د. معتصم الجعيلي: بعد ساعات من الحرب انهال الرصاص كالمطر قرب منزلي
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
الإعلامي والمخرج د. معتصم الجعيلي لـ(الكرامة):
النخب السياسية أوصلتنا لما نحن عليه الآن..
مع أُسرتي بالمنزل حاصرنا الرعب من كل جهة..
بعد ساعات من الحرب انهال الرصاص كالمطر قرب منزلي
أكثر ما يؤلمني الأطفال الذين تتغير هوياتهم شيئًا فشيئا
فقدت أصدقاءً و من ماتوا غبنًا على البلد
في هذا المكان مرّ شريط ذكرياتنا بالخرطوم (….
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة. ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الإعلامي والمخرج د. معتصم الجعيلي، فماذا قال عن تجربته وأُسرته مع الحرب:
أين كنت أول يوم الحرب؟
كنتُ في منزلي ببحري، حيث إنني أقطن حيًا ما بين “الختمية” و”المزاد”.
لحظة اندلاع الحرب؟
كان يومًا عاديًا، وكنت أهِمُ بالخروج من المنزل للذهاب لمكتبي بشارع المعونة واتصلت بي السكرتيرة وقالت لي: “لا تتحرك لأنّ هنالك ضرب شديد”.
ثم ماذا؟
افتكرت أنّ الموضوع عادي وسيمر.
لكن الموضوع صعب؟
صعب جدًا، حيث أصبح الرصاص بعد ساعاتٍ قليلة كالمطر بالقرب من منزلي.
كيف مرّ اليوم الأول؟
كنتُ مع أسرتي في المنزل والرعب يحاصرنا من كل جهة ونتساءل ماذا حدث؟ وماذا سيحدث؟
كم مكثت في بحري؟
حوالي17 يومًا.
ومتى قررت الخروج؟
بعد يوم من انهمار الرصاص على منزلي وضرب الجزء العلوي منه وهنا أحسست بالخطر.
وأين كانت الوجهة؟
اتجهت لمدينة أم درمان.
كيف كانت الرحلة بين بحري وأم درمان؟
اليوم الذي خرجنا فيه كانت هناك هدنة، وخرجت رفقة أُسرتي في عربة واحدة كان يقودها ابني عبر شارع الإنقاذ، وكنتُ أرى مشاهدًا قاسية مثل سرقة مصانع بحري التي عايشتها أمام عيني وأنا في العربة، ثم الخروج حتى كبري الحلفايا ومن هنالك تحركت لأم درمان التي كانت هادئةً نسبيًا.
الخروج من بحري لأم درمان؟
فقط خرجنا بـ”شنط” خفيفة على أمل العودة بعد أيام.
العودة لم تحن حتى الان؟
طالت ولكن بداية نهاية وسنعود.
ماذا خسرت في الحرب؟
ما خسره الغالبية المنزل، والمقتنيات، السيارة والأهم الذكريات.
هذه حرب غير عادية؟
في تقديري الخاص هذه الحرب ليس لها مثيل في العالم.
الموت هل اقترب منك؟
الرصاص كان فوقنا وتحتنا وفي النهاية الأعمار بيد الله.
مأساة عايشتها في تلك الأيام؟
فقدت أصدقاءً أعزاء وفقدت من ماتوا جراء الغبن لما جرى بالبلاد.
يوميات الحرب؟
كانت صعبةً جدًا خاصة بعد انقطاع الكهرباء والماء وهلع أُسرتي، وكان لا بد من الخروج.
كم مكثت في أم درمان؟
4 أيامٍ ومنها تحركت لمصر مباشرةً.
الطريق من أم درمان ووصولًا لأسوان؟
رحلة شاقة ولكن طيلة الرحلة مرّ شريط ذكرياتنا وأيامنا في الخرطوم.
قرار المغادرة لخارج البلاد؟
ربما في وجودي بشكل مستمر في مصر حينما اتخذت قرار السفر للقاهرة لم أكن مرتبكًا أو اشعر بغربة ولكن بعد مرور شهر وراء شهر والقصة طالت نشعر بأسًى شديد ولكن ثقتنا في قوات الشعب المسلحة بدحر التمرد.
