الحوز خيمتنا.. الحوز نجمتنا.. نريد بيتا يعيد لنا دفئا فقدناه منذ عام
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
ملأ الكأس الورقي بقهوة سوداء من آلة صنع القهوة المثبتة خلف سيارة قديمة متهالكة، وحملها إلينا بيمينه، في وقت حملت فيه يسراه سيجارة من النوع الرخيص وقد بدت شبه محطمة عندما أخرجها من جيبه.
تقدم نحونا سي حسن بكوب القهوة، وجلس ينفث دخان سيجارته وهو يشير إلينا بعينيه إلى مكان ما هناك في أعالي الجبال، ويخبرنا أنه ترك أسرته هنالك في دوار إغيل ونزل إلى بلدة تلات نْيَعقوب بحثا عن رزق تائه في هذه البقاع التي هي على الأقل قريبة إلى الطريق الضيق الذي يقطع هذه البلدة الحزينة التي دمرها الزلزال قبل عام.
بدا حسن قصير القامة، وعلت وجهه سمرة تلوح وكأنها قبلة خاصة تحرص الشمس الحارقة بهذه الجبال على طبعها على وجوه السكان، وخاصة الشباب الذين لا يكادون يتوقفون عن العمل والحركة بين فجاج هذه التضاريس القاسية.
انطلق حسن يحدثنا عن إغيل وعما عاشته من معاناة لم تتوقف منذ عام، وبدأ يسرد مأساة عاشها سكان نحو 70 منزلا -هي كل ساكنة المدشر- منذ يومين فقط.
"ضربت عاصفة رعدية شديدة المكان، ونزل المطر بغزارة وعنف شديدين، مما دفع الجميع للهرب خارج خيامهم للنجاة بحياتهم وقد ارتسمت أمام أعينهم مأساة زلزال القرن"، يقول حسن.
"مهلا، هل تحدثت عن خيام؟ ألم يتم الانتهاء من بناء منازل بديلة عن تلك التي هدمها الزلزال؟"، نظر إلينا حسن ومعه صديقه إبراهيم نظرة استغراب من سؤال بدا بليدا منفصلا عن الواقع.
أجاب حسن "لا يزال الجميع تقريبا يعيشون داخل الخيام، فمعضلة البناء معضلة حقيقية لم تجد لها حلا سريعا كما كنا نأمل".
بالفعل عند دوار آزرو، بالقرب من تحناوت (نحو 34 كيلومترا جنوب مراكش)، فوجئنا بأن سكان الدوار يعيشون داخل خيام في منطقة بعيدة قليلا عن دوارهم المهدم ببطن الجبل، حيث منعتهم السلطات من العودة للعيش في ذلك المكان الخطر، وأكد لنا تاجر بسيط بعين المكان أن القرار كان حاسما بإبقاء السكان بعيدا عن الأماكن الخطرة التي عاشوا فيها بأمان قبل زلزال القرن.
وعند المرور من بلدة آسني، بدت الساحات التي كانت تملؤها الخيام قبل عام فارغة، وحين وصلنا إلى ويرغان (نحو 65 كيلومترا جنوبي مراكش) اكتشفنا وجود عمليات بناء لمنازل بشكل معقول يتناسب وحجم الدوار.
كما انتشرت، إلى جانب الخيام في بعض مناطق الحوز، البيوت شبه الجاهزة التي تتألف من هياكل تصنع في المعمل بحسب الطلب.
لكن هنا في ويرغان ينتهي الطريق الضيق المعبّد، ويبدأ طريق الجبل الضيق الحجري القاسي، ومع بدايته تنتهي معالم حركة البناء البطيئة، وعدنا إلى حيث توقفت عقارب الساعة العام الماضي، على الأقل هذا ما بدا لنا.
