بعدما انخفضت أسهم الحرب إلى أدنى مستوياتها في أعقاب ردّ "حزب الله" على جريمة اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، الذي وُصِف بـ"المدروس" لمنع الانزلاق إلى الحرب، ما عزّزه حينها القرار الإسرائيلي بـ"عدم الردّ"، معطوفًا على استراتيجية "تبريد الجبهة" التي عادت إلى وتيرتها السابقة، ما قبل ضربة الضاحية الجنوبية لبيروت، عادت "لهجة" التهديدات لتطغى في الأيام القليلة الماضية، فاتحة باب التكهّنات على مصراعيه من جديد.


 
فخلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنّه أصدر تعليمات للجيش وقوات الأمن بـ"الاستعداد لتغيير الوضع في الشمال"، مشدّدًا على أنّه "لا يوجد احتمال لاستمرارنا بهذا الوضع، ونحن ملزمون بإعادة جميع سكان الشمال إلى منازلهم بأمان". وجاء كلام نتنياهو بعد ساعات من إعلان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، أنّ الجيش الإسرائيلي "يستعدّ لخطوات هجومية" داخل الأراضي اللبنانية.
 
ولم تقتصر التهديدات على نتنياهو وهليفي فقط، إذ دخل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش مجدداً على الخط، عبر دعوة الحكومة والجيش إلى "المبادرة بشن حرب في لبنان لإعادة السكان"، ومثله فعل عضو الكنيست الإسرائيلي نيسيم فاتوري، الذي تحدّث عن وجود "نيّة" بالحرب في الشمال بعد إطلاق سراح الأسرى في قطاع غزة، وذلك بمعزل عن موقف الأميركيين ورأيهم، فكيف تُفهَم هذه التهديدات المتجدّدة ضدّ لبنان، وما السرّ الكامن خلفها؟
 
"ضغوط" داخل إسرائيل؟
 
أشبه بـ"البروباغندا"، تبدو تهديدات المسؤولين السياسيين في إسرائيل، بالحرب ضدّ لبنان، من أجل ما يسمّونه بتغيير الوضع في الشمال، في إشارة إلى النزوح القسري لمستوطني الشمال من منازلهم منذ فتح "حزب الله" جبهة جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول الماضي، "بروباغندا" تجد ما يعزّزها في بعض التقارير الصحفية، التي تنقل عن مسؤولين أمنيين قولهم إنّ هذه الحرب لم تعد خيارًا، وإنّ لحظتها الحاسمة تقترب أكثر فأكثر يومًا بعد يوم.
 
ثمّة من يعزو هذه التهديدات إلى الضغوط الداخلية في إسرائيل، نتيجة "المأزق" الذي وُضِعت به الحكومة، العاجزة منذ أكثر من عشرة أشهر عن إغلاق الجبهة التي فتحها "حزب الله"، بعدما جعل الإسرائيليين للمرّة الأولى في معرض "ردّ الفعل"، وليس "الفعل"، وغير القادرة على فرض عودة المستوطنين إلى منازلهم، سواء بالدبلوماسية، وهو الذي يُعتبَر الخيار المفضّل للإسرائيليين، أو بالعمل العسكري، الذي يبقى محصورًا في خانة التهديدات.
 
ولعلّ هذه الضغوط ازدادت نسبيًا بعد ردّ "حزب الله" الأخير، الذي اكتفت إسرائيل في أعقابه بالتقليل من شأنه ومن أهميته، من دون أن تتوعّد بالردّ عليه حتى كما دأبت على أن تفعل، بل تنتقل من بعده إلى جبهات أخرى في الضفة الغربية وغيرها، وكأنّ "الأمر انتهى" بالنسبة إليها، كما انتهى بالنسبة لـ"حزب الله"، الذي طمأن جمهوره ودعاه للعودة إلى الضاحية، مع تأكيده أنّ "الجبهة" ستبقى مفتوحة طالما أنّ العدوان الإسرائيلي على غزة مستمرّ.
 
