سلطان الثقافة.. يرسم خارطة الثقافة العربية
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، المعهد الثقافي العربي في مدينة ميلانو الإيطالية.فلطالما انتزعت الإمارات الإعجاب وأبهرت الجميع ونالت الاستحسان، وتتوالى الإنجازات لكي تأخذ الاستحقاق لتكون حاضنة للفعاليات الثقافية، وهو استحقاق يجعلها قادرة على رسم خارطة الطريق للأمة العربية، ومركزاً للإشعاع والحضارة، لكونها بلدًا آمنًا وواحة للسلام وللتعايش، ونموذجًا ناجحًا للنمو والتقدم في المجالات الحيوية كلّها.
في الوقت ذاته، ألقى حاكم الشارقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي كلمة بمناسبة افتتاح المعهد العربي الثقافي، أكتفي- هنا- بتحليل بعض العوامل الأساسيّة التي يُمكنها أن تساعدنا في إدراك الرهانات الحضاريّة المهمة التي ينطوي عليها هذا الخطاب الملهم، وأهمها محاولة استرجاع الذاكرة التاريخية، لتمكين المواطن العربي من عناصر القوَّة، ونشر إرثه وهويته الإنسانية والحضارية؛ لأنه يعدُّ مطلبًا ملحًّا يغذِّي الذائقة العربية ويرتقي بها.وما أبطال التاريخ إلا رجال اغتنموا الفرص وانتهزوها؛ لأنهم كانوا ثاقبي النظر، ويمتلكون رؤية تستجلي المستقبل.كما لا يغيب عن فطنة المتابع لهذا الخطاب التاريخي الذي عبر فيه سموه عن سعادته البالغة خلال بحثه بين المعاجم والقواميس العربية عن وجود أصول هذه اللغة من حيث نشأتها ومرجعها، وكشف أنه في بداية العمل على 5 مجلدات للقاموس اللاتيني، وأمل "أن يصدر هذا القاموس ليبين فيه القاموس العربي إلى اللاتيني وحتى تبرز الكلمة، وهذا مشروع كبير يثبت أن اللغة العربية هي لغة رب العالمين لآدم وهذه اللغة هي التي وجه بها رب العالمين جدنا آدم ليعمر هذه الأرض".ولا عجب أن تكون اللغة العربية هي لغة رب العالمين لآدم؛ لإن هذه اللغة حملت كل القيّم الحضارية التي أضافها في الفكر الإنساني من حيث احترام العقل وإشاعة التنوير والعمران؛ وكنا أمة "اقرأ" و"القلم" و"الراسخون في العلم".ويؤكد الشيخ سلطان القاسمي إنّ إشاعة التنوير بمشروعات النهضة للغتنا العربية لا تأتي إلا عن طريق إحياء أدوار اللغة العربية في مجتمعاتنا ونشرها وتفعيلها عالميًا، كما سيتحقق لنا الارتقاء بمكونات الثقافة العربية.اللّغة العربيّة هي الهويّة التي تحدد موقع الإنسان العربي من نفسه، ورؤيته لهذا العالم، بخاصة في المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها الراهن العربي، حيث جرّد الإسلام من كلّ القيّم العربية والحضارية التي كرّسها في الفكر الإنساني في حقبة خلت، ولهذا نادى سموه بأن نعمر الأرض ولا نخربها، بل نمد يدنا للتعاون في المجالات الإنسانية وليس في المجالات التخريبية، ونحمي هذه الثقافة أكانت عربية أو إيطالية أو لاتينية أو أي ثقافة نحافظ عليها من العبث"
كما قدم سموه في كلمته الرؤية التاريخية الرصينة والهدف الأصيل من البحث العلمي والمسار الثقافي، حيث جدد من أهمية الثقافة بوصفها الهوية التي تحدد موقع البشر من أنفسهم ومن العالم، كما يعدّ المظهر العام الذي يتسم به شعبٌ من الشعوب سواء من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدّسات والقوانين.
