مخاوف ومطالب السودانيين بشأن مفاوضات وقف الحرب
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
فرضت الحرب المستعرة في السودان أجواء قاتمة يسودها القمع والاعتقال والتخوين ومصادرة النشاط السياسي والاجتماعي، ويتقلص فيها أو ينعدم التواصل العضوي المباشر بين القيادات السياسية وقواعدها الشعبية، في حين أن هذا التواصل هو أمر ضروري وأساسي لكي تبني هذه القيادات برامجها وتتخذ مواقفها السياسية بالاستناد إلى هموم الناس ونبض الشارع حتى لا تأتي هذه البرامج والمواقف مجرد تهويمات حبيسة شعارات معلقة في الهواء ولا علاقة لها بالواقع.
وبالضرورة أن يكون موضوع التواصل الرئيسي بين القيادات السياسية وقواعدها الشعبية في ظل أجواء الحرب الحالية، هو رؤى ووجهة نظر هذه القواعد الشعبية تجاه محاولات وقف الحرب عبر عمليات التفاوض التي تمت حتى الآن، وما يشوب هذا التفاوض من تعثر وصعوبات. ولكن، رغم الظروف غير المواتية هذه، فإن التغلب على صعوبة التواصل هذه صار ممكنا باستخدام وسائط التواصل الاجتماعي، شكرا للثورة التقنية الرقمية الحديثة، شريطة أن تتبنى الأحزاب والمؤسسات السياسية مناهج عمل تتماشى مع متغيرات العصر وتطوراته العاصفة.
ومن ناحية أخرى، واستنادا إلى حقيقة أن منظمات المجتمع المدني تملك من القدرات والإمكانات ما يؤهلها للعمل المباشر والملموس وسط القواعد الشعبية، وبالإشارة إلى قناعتنا الثابتة بأهمية وحتمية التكامل بين مهام هذه المنظمات والقوى السياسية، بمعنى استفادة الأحزاب والقيادات السياسية السودانية من النشاط الذي تقوم به هذه المنظمات وسط القواعد الشعبية، مثل التشبيك والاستطلاعات وقياسات الرأي، في بلورة مواقفها السياسية حتى تأتي استجابة لمطالب هذه القواعد، نتناول اليوم نتائج الاستطلاع الذي نفذته منظمة «كونفلكت داينمكس انترناشونال» داخل السودان وسط شريحة واسعة من المدنيين السودانيين، متنوعة من حيث العمر والجنس والتعليم والوضع الوظيفي ومواقع التواجد أو السكن، للتعرف على وجهات نظرهم حول محاولات التفاوض الجارية لوقف الاقتتال في البلاد.
الاستطلاع تم تنفيذه عبر تطبيق «الواتساب» في الفترة من يوليو/تموز إلى أغسطس/آب 2024، وكشفت نتائجه عن المخاوف الرئيسية بشأن العملية التفاوضية، وتحديدا دور الجيش بعد الحرب في الحكم والسياسة، بدءا من تشكيل الحكومة الانتقالية. كما كشفت عن تباين يتراوح بين نبرة حذرة ومحايدة غالبا إلى سلبية بعض الشيء إدراكا لتعقيدات الوضع الحالي، مع تأكيد الحاجة إلى عملية سياسية شاملة، والرغبة القوية في إيجاد طريق واضح نحو السلام والاستقرار.
من نتائج الاستطلاع، كان واضحا تبني المجموعات السكانية المختلفة في السودان لوجهات نظر متباينة حول الهيكل السياسي المطلوب في البلاد مستقبلا، ولكن كل المجموعات التي شملها الاستطلاع أعربت عن العديد من المخاوف الأساسية والقلق العميق فيما يخص الوضع الحالي والمستقبل، وتحديدا علاقة الجيش بالسياسة في سودان ما بعد الحرب، مع رغبة واسعة النطاق في إعادة تقييم وربما إعادة هيكلة موقعه داخل الحكومة. وتتزايد هذه المخاوف بشكل خاص بين حملة الشهادات العليا والعاطلين عن العمل أو العاملين لحسابهم الخاص من الذين شملهم الاستطلاع. وبينما عكست نتائج الاستطلاع تمسك الجميع بالجيش الواحد في البلاد، إلا أنها أيضا عكست تشككا وخلافا حول كيفية معالجة أوضاع القوى المسلحة الموازية للجيش، كقوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة الأخرى، من حيث حلها وتسريحها أو دمجها في المؤسسة العسكرية والكيفية التي ينبغي أن يتم بها هذا الدمج، وكيفية إصلاح وتطوير المؤسسة العسكرية في ظل حكومة يقودها المدنيون. وتجلى هذا القلق بشكل خاص بين حملة الشهادات العليا ممن شملهم الاستطلاع.
