تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة بعيدا عن مراهقي السياسة
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
"من أجل مصر قدمت معاهدة 1936، ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها".. مقولة خلّدها تاريخ مصر عن زعيمها في حينها مصطفى النحاس، عندما طالب البرلمان بإلغاء معاهدة 1936 مع الإنجليز الذين كانوا يحتلون مصر.
استحضرني هذا المأثور، عندما رأيت التفاعل الإعلامي التبريري لزيارة السيسي لأنقرة، وهي الأولى له منذ أن صعد إلى قمة هرم السلطة في مصر، وهنا أنا لا أتحدث عن إعلام النظام في مصر، بل عن الإعلام التركي الموالي، الذي فعل نفس الشيء، وعن ردة فعل المعارضة في كلا البلدين، فكما برر الإعلام الموالي ذّكر الإعلام التقليدي ومنصات التواصل المعارضة بمواقف الرجلين اللذين تصافحا؛ وكان قد أقسما بأغلظ الأيمان ألا يفعلا.
وهنا يجب أن تحضر روح الزعيم البريطاني تشرشل كي يضع بصمته على الزيارة بقوله: "لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة، بل مصالح دائمة".
بتوقيع 17 مذكرة تفاهم في مجالات التعليم العالي، والسكك الحديد، والطيران المدني، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتعاون العلمي والاقتصادي والفني في الزراعة، والصحة والعلوم الطبية، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتطويرها، والسياحة والثقافة، والموضوعات المالية والاقتصادية، والعمل والتوظيف، وحماية البيئة، والتطوير العمراني، يمكن فهم مغزى الزيارة، وبالتفاهم أو محاولة التفاهم على قضايا مهمة واستراتيجية، مثل ترسيم الحدود البحرية، وغاز شرق المتوسط، والوجود التركي في ليبيا وسوريا، والوصول العسكري المصري للصومال، يتأكد فهم مغزى الزيارة.
المستجد في زيارة رأس النظام في مصر لتركيا، هي المعطيات والمستجدات، لا سيما مع حالة الركود السياسي والاقتصادي في المنطقة الذي أنتجته الحرب في غزة، فالغبار الذي تحدثه الآلة العسكرية للكيان المحتل في غزة؛ أحدث حالة ضبابية أثرت إلى حد كبير على الرؤية المستقبلية للمنطقة، فالكل ينتظر اليوم التالي للحرب في غزة، وما ستفرزه من توزيع القوى والنفوذ
في مقالات سابقة في هذا الشأن كان آخرها مقالا بمناسبة زيارة الرئيس التركي للقاهرة تحت عنوان "قطار المصالح يتجاوز الضرير والأسير" إشارات توصف الحالة التركية مع النظام في مصر وتعاطي المقاومة/ المعارضة المصرية في الخارج معها، لكن المستجد في زيارة رأس النظام في مصر لتركيا، هي المعطيات والمستجدات، لا سيما مع حالة الركود السياسي والاقتصادي في المنطقة الذي أنتجته الحرب في غزة، فالغبار الذي تحدثه الآلة العسكرية للكيان المحتل في غزة؛ أحدث حالة ضبابية أثرت إلى حد كبير على الرؤية المستقبلية للمنطقة، فالكل ينتظر اليوم التالي للحرب في غزة، وما ستفرزه من توزيع القوى والنفوذ .
لطالما أرّق منتدى غاز شرق المتوسط الإدارة التركة منذ تأسيسه في عام 2019، وهو ما أدى إلى توترات بين تركيا وعدد من الدول الأعضاء، فتركيا تعتبر نفسها دولة رئيسة في شرق المتوسط، وتهميشها سيعكس توترات إقليمية لا محالة حول الحدود البحرية وحقوق الغاز، إذ تعترض تركيا على ترسيم الحدود البحرية الذي أقرته بعض الدول الأعضاء في المنتدى، وتعده انتهاكا لحقوقها، ومع إرسال أنقرة سفنها للتنقيب عن الغاز زاد الأمر حدة، إذ تشعر تركيا بعزلة في وقت يسعى المنتدى لتطوير بنية تحتية لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا، وهو ما يمكن أن يغير موازين الطاقة لتركيا فيما لو أصبحت شريكا، لذا فإن جر دولة كبيرة كمصر يعني الكثير في هذا السياق.
منتدى غاز شرق المتوسط يمثل تحديا كبيرا لتركيا، ليس فقط من الوجه الاقتصادية الذي يمثلها غاز المتوسط، بل من الناحية الجيوسياسية، ثم إنَّه يعد جزءا من التوجه لإعادة رسم الأدوار الإقليمية في شرق المتوسط، بل والشرق الأوسط. واستبعاد تركيا يهدف إلى تحجيم دورها كقوة رئيسية، ولعل توقيت زيارة رأس النظام في مصر يأتي ضمن سياقات أخرى يمكن أخذها في الاعتبار، في إطار قاعدة "الربح للجميع"، فعلى استحياء ذكر رأس النظام في مصر، في أثناء كلمته في المؤتمر الصحفي الذي جمعه مع الرئيس أردوغان، القرن الأفريقي وحالة الأمن فيه، لا سيما مع تصاعد التوترات بين الصومال وإثيوبيا، وتأثيرات ذلك على أمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر.
