صرخات من الضفة لإنقاذ التعليم ومستقبل الأطفال في غزة
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
رام الله- "أدهم ولارا" شقيقان نجحت عائلتهما برفقة طواقم الدفاع المدني في استخراجهما من تحت أنقاض بيتهما المدمر في جباليا بعد أيام من اندلاع الحرب في غزة، أدهم الذي كان قد بدأ عامه طالبا في الصف الأول، حزين على قرطاسيته التي لم يستطع إنقاذها من الركام.
كانت والدته قد اشترت له حقيبة جميلة وأقلاما وألوانا ودفتر رسم، وتقول "كان فرحا جدا بدخوله المدرسة، ولكن نفسيته تحطمت بعد أن قضى ساعات تحت ركام بيتنا، هناك ندوب في وجهه حتى الآن، وبالكاد يستطيع المشي على قدميه، أصبح عدوانيا ويصرخ باستمرار".
أما شقيقته لارا، التي كانت قد بدأت صفها الثالث، فتفيد أمها بأنها أصبحت ذات شخصية منعزلة وانطوائية، لا ترغب بالحديث مع أحد، وتؤكد أن الحرب ومشاهد الدمار والدماء تركت بصمتها في شخصية طفليها الاثنين.
حلم الدراسةوتتابع الوالدة "نسيا القراءة والكتابة وحتى الأحرف التي تعلماها، نرجو أن ترجع المدرسة، هذا حلمنا جميعا". وتضيف أن بعض الأهالي يرسلون أولادهم للحصول على دروس خاصة، وتؤكد "لو كنت أستطيع توفير تكاليف الحصص لأرسلتهما، ولكني أعاني في توفير طعامهم وحليب طفلتي الصغيرة ذات العام".
بدورها، إيمان أبو سليمة هي أم لـ7 أطفال؛ 3 في المدرسة واثنان في الجامعة، وشاب كان في الثانوية العامة عندما بدأ العدوان، وفجأة وجد نفسه يقف في طوابير الحصول على الماء والطعام، فقرر العمل ليساعد في توفير مصاريف عائلته وعدم الالتحاق بمقاعد الدراسة حال عودة التعليم.
تصف إيمان انقطاع أولادها عن الدراسة بمأساة حقيقية، وتقول إن وزارة التعليم الفلسطينية في رام الله "لم تفعل أي شيء مطلقا لإنقاذ مستقبل أولادنا، فقط مبادرات فردية هنا وهناك".
في الأثناء، وضع انطلاق العام الدراسي الجديد في الضفة الغربية، صباح اليوم الاثنين، مسألة إنقاذ التعليم في غزة على طاولة النقاش، فمن ينقذ مستقبل أطفالها؟
وحرمت الحرب الإسرائيلية على القطاع قرابة 700 ألف طالب وطالبة من مقاعدهم الدراسية، وأصبح مستقبلهم مرهونًا ببعض المبادرات التعليمية هنا وهناك.
المعلمة أسماء مصطفى من شمال غزة نزحت لأول مرة عن بيتها بعد اندلاع الحرب بأيام قليلة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أدمت قلبها مشاهد الأطفال الصغار في هذا العدوان وهم يجوبون الشوارع بيأس، يبحثون عن لقمة طعام أو شربة ماء. "كبروا كثيرا قبل أوانهم"، تقول أسماء التي لم تستغرق وقتا طويلا في التفكير حول ما ستفعله، وسرعان ما انطلقت بمبادرتها "كل يوم حكاية".
تعيش اليوم المعلمة نزوحها الثامن، تنزح وتنزح مبادرتها معها، فأينما حلت تنادي على الأطفال عبر سماعة صغيرة تحملها معها، وتوضح أنها تحاول التخفيف عنهم، وتذكرهم بأساسيات القراءة والكتابة والحساب، خوفًا من "تجهيل جيل كامل أنشأته الحرب".
وإلى جانب أكثر من 10 آلاف شهيد من الطلبة في غزة و15 ألف جريح، فإن مئات الآلاف فقدوا كتبهم وحقائبهم المدرسية الجميلة تحت الركام، وهُدمت مدارسهم وما تبقى منها أصبح مراكز إيواء للنازحين، وحُرموا من حقهم في التعليم الذي كفلته كل المواثيق الدولية والإنسانية.
