر الماضي، إن خطوة "الميثاق" يجب أن تكون بالتعاون مع الدول الإقليمية، مثل سوريا ولبنان، والعراق، ومصر، وتركيا.

ماذا يريد إردوغان؟

جاءت دعوة الرئيس التركي بشأن "التحالف الإسلامي" بعد أيام من استقباله نظيره المصري، عبد الفتاح السيسي في العاصمة أنقرة، وتزامنت مع التحركات التي تسير بها بلاده لإعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري في دمشق.

ورغم أنه ربط المسار المتعلق ببلاده مع كل من مصر وسوريا مع ذاك المتعلق بهدف "التحالف ضد إسرائيل" يذهب التقييم المتعلق بما دعا إليه باتجاه تداعيات الحرب في غزة، كما يشير الباحث في الشأن التركي، محمود علوش.

ويوضح علوش لموقع "الحرة" أن دعوة الرئيس التركي تعكس من جانب "مقاربة تركيا للقضية الفلسطينية من منظور الحاجة إلى وحدة الموقف الإسلامي، في دعم الفلسطينيين في هذه الحرب".

ومن جانب آخر "تعكس تطلعات أنقرة إلى تعظيم دورها في الشرق الأوسط، من خلال تقوية علاقاتها مع القوى العربية الفاعلة في المنطقة".

ويلوح في الأفق حاليا "خطر متزايد" لتوسع الحرب في المنطقة.

وعلى أساس ذلك، يضيف الباحث، أن مثل هذا السيناريو "يهدد الاستقرار الإقليمي على نطاق واسع، مما يزيد الحاجة إلى سياسة إقليمية متماسكة تضغط على إسرائيل لوقف الحرب، وللشروع في عملية سلام مع الفلسطينيين لمعالجة الصراع".

لكن في المقابل يعتبر الباحث في الشؤون الإقليمية، كرم سعيد، أن "دعوة الرئيس التركي أقرب إلى التصريحات الدعائية، في محاولة لإثبات موقف بعد سلسلة الانتقادات التي طالت طريقة التعاطي التركية مع تداعيات الحرب في غزة".

ويقول لموقع "الحرة" إن الموقف التركي حيال إسرائيل "لم يخرج خلال الأشهر الماضية عن إطار التصريحات والخطابات اللاذعة".

ولا يستبعد سعيد أن تكون هناك أهداف أخرى وراء دعوة "تشكيل التحالف الإسلامي" ضد إسرائيل.

ويضيف أن "الرئيس التركي ربما يحاول إثبات حسن النوايا في تقاربه مع محيطه الإقليمي، وإصلاح العلاقات مع القوى في المنطقة".

وبدورها تعتبر مديرة مكتب صحيفة "ديلي صباح"، ديلارا أصلان، أن "تركيا كانت واحدة من أكثر المدافعين صراحة عن حقوق الفلسطينيين، والحاجة إلى وقف إطلاق النار منذ بدء حرب غزة".

وتقول في الإطار المذكور لموقع "الحرة" إن بلادها "انخرطت في دبلوماسية نشطة بما في ذلك قيادة مجموعة الاتصال بشأن غزة واقتراح الضمانة التركية".

"توقيت له دلالات"

ومن المقرر أن يحضر وزير خارجية تركيا، حقان فيدان، القمة العربية التي تستضيفها القاهرة يوم الثلاثاء. وتأتي هذه الخطوة للمرة الأولى منذ 13 حسبما ذكرت وسائل إعلام تركية، يوم الاثنين.

ويركز جدول أعمال القمة على تداعيات الحرب الإسرائيلية في غزة، مع التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية للمدنيين في البقع المحاصرة.

وتشير أصلان إلى أنه "لا بد أن ننظر إلى اقتراح إردوغان باعتباره استمرارا للسياسة التركية التي انعكست في أكثر من محطة خلال أشهر الحرب الماضية في غزة".

وترى أن توقيت إطلاق الدعوة "له دلالة واضحة، إذ ارتفعت حصيلة القتلى من المدنيين في غزة، وبدأ التصعيد الإقليمي يتبلور، وكان آخرها مقتل مواطن أميركي من أصل تركي".

