عن ضرورة التسامح والتنوع الدينيين
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
د. هيثم مزاحم **
الأديان والمذاهب كثيرة، لكن ما يجمعها هو حب الله، أو كما يقول الإمام محمد الباقر: "هل الدين إلاّ الحب؟". لكن الواقع العربي والإسلامي اليوم يفتقد إلى الحب الذي هو جوهر العلاقة بين الله والإنسان، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، بينما يحل مكانه الكره والعنف باسم الدين وفي سبيل التقرّب إلى الله.
لكن الصراعات المذهبية والطائفية التي تسود العالم الإسلامي اليوم ليست ظاهرة فريدة أو جديدة، فقد عرف العالم الإسلامي سابقًا بعض هذه الصراعات التي كانت ذات بعد مذهبي أو طائفي أو كانت سياسية وسلطوية ولكن تم استخدام الغطاء الديني والطائفي كإطار للتعبئة والحشد لدعم هذا السلطان أو ذاك النظام.
الغرب المسيحي عرف بدوره صراعات وانقسامات طائفية بين الكاثوليك والأرثوذكس ثم بين الكاثوليك والبروتستانت، أفضت إلى حروب طاحنة في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا أسفرت عن مقتل ملايين الأشخاص حيث سقط في ألمانيا وحدها خلال حرب الثلاثين عامًا (1618-1648) بين البروتستانت والكاثوليك أكثر من ستة ملايين شخص، وهبط عدد سكان ألمانيا من 20 مليونًا إلى 13.5 مليون نسمة. ولم تتوقف الحرب حتى وقعت اتفاقية وستفاليا للسلام العام 1648، وكان من أبرز بنودها الاعتراف بحرية الاعتقاد والعبادة للبروتستانت.
واقترح الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في القرن السابع عشر نظرية مفصلة لفكرة التسامح، اشتملت على مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة والذي شكّل الحجر الأساس لمبادئ الديمقراطية الدستورية. وكان قانون التسامح البريطاني للعام 1689 حصيلة للجهود الفكرية والسياسية المبذولة حول فكرة التسامح. لكن انتشار الفكر العلماني وفصل الدولة عن الكنيسة في أوروبا قد حدثا فعليًا في القرن التاسع عشر ونتيجة للثورة الفرنسية سنة 1789. وقد ساهمت سيادة العلمانية في الغرب في ترسيخ أسس الدولة المدنية ومفاهيم المواطنة والقانون وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وبينها حريات الدين والاعتقاد والعبادة. لكن، على الرغم من الحريات الدينية التي كفلها الدستور الأميركي عام 1788، لم يقدر الكاثوليك واليهود على التمتع الفعلي بها في الولايات المتحدة حتى القرن العشرين.
إذن.. يمكن القول إن الغرب تمكن من تجاوز مشكلاته الطائفية وصراعاته الدموية، وذلك من خلال مبادئ العلمانية والليبرالية والديمقرطية، وخصوصًا الحريات الفكرية والسياسية والتسامح الديني وقبول الاختلاف واللجوء إلى الوسائل السلمية والديمقراطية في صراعاته السياسية وحسم الخلافات داخل المجتمعات والدول.
ولعلّ من بين أهم أسباب الصراعات الطائفية والمذهبية في العالم العربي والإسلامي اليوم هو الإيمان بحصرية الحق والحقيقة المُطلقة، وعدم قبول الاختلاف وعدم احترام التعددية الدينية، وذلك انطلاقًا من تفسير للنصوص الدينية يعزز هذه الحصرية وينفي وجود إمكانية لوجود الإيمان والحقيقة لدى الأديان والمذاهب الأخرى.