تدخلاتوفي الوقت الذي انطلق فيه العام الدراسي بالضفة في وضع سياسي صعب وغير مستقر، فإن عام الحرب على غزة لا يزال مستمرا، مما يطرح السؤال حول الدور الذي لعبته وزارة التربية والتعليم لضمان حق الطلبة في الحصول على تعليمهم، ولو بالحد الأدنى.
يقول المتحدث باسم الوزارة، صادق الخضور، إن 700 ألف طالب وطالبة في الضفة توجهوا اليوم إلى مدارسهم، ويوجد 630 ألفا آخرون في غزة وإنهم بصدد ترتيب تدخلات لإنقاذهم. ويوضح "كان لدينا خطة مقررة من مجلس الوزراء لإنقاذ التعليم في غزة بعد انتهاء العدوان، ولكن أمده طال وستشرع الوزارة بتنفيذ ما يمكن من هذه الخطة".
وفي ظل تعاقب حكومتين على هذه الحرب، كان لا بد من السؤال عن دور كل واحدة؟، ووفق الخضور، وضعت الحكومة السابقة أطر هذه الخطة العامة ومعالمها، أما الحالية فجعلتها أكثر تفصيلا وشمولا ووضوحا، "أي أن هذه الخطة التي لم تر النور بعد، هي جهد تراكمي لحكومتين متعاقبتين".
وبشأن التدخلات، أضاف أنها تجمع بين الافتراضي والوجاهي، فهناك مدارس افتراضية جديدة في غضون أيام سيتم إطلاقها، وسيتم توفير المواد التعليمية "أوف لاين، وأون لاين"، ونقاط توزيع إنترنت بالتعاون مع شركات الاتصالات. أما عن التعليم الوجاهي، فأكد الخضور أن الوزارة بصدد تشكيل حاضنة لكل المبادرات الفردية والمؤسسية لتكون الخيط الناظم لها.
وبيّن الخضور أن الأولوية ستكون لطلبة التعليم الأساسي، حيث هناك 70 ألف طالب يُفترض أن تبدأ حياتهم المدرسية هذا العام. أما طلبة التوجيهي الذين لم يتقدموا لامتحان الثانوية العامة بعد وعددهم 39 ألفا، "فتبذل الوزارة قصارى جهدها لتمكينهم من إنجاز الامتحان والالتحاق بالجامعات في أقرب وقت ممكن وقبل نهاية 2024".
وأشار إلى أن 88 ألف طالب وطالبة جامعيين تأثروا بشكل كبير بهذه الحرب وهُدمت جامعاتهم، واستشهد العديد من محاضريهم المتميزين، وأن وزارة التعليم عملت على بعض التدخلات والمبادرات مع جامعات الضفة، وتبحث الآن المزيد من الخيارات والنفقات العملية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وناشد الخضور المؤسسات الأممية توفير حق طلبتهم في التعليم، مضيفا أن آخر إحصائية تبين أن 290 مدرسة من أصل 370 تعرضت لأضرار ما بين متوسطة وبالغة، فيما تُستخدم المدارس التي تعرضت لأضرار خفيفة كمراكز إيواء في غزة. ووفقا له، أصبح 3 آلاف طالب من ذوي الإعاقة نتيجة الحرب، إلى جانب استشهاد 400 من كوادر المدارس، و100 من كوادر الجامعات، وتضرر 31 مبنى جامعيا.
مبادراتمن جهتها، استبعدت المشرفة التربوية، نجلاء خصيب، عودة التعليم النظامي قبل انتهاء الحرب، "فلا يمكن الحديث عن ذلك إذا كان الطالب يعاني من الجوع والخوف وعدم الأمان، واحتياجاته الأساسية غير متوفرة".
وبرأيها، فإن الحل الأمثل في ظروف الحروب هو استخدام كل الوسائل الممكنة من أجل تعليم الأطفال مهارات حياتية بسيطة، تساعدهم على التفريغ النفسي وتعلّمهم القدرة على دعم الذات. وتقول إنه على الجهات الرسمية حصر قوائم بأسماء المعلمين الذين بإمكانهم تنفيذ مبادرات تعليمية في غزة، والإشراف عليها ودعمها قدر المستطاع.
