جاسم سلطان.. يستشرف علم الاجتماع الذي نريد
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
الإنسان كائن اجتماعي بسيكولوجيته، بمعنى أنه لا يستطيع الحياة منعزلا من دون جماعة بشرية، ولهذا فإن السعي لفهم المجتمع الإنساني، هو فهم للإنسان، ذلك الكائن الذي تحكمه العواطف والأهواء، ومن ثم يصعب التنبؤ بما سيصدر عنه، وقياسًا لا يُمكن استخلاص قوانين بشأن ردود أفعاله، كما في علمي العلوم الطبيعية والتطبيقية، ولهذا بات علم الاجتماع حقل يمسُ الثقافة والسياسة والاقتصاد وعلم النفس والتاريخ، وأصبح، بما يوفره من نماذج ولغة وفهم للمجتمعات البشرية، لبنة أساسية في الإعداد القيادي، فالمجتمع هو البيئة التي تحيط بالإنسان، وتؤثر فيه، ويتأثر بها.
يسعى الدكتور جاسم سلطان (ولد 1953) في كتابه «علم الاجتماع» الصادر عن دار لوسيل للنشر والتوزيع في عام 2019، إلى تناول مسار علم الاجتماع المبكر والغربي، ثم استشراف علم اجتماع جديد يكون أكثر فائدة للمجتمعات العربية عامة، والخليجية خاصة، وينطلق من الصورة الكلية إلى الجزيئات بدلا من الغرق في الجزئيات، وإهمال الصورة الكلية، فيذكر في مقدمة الكتاب أنه ليس إلا «مذكرات خاصة كتبها عبر رحلة العمر»، ولكنه شعر بأهمية مشاركتها مع من يُطلق عليهم «قراء النهضة»، خاصة أن علم الاجتماع كما رأى بعض مؤسسيه هو «علم العلوم؛ لأنه يشمل الظاهرة الاجتماعية الكلية، التي تفرعت منها كل ظواهر التساكن البشري».
5 فصول
والكتاب مكون من مقدمة وخمسة فصول وخاتمة. الفصل الأول تمهيدي يتضمن عطاءات علم الاجتماع، التي تعني القارئ العربي بعنوان «نحن وعلم الاجتماع»، والثاني يضع الأساس من المصطلحات والملاحظات، والثالث يقدم صورة مبسطة لمسار علم الاجتماع المبكر، والرابع يواصل رحلة تطوره في الغرب الأوروأمريكي، وأخيرًا يشرح الفصل الخامس والأخير بعض القضايا والمفاهيم المكملة والمبسطة لعلم الاجتماع لييبين «علم الاجتماع الذي نريد»، وأخيرًا تتضمن الخاتمة مجموعة من المقترحات البحثية المستقبلية.
ينطلق الفصل الأول من الكتاب؛ ليجيب عن سؤال: لماذا يزور الناس علم الاجتماع؟ وبصدد إجابته يرى أن صانع القرار يريد أن يفهم الظواهر الاجتماعية، أما المتخصص فإنه يريد معرفة آلية التغير الاجتماعي، بينما القارئ العام يزوره بغرض استكمال ثقافته العامة، ولهذا يرى أن علم الاجتماع مر بمرحلة انتقل فيها من كونه فلسفة إلى كونه علمًا، ومن ثم أصبح حقلا وسيطًا بين الاقتصاد والسياسة والتعليم والجغرافيا والتاريخ وعلم النفس وغيرها.
علم الاجتماع والفلسفة
يُعرف في الفصل الثاني بمجموعة من المصطلحات الخاصة بعلم الاجتماع، كالبنية الاجتماعية والنظام الاجتماعي، والثقافة الاجتماعية، والمجتمع الكبير، والمجتمع الصغير، والمؤسسة والمنظمة، والاجتماع البشري، والظواهر الاجتماعية، ثم يبين العلاقة بين علم الاجتماع والفلسفة والعلوم التجريبية والدين ومستويات النظر وقابلية الحياد، ومهمة علم الاجتماع اليوم، ليؤكد على أن خيال علم الاجتماع يُمكننا من الإمساك بالتاريخ، وسيرة الحياة، والعلاقات القائمة بين هذين البعدين في المجتمع.
إنشاء مجتمعات جديدة
يؤكد في الفصل الثالث أن مسار علم الاجتماع يرجع إلى عصور قديمة، فالاهتمام بسلامة المجتمع أمر انشغل به الفلاسفة، وفكروا في المدن الفاضلة كمقترحات لحماية المجتمع، أو إنشاء مجتمعات جديدة، ثم قدمت الديانات منظومات أخلاقية لأجل تنظيم حياة الأفرادح بهدف إنشاء مجتمعات ناجحة، ويشير إلى أن أقدم خطاب ديني وجد في المعابد المصرية القديمة في رسائل إيموحتب، الوزير المصري، الذي يقدم الوصايا العشر، التي هي بمثابة جذر مشترك في التوجيه الاجتماعي، بهدف تقديم تصور عن العالم المثالي، تلك الفكرة التي وجدت في النقوش الصينية أيضًا، وعند اليونان في جمهورية أفلاطون، وعند المسلمين في مدينة الفارابي، ثم قام ابن خلدون بدراسة علوم الأوائل، ووضع أسس ما أسماه «علم العمران»، الذي أكد فيه على أن اختلاف البيئات يورث اختلاف الطبائع، وأن الدولة كائن حي له طبيعته الخاضعة لقانون السببية، مقدمًا منهجًا استقرائيًا يبدأ بدراسة الواقع ليصل إلى القانون الحاكم.
