لجريدة عمان:
2024-11-04@23:42:44 GMT

كيف حدث التـغـيـيـر في بنجلاديش؟

تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT

ترجمة: بدر بن خميس الظفري -

لقد كان الوضع في بنجلاديش على وشك الانفجار، فقد كنتُ هناك مع الطلاب عندما انتهكنا حظر التجول للانضمام إلى الاحتجاج في ميدان شاهباغ، وهو النسخة البنجلاديشية لميدان التحرير في مصر. ودعنا أصدقاءنا الجرحى الذين تركناهم خلفنا وهم يذرفون الدموع، دون أن نعرف ما إذا كانت هذه ستكون المرة الأخيرة التي نلتقي فيها.

فتحت الشرطة النار على مجموعتنا المكونة من نحو عشرين طالباً ومعلماً وصحفياً. أصيب ثلاثة منهم، وبينما كنا ننقلهم إلى المستشفى، صادفت أنا وشريكي سائق عربة (ريكشا) وافق بكل شجاعة على اصطحابنا إلى شاهباغ. وبينما كنا نشق طريقنا عبر الشوارع الخلفية الضيقة في دكا، وصلت أخبار استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة إلى الميدان. وضع الجنود بنادقهم في أماكنها، وصعد الشباب المبتهجون إلى عرباتهم المدرعة، وقادوا الحشود بهتافات النصر. كان ذلك في الخامس من أغسطس. وقبل أيام قليلة فقط، كان هؤلاء الجنود أنفسهم يطلقون النار علينا.

لفترة طويلة كانت هناك نسختان من بنجلاديش. الأولى قدمت لنا سردية غير متوقعة عن صعود بلد إلى الثراء السريع، وهو بلد يتميز بواحد من أسرع معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في العالم، كانت تلك بنجلاديش التي تقودها حسينة، أطول رئيسة حكومة حكما في العالم. أما الثانية فكانت تتألف من شعب عانى طويلاً، يتلوى تحت نـَيْـرِ زعيمة ذات رؤية ثاقبة، لكنها كانت أيضًا مستبدة لا ترحم، سجنت وأخفت وقتلت كل من وقف في طريقها. تحت حكمها، أصبحت بنجلاديش أرضًا للثنائيات الخطيرة، إما أن تكون مع رابطة (عوامي) الحاكمة، أو يتم إعلانك (رازاكارًا)، أي متعاونًا، وبالتالي عدوًا للدولة.

كانت معجزة التنمية في بنجلاديش من صنع النخبة في الحزب الحاكم ومجتمع رجال الأعمال الذي خدمته تلك النخبة. وقد دارت حولها مجموعة من المثقفين وغيرهم من المهنيين ذوي البدلات البيضاء الذين يعملون في المكاتب، وعرضوا تماهيهم مع سياستها في مقابل الحصول على امتيازات. وكانت الهند في عهد ناريندرا مودي هي الراعي الرئيسي لها وكان الفساد هو القاعدة، ومن عام 2010 إلى عام 2019، قادت بنجلاديش العالم في نمو الثروة بين الأثرياء، وأصبحت بلادنا، ثاني أكبر مصدر للملابس في العالم، أرضًا لناطحات السحاب ومراكز التسوق الجميلة.

النسخة الأخرى من بنجلاديش كانت تتألف من الطبقات العاملة البائسة مثل عمال صناعة الملابس، والعمال المهاجرين، وملايين آخرين يعملون في وظائف منخفضة الأجر، في ظروف غير إنسانية في كثير من الأحيان، ليملؤا جيوب الأثرياء. ويعيش كثيرون منهم في أحياء فقيرة تعاني من سوء الصرف الصحي. ويحصل أغلبهم على راتب شهري يعادل نحو 113 دولاراً أمريكياً أي (51 ريالا عمانيا تقريبا)، وهذا بالكاد يكفي لإطعام أسرة، ولذلك ليس من المستغرب أن تتجمع 10 إلى 15 أسرة بانتظام في أسواق صناعة الملابس لشراء الخضراوات الفاسدة بكميات كبيرة.

لقد كانت الفجوة بين هاتين النسختين من بنجلاديش سبباً في انقسام الشعب.

