ترجمة: أحمد شافعي -

أثار إعلان بريطانيا الأسبوع الماضي بأنها سوف تعلق ثلاثين ترخيصًا لتصدير الأسلحة إلى إسرائيل عاصفة نارية متوقعة. إذ يتهم منتقدو حرب إسرائيل في غزة حكومة المملكة المتحدة بالترفق مع إسرائيل إلى حد الإجرام. وفي المقابل، غضب كبير الحاخامات في بريطانيا. وتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بأن بلده يقاتل كلا من إيران وحماس، اللتين يقارنهما دائما بالنازيين، وذهب أقرب مساعديه، وهو وزير الشؤون الإستراتيجية رون ديرمر، إلى أن هذه السياسة أشبه بمنع السلاح عن تشرشل وهو يحارب هتلر.

وكان مفهوما أيضا أن انتقد آخرون حكومة المملكة المتحدة لسوء توقيتها، إذ جاء الإعلان في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل ترتجف من الألم بعد إعدام حماس لستة من الرهائن. كان أولئك الرهائن قد احتملوا الأسر لمدة أحد عشر شهرًا تقريبًا قبل أن يتعرضوا لإطلاق النار في الرأس عندما اقتربت القوات الإسرائيلية.

ولكن بعيدًا عن انتقادها لسوء توقيت الإعلان، فإن سخرية حكومة نتانياهو من الحظر البريطاني المحدود لن تحمي إسرائيل من العقوبات الدولية المتسارعة إذا استمرت في سياساتها الحالية.

كما أن زعم نتانياهو بأن إسرائيل وحدها تقاتل إيران نيابة عن الغرب يعجز عن ملاحظة أن المملكة المتحدة أعلنت أيضا عن عقوبات ضد أعضاء معينين في فيلق القدس التابع للحرس الثوري ووحدة من الحرس الثوري لتزويد وكلاء إيران -ومنهم حزب الله- بالأسلحة. وهذا يضعف إلى حد ما الزعم بأن المملكة المتحدة غير مكترثة بالتهديد الإيراني.

لم يكن قرار بريطانيا يتعلق بمحاربة إسرائيل لإيران وإنما بسياستها في غزة. وقد تناولت المراجعة القانونية لتراخيص تصدير الأسلحة ثلاثة انتهاكات محتملة للقانون الإنساني الدولي، هي: عدم توصيل إسرائيل المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في غزة، وإساءة معاملة السجناء الفلسطينيين، وسلوكها في الأعمال العدائية في غزة. بعبارة أخرى، كانت غاية المراجعة هي حماية الحد الأدنى من المعايير الإنسانية في زمن الحرب وقد حددت بريطانيا التجاوزات المحتملة في الحالتين الأوليين، ولكنها لم تتمكن من التحديد القاطع لما إذا كانت إسرائيل تنتهك القانون في إدارة الحرب نفسها.

ولكن غزة جزء أصيل من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الأوسع في الضفة الغربية والقدس أيضا. وفي هذه الصورة الكبرى، يصعب تجاهل انتهاك إسرائيل المتسارع والفائق للقانون الدولي.

على مدار ستة عقود، تعثرت جهود التفاوض الرامية إلى التوصل للسلام، وبات الاحتلال الإسرائيلي يبدو بمنزلة قوة مدمرة. واستمر المجتمع الدولي المنهك في إصدار بيانات تدين المستوطنات باعتبارها عقبة أمام السلام، حتى باتت الكلمات روتينا. وقد ينسى الجمهور العالمي بسهولة أن المستوطنات ليست مجرد مظهر سيئ لسرقة الأراضي والتشريد والعنف الديني الأصولي في بعض الأحيان. ولكن المستوطنات المدنية في الضفة الغربية تمثل من منظور قانوني ضمًّا دائمًا لأراض تم الاستيلاء عليها في الحرب. وهذا تحديدًا ما حظره المجتمع الدولي، من أجل إزالة حوافز الحرب.

قبل وقت طويل من الحرب الحالية، مزقت حكومة نتانياهو في ديسمبر 2022 الحجاب عن الجهود الإسرائيلية القديمة الرامية إلى ضم الأراضي بحكم الأمر الواقع إذ حددت اتفاقيات الائتلاف العامة الحق الحصري في تقرير المصير لليهود في أرض إسرائيل ــ ومنها «يهودا والسامرة». وتأسس منصب وزاري خاص لنقل سلطات الحكم من هيئة عسكرية مؤقتة إلى جناح مدني في الدولة، وهذه علامة بيروقراطية وقانونية على الحيازة الدائمة.