العلامة الفارقة للمجتمعات المدنية تتمثل في مدى سريان الوعي - نتيجة الثقافة- لهذا المجتمع، فتصور المستقبل أو الربط بين المستقبل والحاضر أو التعاطي مع التراث والماضي هو حتمًا مهمة صعبة، فمشروعات النهضة لا تتأتى إلا بالرهان على" الثقافة الأصيلة" البعيدة من كلّ تيار حزبي أو جماعة أو طائفة، الثقافة الحقيقة-لا المزيفة- التى تنشط الوعي وتشكّله، فالحياة دون نشاط فكري وبحث علمي فاعل وحصاد من المناقشات المثمرة فهو مستنقع آسن لحياة راكدة لا تتجدد.
وثمة رسالة ذات مغزى حينما قال سموه "ومن هنا نحتج ونعلي صوتنا لا للعبث لا للعبث لنحمي لغتنا وعقائدنا وثقافتنا، فهذه الخطوات مطلوبة لكل إنسان يريد أن يعيش على هذه الأرض في سلام".
لا شكّ في أنّ مؤشراً حقيقياً من مؤشرات التحضّر والسلام هي الثقافة الحرة والمتعايشة لكونها عنصراً أساسيّاً يقع في صلب أي مشروع جديّ للتنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، والعالم بحاجة إلى ثقافة إيجابية تؤمن بالتسامح وتطرح حلولًا عملية للتعايش ومبادرات حضارية للتحديات الفكرية التي تواجهها، بالتعاون مع قادة الفكر وأقطابه، وبذلك تصبح هذه الفعاليات مصدر إلهام وابتكار، واستثمار أمثل للأفكار المبدعة والملهمة، إنتاج فعل ثقافي قادر على مواجهة التحديات، وتحريك الماء الراكد للواقع الثقافي العالمي وبناء جسور للتواصل الثقافي بين العرب والغرب، وتقديم تصوراتهم وآرائهم للتطوير والتغيير، ومواجهة التحديات المحدقة في منظومة الثقافة، حيث أقحمت قيم زائفة ودخيلة على تاريخ أمتنا الإنسانية وتراثها الحضاري والفكري.
إن الاقتراب من تحليل الكلمة التي ألقاها تجلعنا نستجلي بهدوءٍ وموضوعيّةٍ الخلفيَّاتِ الثقافيّة الناظمة لهذا الفكر العميق والملهم، والرؤية الثاقبة.. كما قال سموه : "إذا كانت العروبة تغرق فزورق إنقاذها الثقافة".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الشارقة ة التی
إقرأ أيضاً:
اللغة العربية ذاكرة الحضارات في أبوظبي الدولي للكتاب
عزز معرض أبوظبي الدولي للكتاب، مكانة اللغة العربية كمنصة رائدة لإنتاج المعرفة وتعزيز التبادل الثقافي، من خلال تسليط الضوء على مبادرات نوعية تبرز دورها في حفظ ذاكرة الحضارات وتقدير الإبداع الثقافي والفكري.
ويعد مشروع "كلمة" التابع لمركز أبوظبي للغة العربية، أحد أبرز المبادرات التي أسهمت في تعزيز حركة الترجمة في العالم العربي، ودعمت حضور اللغة العربية وتأثيرها في المشهد الثقافي العالمي.
ومنذ انطلاقه، نجح مشروع "كلمة" في ترجمة أكثر من 1300 عنوان من 24 لغة، في أكثر من 10 تصنيفات معرفية، بالتعاون مع أكثر من 800 مترجم ونخبة من دور النشر العالمية.
وأكد سعيد حمدان الطنيجي، المدير التنفيذي لمركز أبوظبي للغة العربية، مدير معرض أبوظبي الدولي للكتاب، في تصريح لوكالة أنباء الإمارات "وام"، أن مشروع "كلمة" يجسد دور الترجمة كركيزة أساسية للتبادل الثقافي والفكري بين الحضارات، مشيرًا إلى إستراتيجية المركز في دعم الترجمة، وتوثيق التجارب الثقافية، وتعزيز حضور المؤلفين العرب والعالميين.