أدى الجدل حول نظام الحصص للوظائف الحكومية إلى إشعال شرارة الاحتجاجات الطلابية التي هزت البلاد في يوليو، وتحول النظام، الذي كان مقصودًا في الأصل أن يكون بمثابة لفتة لمقاتلي حرب التحرير في وقت تأسيس بنجلاديش، بعد 50 عامًا إلى سياسة تمييزية تفضل الموالين للحكومة، وتحرم الباحثين عن عمل الشرعيين من الوظائف المرغوبة بشدة. احتج الطلاب على نظام الحصص في عام 2018، وبعد فشلهم في قمع الاحتجاجات بالعنف، ألغته حسينة تمامًا. أثار قرار المحكمة في 5 يونيو بإعادة النظام غضب الطلاب، فنزلوا إلى الشوارع سلميًا، إلا أن الحكومة ردت بعنف، هذه المرة بالبنادق، وقتلت قوات الأمن ستة طلاب في الأيام التي تلت ذلك.

ولم يمض وقت طويل حتى تحولت المطالبة بفرص عمل حكومية عادلة إلى حركة واسعة النطاق من أجل الكرامة والحقوق الأساسية. وربما كان الخوف والقمع مفيدين لحسينة طيلة السنوات الخمس عشرة الماضية، ولكن عندما يكون الناس على استعداد لمواجهة الرصاص في الشوارع، فإنك تعلم أنه لا سبيل إلى التراجع. كان المطلب الأول للطلاب هو اعتذار حسينة، وربما كان هذا التصرف البسيط كافياً لإنقاذها، ولكن تبين أن غطرستها كانت ستؤدي إلى هلاكها.

ومع ذلك فقد دفع الجمهور الثمن الأكبر. فقد قُطِعَت شبكات الإنترنت والهواتف المحمولة، وتوفي المئات، وأصيب آلاف آخرون، في القمع العنيف الذي أعقب ذلك. وقد حُفِرَت صورة أبو سيد، الطالب في تخصص الأدب الإنجليزي البالغ من العمر 25 عاماً، وهو يمد ذراعيه قبل ثوانٍ من سقوطه تحت وابل من الرصاص، في الذاكرة الجماعية لبنجلاديش. وانتشر مقطع فيديو لوفاته في السادس عشر من يوليو على نطاق واسع، ساعتها بدأ الطلاب يطالبون بإقالة حسينة.

كان أبو سيد ابناً لأبوين من الطبقة العاملة. وكان طالباً موهوباً يدرس في إحدى الجامعات العامة في بنجلاديش ويعمل مدرساً، في الوقت ذاته، لإعالة أسرته. وكان أشخاص مثل سيد، الذين تعدّ وظائف الخدمة المدنية بالنسبة لهم أحد الطرق القليلة المتاحة للصعود في السلم الاجتماعي، في الخطوط الأمامية للاحتجاجات. أما الطلاب الأكثر ثراءً فقد ذهبوا إلى الجامعات الخاصة، فقد كانت لديهم خيارات أخرى مثل السفر إلى الخارج، أو العمل في وظائف شركات فاخرة، أو الانضمام إلى شركات عائلية أو حتى أن يصبحوا رواد أعمال. ومع ذلك، انضم العديد من هؤلاء الطلاب الأكثر امتيازاً إلى الاحتجاجات أيضاً، وبشكل مختصر، لقد سئم البنجاليون جميعا.

لقد قضيتٌ بعض الوقت في الشوارع طوال مسيرتي المهنية كصحفي، وقمت بتغطية الحركات الطلابية منذ عام 2018، لذا فقد اكتسبتُ بعض المصداقية في الشارع. التقيتُ ببعض الطلاب عندما سُجنت في عام 2018 بتهمة «التحريض على الحركة المستمرة»، وآويتُ بعضهم هذا الصيف خلال أشد أعمال العنف، وزرت آخرين تعرض العديد منهم للتعذيب على يد قوات الأمن في المستشفى. لقد أصبحت بالنسبة لهم بمثابة مرشد من نوع ما.

