في ظل الصراع المستمر بين روسيا وأوكرانيا الذي ألقى بظلاله على الاستقرار السياسي والاقتصادي لأوروبا والعالم منذ أكثر من عامين ونصف، تقف ألمانيا، بقيادة مستشارها أولاف شولتس، أمام دور جديد في محاولة لإنهاء النزاع.

وتأتي هذه التحركات الألمانية في وقت يشهد فيه العالم تغيرات جيوسياسية هائلة، وحيث تزداد المطالب بالتحرك الدبلوماسي بدلًا من الحلول العسكرية التي لم تُجدِ نفعًا في إنهاء الصراع.

ومع دخول الحرب الأوكرانية الروسية مرحلة معقدة، تطرح برلين نفسها وسيطًا يسعى لإيجاد مخرج سياسي للنزاع، لكن هذه الجهود تصطدم بتحديات داخلية وخارجية قد تجعل من الصعب الوصول إلى اتفاق مقبول.


ألمانيا تبحث عن حل

بعد مرور عامين ونصف على بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، أدلى المستشار الألماني أولاف شولتس بتصريحات تُظهر رغبته في الدفع نحو حل دبلوماسي للصراع.

فقد أكد شولتس في مقابلة مع شبكة "زد دي إف" الألمانية أن "الوقت قد حان" لإحلال السلام بين موسكو وكييف، مشيرًا إلى ضرورة تكثيف الجهود الدبلوماسية من أجل التوصل إلى حل سريع للحرب.

وفي هذا السياق، كشفت تقارير صحفية أن شولتس يعمل على صياغة خطة سلام جديدة مستوحاة من اتفاقيات "مينسك"، التي سبق لها أن حاولت تحقيق الاستقرار في المنطقة.

لكن المفاجأة كانت في أن هذه الخطة لا تستبعد نقل أراضٍ أوكرانية إلى روسيا، وفقًا لما ذكرته صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية.

هذه النقطة أثارت جدلًا واسعًا على الساحة الدولية، حيث يعتبر البعض أن تقديم تنازلات إقليمية قد يكون الحل الوحيد لإنهاء الصراع، بينما يرى آخرون أن هذا الطرح قد يعزز المطامع الروسية ويجعل أوكرانيا في موقف أضعف.


الدوافع السياسية خلف المبادرة

والمبادرة الألمانية لا تأتي بمعزل عن السياق السياسي الداخلي لألمانيا. فشولتس، الذي يواجه ضغوطًا سياسية كبيرة عقب تراجع حزبه في الانتخابات الإقليمية والأوروبية، يسعى لإعادة بناء شعبيته من خلال هذه الخطوة الدبلوماسية.

وتعرض شولتس وحزبه لضغوط داخلية متزايدة بعد تفوق الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا" وحزب "بي أس في" في الانتخابات المحلية التي جرت في مقاطعتين بشرق البلاد مؤخرًا.

هذه الأحزاب اليمينية تبنت مواقف صارمة تطالب بوقف الدعم العسكري لأوكرانيا، وهو ما يجعل المستشار الألماني في موقف محرج.

حيث أن برلين تُعد ثاني أكبر مزود للمعونات العسكرية لأوكرانيا بعد الولايات المتحدة، وكان شولتس قد تعهد مرارًا بمواصلة هذا الدعم ما دام تطلب الأمر ذلك.

ولكن تصاعد الانتقادات الداخلية بسبب التكاليف الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة قد يدفع شولتس إلى البحث عن حلول أكثر اعتدالًا يمكن أن تُرضي الرأي العام الألماني.


التحديات الدولية وتوجهات موسكو

وعلى الساحة الدولية، تواجه المبادرة الألمانية تحديات كبيرة، لا سيما فيما يتعلق بموقف روسيا وأوكرانيا.

فبينما تبدو ألمانيا مستعدة لدفع عجلة المفاوضات مجددًا، فإن هناك تباينًا واضحًا في الرؤى بين موسكو وكييف حول شروط أي اتفاق سلام، أوكرانيا التي تسعى لاستعادة جميع الأراضي التي فقدتها منذ بدء النزاع، تعتبر أن أي حديث عن نقل أراضٍ إلى روسيا غير مقبول تمامًا.

وفي المقابل، يبدو أن روسيا مستعدة لإجراء مفاوضات، لكنها تصر على أن أي اتفاق يجب أن يتضمن تنازلات من أوكرانيا، بما في ذلك التخلي عن بعض الأراضي التي تحتلها روسيا حاليًا.

وأشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصريحات سابقة إلى أن موسكو مستعدة للعودة إلى طاولة المفاوضات استنادًا إلى نتائج المحادثات التي جرت في ربيع 2022.

ولكن التصعيد العسكري المستمر، خاصة في منطقة كورسك الحدودية الروسية، يزيد من تعقيد الوضع ويجعل من الصعب التوصل إلى توافق سريع.

من جانب آخر، أثارت مسألة عدم دعوة روسيا للمشاركة في القمم الدولية المتعلقة بالسلام، مثل تلك التي عُقدت في سويسرا في يونيو الماضي، تساؤلات حول فعالية هذه المبادرات في غياب أحد أطراف النزاع الرئيسية.

وفي هذا السياق، يرى شولتس أن أي قمة دولية مستقبلية يجب أن تشمل مشاركة روسيا لضمان تحقيق تقدم ملموس في المفاوضات.