الآن معتصم الجعيلي لاجئ؟
أُقنع نفسي بأنها فترة مؤقتة وسنعود، كما أنّ مصر أيضًا ليست مثل كل الدول وليست بلد لجوءٍ وإنما جارة.
عادة فقدتها في الحرب؟
ليس هنالك شيءٌ أكثر إيلامًا من فقدك لمنزلك.
هل توقعت اندلاع الحرب؟
لا أبدًا.. كنت أؤمن بسماحة السودانيين وقدرتهم على حل مشاكلهم بأنفسهم.
بعد الحرب هل الناس فقدت الثقة في الساسة والسياسة؟
اعتقد بأننا نحتاج لتغيير كبير جدًا في المفاهيم السياسية فالآن السياسة والنخب أوصلونا لما نحن فيه الآن.
ما هو أكثر شيء يؤلم معتصم الجعيلي خارج البلاد؟
لمست فيني وترًا حساسًا.. أكثر ما هو مؤلمٌ لي الأطفال الذين يعيشون بعيدًا عن الوطن وتتغير هويتهم شيئًا فشيئا هذا هو الخطر.
بعد انتهاء الحرب ما هي مشاريعك؟
أولًا وأخيرًا على استعادة الهوية السودانية لأطفالنا واستخدام كل ما أعلمه في هذا المجال من أجل الأطفال من إنشاء قنواتنا ومراكز وهذا واجبنا.
كلمة أخيرة؟
أشكرك كثيرًا ونأمل ونثق في انتصار السودان وأن نعود ونحن لدينا بلدًا غالية جدًا يجب أن نحافظ عليه.إنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
معتصم أقرع: ثورة ديسمبر عائدة؟
ثورة ديسمبر عائدة شعار أرتفع هذه الأيام. هذه مقولة مقبولة لا خلاف عليها. ولكن ماذا تعلمنا من درسها؟ ماذا تعلمنا من الأخطاء التي أعقبت ثورة ديسمبر وانتجت كل هذا الخراب غير المسبوق في تاريخ السودان؟
منذ عام ٢٠١٨ قلت أن أكبر مشاكل الثورة إنها علي عظمتها عجزت عن إفراز قيادتها القوية القادرة علي فرض إرادة الشعب. ولاحقا ولهذا السبب سطت علي المنجز الثوري نفس الجماعة التي أوشكت أن تدخل مع البشير في إنتخابات ٢٠٢٠. وادخلت قيادة الأمر الواقع البلد جحيم بدا بسوء إدارة الإقتصاد وملف السلام والعلاقات الخارجية وانتهي بحرب ضروس شارك فيها كولمبيون إذ يبدو أن أرباحها تضاهي أرباح تجارة الكوكايين.
الجدير بالذكر أنه حينها لم يتم ترويج لمصطلح “الثورة المختطفة” بنفس الحماس الذي يصاحب مصطلح “الجيش المختطف” الذي لم يفسد اختطافه قضية للإندماج معه في وثيقة دستورية وإعلان سياسي وترتيبات أخري.
وقلت أيضا في بداية ٢٠١٩ أن التجمع المهني كان مجرد وهم الواهمين. لم تكن هناك نقابات حقيقية تنتخب قيادة ثم تجتمع قيادات النقابات المختلفة وتختار مكتب موحد يشكل قيادة التجمع المهني. كل ما في الأمر كان عدد بسيط من شباب بعضهم أبطال وبعضهم مستهبلين سياسة يجتمعون ويدبجون بيانا منفلوطي البلاغة لتضج الاسافير. وما بني علي وهم أخرو مجابدة.
أما الأحزاب فهي مجرد لافتات لمزارع أسرية أو شلل بإستثناءأت بسيطة ولن أستطيع الدفاع عن وجود إستثناءات لو ضغطني محاور. حتي حزب المؤتمر السوداني الذي أتاح له الميلاد المتاخر – كجنا نديهة البرجوازية المتعلمة – أتاح له تجاوز مشاكل البيوت الطائفية وحمولات الأحزاب العقائدية، أين هو الآن؟ هل يوجد حزب به مؤسسة عدا ما يقرر السيد خالد سلك، أخطا أم أصاب، ليعيد ما قاله الباشمهندس الدقير بلغة أكثر شاعرية؟
حتي لجان المقاومة ولجان الأحياء لم تخل من لمسات صنمية حين تم ويتم تصويرها وكأنها كيان متجانس أيديلوجيا يمتلك رؤية واضحة متفق عليها حول الوسائل والغايات.