منذ أكتوبر 2023، بلغ وضع الفلسطينيين المادي في الضفة الغربية أدنى مستوياته. فقد ألغت إسرائيل فورا تصاريح العمل لنحو مائة وستين ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربية يعملون في إسرائيل أو في المستوطنات فأدى ذلك إلى خفض الدخول وزيادة البطالة بنحو الثلث وحجبت إسرائيل أيضا عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، ونتيجة لهذا خفضت السلطة الفلسطينية رواتب القطاع العام إلى النصف. وعانت البنية الأساسية جميعها، حتى توافر المياه، ليصل إلى مستوى الأزمة في غزة، ولكن هناك أيضا نقص فلسطيني شامل تأثرت به بعض مدن وبلدات الضفة الغربية، وحتى الأحياء الفلسطينية في القدس.

ومع انهيار السلطة الفلسطينية، ظهرت جماعات ميليشيات فصائلية، وارتكبت أعمال عنف ضد إسرائيليين، إلى جانب تزايد عنف الجيش الإسرائيلي والمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، وهذا كله قبل السابع من أكتوبر.

وبعد أكتوبر 2023، بدا أنها مسألة وقت فقط قبل أن ترى إسرائيل حاجة إلى استخدام القوة الساحقة لقمع التهديد.

وأخيرا، في الشهر الماضي، يبدو أن فلسطينيا من الضفة الغربية فجر نفسه عن طريق الخطأ في أثناء تحضيره قنبلة انتحارية كان ينوي قتل مدنيين بها في تل أبيب فتوغلت القوات الإسرائيلية في الثامن والعشرين من أغسطس في عدة بلدات ومخيمات للاجئين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية. وأطلق الجيش على هذه العملية اسم «عملية المخيمات الصيفية»، وهي أوسع الحملات نطاقا منذ أكثر من عشرين عاما.

وفي يوم الجمعة، تردد أن الجيش الإسرائيلي غادر جنين بعد تسعة أيام مما وصفه البعض بالحصار. لكن لا أحد يجزم بما إذا كانت العملية ستنتهي حقًا أم لا فإسرائيل بارعة في السماح للقتال العنيف بالتوقف، مع إبقائها على قبضة عسكرية قوية ــ وقد يستمر ذلك أحيانًا لسنوات، كما في حالة احتلالها لجنوب لبنان لمدة ثمانية عشر عامًا بعد غزو عام 1982، وكما سيكون الحال على الأرجح لمستقبل غزة. وفي الضفة الغربية، كان الجيش الإسرائيلي يسيطر بالفعل على «المنطقة ج» أي 60% من أراضي السلطة الفلسطينية، استنادا إلى اتفاقيات أوسلو. ويبدو أن العملية الأخيرة تهدف إلى دفع القوات إلى مناطق خاضعة اسميا لسيطرة السلطة الفلسطينية، وجعل الانسحاب الجزئي يبدو وكأنه تقدم. ولكن كل دفعة جديدة، بذريعة مشروعة تتمثل في القضاء على التهديدات «الإرهابية»، تعزز الهدف الذي لم تخفه حكومة نتانياهو قط: وهو السيطرة الكاملة والسيادة الدائمة على الضفة الغربية بالكامل.

ولن تتوقف إسرائيل عند هذا الحد. فثمة وزراء رئيسيون يتنعمون باحتمال السيطرة على غزة أيضا. فقد دعا إيتامار بن غفير، وزير الأمن القومي، إلى إعادة إنشاء المستوطنات اليهودية في غزة، وإلى الضغط على الفلسطينيين لمغادرتها لتحقيق هذا الغرض. وقد أنشأ نواب ينتمون إلى أقصى اليمين كتلة في الكنيست لتعزيز دعوته ويقيم نشطاء مجتمعات ناشئة بالقرب من سياج غزة في انتظار اليوم الذي يمكنهم فيه عبوره. كما أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وهو قومي متطرف آخر، يدعو منذ يناير إلى تولي جيش الدفاع الإسرائيلي توزيع المساعدات الإنسانية، ليكون ذلك نواة حكومة عسكرية مستقبلية. ثم ظهرت تقارير في الأسبوع الماضي تفيد بأن نتانياهو أصدر تعليماته للجيش بالاستعداد لتوزيع المساعدات في غزة.

قد يكون المنتقدون في اليسار محقين في أن تعليق عدد صغير من تراخيص تصدير الأسلحة البريطانية غير كاف لإيقاف أجندة إسرائيل الأوسع. فقد فشلت عقوبات أشد في الحد من تصرفات أنظمة حكم من قبيل إيران أو روسيا.