الثورات العلمية والتطبيقية
يواصل الفصل الرابع استعراض مسار علم الاجتماع في الغرب، انطلاقًا من القرن العاشر، الذي كان منطلقًا لسياق تاريخي أوروبي، أدى إلى نشأة علم الاجتماع، وخاصة ما بعد الثورات العلمية والتطبيقية، فمر بمراحل وضع أساسها أوجست كونت (1788- 1877)، ثم فرانسيس بيكون (1561- 1626)، إيمانويل كانت (1724- 1804)، هربرت سبنسر، أميل دوركايم، أنطونيو جرامشي، جارغون هبرماس، ثم يستعرض المدارس الاجتماعية؛ كمدرسة شيكاغو، ومدرسة فرانكفورت، والمدرسة الوظيفية، المدرسة الصراعية، والمدرسة التجريبية، المدرسة الوضعية، وأخيرًا المدرسة البنيوية.
فلسفة الحراك الاجتماعي
يحاول في الفصل الخامس تقديم رؤية لعلم الاجتماع الذي نريد اليوم، فيرى أن فلسفة التاريخ تمثل الإطار الأولي لهذا العلم، وتليها فلسفة الحراك الاجتماعي، فالمجتمعات بحاجة إلى عقد اجتماعي يحقق روابط التعاون؛ لأجل ضمان الوجود والاستقرار والتنمية والتقدم، وقبل أن يختم استعرض بعض الموضوعات الاجتماعية التي بحاجة لبحوث ودراسات، كبعض ظواهر المجتمع، وسوسيولوجيا القضايا العالقة في التاريخ العربي، والبنيات التاريخية الاجتماعية، والمتطلبات الاجتماعية لوضع أرضية لمجتمع المعرفة، والأسرة العربية والعلاقات الإنسانية، وأنماط التفكير الاجتماعي، ولماذا تعمل جامعات الغرب في إنتاج المعرفة ونعجز عن إنتاجها، ومنظور كل من الإنسان، العلم، الطبيعة، الوقت، الدين، العمل، المواطنة، الهوية في الممارسة العملية في المجتمعات المعاصرة، ليختتم بقوله: «إننا نتطلع إلى ذلك اليوم الذي يرتاد علم الاجتماع فيه عباقرة ذوو أحلام وتطلعات عالية يُسهمون في رسم خارطة الطريق لمجتمعات جديدة؛ تنافس في الشراكة الحضارية ولا تقف تجتر عجزها في معترك التنافس العالمي القائم اليوم».
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر علم الاجتماع علم الاجتماع
إقرأ أيضاً:
في ظرف قياسي…رئيس الحكومة يعطي إنطلاقة عمل الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي المحدثة بموجب توجيهات ملكية
زنقة 20. الرباط
ترأس رئيس الحكومة، السيد عزيز أخنوش، اليوم الأربعاء بالرباط، الاجتماع الأول لمجلس إدارة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، المحدثة بموجب توجيهات ملكية سامية، من أجل تطوير وتنفيذ سياسات الدعم الاجتماعي، لاسيما برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي تم إطلاقه متم سنة 2023.
وشكل الاجتماع الأول لمجلس إدارة الوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، مناسبة لتدارس القضايا الاستراتيجية المرتبطة بإنشاء الوكالة، والموافقة على برنامج العمل السنوي، وميزانيتها المتوقعة لعام 2025. كما وافق المجلس على الهيكل التنظيمي، والوضع الخاص المتعلق بمواردها البشرية.
وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية، يهدف برنامج الدعم الاجتماعي المباشرالمخصص للأسر المعوزة، إلى تحسين المستوى المعيشي للفئات المستفيدة، والحد من الفقر، وتعزيز التنمية الاجتماعية، في احترام تام لمبادئ الشفافية والإنصاف والتضامن والحكامة الرشيدة.
ويستفيد من برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي جاء بفضل التنزيل الحكومي السريع للسجل الاجتماعي الموحد، ما يقرب من 4 ملايين أسرة، بما في ذلك 5.4 مليون طفل، و1.2 مليون شخص تفوق أعمارهم 60 عاما. وتماشيا مع التوقعات المتعلقة بالميزانية، من المرتقب أن يقوم البرنامج بتعبئة غلاف مالي يقدر بـ 25 مليار درهم برسم سنة 2024.
حضر هذا الاجتماع كل من السيدات والسادة وزير الداخلية، ووزير الصحة والحماية الاجتماعية، ووزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، ووزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، والوزير المنتدب المكلف بالميزانية، والمندوب السامي للتخطيط، والمديرة العامة للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي، والمدير العام لصندوق الإيداع والتدبير.