وادعاء حصرية الحق وتكفير وشيطنة الآخرين دعوة يقول بها معظم رجال الدين وأتباع الديانات السماوية والمذاهب الإسلامية. يستند بعض المسلمين إلى تفسير آية "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (آل عمران: 85)؛ ليؤكدوا هذه الحصرية وينفوا إمكان وجود الحق والهداية عند الديانات السماوية الأخرى، وذلك في ما يبدو تعارضًا أو نسخًا لآيات تقول بالتعددية الإيمانية ومنها الآيات التالية: "إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ واليَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون" (البقرة: 62)، و"إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (المائدة: 5)، و"إِنَّ الذِينَ آمَنُوا والذِينَ هَادُوا والصَّابِئِينَ والنَّصَارَى والمَجُوسَ والذِينَ أَشْرَكُوا إنَّ اللهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَومَ القِيَامَةِ إنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيد" (الحج: 17).
وظاهر آية "وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا" القول بحصرية الإسلام كدين وصراط للنجاة في الآخرة والوصول إلى الله، لكن تفسير الآية، بحسب سبب نزولها، لا يفيد معناها الظاهري. فقد ذكر بعض المفسّرين أن هذه الآية نزلت في اثني عشر من المنافقين الذين أظهروا الإيمان، ثمّ ارتدوا وخرجوا من المدينة إلى مكّة، فنزلت الآية وأنذرتهم بأنه من اعتنق غير الإسلام فهو من الخاسرين.
أما الآيات الأخرى التي تصف المؤمنين بالله واليوم الآخر من الديانات الأخرى بأن لهم أجرًا إذا عملوا صالحًا ولا خوف عليهم في الآخرة، فظاهرها يفيد قبول القرآن بالتعددية الدينية. ولكن بعض المفسرين يرون أن المقصود بالمؤمنين السابقين على دعوة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وليس الذين عاشوا زمن نبوته أو بعدها، في تأكيد على حصرية الإسلام كدين الله الأوحد والصراط المستقيم للنجاة يوم القيامة.
أما داخل الإسلام، فتقوم حصرية الهداية والنجاة باتباع مذهب واحد أو فرقة ناجية واحدة، كل مذهب وكل فرقة تدعي أنها المختارة استنادًا إلى الحديث المنسوب إلى النبي: "لتفترقنّ أمتي على ثلاث وسبعين، فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار"، والذي تلقاه بعض المسلمين بالقبول بغض النظر عن سنده ومضمونه. والحديث ورد بصيغ مختلفة لا تخلو من تضارب. وقد ذهب الإمام محمد بن علي الشوكاني (ت 1250ه) إلى عدم صحة الحديث سندًا ومتنًا. كما كتب الباحث عبدالله السريحي دراسة بعنوان "حديث افتراق الأمة" أوضح فيها أن هذا الحديث موضوع لعدم صحة إسناده، وعدم صحة متنه لمعارضته لكثير من قواعد الإسلام، ومع النصوص القطعية المعارضة له.
ما قصدتُ قوله إنَّنا كمسلمين وعرب نحتاج إلى نظرية دينية تعددية تقبل الاختلاف والتعدد الإيماني ولا تكفّر المختلف في الدين والمذهب، وذلك انطلاقًا من إعادة قراءة للنصوص (القرآن والسنّة) وخصوصًا الآيات القائلة بالتعدد والتسامح الديني من جهة، وتوافق المسلمين على مختلف مذاهبهم بإسلام من شهد الشهادتين ولو لفظًا وحرمة دمه وماله وعرضه من دون الحاجة إلى شق قلبه واختبار إيمانه وبحث تفاصيل عقائده وفقهه لتكفيره، من جهة أخرى، انطلاقًا من عقيدة إرجاء الأمر إلى الله تعالى ليفصل في ذلك يوم القيامة.
فالله سبحانه وتعالى هو الحق وهو الذي خلق التنوع والتعدد إذ يقول في كتابه الكريم: "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين" (هود: 118)، و"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات: 13). فهو يصرّح بأنه أراد خلق هذا التنوع في الجنس والشعوب والقبائل والأمم والأديان، وإلا لكان خلق الناس من جنس واحد أو عرق واحد أو شعب واحد أو جعلهم كلهم من دين واحد.