وتريد تركيا، سواء من أجل الاستقرار والسلام أو من أجل أمن اقتصادها وتجارتها الإقليمية تجنب الحرب الإقليمية بأي ثمن، و"لهذا السبب تحث الدول الإسلامية على زيادة قدرتها على الردع"، وفق الصحفية في "ديلي صباح".

وتضيف أصلان أنه "من الممكن أن يتخذ مثل هذا التحالف قرارات وسياسات مشتركة مثل المقاطعة المشتركة على مستوى الدولة أو التحركات الدبلوماسية، أو حتى تهديد إسرائيل على نطاق أوسع لحملها على قبول وقف إطلاق النار الدائم".

وحتى الآن لم تصدر أي ردة فعل إقليمية أو عربية على ما دعا إليه الرئيس التركي.

ويرى مدير تحرير جريدة الأهرام المصرية، أشرف العشري أن "اقتراح إردوغان فكرة تركية خالصة لم يتم التطرق إليها مع الجانب المصري".

كما يقول لموقع "الحرة" إن "الطرح سابق لأوانه ولا يمكن بأي حال من الأحوال التعاطي معه، لأن بعض التفاصيل الخاصة بالعلاقات المصرية التركية لم تصل حتى إلى درجة الكمال والتكامل".

هل الفكرة قابلة للتطبيق؟

وسبق أن عبر عن دعوة إردوغان ذاتها رئيس الوزراء التركي السابق، نجم الدين أربكان، وفق ما يلفت إليه الباحث في الشأن التركي، علوش.

ويعتقد الباحث أن "الظروف الإقليمية والإسلامية لا تبدو مناسبة لمثل هذا الطرح".

ويقول إن "الصراعات المنتشرة في المنطقة، والمنافسة على زعامة العالم الإسلامي والاضطرابات الجيوسياسية الكبيرة، كلها عوامل تجعل من فكرة التحالف الإسلامي غير قابلة للتطبيق".

"وهناك إجماع في الموقف الإسلامي على دعم الفلسطينيين، لكن هذا الإجماع لا يصل إلى حد الانسجام في السياسات تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي"، حسب الباحث.

ويشير إلى أنه "توجد هوة كبيرة في هذه السياسات بشكل يقوض أي فرص لسياسات إسلامية قادرة على التأثير في الصراع".

ومن جهتها تعتقد الصحفية التركية، ديلارا أصلان، أن "التحالف الأكثر تماسكا بين الدول الإسلامية سوف يكون له تأثير بالتأكيد على كل من الولايات المتحدة، التي تتجه نحو الانتخابات ويجب أن تظهر نجاحا في الصراع في الشرق الأوسط للحصول على الأصوات، وإسرائيل التي تقع إقليميا بين هذه الدول الإسلامية".

وتضيف أن "القلق الرئيسي لدى أنقرة هو التهديد للأمن والاستقرار الإقليميين.. لقد شهدنا بالفعل صراعات وتبادل إطلاق النار بين إسرائيل وإيران ولبنان، وحتى سوريا والعراق".

و"إلى جانب شكوك الدول الإقليمية تجاه الولايات المتحدة لأنها لم تكن قادرة على وقف الهجمات الإسرائيلية على المدنيين الأبرياء" على حد تعبير أصلان "أصبحت الدول في المنطقة تدرك أنها لا تستطيع الاعتماد على واشنطن لحل مشاكلها، بل يجب أن تتعامل معها من خلال التعاون مع بعضها البعض".

وتوضح الصحفية التركية أن "الوعي المذكور، والجديد، أدى في السنوات الأخيرة إلى تطبيع علاقات العديد مع الدول. وجاء ذلك مع تقليص الولايات المتحدة لوجودها في الشرق الأوسط".

ماذا عن سوريا ومصر؟

كانت الزيارة التي أجراها الرئيس المصري السيسي إلى أنقرة الأولى من نوعها منذ 12 عاما، وشكّلت مجمل تفاصيلها حالة كبيرة على صعيد التقدم في العلاقة بين أنقرة والقاهرة.

وبينما تسير تركيا الآن على طريق إعادة العلاقات مع النظام السوري، لم تتضح الصورة المستقبلية للمحادثات حتى الآن، بسبب وجود الكثير من الملفات الشائكة والخلافية.

"لا يعالج التقارب التركي مع مصر والعراق والخليج ومحاولة إصلاح العلاقة مع النظام في سوريا تماما نقاط الضعف في العلاقات التركية العربية"، كما يعتقد الباحث علوش.