يحكي لنا إبراهيم، من بلدة تلات نيعقوب المدمرة، أن الدعم الذي تقرر تقديمه للسكان بغرض بناء منزل، شابته تحديات عديدة خلال التنفيذ، وعبّر عن أمله في أن تكثف السلطات جهودها للإسراع في إيجاد حلول.
تحديات شرحها لنا التاجر بالقرب من دوار آزرو، حيث قال لنا إن جل السكان هناك استفادوا من الدفعة الأولى فقط من الدعم، وقدرها 20 ألف درهم (نحو ألفي دولار)، لبناء أساس البيت، أو ما تعرف محليا بـ"الطبلة" (الطاولة)، على أن تقدم لهم الحكومة الدفعة الثانية من الدعم ليكملوا البناء بمجرد الانتهاء من "الطبلة".
"لكن كثيرين انتهوا من الطبلة ولم تصلهم بعد الدفعة الثانية، وليس لديهم أي مورد ينهون به بناء بيتهم، في انتظار وصول المال الموعود"، يشرح لنا محدثنا من تلات نيعقوب.
ويوضح لنا أحد سكان دوار أمزوزيت -فضل عدم الكشف عن اسمه- أن مشاكل التوصل بالدفعات معضلة حقيقية بالنسبة لأناس لم يعد لديهم أي مدخول منذ الزلزال، وجلهم يعتمد اعتمادا كاملا على الدعم الذي تقدمه الحكومة شهريا ويعادل 2500 درهم (نحو 250 دولارا)، والذي يفترض أن ينتهي هذا الشهر، مما سيضاعف المأساة.
حكاية الدعم
وتابع أن المخطط قضى منذ البداية أن يُعوض من تهدمت بيوتهم البسيطة جزئيا بـ80 ألف درهم (8 آلاف دولار)، في حين يُعوض من تهدمت بيوتهم بشكل كامل بـ140 ألف درهم (14 ألف دولار).
"هنا تكمن المشكلة"، يوضح محدثنا من أمزوزيت متابعا "كثيرة هي المداشر والقرى التي عوض سكانها بمبلغ التعويض الجزئي، على الرغم من أن بيوتهم انهارت بشكل كامل وكانوا يستحقون مبلغ 140 ألف درهم".
وهي المعلومة التي أكدها لنا أكثر من شخص من السكان المحليين ممن التقيناهم بمختلف دواوير إقليم الحوز.
وعندما تسألهم عن أي إثباتات تدعم ما يقولونه يجيبونك بأن الإثبات الوحيد كان المنازل المهدمة كليا، لكنها الآن هي مجرد أثر بعد عين، حيث عملت السلطات المختصة على إزالة الركام بشكل كامل، في إطار تهيئة المجال لاختيار أماكن البناء الجديدة.
وبحسب الأرقام الرسمية، فقد أزيل ركام 23 ألفا و360 منزل مهدم في الحوز، أي ما يعادل 99% من أصل 23 ألفا و500 منزل متضرر ومعني بإعادة البناء.
الرواية الرسمية
وتنفي السلطات والهيئات المعنية من جهتها تلك الاتهامات، وتؤكد أن عملية الدعم مستمرة بحسب ما هو مخطط لها، معترفة بوجود تحديات وأخطاء تعمل الجهات المعنية على رصدها ومتابعة حلها مع المتضررين والهيئات المختصة وفق ما ينص عليه القانون المؤطر.
علما أن جميع خدمات الهندسة والتراخيص تتم بشكل مجاني لجميع المتضررين. وقد تحدث أنس البصراوي عضو اللجنة التوجيهية لخلية إعادة الإعمار ورئيس قسم التجهيزات بعمالة إقليم الحوز، لموقع الإذاعة والتلفزيون المغربي الرسمي عن تسليم 11 ألف ترخيص عملية حفر أساسات المنازل (الطبلة) من أصل 23 ألفا و500 منزل، وذلك بنسبة 47%.