يقول الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي في هذا الصدد:
"لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي.. إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صارَ قلبي قابلًا كلَ صُورةٍ .. فمرعىً لغزلانٍ ودَيرٌ لرُهبانِ وألواحُ توراةٍ ومصحفُ قرآن
أدينُ بدينِ الحبِ أنّى توجّهتْ ركائبهُ، فالحبُّ ديني وإيمَاني".
بينما يقول الشاعر والعالم الصوفي جلال الدين الرومي في وصف الدين الحقيقي: إن ملّة العشق قد انفصلت عن جميع الأديان؛ فمذهب العشاق ومِلتهم هو الله.
** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية - لبنان
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
نائبًا عن الإمام الأكبر.. رئيس جامعة الأزهر يشارك في مؤتمر مكافحة كراهية الإسلام بجامعة الدول العربية
شارك الدكتور سلامة جمعة داود، رئيس جامعة الأزهر، نائبًا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في فعاليات المؤتمر الدولي لمكافحة كراهية الإسلام الذي عقد في جامعة الدول العربية تحت شعار: "الإسلاموفوبيا: المفهوم والممارسة في ظل الأوضاع العالمية الحالية" بحضور الدكتورة نهلة الصعيدي، مستشار فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر لشئون الوافدين، والدكتور خالد عباس، عميد كلية اللغات والترجمة، والدكتورة أنوار عثمان، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر.
ونقل رئيس جامعة الأزهر للحضور تحيات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حفظه الله تعالى، وأشار إلى أن الإسلاموفوبيا تعني خوف البعض من الإسلام وكراهيته، وهو خوف على غير أساس؛ نتج عنه ممارسات بالتمييز والإقصاء، ويطوي وراءه أيضًا إدانةَ الإسلام وتاريخه، وإنكارَ وجودِ المعتدلين من المسلمين مع أنهم هم الأغلبية، والتعصبَ الأعمى ضد الإسلام والمسلمين؛ ونتج عنه أيضا التصدي للصراعات التي يكون المسلمون طرفا فيها على أنهم السبب في هذا الصراع، ونتج عنه أيضًا شن الحرب ضد المسلمين.
وبيَّن رئيس جامعة الأزهر أن بداية استخدام هذا المصطلح كان في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين، ولكنه كثر وشاع بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن من أهم وسائل مكافحة الإسلاموفوبيا دمج المسلمين في المجتمعات التي يعيشون فيها بحيث يكونون أفرادًا فيها ويشعرون أنهم مواطنون لهم ما لأهل البلاد التي يعيشون فيها وعليهم ما عليهم، وليسوا أقليات منبوذة، مشيرًا إلى أن هذا الدمج يخول لهم المشاركة في الحياة السياسية في الغرب، ويكون لهم دور مؤثر في تنمية مجتمعاتهم وينخرطون في الحياة العامة، وأن يصبح لهم وزن في الحياة.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن هذا الدمج من شأنه أن يجعلهم قوة لهذه البلاد التي يأمنون فيها على أنفسهم وأولادهم وأموالهم، وأن يطرد عنهم الشعور بكثير من المعاني السلبية التي تبعث في نفوسهم الاضطهاد والكراهية وأنهم غير مرغوب فيهم في هذه البلاد، وهذا الدمج أصل أرسى دعائمه الإسلام ونزل به قرآن يتلى إلى يوم القيامة، قال الله جل وعلا: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ (الممتحنة 8)، ذكرت الآية الكريمة أن من يعيش معكم أيها المؤمنون في أوطانكم أو في غيرها في أمن وسلام، ولم يقم بالاعتداء عليكم وقتالكم ولم يخرجكم من دياركم فعليكم العيش معهم في سلام وعليكم برّهم ومودتهم والتعامل معهم بالكرم والإحسان، وهذا أصل عظيم وضعه القرآن الكريم في تعامل المسلمين مع غيرهم ممن ليسوا على دينهم ولم يقوموا بالعدوان عليهم، ولا تجد أوسع من كلمة «البر» بما تنطوي عليه من جميع خصال الخير والإحسان والمودة والرحمة؛ وليس هذا دمجًا لهم في المجتمع فقط، بل يزيد على ذلك إحسان المعاملة وتبادل المشاعر النبيلة التي تبني جسور المودة فتذوبُ معها وتتلاشى هذه الكلماتُ البغيضة التي صارت مصطلحات ثابتة في اللغات العالمية؛ مثل: «التمييز العنصري» و«كراهية الآخر» و«الفوبيا» أو «الخوف والذعر من الآخر»، إلى آخر هذه العائلة البغيضة الكريهة من المصطلحات التي عشنا معها سنوات طويلة حتى ألفناها على الرغم من نكارتها وما فيها من إشعال نيران الكراهية التي توقد الحروب وتحرق أغصان السلام.