ومع إفصاح الجميع عن رغبتهم القوية في انتقال واضح ومنظم من الصراع المسلح إلى السلام المستدام، فإن الفئات العمرية الأصغر والمتوسطة ركزت على ضرورة التوافق الآن حول تشكيل حكومة انتقالية بدون أي محاصصات من أي نوع، مع ضرورة أخذ العبر والدروس من تجربة الحكومة الانتقالية التي شكلت بعد الثورة. وأكد جميع من شملهم الاستطلاع، خاصة النساء والمجموعات الأصغر سنا، على أهمية شمولية عملية السلام، وإنهم يرغبون في تمثيل جميع الأحزاب والمجموعات، خاصة الفئات المهمشة، في أي عملية سياسية متوقعة، مع التشديد بأن تفضي العملية السياسية إلى خارطة طريق واضحة لإقامة نظام سياسي جديد يعالج مشاغل جميع شرائح المجتمع السوداني، وليس فقط مشاغل النخب السياسية، ويؤكد على ضرورة مشاركة الشباب والنساء في تشكيل مستقبل السودان وبناء نظام سياسي يوفر مساحات حرة لوجهات النظر المتنوعة ويضمن المشاركة العادلة في السلطة والتقسيم العادل للموارد والثروة. وأكد المشاركون في الاستطلاع من مختلف الفئات العمرية والمستويات التعليمية عن تمسكهم بالحوار والمفاوضات السلمية، وبضرورة دخول كل المجموعات السياسية والمجتمع المدني والمجتمع الأهلي في مناقشات شاملة وجادة لإنهاء الحرب.
ولكن، أيضا شدد المشاركون في الاستطلاع من مختلف الفئات على أهمية آليات المساءلة والمحاسبة كمدخل لمعالجة الأسباب الجذرية للصراع، ويشمل ذلك إعمال العدالة الجنائية والعدالة الانتقالية والمصالحات ومعالجة المظالم، خاصة تلك المتعلقة بملكية الأراضي.
وعلى صعيد آخر، شكلت ضمانات تنفيذ الاتفاقيات الناتجة من المفاوضات أمرًا بالغ الأهمية لدى جميع المشاركين في الاستطلاع، والذين عبروا جميعا عن إدراكهم بأن المفاوضات الناجحة يجب أن تؤدي إلى نتائج ملموسة، بما في ذلك المساعدات الإنسانية ووقف الأعمال العدائية. ومن زاوية أخرى، طرحت المجموعت المدنية القاعدية المشاركة في الاستطلاع عدة مطالب وتوقعات رئيسية من المجتمع الدولي للمساعدة في تحقيق السلام والاستقرار في السودان، منها أن يظل الحوار والتفاوض في قمة الأولويات كوسيلة أساسية لإنهاء الصراع، مما يعكس رغبة واسعة النطاق في التوصل إلى حل سلمي، ومنها ضرورة هنددسة عملية سلام شاملة تعالج الأسباب الجذرية للصراع، ومنها فرض العقوبات وحظر دخول الأسلحة مما يساعد في زيادة الضغط على طرفي القتال لوقف الأعمال العدائية، وضرورة وجود آليات لمحاسبة المسؤولين عن اندلاع الحرب، وبرز ذلك واضحا وسط النساء وحملة الشهادات العليا ممن شملهم الاستطلاع.
نقلا عن القدس العربي
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: شملهم الاستطلاع فی الاستطلاع
إقرأ أيضاً:
كيف ترى الأوساط السياسية إسقاط روسيا لمشروع القرار البريطاني حول السودان؟
أسقطت روسيا مساء الاثنين مشروع قرار بريطاني في مجلس الأمن الدولي يدعو إلى وقف إطلاق النار في السودان، أيده 14 عضوا لكنه واجه فيتو المندوب الروسي ديمتري بوليانسكي، مما استقطب انتقادات شديدة وملاسنات بينه وبين مندوبي الولايات المتحدة ليندا توماس غرينفيلد وبريطانيا باربرا وودوارد.
