سودانايل:
2025-03-18@08:41:20 GMT

مُذَكِّرات مُغْترِب في دُوَل الخَلِيج العَرَبي (11)

تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT

فاتَني أنْْ أذْكُر قبلَ رَحِيلي مِن الخُبر والدّمام أنَّ الأخَ العَزِيز عادِل الحَسَن مُؤسِّس مَجموعةِ تَربِية ٨٢ على الواتس آب قد كانَ في تلك الحِقبَة مِن سُكَّان الخُبر ومُدرِّسيها النَّاشِطين هو ومجموعةً أخْرى مِنهم خِرِّيجو التَّربية وآخَرُون مِن غيرِها . مِن هؤلاءِ الأخُ الأستَاذ عوض محمد سليمان الجِميعابِي والأخُ الأستَاذ إبرَاهيم سُليمان .

وقد كان بيني وبين عادل تواصلٌ حميمٌ بدأ أيامَ العُزُوبة وامتدَّ بعدَ التَّأهُلِ حيثُ شَمِلَ أُسرَتَيْنا الصَّغيرَتين بأطفَالهِما . ولنْ نَنسَى تلكَ الأيَّام الوَرْدِية الزَّاهِية :
" لنْ نَنسَى أيَّاماً مَضتْ لنْ ننسَى ذِكراها
لنْ ننسَى أيَّاماً خَلَتْ مَرَحاً قضَينَاها " .
" كانتْ لنا أيَّام لا زِلتُ أطْرَاها يا ليتنا عُدنا أو عادَتْ الأيَّام " .
في عام ٨٨ - ١٩٨٩ الدِّراسِي ، انتهتْ عَلاقَتي العَمَليَّة بالخُبر والدّمام . فقد جاءَني خطابُ نقلٍ مِن إدارةِ التَّعليم يأمُرُني بالتَّوجُّه إلى البَوادِي مرّةً أُخرَى ، يبدُو أنَّني كنتُ " الحيطة القصيرة " في تعليمِ المَنطِقة الشَّرقِية . كانَ النَّقلُ هذه المَرَّة إلى مَدرَسةِ "مِليجَة" الثَّانوية. وبلدةُ مليجة هذه تتبعُ ل " مُحافَظةِ النِّعيرِيّة " وهذه الأخِيرة بالطبعِ تتْبعُ للمَنطِقة الشَّرقية . المسافةُ بينَ النعيرية ومليجة 11 كلم . تقعُ مُحافظةُالنعيرية إلى الجَّنوبِ الشَّرقي مِن الدّمام ، أمَّا المَسافةُ بين النعيرية والدمام فتَبلُغ ١٩٥ كم . تَخيَّل نفسَك وأنتَ تَرفُل في المَدَنيّة والحَضَارةِ والأسواقِ الرَّاقيةِ والسَّواحِل البَحرِية العامِرة بالبَشَر والمُتَنزَهات في مدينةٍ مِثل الخُبر ، ثُمَّ فَجأةً تَنزِلُ عليك لعنةُ الصَّحراءِ مرةً أخْرَى
( على وزن لعنة الفراعنة ) لِتعُودَ إليها رغمَ أنفِك !!! ألمْ أقُل لكُم قبلاً " إنَّ حَظِّى كَدَقيقٍ فوقَ شَوكٍ نَثَرُوه " ؟؟؟
رَفضَ الأسْتَاذ سَعد سَعِيد الشَّهراني مُديرُ مدرسةِ المُعتصِم بالله المُتوَسِطة ، والذي كانَ رُجلاً قوياً وشَهماً وإدارِيّا ناجحاً - كما قلتُ لكم مِن قبلْ - رفضَ تَنفِيذ نَقلِي إلى تِلكُم الدِّيار القَصِّية ، وماطلَ أُسْبُوعين كامِلين حتّى جاءَهُ إتصالٌ مُباشِر مِن مُدير إدارة تعليم الشرقية يأمُرُه فيه بِمقَابَلتِه هو والأستاذ محمد عمر . فَفَعلنَا . وكانَ الأستاذ سعد مُستاءً ويلعنُ طولَ الطَّريق إلى إدارة التعليم ، وبعد أنْ قابلَ المُدير - وأنا في انتظارِه مع سِكرتير المُدير - خرجَ غاضِباً ومُكفَهِرّاً . فأدركتُ أنَّ المُدير قد فَرَضَ عليه الأمرَ فَرْضاً ! فأوجزَ لي ما دارَ بينهما وقال : " لا بُدَّ مِن تنفيذِ النَّقل لأنَّ هذا ال ........ رفضَ أنْ يَترُكَك بِالرَّغم من إصراري على بقائِك بِمدرَستي " ! فقلتُ له : " لا بأسَ ا نُنفِّذ وأمرُنا لله " . إذنْ أصَابتني لعنةُ الصَّحراء !!!
وقبلَ أنْ أُغادِرً إدارةَ التعليم قابلتُ المُشرِفَ التَّربَوي للُّغة الانجليزية - وقد كانَ عِراقِيّا واسمُه فؤاد كِتّانة - وسألتُه عن سِرِّ إصرارِ مُدير التعليم على نقلي إلى مليجة . فقال ما معناه إنني الوحيدُ مِن بين أساتذةِ اللغة الإنجليزية داخلِ الخبر والدمام الذين بقوا على قيدِ العُزُوبة ! وأضاف :" أمّا زملاؤك الباقون فكُلُّهم بأُسَرِهم ويستأجِرون شُقق من بداية السَّنة ولا نستطيعُ نقلَهم " ! هكذا أوضَحَ السَّيِّد
كِتانة !!! هكذا إذَنْ !!!
وعندَها لعنتُ سَنسَفيل العُزُوبةِ حتّى جَدِّها العاشِر . ثُمَّ رجعتُ غضبانَ أسِفا وأغلقتُ غُرفَتي عَليّ وكتبتُ الأبياتِ التَّالية :
قُم فَوَدِّع هذي العُزُوبةَ كُلُّها لأواءْ
قُمْ فَغَادِرها ما دامَ صٍنوُها الصَّحراءْ
تأهَّل واترُك التَّرْحالَ يَمنةً عَسْراءْ
افْتِل حِبالَ الوَصلِ واضْمُم غادةً هَيْفاءْ
تُؤويكَ مِن شَرِّ بَلِّيةٍ وإدارةٍ رَعْنَاءْ
تُنجِيكَ مِن جَوْسِ الفَلا وتُخَفِّفُ الأدْوَاءْ
إنَّ العُزُوبةَ شَرٌّ مَالَهُ غيرُ النِّكاحِ دواءْ
ارْجِع وهاتِ واحدةً وذُقْ طَعْمَها سَمْرَاءْ
--------------------