ويرى أن "تركيا ستبقى بالنسبة لهذه الدول قوة إقليمية منافسة، وإن كانت تقدم نفسها كشريك جديد للمنطقة".

لكن، وكما طبعت تركيا علاقاتها مع مصر، فإنها تسير الآن في ذات الطريقة لإعادة العلاقات مع سوريا، وفق الصحفية التركية أصلان.

وتوضح أن "كلا البلدين يتمتعان بموقع استراتيجي فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، وأن "تركيا تعرف أن التعاون الوثيق مع كليهما أمر حيوي. وسوف يكون هذان البلدان لاعبين أساسيين في سيناريو التحالف الإسلامي المحتمل، الذي يحاصر إسرائيل".

ويعتقد الباحث في الشؤون الإقليمية، كرم سعيد أن "التقارب المصري التركي ومحاولة إتمام مهمة تطبيع العلاقات مع سوريا يأتي في إطار مساعي تركيا لإعادة صياغة سياستها الخارجية".

ويضيف أن "التقارب يرتبط بهدف بناء نظام إقليمي جديد قادر على حماية المصالح التركية من جهة وتحييد أخطار القوى غير العربية في الإقليم على مصالحها ومصالح الدول العربية، ومنها إسرائيل وإيران".

أما مدير جريدة الأهرام المصرية، أشرف العشري، فيرى أن "مصر غير معنية باقتراح إردوغان، لأن لديها خطة ورؤية خاصة في التعاطي مع المشهد وتطوراته في غزة، سواء بشكل وسيط أو كدور مدافع عن الأمن القومي".

ويقول العشري إن "القاهرة لا يمكن أن تعلق آمالها على اقتراح هنا وهناك، بل تعتمد على حضور وزخم دبلوماسي وسياسي خاص بها"، فضلا عن "أوراق ضغط كثيرة فيما يتعلق باتفاق كامب ديفيد واحترام بروتوكولاته الأمنية".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: التحالف الإسلامی الدول الإسلامیة الرئیس الترکی العلاقات مع إطلاق النار ضد إسرائیل فی المنطقة الباحث فی الحرب فی من جانب إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

"خطة الواحة" لإعادة إعمار غزة وفلسطين ومنطقة غرب آسيا

 

حسين العسكري **

hussein.askary@brixsweden.org

لقد فتحت التصريحات العبثية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن تهجير الفلسطينيين من غزة، وما تلاها من إهانات وجهها بنيامين نتنياهو لبعض الدول العربية المُهمة، نقول فتحت نافذة من الفرص أمام الدول العربية ودول الجنوب العالمي لطرح خطة بديلة واقعية وإنسانية ومتوافقة مع القانون الدولي لإنقاذ الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وحل القضية الفلسطينية، وإرساء السلام والتنمية في منطقة غرب آسيا (المسماة خطأ بالشرق الأوسط). لكن هذا يتطلب ضمانات وتعاوناً من القوى الدولية، وأهمها الإدارة الأمريكية، ولكن ليس وحدها. فقد نهضت اليوم الصين وروسيا ودول البريكس، التي انضمت إليها هذا العام مصر والإمارات وإيران وإثيوبيا (وربما إندونيسيا)، والعديد من الدول الأخرى في الجنوب العالمي اقتصاديا وعسكريا وسياسيا. وقد أدرك وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو مؤخرا أن عصر القطب الواحد قد انتهى وحل محله عصر التعددية القطبية. إن هذه الحقيقة التاريخية لابد وأن تستغلها الدول العربية، ليس للتمحور مع الشرق ضد الغرب بل لبناء الجسور بين الدول. لذلك على الدول العربية أخذ زمام المبادرة في غزة وفلسطين من الإدارة الأمريكية.

أولاً، لابد من التمسك بحل الدولتين وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضي الفلسطينية وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 242 لعام 1967 ومبادرة السلام العربية لعام 2002. ولكن لكي تكون هذه الدولة مستدامة، لابد من وجود سياسة اقتصادية لإعادة الإعمار والتنمية وتعويض الشعب الفلسطيني وأجياله الشابة عن المآسي والأهوال التي واجهوها حتى الآن.

