السيسي في أنقرة: دلالات ومسارات
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
تعدُّ زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتركيا ذروة مسار خارجي لأنقرة، في إطار تدوير زوايا الخلاف مع عدة قوى إقليمية ميزت العلاقات معها حالة من التوتر والمواجهة غير المباشرة خلال العقد الماضي، وصولا لحالة من الحوار ثم التعاون.
فقد كانت العلاقات بين أنقرة والقاهرة قُطعت بعد الانقلاب في مصر عام 2013، والذي انتقده في حينها أردوغان بسقف خطاب عالٍ جدا، وهو الذي يرأس بلدا تمثل الانقلابات العسكرية ظاهرة عامة متكررة في تاريخه الحديث، فضلا عن أن الانقلاب في مصر أتى في ظلال مظاهرات "غزي بارك" الذي رأى فيها الرئيس التركي محاولة لتأليب الشارع ضده كمقدمة لانقلاب محتمل.
وعلى مدى سنوات طويلة وقفت الدولتان، مصر وتركيا، في محاور متواجهة في عدد من الملفات الإقليمية. فقد رأى النظام المصري الناشئ بعد الانقلاب أن أنقرة تدعم المعارضة المصرية وخصوصا الإخوان المسلمين، فيما رأت الأخيرة أن القاهرة اصطفت مع غريمتها التقليدية اليونان في عدة مبادرات؛ أهمها منتدى غاز شرق المتوسط الذي عدّته تركيا محاولة يونانية لتهميش حقوقها في المنطقة.
النظام المصري الناشئ بعد الانقلاب أن أنقرة تدعم المعارضة المصرية وخصوصا الإخوان المسلمين، فيما رأت الأخيرة أن القاهرة اصطفت مع غريمتها التقليدية اليونان في عدة مبادرات؛ أهمها منتدى غاز شرق المتوسط الذي عدّته تركيا محاولة يونانية لتهميش حقوقها في المنطقة
منذ 2020، سارت تركيا في عملية استدارة في سياستها الخارجية مدفوعة بعدة سياقات سبق شرحها في مقالات سابقة، وحسّنت علاقاتها مع كل من السعودية والإمارات ودولة الاحتلال، وبدأت مسارات حوار وتطوير علاقات مع النظام السوري، بيد أن تطور العلاقات مع مصر بدا أكثر بطئا وتدريجا بسبب الاشتراطات والمطالب المصرية فيما يُفهم من التصريحات الرسمية.
فرغم أن أردوغان زار القاهرة في شباط/ فبراير الفائت ودعا السيسي لزيارة بلاده، إلا أن الأخيرة لم تحصل إلا قبل أيام، أي بعد سبعة أشهر كاملة تحدثت المصادر الرسمية أنها كانت "ترتيبا لجدول أعمال الزيارة".
وقد وقع الطرفان خلال الزيارة 17 اتفاقا في مختلف المجالات، منها التعليم العالي والسكك الحديد والطيران المدني، لكن الأهم بلا شك ما يتعلق بالطاقة والصناعات الدفاعية، وهو ما أكد عليه الرئيس التركي الذي أكد على رغبة بلاده بـ"الارتقاء بتعاوننا مع مصر في مجال الطاقة وخصوصا الغاز الطبيعي والطاقة النووية"، كما كان وزير الخارجية هاكان فيدان تحدث عن نية بلاده بيعه مصر طائرات مسيّرة أسوة بدول أخرى.
ولا شك أن الاقتصاد يمثل هدفا مشتركا للجانبين وعنوانا للمرحلة المقبلة، إذ أكد الرئيسان على هدف رفع حجم التبادل التجاري بينهما خلال السنوات القادمة إلى 15 مليار دولار أمريكي، بعد أن سجل 6.6 مليار دولار العام الفائت. كما عقدا الاجتماع الأول لمجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وعبّرا عن رغبة مشتركة برفع مستوى الشراكة بين بلديهما إلى مستوى استراتيجي العام المقبل، والذي سيوافق الذكرى المئوية للعلاقات الدبلوماسية بينهما.
ورغم أن الاقتصاد يمثل العنوان الأبرز للزيارة، إلا أن الأبعاد السياسية لا تقل أهمية وطرحا للأسئلة عن مستقبل العلاقات الثنائية والملفات ذات الاهتمام المشترك.
وفي هذا الإطار من المهم الإشارة إلى أن زيارة السيسي لأنقرة لم تكن زيارة عادية للطرفين. ففضلا عن أنها الزيارة الأولى له لتركيا وتأتي بعد عقد كامل من القطيعة شبه الكاملة بين الجانبين إضافة لمواجهات غير مباشرة بينهما، فقد بدا الاحتفاء التركي الرسمي جليا باستقبال أردوغان لنظيره المصري في المطار بنفسه، ثم بالمظاهر البروتوكولية في الاستقبال والزيارة.
كما أن الزيارة تأتي في ظل تفاقم عدة قضايا إقليمية في مقدمتها العدوان "الإسرائيلي" على غزة واحتمال توسعه إقليميا، والحرب الدائرة في السودان، وملف سد النهضة، واحتمالات التصعيد في القرن الأفريقي وغيرها.