كما أوضح رئيس جامعة الأزهر أن صحيفة المدينة المنورة تعد أول دستور مدني في تاريخ المسلمين؛ فقد هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة وكان يسكنها قبيلتا الأوس والخزرج، وكانت بينهما حروب لا تنقطع، فلما آمنوا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ودخلوا في الإسلام ونصروا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سماهم: «الأنصار»، وهناك ثلاث قبائل من اليهود كانت تسكن المدينة؛ وهم: بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع، فكتب -صلى الله عليه وسلم- صحيفة المدينة لتنظم علاقة المسلمين بغيرهم من اليهود وتحقق التعايش السلمي بين سكانها، وكان من بنودها: «أنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصَر عليهم، وأن على اليهود نفقتَهم وعلى المسلمين نفقتَهم، وأن بينهم النصرَ على من حارب أهلَ هذه الصحيفة، وأن بينهم النصحَ والنصيحةَ والبرَّ دون الإثم» وبهذا دمج الرسول -صلى الله عليه وسلم- اليهود ليعيشوا مع المسلمين في المدينة في سماء واحدة تظلهم، وفي ظلال النصح والنصيحة والبر، حتى نقضوا العهد وظاهروا المشركين في قتالهم ضد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدارت الدائرة عليهم وأخرجوا أنفسهم من ديارهم.
وعدد رئيس جامعة الأزهر أن من أهم وسائل مكافحة الإسلاموفوبيا وضع منصات تخاطب الإعلام والتعليم في المجتمعات الغربية يكون هدف هذه المنصات تصحيحَ المعلومات المغلوطة التي تنتشر في الإعلام والتعليم الغربي عن الإسلام والمسلمين، وإمدادهم بالمعلومات الصحيحة عبر برامج هادفة؛ فإن ما لا يقل عن 75% من الإعلام الغربي موجه بشكل واضح ضد الإسلام والمسلمين.
وأشار رئيس جامعة الأزهر إلى أن الإسلام تعرض لحملات جائرة في الغرب أدى إلى خوف غير مبرر من الإسلام والمسلمين، والتصدي لهذه المعلومات لتصحيح صورة الإسلام والمسلمين ينبغي أن يكون بالحجة والحكمة والموعظة الحسنة والاعتماد على الحقائق والأساليب الإبداعية غير التقليدية من الفنون والمعارض وغيرها ليكون لها صدى مؤثر في الإقناع؛ وهذا الأمر ليس سهلًا؛ بل يحتاج إلى إرادة وعزم وجهد كبير وصبر طويل واستمرار.
وقال رئيس جامعة الأزهر: إن فضيلة الشيخ محمود شلتوت -رحمه الله- كان يرى أنه على الرغم من انتشار الإسلام عبر القرون المتطاولة فإن الغربيين في أوروبا وأمريكا من أهل الفترة؛ لأن الإسلام لم يصل بعضهم أو وصلهم بصورة مغلوطة غير صحيحة فلم يؤمنوا به، وأن من يصله الإسلام منهم بصورة صحيحة ويكون أهلًا للفهم فإنه يدخل فيه عن حب وطواعية واختيار.