ولابد من فتح أبواب الإغاثة الإنسانية على الفور لمنع مئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة من الموت جوعاً ونقص المناعة والأمراض المعدية بسبب تلوث المياه وانعدام الصرف الصحي والرعاية الصحية. ولعل هذا هو ما تعول عليه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لخروج الشعب الفلسطيني من غزة طوعاً. ولابد أن نتذكر ما حدث في العراق بعد عاصفة الصحراء عام 1991، حيث لقي نحو مليون عراقي، نصفهم من الأطفال، حتفهم ليس بسبب القصف الأنجلو أميركي، بل بسبب عواقب تدمير البنية الأساسية والحصار الاقتصادي الذي أدى إلى سوء التغذية وانتشار الأمراض.

خطة الواحة

أما عن الخطة الطويلة الأجل، فإننا سعداء بالتصريحات التي أدلت بها الحكومة المصرية بأن هناك خطتين ستتم مناقشتهما مع الدول العربية قبل القمة المقبلة في نهاية هذا الشهر. وبما أننا لا نعرف تفاصيل هاتين الخطتين، فإننا نود أن نطرح مجموعة من الأفكار ضمن ما نسميه "خطة الواحة"، وهي فكرة أطلقها الاقتصادي الأميركي الراحل ليندون لاروش في سبعينيات القرن العشرين، وتقوم على مفهوم "السلام من خلال التنمية"، حيث لا سلام بدون تنمية ولا تنمية بدون سلام، وحيث يجب أن تسير القضيتان بالتوازي.

وهذا ما لم يحدث في اتفاق أوسلو، حيث تم إهمال القرارات الاقتصادية في الملحقين الثالث والرابع، وإن كانت غير كافية، وتم التركيز على الحلول السياسية فقط. وهذا ما دفع لاروش إلى التنبؤ بفشل اتفاق أوسلو والتحذير من دور اليمين الإسرائيلي المتطرف ومناصريه من الحركات المسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة وبريطانيا في تدمير أي أسس للسلام واغتيال وسجن دعاته على الجانبين.

إن خطة الواحة تهدف إلى معالجة قضايا شح المياه والتصحر في المنطقة، ونقص البنية الأساسية الحديثة للتنمية، وضعف القدرات الزراعية والصناعية على الرغم من وجود الموارد الطبيعية والموقع الجغرافي والموارد المالية والبشرية في المنطقة وإن كانت موزعة بشكل غير متساو بين الدول. وتنظر الخطة إلى قضية إعادة الإعمار في غزة وفلسطين والمنطقة بأكملها (وخاصة سوريا ولبنان والعراق واليمن) في سياق أوسع. فمن غير الممكن إيجاد حلول لقضايا محلية أسبابها عالمية.

إن الخطة في صيغتها الجديدة التي وضعها هذا المؤلف وزملاؤه في معهد شيللر في العامين الماضيين تأتي في سياق مبادرة الحزام والطريق أو طريق الحرير الجديد  التي أطلقها الرئيس الصيني في عام 2013، وربط كامل البنى التحتية لغرب آسيا واستغلالها كجسر بين آسيا وأوروبا وأفريقيا من جهة والمحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط ​​من جهة أخرى. ويتم ذلك من خلال بناء ممرات تنمية في جميع أنحاء المنطقة تتكون بشكل أساسي من خطوط النقل مثل السكك الحديدية والطرق السريعة والمياه والطاقة الكهربائية وأنابيب النفط والغاز وبناء مناطق ومدن زراعية وصناعية جديدة على جانبي هذه الممرات التنموية، والتي ستمتد إلى فلسطين عبر الأردن إلى الضفة الغربية وغزة والبحر الأبيض المتوسط، ومن هناك إلى مصر.

 

المياه والزراعة

تهدف الخطة أولاً إلى حل مشكلة نقص المياه والزراعة غير المتطورة والتصحر. ولا يمكن الاعتماد على كمية المياه المتاحة بشكل طبيعي في هذا الجزء من المنطقة وخاصة في مرتفعات الجولان وجنوب لبنان والضفة الغربية، والتي تستولي إسرائيل على معظمها، حتى لو افترضنا أنه يتم تقسيمها بشكل عادل. إن هناك حاجة في المنطقة كلها إلى زيادة كمية المياه المتاحة بشكل كبير وهذا لا يمكن أن يتم إلا من خلال تحلية مياه البحر.