الوجود التركي في الصومال يعتبر جزءا من استراتيجية تركيا لتعزيز نفوذها في القرن الأفريقي ومنطقة شرق أفريقيا، ففي الوقت الذي أهملت القاهرة عمقها الاستراتيجي في أفريقيا منذ عهد الرئيس المخلوع مبارك، كانت تركيا تسعى بأدواتها الناعمة للنفاذ لواحدة من أهم الممرات البحرية في العالم، فتواجدت منذ عام 2011 في الصومال، ومنذ ذلك الحين، توسع تركيا دورها في القرن الأفريقي، حتى مع إثيوبيا، كدولة مهمة وكبيرة في هذه المنطقة، وهو دور لعبته الدبلوماسية والاقتصاد في تعزيز النفوذ الجيوسياسي لتركيا في بوابة التجارة بين آسيا وأفريقيا. وإمعانا في ترسيخ هذا الدور أنشأت تركيا قاعدة عسكرية في مقديشو، وهي أكبر قاعدة تدريب تركية خارج أراضيها.
الأهداف الاستراتيجية للدول تجعل النظر إلى مناكفات السياسة الداخلية أو النظرة الضيقة للأمور من مجموعات بعينها، والنرجسية السياسية، بتصور أن جهة معينة أو حزبا معينا أو جماعة معينة، هي محور الوجود، ومناط التكليف والأمر، هو طفولة سياسية يمكن أن يقع فيها العوام، ويزكيها الإعلام لكسب المشاهدات والإعجابات، أم الدول فتحكمها وتحركها المصالح
منذ أيام بثت القنوات الإخبارية، خبر وصول قوات ومعدات مصرية للصومال، ولعل الهدف المعلن من وجود هذه القوات على أرض الصومال هو دعم جهود حفظ السلام والاستقرار في البلاد، لا سيما بعد حالة التوتر التي تشهدها المنطقة والتصعيد بين الصومال وإثيوبيا، لكن الأخيرة ترى في الوجود المصري على أراضي جارتها تهديدا لأمنها القومي. ولعله من الواضح أن هدف القاهرة من هذا الوجود هو تعزيز نفوذها في القرن الأفريقي، كما أنه يمكن أن ينظر إليه على أنه أيضا جزء من المنافسة الإقليمية بين مصر وتركيا، وإن كانت القاهرة تراه، ولعل الرؤية متأخرة بعد الملء الخامس لسد النهضة، لحماية أمنها القومي.
بعيدا عن الأهداف، فإن دخول القوات المصرية للصومال لم يكن ليصبح واقعا إلا بتفاهمات إقليمية، لعل أهمها التفاهم مع تركيا وشريكها في الدوحة، فقِدَم الدولتين في الصومال واستثماراتهما في مجالات الصحة والتعليم والبنى التحتية، والوجود الأمني والعسكري التركي على رأس كل ذلك؛ يجعل لزيارة رأس النظام المصري لأنقرة بُعدا آخر؛ يجب الوقوف عنده كثيرا، فالأهداف الاستراتيجية للدول تجعل النظر إلى مناكفات السياسة الداخلية أو النظرة الضيقة للأمور من مجموعات بعينها، والنرجسية السياسية، بتصور أن جهة معينة أو حزبا معينا أو جماعة معينة، هي محور الوجود، ومناط التكليف والأمر، هو طفولة سياسية يمكن أن يقع فيها العوام، ويزكيها الإعلام لكسب المشاهدات والإعجابات، أم الدول فتحكمها وتحركها المصالح، لكن يظل السؤال الأهم:
هل ستستطيع أنقرة أن تجني هذه المرة أرباحا في مقابل عطائها السخي للقاهرة؟!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السيسي تركيا أردوغان مصر السيسي تركيا أردوغان علاقات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القرن الأفریقی شرق المتوسط یمکن أن لا سیما فی غزة
إقرأ أيضاً:
السيد بدر: الحوار نهج دبلوماسي تقوم عليه السياسة الخارجية العمانية
العمانية: أكد معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية على أن الحوار نهج دبلوماسي وهو الأساس الراسخ الذي تقوم عليه السياسة الخارجية العمانية، والمتجذر في التاريخ العماني وقيمه.
جاء ذلك في كلمة معاليه خلال الجلسة الافتتاحية لملتقى منظمة الرؤساء الشباب 2025 في المتحف الوطني بمسقط بمشاركة وفد من الرؤساء التنفيذيين الشباب بالمنظمة في إطار زيارتهم الحالية لسلطنة عُمان ضمن جولة تستهدف تعزيز الحوار وتبادل وجهات النظر حول القضايا الإقليمية والدولية.