كما أن الاتفاقات الموقعة ومسار مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى بين البلدين يبشران بمرحلة جديدة في العلاقات؛ عنوانها التنسيق بالحد الأدنى والتعاون المحتمل في عدد من الملفات.
من المهم في هذا الإطار الإشارة إلى أن دوافع التقارب بين البلدين عديدة، بما في ذلك الأوضاع الاقتصادية في كليهما، والتحديات الإقليمية، إضافة لعملية المراجعة التي تمت للعقد الماضي، وطيُّ صفحة الثورات العربية وتداعياتها على العلاقات، يبدو أن الطرفين اتفقا على أن يكون الاقتصاد مفتاح العلاقات الثنائية بينهما ورافعة للمجالات الأخرى، بحيث يتم تحييد بعض الملفات الخلافية، وهو ما يعني حكما أن بعض الاشتراطات المسبقة تحولت مع الوقت لملفات حوار وتفاوض، وخصوصا ما يرتبط بالمعارضة المصرية على الأراضي التركيةمع التأكيد على أن الاصطفاف السابق عبر عن مواقف أكثر مما نتج عن مصالح متضاربة، فقد كان كاتب هذه السطور أكد مرارا -حتى في سنوات التوتر الشديد بين الجانبين- على أن المصالح الحقيقية الجوهرية تجمع البلدين ولا تفرقهما.
الآن، يبدو أن الطرفين اتفقا على أن يكون الاقتصاد مفتاح العلاقات الثنائية بينهما ورافعة للمجالات الأخرى، بحيث يتم تحييد بعض الملفات الخلافية، وهو ما يعني حكما أن بعض الاشتراطات المسبقة تحولت مع الوقت لملفات حوار وتفاوض، وخصوصا ما يرتبط بالمعارضة المصرية على الأراضي التركية.
من اللافت أن تركيا أشادت مرارا بموقف مصر من العدوان على غزة وتحديدا زاوية إدخال المساعدات، ما يؤكد حرصها الواضح على تمتين العلاقات، كما أن القاهرة تراهن على تعاون تركي في الملفات الأفريقية، من السودان إلى الصومال وإثيوبيا. ويبقى الملف الليبي أحد أبرز الأمثلة على تلاقي المصالح الجوهرية رغم التناقض الظاهر أو المفتعل أو المتخيل في المرحلة السابقة، وهو الملف الذي شهد فعلا -حتى قبل هذه الزيارة- حوارا وتعاونا بين الجانبين، ولا شك أن تعميق التفاهمات بينهما بخصوصه قد يساهم في حل مستدام واستقرار منشود في البلد الحيوي لكليهما.
x.com/saidelhaj
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري السيسي العلاقات أردوغان تركيا مصر السيسي تركيا أردوغان علاقات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على أن کما أن
إقرأ أيضاً:
استقبل مدير صندوق النقد الدولي.. السيسي يحدد أولوية الدولة المصرية في برنامج الإصلاح الاقتصادي
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أكد الرئيس المصري، عبدالفتاح السياسي، الأحد، أن أولويات الدولة هي "تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار"، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري.
وجاء ذلك خلال استقبال السيسي في القاهرة مدير عام صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجييفا والوفد المرافق لها، حيث بحث الجانبان تطورات تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، الذي يتم بالشراكة مع الصندوق، بحسب بيان للسفير أحمد فهمي المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية، نشره عبر صحفته على فيسبوك.
وأعرب السيسي "عن تطلع مصر لاستكمال التعاون مع الصندوق خلال الفترة المقبلة، والبناء على ما تحقق بهدف تعزيز استقرار الأوضاع الاقتصادية، وخفض معدلات التضخم".
وأضاف المتحدث باسم الرئاسة في بيانه أن الرئيس المصري أكد "ضرورة مراعاة المتغيرات وحجم التحديات التي تعرضت لها مصر في الفترة الأخيرة بسبب الأزمات الإقليمية والدولية، التي كان لها بالغ الأثر على الموارد الدولارية وإيرادات الموازنة".
كما شدد السيسي خلال الاجتماع على "أن أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين، لاسيما من خلال مكافحة التضخم وارتفاع الأسعار، مع استمرار جهود جذب الاستثمارات، وتمكين القطاع الخاص لزيادة معدلات التشغيل والنمو".
وبحسب الرئاسة المصرية، فقد أعربت مدير عام صندوق النقد الدولي "عن تقديرها البالغ لجهود الدولة المصرية خلال المرحلة الأخيرة، والبرنامج الإصلاحي الذي يتم تنفيذه بعناية، مع وضع الفئات الأكثر احتياجاً في مقدمة الأولويات".
وأكدت جورجييفا "تفهمها الكامل لحجم التحديات الكبيرة التي تواجهها مصر في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية، واتفاق صندوق النقد الدولي التام مع أهمية المزيد من التركيز على مكافحة التضخم واتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحد منه".
وحضر اجتماع السيسي ووفد صندوق النقد الدولي كل من، رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وحسن عبد الله محافظ البنك المركزي، ورانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، وأحمد كوجك وزير المالية.