معضلات وصعوبات
 
من هنا، قد تكون التهديدات الإسرائيلية المستجدّة "محاولة احتواء" لهذه الضغوط، إن جاز التعبير، باعتبار أنّ المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو، يحاولون القول إنّ "الجبهة اللبنانية" تبقى على "قائمة الأهداف" الموضوعة، وإنّ الوضع على خطّها لا يمكن أن يستمرّ كما هو في الوقت الراهن، حتى في حال انتهت الحرب الإسرائيلية على غزة، علمًا أنّ تل أبيب أوصلت رسائل من هذا النوع إلى الوسطاء في أكثر من مناسبة.
 
لكن، بعيدًا عن الكلام، يقول العارفون إنّ أحدًا لا يعتقد أنّ الانتقال من "القول" إلى "الفعل" بات فعلاً قريبًا، إذ ثمّة العديد من المعوّقات التي لا تسمح لإسرائيل بتوسيع الهجوم ضدّ لبنان، أقلّه في الوقت الحالي، وأولها إدراكها أنّ الحرب ضدّ "حزب الله" بالمعنى التقليدي تضرّ أكثر ممّا تنفع، وأنّ كلّ ما واجهته في غزة قد لا يُقارَن بما يمكن أن تواجهه فيها، وثانيها افتقادها لعنصر المفاجأة المطلوبة في المواجهة، في ضوء حرب الاستنزاف الحاصلة.
 
لكنّ العارفين لا يستبعدون احتمال أن تقدم إسرائيل على المزيد من التصعيد العسكري في المرحلة المقبلة، من باب "رفع السقف" من جهة، واستغلال الانشغال الأميركي بالانتخابات الرئاسية من جهة ثانية، علمًا أنّ ارتفاع وتيرة القصف والعمليات في اليومين الماضيين يندرج في هذه الخانة، بما في ذلك المجزرة الإسرائيلية في بلدة فرون، بعد استهداف مسيّرة إسرائيلية مركبة للدفاع المدني بصورة مباشرة، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة أشخاص.
 
تشير كلّ التقديرات إلى أنّ الحرب، أو ربما الحروب الإسرائيلية، لن تنتهي قبل نضوج صورة السباق إلى البيت الأبيض، ومعرفة هوية الفائز بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، ليُبنى بعد ذلك فقط على الشيء مقتضاه. إذا صحّ ذلك، فهو يعني أنّ التصعيد سيكون عنوان الشهرين المقبلين الفاصلين عن الانتخابات الأميركية، من غزة إلى الضفة وصولاً إلى لبنان، تصعيدٌ لا يستطيع أحد أن يتكهّن ما إذا كان سيبقى "مضبوطًا"..  


المصدر: لبنان 24

المصدر: لبنان ٢٤

كلمات دلالية: حزب الله

إقرأ أيضاً:

رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق: الحرب كلفتنا ثمنا باهظا

إسرائيل –  الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تامير هايمان، إن تل أبيب تدفع “ثمنا باهظا” جراء حرب الإبادة التي تشنها ضد قطاع غزة، وإن عدد قتلاها بالحرب “في ازدياد مستمر”.

جاء ذلك في بيان حصلت الأناضول على نسخة منه، شكك فيه هايمن، من جدوى النتائج المترتبة عن استمرار الحرب.

وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 170 ألف فلسطيني بين قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

وأضاف هايمان: “لم تنته الحرب، وعلينا أن نسأل أنفسنا لماذا عدد القتلى في ازدياد مستمر، ولم يتحقق نصر كامل”، دون الكشف عن أعداد هؤلاء القتلى الإسرائيليين.

واعتبر أن معظم العائلات الإسرائيلية “لا تريد أن تُسفر تضحياتها عن نصر باهظ الثمن أو عن تصورات وهمية، أو نزهة خالية من الفلسطينيين في غزة”.

وأوضح هايمان، أن النصر الحقيقي “لن يقاس باليوم الأول للهدنة، بل بتحسن واقع الأمن القومي على مر السنين”.