ووفق روايته، فإن عدد المنازل التي انتهى بناؤها تقريبا بلغ 1000 بناية، أي ما يساوي 4.5%. وقال إن السكان سيعيشون بمساكنهم الجديدة في ظرف لا يتجاوز 18 شهرا، مبرزا أن المدة قد تبدو طويلة في نظر البعض، لكن على الجميع أن يعلم حجم الصعوبات والتحديات التي تواجه مشاريع من هذا النوع وسط تضاريس صعبة تعقّد عملية البناء.
ومع اعتراف جمعيات المجتمع المدني بالجهود المبذولة للتعامل مع أزمة بهذا الحجم الكبير غير المسبوق شملت أقاليم بينها الحوز وتارودانت وشيشاوة وورزازات ومناطق أخرى، إلا أنها تجمع على تسجيل بطء شديد في إيجاد حل يريح الجميع.
بالنسبة لحسن وإبراهيم ومن التقيناهم بدواوير الحوز المنتشرة في الجبال، لا تهمهم كثيرا التفاصيل التي ترد ضمن تصريحات هذا المسؤول أو ذاك، كما لا تهمهم حوارات الخبراء والمحللين التي ملأت شاشة القنوات والمواقع الرسمية في هذه الأيام بالتزامن مع الذكرى الأولى لزلزال القرن.
ما يهمهم هو أن يدلفوا إلى بيت من إسمنت مبني بطريقة صحيحة في منطقة آمنة، يحميهم من الأمطار ومن نوائب الدهر، وبنية تحتية تساعدهم على بناء حياة مهنية جديدة.
وعندما تسألهم "ما رسالتكم التي تريدون إيصالها للمسؤولين؟"، يجيبونك بالإجماع، رغم اختلاف المكان والزمان، "نريد بيتا يجمع شتاتنا، ويعيد لنا دفئا فقدناه منذ 8 سبتمبر/أيلول 2023، عندما أخذ زلزال القرن بسمتنا".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات ألف درهم
إقرأ أيضاً:
برنامج إنساني يعيد محمد رمضان إلى المنافسة الرمضانية
متابعة بتجــرد: شارف الفنان محمد رمضان على الانتهاء من تصوير برنامجه الجديد “مدفع رمضان”، والمقرر أن ينافس به في رمضان المقبل على شاشة قناة DMC.
ويركّز رمضان في برنامجه على تقديم الدعم والمساعدة الى الأسر المحتاجة، ويعكس الجوانب الإنسانية في شهر رمضان الكريم، كما يعتبر البرنامج فرصة لعمل الخير والتفاعل المباشر مع الجمهور من خلال تقديم جوائز مالية ضخمة تتجاوز قيمتها الـ 700 ألف جنيه يومياً، يتم توزيع الجوائز على مختلف فئات المجتمع المصري، مما يعكس الاهتمام بالفئات المختلفة.
ومن أبرز ما يميز البرنامج هو أن محمد رمضان سيجسّد 30 شخصية متنوعة على مدار الحلقات، مثل سائق “توكتوك”، طبيب، مهندس، وغيرها من المهن الموجودة في مصر.
سيتم تصوير البرنامج في العديد من الأماكن، إذ لا يقتصر التصوير على ستوديوهات القاهرة فقط، بل سيتم التنقل بين مختلف المحافظات والمدن المصرية، في خطوة تهدف لإظهار جميع فئات المجتمع المصري، وهذا التنوع في مواقع التصوير يُعدّ إضافة مهمة الى البرنامج ويعكس واقع المجتمع المصري.
يُذكر أن مسلسل “جعفر العمدة” هو آخر أعمال محمد رمضان الرمضانية، وقد حقق نجاحاً كبيراً حين عُرض في رمضان 2023، وشارك في بطولته عدد من الفنانين، أبرزهم: أحمد داش، زينة، هالة صدقي، أحمد فهيم…، وهو من تأليف وإخراج محمد سامي.
main 2025-02-21Bitajarod