عربي21:
2025-11-02@21:53:08 GMT

بيسان مدينة العيون وسيدة المدن العشر

تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT

بيسان مدينة العيون وسيدة المدن العشر

ساهم الموقع الجغرافي لمدينة بيسان مساهمة كبيرة في نشأتها الأولى لأنها نشأت فوق قواعد الحافة الغربية للغور، وفي سهل بيسان الذي يعد حلقة وصل بين وادي الأردن شرقا وسهل مرج ابن عامر غربا.

وبيسان ذات أهمية تجارية وعسكرية وزراعية لوقوعها على الطريق الذي يصلها بشرق الأردن وحوران ودمشق، ولوجودها في غور خصيب تتوفر فيه المياه، ويزرع فيه النخيل والقطن والحبوب وغيرها.



وتشرف المدينة على ممر ووادي جالود إحدى البوابات الطبيعية الشرقية لسهل مرج ابن عامر، وتشرف أيضا على الأجزاء الشمالية من وادي الأردن، فكانت محطة تتجمع فيها القوافل التي تسير بين الشام ومصر. وكانت معبرا للغزوات الحربية بينهما أيضا، وغدت متصلة بالأقاليم المجاورة بشبكة حيوية من الطرق الهامة.


                                                       بيسان جنة على الأرض

لكن طرأ تحول على التوجه الجغرافي لحركة المواصلات بين بيسان والمناطق المجاورة إثر حرب 1948، إذ لم يعد موقع المدينة الجغرافي موقعا مركزيا متوسطا كما كان في السابق، بل أصبح موقعا هامشيا تقريبا بعد استيلاء الصهاينة عليها وتعيين خطوط الهدنة عام 1949.

يرجع تاريخ  بيسان إلى عصور ما قبل التاريخ، أي إلى أكثر من ستة آلاف سنة قبل الميلاد، وحملت في العهود الكنعانية اسم بيت شان، وقد يعني هذا الاسم بيت الآله شان أو بيت السكون، وقد أخذ اليهود من الكنعانيين التسمية.

استولى المصريون على بيت شان حوالي عام 1479 ق.م. بقيادة تحتمس الثالث، وبقيت في قبضتهم ردحا من الزمن. وأطلق اليونانيون على بيسان اسم مدينة السكيتيين الذين احتلوها حوالي عام 600 ق.م.

وفي العهد الروماني استمرت أهمية بيسان فكانت زعيمة للمدن العشر (ديكابولس)، وأصبحت مركزا تجاريا هاما تمر القوافل التجارية منها في طريقها إلى الأردن. ولا تزال شواهد هذا الازدهار مائلة في بيسان حيث توجد بقايا مدرج روماني قائمة في تل الحصن، ولا تزال قناطر الجسر الروماني فوق سيل الجالود (نهر جالود).

وأصبحت بيسان في العهد البيزنطي مركزا لأبرشية كان لممثلها في مجمع نيقية الديني دور بارز، ومن آثار هذا العهد التي لا تزال قائمة دير يتألف من ثلاث غرف.

وبيسان من أوائل المدن الهامة التي فتحها العرب.

ففي عام 1634 حاصر المدينة عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة وفتحاها صلحا. وفي رواية أن شرحبيل هو الذي فتحها وحده بعد أن حاصرها أياما، ولما خرج بعض من فيها لقتال المسلمين قاتلهم وهزمهم ففتحت أبوابها لفرسان المسلمين.

وقد بقيت لبيسان شهرة خاصة في تاريخ المسلمين بسبب وجود قبر الصحابي أبي عبيدة بن الجراح قائد فتوح الشام فيها، وربما يكون فيها أيضا قبر شرحبيل بن حسنة.

تردد ذكر بيسان على لسان كثير من الجغرافيين العرب فذكرها ابن خرداذبة في كتابه "المسالك والممالك"، وذكرها المقدسي في كتابه "أحسن التقاسيم"، ويذكرها ياقوت في معجمه "بيسان مدينة بالأردن بالغور الشامي، ويقال هي لسان الأرض، وهي بين حوران وفلسطين، وبها عين الفلوس يقال إنها من الجنة، وهي عين فيها ملوحة يسيرة". كما ذكرها الإدريسي والهروي والأندلسي.

عندما تعرضت بلاد المشرق العربي إلى الهجمة الصليبية خضعت بيسان للإفرنج بعد احتلالهم مدينة القدس. ولكن استطاع العرب استردادها بعد معركة حطين عام 1187. وفي عام 1217 أعاد الإفرنج احتلال بيسان مرة ثانية.

ومن الحوادث الهامة التي ارتبطت بيسان بها في العهد المملوكي أنه بعد موقعة عين جالوت تتبع الجنود المنتصرة أثر التتار حتى تلاقوا بهم مرة أخرى في بيسان فكانت موقعة دموية قتل فيها الكثير من التتار.