ولفت إلى أن الحرب “شرٌّ لا بد منه، وتقع مسؤولية تحديد ضرورتها على عاتق القيادة السياسية”.

وطالب هايمان، الإسرائيليين بألا ينخدعوا في أن “الحرب قادرة على حل جميع التحديات الأمنية التي تواجه إسرائيل”.

وتابع: “كان ديفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء للبلاد) يعتقد أن إسرائيل تزدهر بين الحروب، لذا يجب أن تكون الحروب قصيرة، وعدوانية، وفعالة، حيث أن فترات ما بين الحربين حاسمة”.

وعلى هذا النحو، حث هايمان، القيادة السياسية في بلاده على “عدم الإفراط في التصحيح بسبب اضطراب ما بعد الصدمة الوطني”، وذلك كأحد تداعيات الهجوم الذي نفذته حركة حماس، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ضد المستوطنات المحاذية لقطاع غزة، ردا على الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته.

وأردف: “لا يوجد ما يُسمى الأمن المطلق أو السلام المطلق”.

الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، أشار إلى أن إسرائيل “أمام مفترق طرق” على خلفية الحرب ضد غزة.

واستدرك متسائلا: “هل سنعيد احتلال غزة بحملة عسكرية مطولة، أم سنسعى إلى اتفاق ينهي الحرب مقابل إعادة الرهائن والقضاء على حركة حماس، أو التوصل لنظام أمني جديد استباقي لسكان جنوب إسرائيل؟!”

وعلى مدار الإبادة المستمرة التي ترتكبها إسرائيل بغزة منذ 19 شهرا، تحاول تل أبيب فرض سيطرتها الكلية على القطاع الفلسطيني عبر تقطيع أوصاله وتهجير سكانه، فضلا عن محاولتها القضاء على “حماس” واستعادة الأسرى في غزة.

لكن لم تتمكن إسرائيل من إنجاز تلك الأهداف كاملة علي مدار شهور الحرب، ما عرض حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لانتقادات سواء من اليمين المتطرف الذي يريد تضييق الخناق على القطاع أو اليساريين الطامحين لاستعادة الأسرى من غزة حتى لو كان المقابل وقف الحرب.

ويأتي هذا الفشل الإسرائيلي في تحقيق الأهداف المرجوة من الحرب والتي يكررها نتنياهو – المطلوب للعدالة الدولية – منذ أكثر من عام ونصف العام في ظل خسائر اقتصادية متنامية بسبب استمرار الحرب.

وفي أبريل/ نيسان الجاري، قدر الجيش الإسرائيلي تكلفة استئناف وتوسيع الحرب على قطاع غزة منذ 18 مارس/آذار الماضي بـ10 مليارات شيكل (2.7 مليار دولار أمريكي).

ومطلع العام 2025، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أن تكاليف حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، بلغت 42 مليار دولار، بمعدل 83.8 مليون دولار يوميا.

وعلى هذا النحو، استعرض هايمان عدة تساؤلات في بيانه تتعلق بسياسات تل أبيب في إدارة الصراع على الساحة الفلسطينية وسوريا ولبنان بشكل عام.

وقال: “هل سنستمر في إدارة الصراع على الساحة الفلسطينية إلى أجل غير مسمى، آملين في الأفضل؟ أم سنواجه الواقع الديموغرافي بين البحر المتوسط ونهر الأردن بعيون مفتوحة وإدراك لضرورة اتخاذ قرارات سياسية وإقليمية صعبة ومهمة للحفاظ على هوية إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وليبرالية ومزدهرة، وكجزء من الأسرة الدولية؟”.

واعتبر في هذا السياق أنه يتعين على إسرائيل “بذل ما في وسعها لتصحيح الوضع”، داعيا إلى استمرار الجهود “لإعادة الرهائن إلى ديارهم بسرعة، لإعادة تأهيل الأحياء ودفن القتلى”.