وقال معاليه: إن سلطنة عمان تؤمن بمساحات للحوار، حيث يمكن حل النزاعات بواقعية، وتعمل المصالح المشتركة على توحيد وجهات النظر المختلفة، بدلا من أن تُستخدم كأداة للفرقة والعداء.
واستعرض معاليه الرؤية والمبادئ التي تقوم عليها السياسة الخارجية العُمانية المرتكزة على الانفتاح، والحياد، والاحترام المتبادل، مبيّنا أن هذه القيم أساسية لضمان تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.
وأكد معاليه أن الدبلوماسية العمانية ليست مجرد أداة للسياسة الخارجية، بل هي انعكاس لهُوية سلطنة عمان ونهجها الراسخ في التعامل مع العالم، وعلى مر التاريخ، كانت ولا تزال حلقة وصل بين القارات والثقافات والأفكار، حيث استقبلت شواطئها المستكشفين والتجار والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، مما أسهم في تشكيل هُويتها الوطنية ونهجها القائم على الحوار والانفتاح.
وأشار معاليه إلى أن الضيافة في سلطنة عُمان ليست مجرد عمل من أعمال الكرم، بل هي أسلوب حياة يعكس رؤيتنا للعلاقات الدولية، فأن نرحّب بشخص ما في منازلنا ومجتمعاتنا ووطننا يعني أننا نؤمن بقدرتنا على إثراء حياة بعضنا البعض وبهذا المعنى، فإن الضيافة هي دبلوماسية عملية، وهي الخطوة الأولى نحو بناء علاقات قائمة على التفاهم والانفتاح.
وقال معاليه: إن الدبلوماسية، في جوهرها، هي "فن التوازن"، مشيرا إلى أن سلطنة عُمان لطالما قامت بدور محوري في تعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة، كما أن الدبلوماسية في سلطنة عُمان ليست مجرد ممارسة سياسية، بل هي انعكاس لقيمها المتجذرة في تاريخها وثقافتها، وهي بالنسبة لنا ليست مجرد أداة للسياسة الخارجية، بل هي جزء من نسيج هويتنا.
وأكد معالي السيد وزير الخارجية، أن الخطط الدولية المتعلقة بمستقبل فلسطين غالبا ما تُبنى على أسس غير عادلة وغير مستدامة، مشيرا إلى أن هذه الخطط تستند في كثير من الأحيان إلى سياسات قائمة على العداء، مما يحرم الشعب الفلسطيني من حقه في اختيار قيادته وتقرير مصيره.
وأعرب معاليه عن قلقه المتزايد إزاء تصاعد العداء في المشهد العالمي، مؤكدا أن هذه الظاهرة لا تشكّل مصدر قلق فحسب، بل إنها أيضا غير مجدية، وتسهم في إطالة أمد النزاعات وتعقيد مسارات الحلول السّلمية.
وقال معاليه: إن الخطط الخارجية الخاصة بمستقبل الحكم في فلسطين غالبا ما تستند إلى العداء، وهذا ما يجعلها غير مستدامة وغير عادلة، لأنها تُحرم الفلسطينيين من حقّهم الأساسي في اختيار قياداتهم وتقرير مستقبلهم.
وعن تأثير السياسات القائمة على العداء في حل النزاعات، أشار معاليه إلى أن العديد من الجهات الدولية ترفض الانخراط في الحوار مع خصومها، مما يؤدي إلى تعميق الخلافات وتأجيج النزاعات بدلا من حلها.
وقال معاليه: الكثيرون يصرّون على عدم التحدث إلى خصومهم كمسألة مبدأ، ويرون في الحوار مكافأة يجب حجبُها عن الأطراف التي يختلفون معها، لكن في الواقع، هذا النهج لا يؤدي إلا إلى تفاقم المشكلات ويجعل الحلول السلمية أكثر صعوبة.
وفي سياق حديثه عن القضية الفلسطينية، أوضح معاليه أن العديد من الحكومات ترى أن تحقيق السلام في فلسطين يجب أن يتم عبر حل الدولتين، لكنها في الوقت ذاته تمتنع عن الاعتراف بدولة فلسطين بسبب موقفها من بعض الفصائل السياسية، مثل حركة حماس، وأكد معاليه أن هذا الموقف يعمي هذه الجهات عن إدراك المطالب المشروعة لتلك الفصائل التي تتقاطع في كثير من الأحيان مع تطلعات الشعب الفلسطيني في تحقيق الأمن والاستقلال، وهي حقوق مكفولة بموجب القانون الدولي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وأضاف معاليه: إذا كنا نسعى لإيجاد حلول دائمة، فعلينا أن نكون مستعدين للحوار مع من نختلف معهم، والأهم من ذلك، أن نصغي إليهم ونحاول فهم وجهات نظرهم.
يُذكر أن منظمة الرؤساء الشباب (YPO) هي مجتمع عالمي يضم أكثر من 35 ألفا من كبار الرؤساء التنفيذيين في مختلف القطاعات من 142 دولة.