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com
//////////////////////////  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

وحدة السودان

بسم الله الرحمن الرحيم
السودان بعد أن ألحت عليه الخطوب، وألحفت عليه الكوارث، هل يستطيع أن يحتفظ بقوميته؟، يحتفظ بوحدته وشعوره، وبمثله العليا وعقله، هل تستطيع أقاليمه، ومدنه، وقراه، بعد هذه الأحداث العظيمة التي هزتها، أن تنخرط في غير عنف ولا اكراه، بعد أن تضع الحرب أوزارها، في نفس الوحدة التي كانت عليها؟، وحدة التفكير، والشعور، والآلام، والأمال، هل ستظل محتفظة بهذا كله؟ أم تنقسم ولاياته وتستقل بعضها عن بعض؟
الشيء الذي استطيع أن أجزم به وأنا مطمئن، أن شعب السودان على اختلاف شرائحه، وسحنه، وطوائفه، ليس بحاجة إلى فطنة أو ذكاء، حتى يحكم على الأشياء حكماً صحيحاً أو مقارباً، فالشعب الذي نفذت بصيرته، وأصبح عقله قادراً على أن يفهم الساسة حينما يتحدثون، حتماً سيبتغي إلى الوحدة وسائلها، وسيسلك إليها سبلها، وسيكون مهيأً دائماً لأن ينهض بواجباتها، لأنه مستيقن بقلبه، وعقله، أن أبغض شيء إليه، وأنآه عنه، هو الفرقة والتشرذم.
السودانيون المقيم منهم أو الظاعن، المطمئن أو القلق، الموسر أو المعسر، سيجدون في أنفسهم هذه المشاعر الفياضة التي لا ينكرها إلا المكابرون، مشاعر الألفة والتضامن التي تملك القلوب، وتسيطر على الضمائر، سنرى مهد العصبية سيهجر أو كاد يهجر، وسيعود الناس إلى سجيتهم القديمة، يعودون إلى سماحة طبعهم، ونبل أخلاقهم، وستخضع تلك القبائل النافرة التي أشعلت أوار الحرب إلى ما يبتغيه الأغلبية، وسيخوضون مع هذه الأغلبية فيما يخوضون فيه، وستفرض عليهم بنود الوحدة التي يأنفون منها حتى يأخذوا بحظ منها، وسيكون التعليم هو سبيل هذا الأخذ، حينها تتحقق الصلة بينهم وبين الوحدة دون إكراه، أو ارغام، أو عنف، نعم هذا ما سيتحقق، كل هذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على أن الوحدة كامنة بعقل السواد الأعظم من هذا الشعب وبشعوره ووجدانه ومتربعة في حناياه.
لقد صاغت الحرب عقولنا، ولعل من مأثرها أننا لن نتردد ولن نتلكأ في أن تجري الأمور على هذا النحو بيننا وبين من أشعلوا نائرتها، سنظل على هذه الخصومة المتصلة، والحرب التي لا تأصرها آصرة، حتى تثوب تلك القوى إلى رشدها، ولن نتركها تمضي هائمة حتى ندبر لها حبالاً وثيقة حول أعناقها، نفعل ذلك حتى تبقى الصلة متينة بيننا وبين ماضينا التليد، الذي لا يجوز التفريط فيه، فنحن أمة لا تعنو إلى قهر، أو تطمئن إلى غضاضة، و"محل الرهيفة تنقد" كما يقول المثل السوداني.
د.الطيب النقر

nagar_88@yahoo.com  

مقالات مشابهة