وتقدر تل أبيب وجود 59 أسيرا إسرائيليا بقطاع غزة، منهم 24 على قيد الحياة، بينما يقبع في سجونها أكثر من 9 آلاف و500 فلسطيني، يعانون تعذيبا وتجويعا وإهمالا طبيا، أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.

ومطلع مارس/ آذار الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، والتزمت به الحركة الفلسطينية.

لكن نتنياهو تنصل من بدء مرحلته الثانية واستأنف الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس الماضي، استجابة للجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمينية، لتحقيق مصالحه السياسية، وفق إعلام عبري.

وفيما يتعلق بالوضع الأمني على الحدود الشمالية لإسرائيل، تسائل هايمان إذا ستتجه تل أبيب “نحو حرب مع سوريا، وإنشاء منطقة عازلة جديدة في لبنان، وظهور جماعات إرهابية جديدة على الجبهة الشمالية – أم نحو تطبيع العلاقات مع لبنان وسوريا تحت إشراف دولي يحمي المصالح الأمنية لإسرائيل؟” لم يحددها.

ورغم أن الإدارة السورية الجديدة، برئاسة أحمد الشرع، لم تهدد إسرائيل بأي شكل، إلا أن تل أبيب تشن بوتيرة شبه يومية منذ أشهر غارات جوية على سوريا، ما أدى لمقتل مدنيين، وتدمير مواقع عسكرية وآليات وذخائر للجيش السوري.

وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، أكملت فصائل سورية سيطرتها على البلاد، منهية 61 عاما من حكم حزب البعث، و53 سنة من سيطرة عائلة الأسد، بينها 24 عاما تولى خلالها بشار الأسد الرئاسة (2000-2024).

وتحتل إسرائيل منذ 1967 معظم مساحة هضبة الجولان السورية، واستغلت الوضع الجديد في البلاد بعد إسقاط نظام بشار الأسد، واحتلت المنطقة السورية العازلة، وأعلنت انهيار اتفاقية فض الاشتباك بين الجانبين لعام 1974.

كما لم يهدأ التوتر بين لبنان وإسرائيل على خلفية عدم التزام الأخيرة باتفاق وقف إطلاق النار الساري منذ 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إذ لم ينسحب الجيش الإسرائيلي من جميع النقاط اللبنانية التي احتلها كما هو متفق عليه، ولا يزال يشن ضربات على الأراضي اللبنانية في خروقات سافرة للاتفاق.

وتنصلت إسرائيل من استكمال انسحابها من جنوب لبنان بحلول 18 فبراير/ شباط الماضي، خلافا للاتفاق، إذ نفذت انسحابا جزئيا وتواصل احتلال 5 تلال لبنانية رئيسية، ضمن مناطق احتلتها في الحرب الأخيرة.

وفي 8 أكتوبر 2023، شنت إسرائيل عدوانا على لبنان تحول إلى حرب واسعة في 23 سبتمبر/ أيلول 2024، ما أسفر عن أكثر من 4 آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح، إضافة إلى نزوح نحو مليون و400 ألف شخص.

 

الأناضول

مقالات مشابهة

  • رجي: السعودية الداعم الأصدق للبنان ونرفض أي سلاح خارج الشرعية
  • متاهة حزب الله؟
  • بري: لا تحرجونا أكثر... دعوة إسرائيلية للبنان إلى المفاوضات
  • السيد القائد يؤكد الوقوف إلى جانب حزب الله في أي تصعيد عدواني شامل يقدم عليه العدو الإسرائيلي
  • شريط الأشباح رقم 10 الذي خاضت به أميركا الحرب النفسية مع فيتنام
  • بعد الغارتين على ميس الجبل.. هذا ما نشره الجيش الإسرائيلي (فيديو)
  • ‏القناة 12 الإسرائيلية نقلًا عن مصدر أمني: الجيش الإسرائيلي قتل عنصرًا من حزب الله جنوبي لبنان
  • لبنان: لا عودة إلى الوراء
  • رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق: الحرب كلفتنا ثمنا باهظا
  • أخطر من جبهة الحرب.. لماذا تخاف إسرائيل من بيت صغير في الجنوب؟