نعم، كنت أتوقع سقوط الحكومة، ولكنني لم أتصور قط أن ذلك سيحدث بهذه السرعة. ففي الفراغ الذي خلفه رحيل رئيسة الوزراء، تولى الطلاب الذين كانوا قد تعرضوا للاضطهاد من قِبَل الشرطة في وقت سابق مهمة حفظ الأمن في الشوارع بأنفسهم، وقد أداروا عملية تشكيل الحكومة المؤقتة، ودعوا محمد يونس، الحائز على جائزة نوبل للسلام، إلى تولي القيادة. وقَبِلَ يونس الدعوة، وبعد بعض المفاوضات السرية مع المؤسسة العسكرية، انضم طالبان اثنان إلى الحكومة المؤقتة. وخوفا من أن تصبح السلطة الجديدة متغطرسة كسابقتها، شكل الطلاب أنفسهم هيئة رقابية للإشراف على الحكومة الجديدة.

إننا نعيش كل يوم بيومه. وبينما نبتهج باعتقال كل جنرال أو وزير هارب، فإننا نخشى ألا تطبق على هؤلاء أي من الإجراءات القانونية الواجبة الأساسية، وأن نعيد إنتاج جرائم النظام السابق، لذلك يتعين علينا أن نتخلص بسرعة من هذه الثقافة القديمة.

إننا نراقب وننتظر، وهناك علامات تبعث على الأمل. فقد ضربت البلاد فيضانات مدمرة الشهر الماضي، والتدفق الهائل للدعم لحملات الإغاثة التي ينظمها الطلاب أمر مشجع، كما اتخذت الحكومة المؤقتة خطوات لإنهاء ثقافة الاختفاء القسري ضد منتقدي الحكومة التي اتسم بها حكم حسينة.

إن الزمن وحده هو الذي سيحدد ما إذا كانت الدماء التي سالت في شوارع بنجلاديش هذا الصيف ستؤدي إلى تغيير دائم، أم أنها ستكون مجرد تحول موسمي، أو مجرد موسم الرياح الموسمية الذي يختفي مع حركة الشمس.

شهيدول علم كاتب ومصور فوتوغرافي وناشط في مجال حقوق الإنسان من بنغلاديش.

عن واشنطن بوست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی بنجلادیش

إقرأ أيضاً:

ياسر العطا يتهم أعضاء من «مجلس السيادة» بحماية «قوى التغيير» و«الدعم السريع»

اتهم عضوُ «مجلس السيادة الانتقالي» مساعدُ القائد العام للجيش في السودان، ياسر العطا، أعضاء في «المجلس» بتوفير «حماية» لـ«قوات الدعم السريع» و«قوى الحرية والتغيير» (الائتلاف الحاكم سابقاً)، ورأى عدد من المحللين السياسيين أن تصريحات العطا هذه «تُخرج الصراع داخل السلطة إلى العلن».

وقال العطا، في كلمة له بالعاصمة الخرطوم السبت: «بيننا في (مجلس السيادة) من يحمي (قحت) و(الجنجويد)، وهذه مشكلة كبيرة، والدولة بهذه الطريقة ما بتمشي (لن تتقدم)، ولا بد من أن تتم إزاحتهم من مفاصل الدولة بالنقل والفصل والإبعاد عن المنشآت المهمة».

ووفق العطا، فإن هناك وجوداً لـ«قوى التغيير» و«الدعم السريع» في وزارة الخارجية و«بنك السودان» و«ديوان الضرائب» والنيابة العامة، وإن «هذا يعقد الانتصار، ويعطل دولاب الدولة». وقال إن «النيابة العامة مكبلة بالدعامة (الدعم السريع)، والقحاتة (قوى الحرية والتغيير)، ولا تقوم بدورها في فتح البلاغات ضد الخونة والعملاء ومن يعملون على تدمير السودان ويدعمون ميليشيا الجنجويد».

وهذه ثاني مرة خلال أشهر يتهم فيها العطا السلطة بـ«التقصير في حسم الأمر».

وكُلف ياسر العطا في سبتمبر (إيلول) 2023 بالإشراف على وزارات الدفاع والمالية والتخطيط الاقتصادي و«بنك السودان المركزي» والنيابة العامة و«ديوان المراجع العام».