لكن في المقابل، ينبغي لمن يهاجمون المملكة المتحدة لاتخاذها إجراءات لتقييد قرارات إسرائيل الأكثر خطورة أن يتحدوا حكومة نتانياهو لكي تتخلى عن إستراتيجيتها المشؤومة الواسعة النطاق.

داليا شيندلين محللة سياسية ومؤلفة كتاب «ديمقراطية إسرائيل المعوجة».

عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة المملکة المتحدة حکومة نتانیاهو فی غزة

إقرأ أيضاً:

لافروف: إسرائيل تُخطط لطرد الفلسطينيين من غزة والسيطرة على الضغة الغربية

صرح وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلاله مشاركته في منتدى فالداي للحوار في موسكو، بأن مصر وقطر لعبتا دورا أساسيا في التوصل إلى اتفاق وقف اطلاق النار في غزة، مشيرا إلى ضرورة عدم نسيان دور الإدارة الجديدة في البيت الأبيض.

 

وأضاف لافروف: "لقد تلقينا إشارات تفيد بأن هناك مشاكل ستنشأ مع المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وربما بدأت هذه المشاكل بالفعل، لأن الرسائل التي ترسلها الدوائر الحاكمة في إسرائيل، مفادها بأنها ليست راضية تماما عن إيفاء حماس بالتزاماتها في المرحلة الأولى، وأنها لا تستبعد أي شيء بسبب ذلك".

 

مردفًا: "هناك تسريبات موثوقة كثيرة تشير إلى أن خطط إسرائيل التي تشمل، بالإضافة إلى طرد الفلسطينيين من قطاع غزة، تشمل السيطرة الكاملة على الضفة الغربية لنهر الأردن".

 

حركة فتح: الاحتلال الإسرائيلي يمارس أبشع الجرائم في الضفة الغربية


قال المتحدث باسم حركة فتح الدكتور ماهر النمورة، إنه يجب على المجتمع الدولي التدخل لوقف جرائم الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية، مؤكدا في الوقت ذاته صمود الشعب الفلسطيني على كامل أرضه ورفضه المساس بحقوقه من خلال التهجير وتمسكه بحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

 

وحسبما أبرزت "قناة القاهرة الإخبارية" أضاف النمورة: " الاحتلال الإسرائيلي يمارس أبشع الجرائم في الضفة الغربية، ولاسيما في جنين وطولكرم، حيث يتعرض الفلسطنيون للعدوان المستمر منذ أسابيع، بالإضافة إلى سقوط عشرات الشهداء أمام مسمع ومرأى العالم أجمع".

 

ودعا المتحدث باسم فتح جميع الجهات الدولية ومجلس الأمن والأمم المتحدة إلى ممارسة ضغوطات تجاه الاحتلال الإسرائيلي، لوقف هذه الجرائم المستمرة منذ عدة أسابيع في شمال الضفة الغربية.

 

وحول الإجراءات والنقاشات التي تدور داخل حركة فتح للتصدي لهذا التصعيد الإسرائيلي على الضفة الغربية، قال النمورة "هناك اتصالات مستمرة مع السلطة الفلسطينية لدراسة الأوضاع التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في محافظات الضفة الغربية، وكذلك استمرار الحصار على أهالي قطاع غزة من أجل إيصال رسالة للعالم أجمع أن الاحتلال الاسرائيلي لن يتوقف عن ممارسة هذه الجرائم".

 

مقالات مشابهة

  • "أطباء بلا حدود" تدين تصعيد هجمات إسرائيل بالضفة الغربية
  • عمرو خليل: الإبادة الجماعية للفلسطينيين هدف حكومة الاحتلال الإسرائيلي
  • بشير عبدالفتاح: إسرائيل لن تتنازل عن الضفة الغربية
  • الاحتلال الإسرائيلي يواصل عدوانه على شمال الضفة الغربية
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يقتل 55 فلسطينيا ويعتقل 380 بالضفة الغربية
  • لافروف: إسرائيل تُخطط لطرد الفلسطينيين من غزة والسيطرة على الضغة الغربية
  • حركة فتح: الاحتلال الإسرائيلي يمارس أبشع الجرائم في الضفة الغربية
  • لافروف يكشف نوايا إسرائيل تجاه الضفة الغربية
  • الجيش الإسرائيلي يتأهب لسيناريو أمني خطير في الضفة الغربية
  • ترامب: سنناقش مع نتنياهو ضم أجزاء من الضفة الغربية إلى إسرائيل