هناك مشروعان رئيسيان لتحلية المياه:

أولاً: بناء ساقيتين إلى البحر الميت، واحدة من البحر الأحمر والأخرى من البحر الأبيض المتوسط. والغرض من هاتين الساقيتين ليس النقل البحري كما يشاع ويمكن الاستعاضة عنهما بأنابيب كبيرة القطر، بل إن الغرض منهما هو الاستفادة من الفارق الهائل في الارتفاع بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط ​​من جهة والبحر الميت من جهة أخرى. فالبحر الميت يقع على عمق أربعمائة متر تحت سطح البحر. ويمكن استخدام التدفق السريع للمياه في القناتين المنحدرتين نحو البحر الميت لتوليد الطاقة لتحلية المياه واستخدامات أخرى.

ثانياً: في المستقبل، يمكن بناء محطات نووية بمفاعلات صغيرة نمطية لتحلية المياه وإنتاج الكهرباء. وينبغي بناء محطات مماثلة تعمل إما بالغاز الطبيعي أو بالطاقة النووية في المستقبل على ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​وعلى طول قناة السويس أيضاً.

ولابد من تطوير الزراعة بشكل كبير باستخدام تقنيات الري الحديثة وتنمية البذور في الأراضي الفلسطينية وفي الدول العربية المجاورة لتحقيق الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي والسياسي لأن جزءاً كبيراً من موارد الدول العربية يهدر على استيراد المواد الغذائية. وتحدث صدمات اجتماعية وسياسية في الدول العربية كلما حدثت أزمة عالمية تؤدي إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية كما حدث في عامي 2008 و2009 وبعد اندلاع حرب أوكرانيا في عام 2022. ولذلك فلابد من التوسع في زراعة وتشجير المناطق الجافة والصحراوية في مختلف أنحاء المنطقة العربية، وقد بدأت مصر فعلا في السير في هذا الاتجاه.

الصناعات

اقترح ليندون لاروش في مؤتمر دولي حول النفط والغاز في السياسة العالمية في أبو ظبي في مايو 2002 أن تقوم الدول المنتجة للنفط ببناء محطات طاقة نووية لتحلية المياه من دهة ولاستخدامها في انتاج الطاقة لاستغلال مواردها من النفط والغاز في الصناعات البتروكيماوية والكيميائية وغيرها مما يزيد القيمة المضافة للنفط الخام والغاز بشكل كبير. وبعد سنوات قليلة، أطلقت الإمارات العربية المتحدة برنامجها النووي السلمي الخاص بها، وأكملت بناء أربعة مفاعلات نووية ضخمة بالتعاون مع كوريا الجنوبية العام الماضي. وتقوم مصر حاليًا ببناء محطة الضبعة النووية بالتعاون مع روسيا.

لقد تمكنت الصين بفضل التقدم الصناعي والتكنولوجي الهائلين الذين أنجزتهما من توطين بعض الصناعات المتقدمة في الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية وعمان والإمارات العربية المتحدة ومصر. وينبغي لجميع الدول العربية بناء المناطق الصناعية والمناطق الاقتصادية الخاصة، بالإضافة إلى إنشاء الصناعات في غزة والضفة الغربية، والاستفادة من موقعها الجغرافي وتوافر المواد الخام والعمالة والقرب من الأسواق. وينبغي تنفيذ بناء ميناء عالمي المستوى في غزة، ومطار، وخط سكة حديد ومترو لتوفير المساحة السطحية للقطاع ذي الكثافة السكانية الهائلة. يمكن استخدام أنفاق المترو أيضا لنقل الطاقة والمياه واللوجستيات.