الدور الألماني المستقبلي

من الواضح أن المستشار شولتس يدرك أن نجاحه في معالجة النزاع الأوكراني سيكون له تأثير كبير على مكانته السياسية داخل ألمانيا وعلى الساحة الدولية، فألمانيا كواحدة من القوى الأوروبية الكبرى، تُدرك أن تحقيق الاستقرار في المنطقة يخدم مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.

ومع تزايد التوترات بين روسيا والغرب، تبرز برلين كوسيط محتمل يمكنه تقديم حلول وسطى قد تُسهم في إنهاء الحرب.

ولكن التحديات تظل كبيرة، فالمواقف المتصلبة من الطرفين وعدم الرغبة في تقديم تنازلات حقيقية قد يُعرقل أي تقدم في مسار المفاوضات.

ورغم أن الخطة الألمانية قد تفتح الباب أمام فرص جديدة للحوار، إلا أنها تُظهر أيضًا مدى تعقيد الأوضاع السياسية والعسكرية في أوكرانيا والمنطقة بأسرها.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: استقرار الاستقرار السياسي الاستقرار فى المنطقة الاجتماع الأوكراني الانتقادات الاقتصادي الجهود الدبلوماسية الحرب الأوكرانية الروسية الحرب الأوكرانية الحلول العسكرية الساحة الدولية العسكرية المبادرات المستشار شولتس

إقرأ أيضاً:

ترامب يحذر: لن تتحمل أمريكا رفض زيلينسكي لإنهاء الحرب

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن الولايات المتحدة "لن تتحمل" رفض زيلينسكي لإنهاء الحرب مع روسيا، وذلك بعد المشاجرة التي دارت بينهما الطرفين في المكتب البيضاوي الجمعة الماضي، والتي كان لها تأثير كبير على العلاقة بين البلدين.

وكتب ترامب على موقعه الخاص "تروث سوشيال" متوعدًا بأنه لا يمكن لأمريكا أن تستمر في دعم زيلينسكي بعد تصريحاته الأخيرة، حيث استشهد بما نقلته وكالة "أسوشيتد برس" عن زيلينسكي، الذي قال خلال عطلة نهاية الأسبوع إن "نهاية الحرب لا تزال بعيدة للغاية".

وأوضح ترامب أن هذا التصريح يظهر أن زيلينسكي لا يرغب في تحقيق السلام طالما أن الدعم الأمريكي مستمر، متسائلًا عن "تفكير" الرئيس الأوكراني في هذا السياق.

واستمر ترامب في هجومه، مشيرًا إلى أن تصريحًا صدر من الاجتماع الأوروبي الذي حضره زيلينسكي، حيث صرح الأوروبيون بشكل قاطع أنهم لا يستطيعون "إتمام المهمة" بدون الدعم الأمريكي.


واعتبر ترامب أن هذا التصريح، رغم كونه قد يُظهر القوة ضد روسيا، إلا أنه جاء في توقيت غير مناسب من أجل إظهار قوة الموقف الأمريكي في الأزمة.

من جانبه، لم يتوقف الهجوم على زيلينسكي عند ترامب فقط، بل انضم إليه مستشار الأمن القومي الأمريكي مايك والتز، الذي دعا الرئيس الأوكراني إلى التعبير عن أسفه قبل استئناف المحادثات بشأن صفقة المعادن الأرضية النادرة.

وتدل هذه التصريحات على أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوكرانيا تمر بمرحلة صعبة ، خاصة بعد المشادة التي جرت بين ترامب وزيلينسكي في المكتب البيضاوي، والتي طغت على الملفات السياسية الأخرى في العلاقات بين البلدين.

وتسعى أوكرانيا للحصول على المزيد من الدعم العسكري والاقتصادي من الدول الغربية، وتحديدًا الولايات المتحدة، في حربها المستمرة ضد روسيا، لكن تصريحات زيلينسكي التي تؤكد على بُعد السلام، قد تكون قد أثارت غضبًا في أوساط بعض السياسيين الأمريكيين الذين يرون أنه لا يمكن أن تستمر أمريكا في دعم أوكرانيا دون رؤية حقيقية لفرص التوصل إلى تسوية سلمية.

مقالات مشابهة

  • بعد ضمها..روسيا تصدر جوازات سفر في المقاطعات الأوكرانية المحتلة
  • فانس يعارض تشديد العقوبات على روسيا كوسيلة لتسوية الأزمة الأوكرانية
  • حمدوك يطلق مبادرة جديدة لإنهاء الحرب في السودان تحت عنوان "نداء سلام السودان"
  • روسيا تعارض نشر قوات حفظ سلام أوروبية في أوكرانيا
  • ترامب يحذر: لن تتحمل أمريكا رفض زيلينسكي لإنهاء الحرب
  • ترامب: سنبرم اتفاقات مع روسيا وأوروبا لإنهاء الحرب في أوكرانيا
  • انتخاب القاضي الياباني إيواساوا يوچي رئيسا لمحكمة العدل الدولية خلفا لنواف سلام
  • «العدل الدولية» تنتخب رئيساً جديداً
  • ألمانيا .. مجموعة بوش الألمانية تعتزم شطب المزيد من الوظائف بسبب “ظروف السوق الصعبة”
  • بعد المشادة التاريخية مع ترامب.. هل يرحل زيلينسكي عن الرئاسة الأوكرانية؟