ورأى ماهر أبو الجوخ، القيادي في حزب «التحالف الوطني السوداني»، عضو «المجلس المركزي للحرية والتغيير»، أن تصريحات العطا «تكشف بوضوح عن صراع داخل (مجلس السيادة)، قُصد له التمهيد لإضعاف أحد الأطراف لمصلحته، وفي الوقت نفسه يحاول تبرير فشل الجهات الحكومية وإخفاقاتها المتنامية». وقال: «رغم أن العطا لم يذكر الجهة المختلف معها بشكل مباشر، فإن تلك الاتهامات هي تفجير للصراع داخل السلطة و خروج به إلى العلن».

قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان بين جنود القاعدة البحرية في بورتسودان يوم 28 أغسطس الماضي (أ.ف.ب)
وأكد أبو الجوخ أنه «لا وجود لـ(قوى الحرية والتغيير) في مؤسسات الدولة على كل المستويات الاتحادية والولائية، بعدما أُبعدت من السلطة بانقلاب الجيش نفسه على الحكومة المدنية قبل 3 سنوات».

وقال: «على الجنرال ياسر العطا الإقرار بالفشل؛ لأنه المسؤول المباشر عن القصور وعدم فاعلية هذه المؤسسات. عليه أن يعلن استقالته بسبب فشله الشخصي».

وأشار إلى أنه بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 الذي أطاح الحكم المدني، أجرى قادة الجيش عملية إحلال وإبدال، بإعادة كثير من عناصر نظام الرئيس المعزول عمر البشير على رأس عدد من مؤسسات الدولة.

ورأى المحلل السياسي حاتم إلياس أن الانتقادات الحادة التي وجهها الجنرال عطا «تعطي مؤشرات واضحة على وجود خلافات داخل المؤسسة العسكرية، وتعبر عن حالة من الإحباط إزاء الوضع الميداني للجيش جراء عدم حسم المعركة رغم التعبئة الكبيرة التي قادها على المستوى الشعبي».

وقال إن «مسار العمليات العسكرية لا يمضي في مصلحة الجيش بعد أشهر من الاستعدادات الكبيرة وحديثه عن معارك فاصلة لإنهاء القتال لمصلحته».

دخان يتصاعد نتيجة القتال في العاصمة السودانية (أرشيفية - أ.ف.ب)
بدوره، قال أستاذ العلوم السياسية في الجامعات السودانية، صلاح الدومة، إن «العطا دائماً ما يكرر حديثه هذا، من دون أن يفعل أي شيء. ولذلك؛ لا يأخذ كثيرون تصريحاته بجدية».

يذكر أن «المجلس الرئاسي» يتشكل من الرئيس؛ الفريق أول الركن عبد الفتاح البرهان، ونائبه مالك عقار، والفريق أول الركن شمس الدين كباشي، والفريق المهندس بحري المستشار إبراهيم جابر، والفريق أول الركن ياسر العطا، وصلاح الدين آدم تور.

الشرق الأوسط:  

مقالات مشابهة

  • ياسر العطا يتهم أعضاء من «مجلس السيادة» بحماية «قوى التغيير» و«الدعم السريع»
  • إشراقة مصطفى لـ«التغيير»: لا منتصر في الحرب
  • مصدر سياسي:التغيير الوزاري المرتقب يشمل (3) وزارات بعد الإتفاق مع أحزابهم
  • نقد قاسي :- أمام السيد السوداني حول قضية التغيير الوزاري !
  • استثمار العراق: بين الحاجة إلى التغيير وواقع التنفيذ
  • العكاري: فرصة التغيير التي حدث في البنك المركزي يجب أن يستثمرها الجميع
  • التخطيط النيابية تدعو السوداني إلى إجراء التغيير الوزاري لمواجهة الفشل
  • كيف كانت السينما في زمن وحيد حامد؟ (تقرير)
  • يخربون بيوتهم بأيديهم: رعونة وجاهلية ترفض السلام وتستمر في حرب ضد التغيير
  • التغيير الدرامي لمسلمي وعرب أمريكا تجاه ترامب