التمويل

لا يمكن الاعتماد على المساعدات الخارجية وحدها لدعم الوضع الاقتصادي للشعب الفلسطيني ودولته المستقبلية. وتتضمن خطة الواحة إنشاء بنك تنمية عربي أو إقليمي على غرار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية برأسمال قدره 100 مليار دولار. ويتعين على الدول العربية أن تنشئ مثل هذا البنك بشكل جماعي. ولن يقتصر الغرض من هذا البنك على إصدار قروض منخفضة الفائدة وطويلة الأجل لتمويل مشاريع البنية الأساسية في مختلف أنحاء المنطقة، وخاصة في الأردن وفلسطين ولبنان وسوريا، بل سيشمل أيضاً توفير الرافعة المالية اللازمة لإنشاء بنوك التنمية الوطنية، مثل بنك التنمية الفلسطيني الذي كان من المقرر إنشاؤه في اتفاقات أوسلو ولكنه لم يتم ذلك. وسوف تتمكن البنوك الوطنية من تمويل المشاريع المحلية في مجالات الإسكان والزراعة والصناعة. وهذا من شأنه أن ينقذ الدول العربية الفقيرة والشعب الفلسطيني من الاعتماد على المساعدات الخارجية المقيدة بشروط بما في ذلك التنازلات السياسية.

يمكن أيضا الحصول على بعض التمويل من البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية وأيضا من خلال اتفاقيات ثنائية مثل "النفط مقابل الاعمار" و"النفط مقابل التكنولوجيا"، حيث يمكن استخدام جزء صغير من صادرات المنطقة من النفط والغاز (5% إلى 10%) لتمويل المشاريع بالاشتراك مع الدول المستوردة للنفط والغاز مثل الصين واليابان وكوريا والهند والدول الأوروبية واستخدام هذه القروض في مشاريع البنية الأساسية والصناعة والزراعة. وقد شرحنا هذا الاقتراح بالتفصيل في مقال سابق.

كيف يمكن إعادة بناء غزة دون نقل سكانها؟

هناك العديد من الحلول البسيطة، ولكنها تحتاج إلى تنظيم جيد وتمويل مشترك. على سبيل المثال، تتمتع الدول الآسيوية، بما في ذلك الصين، بالقدرة على تصنيع منازل متنقلة صغيرة مسبقة الصنع بحجم حاوية شحن بحري بتكلفة رخيصة وبسرعة. لا يمكن للشعب الفلسطيني في غزة الاستمرار في العيش في الخيام دون التعرض لجميع أنواع المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية. إن من الممكن بناء مرافق الصرف الصحي العامة حول تجمعات هذه المساكن على طول ساحل غزة، وتزويدها بالمياه والكهرباء ومعالجة مياه الصرف الصحي من خلال محطات الطاقة العائمة وتحلية المياه المتوفرة في العديد من أنحاء العالم أو التي يمكن بناؤها بسرعة. وعلى نحو مماثل، يجب بناء المستشفيات الميدانية والمدارس مؤقتا.

إن خطة الواحة هي على الرغم من شموليتها الإقليمية وحاجتها إلى إجماع عالمي إلا أنها قادرة على إيجاد حلول حتى للقضايا المحلية والوطنية. ويمكن توسيع تفاصيلها بالتعاون مع المخططين والمهندسين المحليين لتكييفها مع الوضع المحلي لكل منطقة وبلد. إن هدفنا من اقتراح خطة الواحة ليس تصميم سياسات محددة لكل بلد، بل تطوير إطار عام ولكن علمي ومفاهيمي يعكس التطورات الاقتصادية والتقنية والسياسية في عالم اليوم الجديد.

** معهد شيللر العالمي، ونائب رئيس معهد الحزام والطريق في السويد

مقالات مشابهة

  • ما هي الدول الأوروبية التي ستشارك في "تحالف الراغبين" من أجل أوكرانيا؟
  • “تحالف أوبك+” يؤكدون التزامهم باستقرار السوق وسط توقعات إيجابية لأسواق البترول
  • زيلينسكي يعلن أنه يريد إنهاء الحرب في أسرع وقت
  • "خطة الواحة" لإعادة إعمار غزة وفلسطين ومنطقة غرب آسيا
  • أوروبا تقدم خطة تحالف الراغبين لدعم أوكرانيا وتعرضها على أميركا
  • زيلينسكي: لا أحد يريد استمرار الحرب سوى بوتين.. ونحتاج ضمانات
  • روسيا تحبط هجومًا أوكرانيًا على “السيل التركي” ولافروف يبلغ تركيا
  • يديعوت أحرونوت: نتنياهو يريد بقاء روسيا في سوريا لمواجهة تركيا
  • خبز البيدا ضيف المائدة التركية في رمضان.. ماذا تعرف عنه؟
  • العراق خامساً بين الدول الأكثر استيراداً من تركيا خلال شهر