وبيَّن رئيس جامعة الأزهر أن من أهم وسائل مكافحة الإسلاموفوبيا نشر النماذج الإيجابية للتعامل الحسن والإيجابي للغربيين مع الإسلام، كما في النمسا وبلجيكا؛ ففي النمسا اعتراف دستوري واضح بالإسلام؛ حيث يتم تدريسه كأحد الأديان الرسمية للدولة، كما أن بلجيكا اعترفت بالإسلام كثقافة من ثقافات المجتمع مما يسمح بتعليم قواعد الدين الإسلامي، بجانب ذلك فإن من أهم وسائل مكافحة الإسلاموفوبيا جمع الجهود الكثيرة للمسلمين في مواجهة هذه الظاهرة تحت مظلة واحدة، وتوحيد هذه الجهود؛ لأن هناك حالة من الانفصام وعدم الربط بين أصحاب الجهود المقاومة لظواهر الإسلاموفوبيا بحيث يعمل كل منهم بصورة منفردة، فإذا أمكن جمعُها أمكن الاستفادة منها بصورة أفضل، وأمكن التنسيق وتوزيع المهام والأدوار بشكل أفضل بما يحقق نجاحا أكبر في مكافحة الإسلاموفوبيا.
كما أوضح رئيس جامعة الأزهر أن حاجتنا إلى أن نفهم الآخرين مثلُ حاجة الآخرين إلى أن يفهمونا، وهذا الفهم هو السبيل إلى إقامة جسور من الحوار والتعارف كما قال ربنا: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13).
وأقتبس كلمة فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الإسلاموفوبيا: «إن هذه الظاهرة لم تكن إلا نتاجًا لجهل بحقيقة هذا الدين العظيم وسماحته، ومحاولات متعمدة لتشويه مبادئه التي قوامها السلام والعيش المشترك، وتلك نتيجة طبيعية لحملات إعلامية وخطابات يمينية متطرفة، ظلت لفترات طويلة تصور الإسلام على أنه دين عنف وتطرف، في كذبة هي الأكبر في التاريخ المعاصر؛ استنادًا لتفسيرات خاطئة واستغلال ماكر خبيث لعمليات عسكرية بشعة اقترفتها جماعات بعيدة كل البعد عن الإسلام، وكيف لهذا الدين الذي هدفه العدل والإنصاف أن ينقلب إلى دين يدعو إلى التطرف والإرهاب والعنف والدماء؟ أليس من حق هذا الدين أن يسمى باسمه الحقيقي الذي أراده الله -تعالى- له في الآية السابقة، وهو دين التعارف والتسامح والرحمة والتعاون؟».
واستعرض رئيس الجامعة جهود الازهر الشريف في نشر الوسطية والاعتدال قائلًا: إن الأزهر الشريف هو منبر الوسطية والاعتدال يقوم على نشر الدين الإسلامي بتعاليمه الصحيحة، والحوار بين الأديان وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وجعل الأزهر الشريف ذلك في مناهجه الدراسية، وأنشأ مرصد الأزهر باللغات الأجنبية لمكافحة التطرف ونشر الفهم الصحيح للإسلام، ومن مفاخره تلك الوثيقة المهمة، وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان، واعترفت بها الأمم المتحدة، وأنشأ بيت العائلة المصري بالتعاون مع الكنيسة المصرية لتعزيز الوحدة الوطنية في مصر، وغير ذلك من الإسهامات المهمة في نشر ثقافة التسامح والتعايش السلمي مع الآخرين.
واستنكر رئيس جامعة الأزهر أن يعم السلام الاجتماعي هذا المجتمع العالمي الواحد وهناك شعب ضعيف مظلوم تم احتلال أرضه وقتلُ أبنائه وهَدْمُ مساجده وكنائسه على مرأى ومسمع من العالم كلِّه؛ واستشهد منه عشرات الآلاف أكثرهم من الأطفال والنساء الذين لا ذنب لهم، وجرح منه عشرات الآلاف، ودُمِّرَت دوره ومستشفياته ومدارسه وجامعاتُه وتعرض لإبادة جماعية؟ إنه الشعبُ الفلسطيني في محنته التي يعيشها ويصطلي بلظاها ليلًا ونهارًا، والتي تشهد أن العدوان على المسلمين ومقدساتهم هو منطق القوة المتغطرسة التي يعامل بها المسلمون، قال تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج 39 ، 40).