الأسس الدينية القديمة التى شكلت للبشرية منظومة الأخلاق وحددت لها معالمها، توشك على الانهيار أو هى فى طريقها إلى ذلك. ومن الموضوعية القول بأن الصرح الذى شيدته الأجيال فوق هذه الأسس قد أصبح يواجه خطر الانهيار الحقيقى. يرى البعض أن الانهيار الشامل للسلوك الأخلاقى بعيد الاحتمال جدًا، لأن المجتمع الذى يحدث به وله مثل هذا الانهيار لن تقوم له قائمة بعد ذلك.
الجميل والرائع فيما ورد بالفصل الأخير لكتاب «ولتر ستيس» قوله بأن الأخلاق ترتبط أشد الارتباط بحرية الإرادة، وما لم تكن هناك حرية إرادة فلن تكون هناك أخلاق، لأن الأخلاق تتعلق بما ينبغى أو لا ينبغى على الناس القيام به. ما لم تكن للإنسان حرية الاختيار فيما يفعل، وإذا كان سلوكه باستمرار يتم عن طريق الجبر فلن يكون هناك معنى ولا منطق لأن نقول لهذا الإنسان المجبر على الفعل، ما كان ينبغى عليك أن تسلك على هذا النحو.
هناك ارتباط عضوى حقيقى بين التطور والأخلاق، وبين الاثنين وحرية الإرادة. الأمم الحرة أو التى يملك أفرادها حرية إرادتهم ستتمسك بالكثير من الأخلاق التى تقوى من عرى هذه الأمة أو هذا المجتمع، وبالتالى سيندفع الناس للأمام بإرادة حرة وفكر جديد وقادر على التجدد باستمرار.. ثقافة العبودية والإجبار والقهر تخلق أممًا ميتة «جينيا»، تميل للهروب نحو ما يطيب لنفسها من الماضى البعيد الذى فى العادة يكون أقرب للأساطير والأوهام منه للواقع. باختصار العبد والمجبر ليس مسئولًا أخلاقيًا عن أفعاله، وإذا كان الله سيحاسبنا على ما فعلنا فإنه نفسه كخالق يسلم بحقنا فى إرادتنا الحرة، وإلا كيف يحاسبنا على ما أجبرنا هو عليه.
على مدى تاريخ مصر الممتد من آلاف السنين، لم ينعم المصرى بامتلاك حرية إرادته، وانعكس هذا الواقع على ضعف المعايير الأخلاقية الجمعية لدى الناس. أيضًا هناك منطقة عازلة تزداد اتساعًا بين ظاهر الإيمان وحقيقة العمل- بمعنى أننا ربما نكون من أكثر الأمم والمجتمعات كلامًا عن الأخلاق، ومن أقلها ممارسة لها. الخطاب الدينى فى مصر سواء من مؤسسات رسمية أو غير ذلك هو خطاب فى الغالب مضلل، ولا يربط الظواهر بمسبباتها، ويمارسه فى الغالب تجار أديان.. أيضًا الخطاب السياسى هو خطاب فوقى بامتياز، لا يلتفت إلى حق الناس فى الإرادة الحرة، بل يعتبر من مسوغات استمراريته وقوته الحرمان الجمعى من أبسط صور حرية الإرادة، ومن هنا يظل التخلف فى أبشع صوره هو الحقيقة الوحيدة المميزة للتاريخ.
المصدر: بوابة الوفد
إقرأ أيضاً:
المفتي: الأخلاق بلا دين لا يمكن أن تكون بديلاً حقيقيا
شدد الدكتور نظر عياد، مفتي الديار المصرية، على أن القيم وحدها لا يمكن أن تكون بديلاً عن الدين، موضحا أن الأخلاق، عندما تكون مؤسّسة على الدين، تكون أكثر استقراراً وفاعلية في الحياة اليومية، وذلك لأنها تستند إلى إيمان بالله تعالى، مما يجعلها ثابتة وقابلة للتطبيق على جميع الأصعدة.
وأشار مفتي الديار المصرية، خلال حوار مع الدكتور عاصم عبد القادر، ببرنامج "مع المفتي"، على قناة الناس، اليوم الجمعة، إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع السائل الذي سأله عن الطريق إلى الإسلام، حيث أجابه النبي: "قل آمنت بالله ثم استقم"، لافتا إلى أن الاستقامة، وهي تجسيد للأخلاق الحميدة، مبنية على الإيمان بالله، ولذلك فإن الأخلاق التي لا تستند إلى الدين قد تكون عرضة للتغيير والتلاعب، من خلال ذلك، يمكن للبعض تبرير سلوكياتهم أو الاعتراض عليها دون وجود مرجعية دينية ثابتة، وهو ما يجعل القيم المجردة من الدين غير قادرة على إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع.
المفتي: العقل هو ركيزة الفَهم الصحيح للإسلام وعصارة التفاعل بين الوحي والواقع المفتي: المساكنة سلوك شاذ ولا يقبله عاقلكما استشهد بموقف فريد في عصر الخليفة عمر بن الخطاب، حينما كانت فتاة صغيرة تقول لأمها "إن أمير المؤمنين لا يرانا"، فردت الأم بأنها تقول "لكن الله يرانا"، في تأكيد على أهمية الرقابة الذاتية التي تربيها القيم الدينية في النفس البشرية، مضيفا أن الدين يعمل على تهيئة النفس البشرية ليكون لديها الاستقرار والثبات في الأخلاق.
وأردف مفتي الديار المصرية أن الدين يخلق في الإنسان الحس بالمسؤولية عن تصرفاته، وأنه في العديد من المواقف التاريخية نجد أن الأشخاص يتذكرون مراقبة الله لهم في لحظات اتخاذ القرارات، مما يدفعهم للابتعاد عن الأخطاء، موضحا أن القضاء بلا دين سيكون عبثًا، حيث قد يصبح جافًا ومجردًا من الرحمة، ويبحث فقط عن المصلحة الظاهرة، وهو ما لا يمكن أن يبني أمة أو حضارة.
وأكد أن الدين هو الذي يضمن للإنسان سلوكًا أخلاقيًا متوازنًا، حيث لا يكون الإنسان مجرد مخلوق يبحث عن منفعة ذاتية، بل يسعى لتحقيق الخير والعدل استنادًا إلى قيمه الدينية.
وتبث قناة الناس عبر تردد 12054رأسي، عدة برامج للمرأة والطفل وبرامج دينية وشبابية وثقافية وتغطي كل مجالات الحياة