وكانت كل من بريطانيا وسيراليون تقدمتا بمشروع قانون يتضمن 15 بندا تهدف إلى وقف الأعمال العدائية على الفور والانخراط في حوار للاتفاق على تهدئة الصراع، والتنفيذ الكامل للالتزامات التي تم التعهد بها لحماية المدنيين، ووقف العنف الجنسي، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية من دون عوائق إلى جميع أنحاء البلاد، بالإضافة إلى تجنب أي تدخل خارجي يثير الصراع وعدم الاستقرار.
ورحبت الخارجية السودانية بالفيتو الروسي، وقالت -في بيان- إن "حكومة السودان ترحّب باستخدام روسيا الاتحادية حق النقض، وتشيد بالموقف الروسي الذي جاء تعبيرا عن الالتزام بمبادئ العدالة واحترام سيادة الدول والقانون الدولي ودعم استقلال ووحدة السودان ومؤسساته الوطنية".
من اليمين: محمد الطاهر وأمين حسن عمر وعبدالرحمن عبدالله محمد وعبدالمطلب الصديق (الجزيرة+وكالات) جدل مستمرورغم عدم مرور مشروع القرار في مجلس الأمن، فإنه ما زال يثير كثيرا من الجدل بشأن الأهداف التي يرمي إليها، والقوى التي يمكن أن تمارس ضغطا على الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لتنفيذ البنود التي جاءت فيه، خاصة أنه ليس مشروع القرار الأول الذي يصوت عليه مجلس الأمن ويتعلق بالسودان.
فقد قال الأستاذ المساعد في كلية الإعلام بجامعة قطر عبد المطلب صديق إن مشروع القرار ما زال يثير كثيرا من الجدل كونه جاء بعد محاولات بريطانية عديدة، "بدأت منحازة لمليشيا الدعم السريع في البداية، ثم خفّت حدة التماهي مع مصالح الدعم السريع على أمل الحصول على موافقة دولية تعطي بريطانيا وحلفاءها مشروعية في اتخاذ إجراءات أكثر تشددا تجاه الجيش السوداني والحكومة".
وعدّد صديق -في مقابلة مع الجزيرة نت- أسباب الجدل التي أثارها مشروع القرار:
أولا: المشروع جاء دبلوماسيا ومتخفيا، حيث أكد تأييده اتفاق جدة، وهذا لم يكن واردا في القرارات والمواقف السابقة لبريطانيا وحلفائها في الملف السوداني. ثانيا: حمل مشروع القرار إدانة صريحة لقوات الدعم السريع، خاصة في مناطق دارفور والجزيرة، لكن سبب الإدانة يرجع إلى الحرج البالغ الذي وقعت فيه هذه الدول مع تنامي جرائم الدعم السريع. ثالثا: الإدانة أيضا انسحبت على الجيش السوداني، وتغيرت لغة مشروع القرار لتعود إلى سابق عهدها باستخدام مصطلح "طرفي النزاع"، وبالتالي المساواة بين الجيش الحكومي و"مليشيا الدعم السريع". رابعا: كذلك تخفى مشروع القرار تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية، وهو في الواقع قفزة نحو الوصول إلى تسوية مدنية تحافظ على هيكل الدعم السريع بالوصول إلى اتفاق يضمن مصالح أطراف خارجية في السودان. خامسا: مشروع القرار أُعد على عجل، كأنه يستبق الوصول إلى حل سياسي قبل تورط الدعم السريع في المزيد من الجرائم، مما يحول دون الوصول إلى تسوية مرضية للحلفاء الخارجيين.يذكر أنه منذ منتصف أبريل/نيسان 2023، اندلعت حرب بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه سابقا محمد حمدان دقلو (حميدتي).
دخان وحرائق بالخرطوم جراء القتال بين الجيش السوداني والدعم السريع (رويترز) الوقوع في الفخوفي بداية الشهر الحالي، قالت السفيرة البريطانية لدى الأمم المتحدة -مع تولي بريطانيا رئاسة مجلس الأمن لهذا الشهر- إنه "بعد مرور 19 شهرا منذ اندلاع الحرب (في السودان)، يرتكب الجانبان انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، بما في ذلك اغتصاب النساء والفتيات على نطاق واسع".
ويذهب مستشار الرئيس السوداني السابق أمين حسن عمر إلى "أن مسودة المشروع البريطاني حتى لو عدلت مرة أخرى لإغراء الحكومة والقوى السياسية بقطعة الجبن في أطراف الفخ، فإنها لا تزال تحمل الهدف ذاته المتمثل في تمرير شرعية ما للمليشيا وكذلك حجز دور رئيسي لقحت (مكونات سياسية سودانية تتشكّل من تجمع المهنيين) في المستقبل السياسي".