ولفت إلى حرص المركز على دعم حركة النشر العالمية والاحتفاء بالمبدعين من مختلف أنحاء العالم، مؤكدًا أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب نجح على مدار مسيرته في ترسيخ مكانته كمنصة معرفية وثقافية عالمية رائدة.
وتم إطلاق مشروع "كلمة" في عام 2007 بهدف إحياء حركة الترجمة في العالم العربي، ودعم الحراك الثقافي الفاعل الذي تشهده أبوظبي، بما يساهم في تعزيز موقعها على خارطة المشهد الثقافي الإقليمي والدولي، من أجل تأسيس نهضة علمية وثقافية عربية تشمل مختلف فروع المعرفة البشرية.
وتتم عمليات الاختيار والترجمة في مشروع "كلمة" على أيدي خبراء محترفين، حرصًا على جودة اللغة العربية المستخدمة في نقل نتاج ثقافات العالم، والاستفادة من جمالياتها ومعارفها.
أخبار ذات صلةكما حرص المشروع على ترجمة نخبة من الأعمال الأدبية للكتاب العالميين، وصدرت عنه عدة كتب تسلط الضوء على سيرة عدد من الفائزين بجائزة نوبل ومنجزاتهم، بالإضافة إلى أعمال أخرى حرص المركز من خلالها على إثراء المكتبة العربية وإطلاع القارئ على هذه الكنوز المعرفية.
ويطرح مركز أبوظبي للغة العربية خلال معرض أبوظبي الدولي للكتاب، مجموعة متميزة من أهم وأحدث إصداراته، التي تشمل نتاج عدد من مشاريعه الرائدة، وفي مقدمتها مشروعات "كلمة"، و"إصدارات"، و"برنامج المنح البحثية".
ومن بين كتب مشروع "كلمة" التي تعرض في معرض أبوظبي الدولي للكتاب: "فكرة محددة عن فرنسا: سيرة شارل ديغول"، و"الفتى القادم من بغداد"، و"صورة جِني"، و"رحلات الاكتشاف"، و"اللغة العالمية: الترجمة والهيمنة"، و"الشركة الناشئة الخضراء".
كما كرم مركز أبوظبي للغة العربية خلال المعرض، ستة دور نشر عربية عريقة، قضت ما مجموعه 520 عاماً في خدمة صناعة النشر، ضمن المرحلة الأولى من مبادرة "تكريم رواد صناعة النشر في العالم العربي".
ويُنظم المركز أكثر من 2000 فعالية ثقافية ضمن أجندة مشاركته في معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الـ 34 ، من بينها 1700 نشاط إبداعي في إطار المرحلة الأولى للحملة المجتمعية لدعم القراءة المستدامة التي تم إطلاقها مؤخرًا.
وتغطي الفعاليات 14 مجالًا، وتشمل أندية قرائية، وجلسات حوارية، وورش كتابة إبداعية، ومحاضرات فكرية، وندوات فنية، وبرامج تعليمية ترفيهية، ودورات متخصصة، وقراءات شعرية، وقراءات قصصية، وبرامج إذاعية، ومسابقات ثقافية، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، وإطلاق كتب جديدة.
ونجح معرض أبوظبي الدولي للكتاب في ترسيخ مكانته نموذجا مميزا لمعارض الكتاب العربية، وأصبح يقود مسيرة تحول شملت ليس فقط العناوين المعروضة من الكتب، وإنما أيضًا المحتوى الفكري والثقافي والترفيهي، ليعيد صياغة مفهوم معارض الكتاب العربية نحو مزيد من القرب من المجتمع، لتصبح أحد أبرز أدوات التنمية.
المصدر: وام