كما تقترح إطلاق مبادرات أخرى افتراضيا يكون معلمو الضفة جزءًا منها بحيث يدرّسون بعض المواد الأساسية من خلال مجموعات، ويقدمون حصصًا للدعم النفسي والأنشطة التفريغية.
وأكدت خصيب ضرورة أن تقوم الوزارة بحلقات دعم نفسي لمعلمي غزة ومعلماتها تساعدهم وتوجههم للخروج من هذه الأزمة، وأن تأخذ مؤسسات القطاع الخاص والأهلي على عاتقها تنفيذ مبادرات تعليمية وتحاول توفير الاحتياجات الأساسية لدعم هذه المبادرات.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ألف طالب فی غزة
إقرأ أيضاً:
خبيرة استدامة: الإمارات تتبنى مبادرات مبتكرة للحد من هدر الطعام
تتبنى دولة الإمارات نهجاً رائداً في الحد من هدر الطعام عبر مبادرات حكومية ومجتمعية تهدف إلى تعزيز الاستدامة وتقليل الفاقد الغذائي، وتسعى لترسيخ ثقافة الاستهلاك المسؤول وتحفيز الأفراد والمؤسسات على تبني ممارسات تسهم في الحفاظ على الموارد الغذائية، وضمان استدامتها للأجيال القادمة.
وأكدت الدكتورة رفيعة القبيسي، خبيرة تنمية مستدامة، عبر 24، أن "غياب الثقافة المجتمعية بشأن الاستهلاك الأمثل للطعام هو السبب وراء ارتفاع نسبة الهدر، وتقليص هذه النسبة إلى الحد الأدنى يبدأ بتغيير ثقافة الإسراف، وغرس قيم حفظ النعمة خصوصاً في شهر رمضان، إذ أظهر تقرير مجموعة عمل الإمارات للبيئة أن الدولة تهدر قرابة 38% من الطعام المقدم خلال شهر رمضان، مما دفع الجهات المعنية إلى تكثيف التوعية المجتمعية وتنظيم حملات توعية عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية لنشر ثقافة الترشيد وتقليل الإسراف في الطعام، في الشهر الفضيل".
خفض الهدروقالت: "أوضح دليل الاستهلاك المستدام من فريق الاستدامة الإماراتي في تقريره الصادر في أبريل (نيسان) 2023 أن الدولة تشهد هدراً سنوياً لأكثر من 3.27 ملايين طن من الطعام، وهي كمية تكفي لإطعام أكثر من 7 ملايين شخص، وهذا الرقم يعكس التحدي الذي تواجهه الدولة، ويُنذر أن هذا الهدر له تأثيرات بيئية كبيرة".
ولفتت إلى أن "الإمارات تستهدف خفض هدر الغذاء للنصف بحلول 2030، بعدما وصلت التكلفة الاقتصادية السنوية للظاهرة 6 مليارات درهم، وتهدف إلى اعتبار النفايات موارد يمكن من خلالها توفير قيمة مضافة للاقتصاد المحلي".
وأضافت الفبيسي "من أبرز جهود الإمارات في هذا المجال، تفعيل "الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي"، التي أطلقتها الدولة في 2018، وتهدف إلى تطوير منظومة مستدامة لإنتاج وإدارة الغذاء مع التركيز على تقليل الفاقد والهدر الغذائي، كما أطلقت مؤسسة الإمارات بالتعاون مع مكتب الأمن الغذائي والمائي مبادرة "نعمة" التي تهدف إلى نشر الوعي بين الأفراد والمجتمع حول أهمية تقليل الهدر الغذائي وإعادة توزيع الفائض من الطعام إلى المحتاجين".
وأشارت إلى أن مبادرة "بنك الإمارات للطعام" تعزز من جهود الدولة في الحد من هدر الطعام، عبر جمع فائض الطعام من الفنادق والمطاعم ومحال السوبر ماركت وتوزيعه على الأسر المحتاجة والعمال في الدولة بدلاً من التخلص منه.
ونوهت إلى أن "الإمارات تشجع مشاريع إعادة تدوير النفايات العضوية عبر دعم الشركات لتحويل بقايا الطعام إلى سماد عضوي وطاقة متجددة، للحد من التأثير البيئي للنفايات الغذائية، وجميع ذلك يقع ضمن التشريعات والسياسات التي وضعتها الحكومة لحفظ الطعام والحد من الهدر.