يصح القول أن هذه اللجان أجسام قاعدية في غاية الأهمية وحبلي بالأمل الذي يجب الإستثمار فيه. ولكن الصحيح أيضا أنها تتفق علي الغايات ولا تتفق علي الوسائل. إذ بالتعريف وبحكم إنها لجان أحياء أو ما شابه لا تنطوي علي وحدة أيديلوجية ففي عضويتها اليساري والسلفي والنيولبرالي وعاشق السوق الحر والماركسي علي مذهب كمال كرار وعاشق البدوي والداعي للدعم والداعي لرفعه.
إذن هي لجان تتفق علي بديهيات ولكنها لا تتفق علي وسائل تحقيقها والشيطان في الوسائل. إذن تصنيم هذه اللجان يحمل مخاطر إعادة ماساة وهم التجمع المهني بقيادة اكليريوس جدد.
أدعم بكامل التأييد هذه اللجان وكل الأجسام القاعدية واري ضرورة ثورية حاسمة الأهمية في الإستثمار فيها ولكن بواقعية واعتراف بالحقائق الأساسية تفاديا لتصنيم سوف يعضنا في جمباتنا مرة أخري ويتيح ظهور كهنة جدد من خلف حجاب أو أمامه يشبهون كهنة التجمع المهني الوهمي الذي موسر البلد.
كانت ديسمبر ثورة عظيمة أسقطت نظام البشير ولكن عدم قدرتها علي إفراز قيادة تليق بها خلق فراغ قوة ملأته بعاعيت الداخل والخارج واللصوص والجهلاء والمغامرون والساقطون والقوادون في أزقة السياسة.
ماذا فعلنا لتدارك مشكلة القيادة قبل أن نرفع شعار الثورة عائدة في توقيت ينازع الجماعات التي قاتلت بالسلاح والقلم واللسان بريستيج طرد الجنجا من مواقع مهمة بينما كان الكثيرون في حياد مجيد وعلي مسافة واحدة من “طرفي نزاع” بنفس درجة السوء؟
إن إضاءاتنا لمشاكل التنظيم النقابي أو القاعدي جوهرها الدعوة لتحسينه وتلافي أوجه قصوره وليس نسفه. وان لم نفعل، سنعيد الكرة ونسطل مرة أخري بخمر تجمع مهني وهمي أو لجان أو ما شابه، ونتيح الفرصة مرة أخري لكهنة جدد يتسلقون اللجان والنقابات واشكال التنظيم الأخري ما يدخل البلد في جحيم آخر يضاعف جحيم فراغ القوة الذي أعقب سقوط نظام البشير.
أما الصدح بان ثورة ديسمبر عائدة في هذا التوقيت والشعب في مجاعة وضنك، فاتمنى أن لا يكون ورقة توت تتناغم مع يحدث في الميدان العسكري لإخفاء حرج ذلك الحياد الداوي في أشد مراحل الحرب بعد أن أتضح أن غالبية الشعب ليست علي حياد.
نعم لعودة الثورة. ولكن لا كالخطة جيم بعد أن فشل التعويل علي الشراكة المثالية ثم التعويل علي المجمتع الدولي ثم التعويل علي الجنجا.
فلتعد ولكن هذه المرة بواقعية وذكاء وحزم لا يستسهل المشاكل ولا يدعي أمجادا وانتصارات لم تحدث ولا يلفق أجساما ونقابات ولجانا مستوهمة في وجودها أو في تجانسها حول الغاية والوسيلة.
فلتعد لبناء البلاد، لا كزانة للقفز من مركب الحياد الغارق في آخر لحظة.
معتصم أقرع
إنضم لقناة النيلين على واتساب