وأضاف أمين حسن عمر -في منشور على حسابه في فيسبوك- أن "محاولة بريطانيا التجاوب الجزئي مع رؤية الحكومة السودانية إنما تهدف لإحراج مناصري رؤية الحكومة حتى لا يصوتوا ضد القرار المشبوه، ولكن جوهر المسودة لا يزال يساوي بين الحكومة والمليشيا بالكف عن الخروقات، وبريطانيا لا تزال تحاول أن تحجز للمليشيا مقعدا شرعيا في المستقبل السياسي القريب والبعيد".
ووصل مستشار الرئيس السوداني السابق إلى استنتاج بأن "تأهيل المليشيا كان هدف بريطانيا منذ سنوات، ومهما تغير التعبير والتكتيك، فيظل المقصد ذاته قائما".
روسيا استخدمت الفيتو من أجل إسقاط مشروع قرار متعلق بالحرب في السودان (الفرنسية) أزمة توصيفمشروع القرار الذي عارضته روسيا الاثنين ليس المحاولة الأولى من أجل وقف إطلاق النار في السودان، ولم يكن مجلس الأمن المنبر الأول الذي يشهد هذه المحاولات.
فقد قال المختص في الجغرافيا السياسية عبد الرحمن عبد الله محمد إن مشروع القرار لم يكن سيحظى بوجود فعلي على أرض الواقع، وذلك لأن الأزمة السودانية تم التعامل معها بطرق مختلفة وعبر منابر مختلفة، وتم إصدار كمية من القرارات سواء كانت أممية أو حالية من بريطانيا أو أميركا أو الاتحاد الأوروبي، ولكنها ذهبت أدراج الرياح".
وأضاف محمد -في مقابلة مع الجزيرة نت- "أننا الآن أمام أزمة توصيف للقضية السودانية، فالمجتمع الدولي ما زال مصرا على أن القضية هي أزمة بين الجيش السوداني والدعم السريع، وأن نص البيان فيه نوع من الضبابية حيث يحاول أن يجرّم الجيش والدعم السريع على حد سواء".
وأشار المختص في الجغرافيا السياسية إلى "أن الجيش السوداني لم ينتهك حرمات ولم يتعرض للنساء أو الأطفال، ولم يجند الأطفال، إنما فعل ذلك كله الدعم السريع". ولكن الضغط الإقليمي والمجتمع الدولي يحاولان أن يساويا بين الطرفين، وعجزا عن وضع مصفوفة مطالب تكون موضوعية وتكون موجهة للدعم السريع.
ووصف قوات الدعم السريع بأنها لم تعد لديها هرمية أو قيادة مركزية، لكنها "استحالت إلى مجموعة من العصابات التي لا رادع لها"، و"حتى الجنرال حميدتي نفسه لن تنصاع الجنود لقراراته، لأنها تقاتل من أجل المغنم فقط".
تخفيف المعاناة الإنسانية
لكن هناك وجوها أخرى لمشروع القرار على صعد مختلفة تتعلق بفتح المعابر وإمكانية وصول الهيئات الإغاثية إلى جميع مناطق السودان من أجل تخفيف المعاناة الإنسانية، وكذلك منع تدخل الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن السوداني، ووقف وصول الأسلحة إلى الجهات المتحاربة.
ولذلك يرى الناشط السوداني محمد الطاهر أن مشروع القرار سيكون له تأثير كبير على الصراع في السودان من حيث تخفيف المعاناة الإنسانية في مناطق الصراع، وتقليل العمليات العسكرية وإيقاف إطلاق النار في كثير من المناطق تمهيدا لدخول طرفي النزاع في مفاوضات مباشرة تحت رعاية الوسطاء الدوليين.
وأضاف الطاهر أن الشعب السوداني في أمس الحاجة حاليا لكل أنواع المساعدات، سواء منها ما يتعلق بالغذاء أو الدواء، فأبواب المجاعة بدأت تغرق مناطق كثيرة من مناطق الصراع، والآن تفتك الأمراض والأوبئة بأبناء الشعب السوداني الذين لا يتمكنون حاليا من الحصول على أقل الاحتياجات العلاجية، خاصة الأمراض المزمنة كالملاريا.
وتسببت الحرب في نزوح نحو 11.3 مليون شخص، بينهم 3 ملايين تقريبا إلى خارج السودان، وفق مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون الإنسان التي وصفت الوضع بأنه "كارثة" إنسانية، في حين يواجه نحو 26 مليون شخص انعداما حادا في الأمن الغذائي.