ومنها أيضا أن معركة كبيرة حدثت بين المماليك والجيش العثماني انتهت بانكسار المماليك وسقوط بيسان ومنطقتها بأيدي العثمانيين.

تطورت بيسان بعد أن مد في عام 1905 خط سكة حديد ـ حيفا ـ درعا الذي يمر من شمال المدينة وسار نمو السكان جنبا إلى جنب مع نمو العمران.

بدأت المدينة تزدهر في عهد الانتداب البريطاني لأهمية موقعها وموضعها ولاختيارها مركزا إداريا لقضاء بيسان، وتجلى ذلك في ازدياد سكان المدينة من 1.914 نسمة عام 1922 وإلى 3.101 نسمة عام 1931، وإلى 5.180 نسمة (منهم 20 يهوديا فقط) عام 1945، وتطورت المدينة عمرانيا نتيجة إنشاء بلدية فيها.

وفي عام 1948 استولى الصهاينة على المدينة وطردوا سكانها العرب الآمنين من ديارهم. ويكشف المؤرخ الإسرائيلي بيني موريس في كتابه "1948" مخطط عصابات الهاغاناة  بالضغط على أهالي بيسان وصفد ودفعهم للرحيل ضمن الخطة "د"، ويصف موريس فظاعة قصف المدينة وعملية تهجير السكان حتى بات مرج بيسان "طاهرا نظيفا وعبريا".

وظلت بيسان مدينة مهجورة طول عام كامل حيث قامت سلطات الاحتلال خلاله بتدميرها وهدم بيوتها، ثم أعادت بناء المدينة بعد أن غيرت معالمها الأثرية والتاريخية، ووطنت مئات العائلات اليهودية فيها.


                                                            معبد روماني في مدينة بيسان

وفي بداية السبعينيات بدأ بعض السكان يهاجرون من المدينة لسوء الأحوال الاقتصادية فيها. ونصف سكان بيسان حاليا هم يهود مهاجرون من شمال إفريقيا معظمهم من مصر والمغرب ونحو 30% من السكان يهود قدموا من أقطار عربية وإسلامية كإيران والعراق وتركيا. أما باقي اليهود فقد قدموا من أوروبا أو ولدوا في فلسطين ويبلغ عدد سكانها نحو 17 ألف نسمة.

المصادر

ـ  "بيسان..مدينة تختصر تاريخ البشرية"، صحيفة الصباح الكويتية، 15/6/2016.
ـ مصطفى مراد الدباغ، بلادنا فلسطين، ج6، ق2، بيروت 1974.
ـ محمود العابدي، "الحفريات الأثرية في فلسطين خلال المدة الواقعة بين 1900 و"1959، عمان 1962.
ـ مدينة بيسان، الموسوعة الفلسطينية.
ـ وديع عواودة، "ضيعة ساحرة كان اسمها بيسان: ملامح وإيقاع الحياة في عروس الأغوار الفلسطينية"، القدس العربي، 28/5/2022.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير تقارير بيسان تاريخ فلسطين فلسطين تاريخ بيسان هوية تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی عام

إقرأ أيضاً:

النفايات وعِقدُ المدينة المنفرط!

اعتدتُ المشي مع أبنائي في حارتنا الهادئة قُبيل نومهم بساعة؛ في محاولة لترميم الغياب الذي تُحدثه مشاغل الحياة، لكن نزهتنا باتت تتعثرُ بما لم نألفه: أكوامٌ من القمامة تتدفقُ من صناديقها المُكتظة، وروائح ثقيلة تعترضُ نسمة الشتاء. يحدثُ هذا في مدينة مسقط التي من أهم سماتها النظافة!

جوار المتنزه الذي يلعبُ فيه الأولاد، راقبتُ المشهد المروع، أجهزة لفظت آخر أنفاسها، أثاثٌ قديم أنهكته السنون، وأغصان أشجار مُقطّعة، مترامية هنا وهناك! يضعُ الناسُ مخلفاتهم جوار الحاويات لا بداخلها لشدة امتلائها. تتهافتُ القطط والكلاب والحمير على الأكياس تمزّقها بأسنانها الجائعة، يتناثرُ ما كان مخبوءًا في جوفها، فتتوحشُ الفوضى آنذاك وتغدو أكبر من أن تُلَمّ!

في نهاية الأسبوع عدنا إلى قريتنا، فاستقبلنا خيطُ دخان صاعد من مزارع الباطنة؛ خيطٌ يرتبطُ في طفولتنا بصخب الجري بين جلبات القت وسنابل القمح وأكواز الذرة، لكن الصورة الفاتنة للوهج الرمادي المعانق لحُمرة الغروب، تختزنُ آلامًا لا تُرى، وتُفصحُ عن مأزقٍ خفيٍّ يُثقلُ صدور من لا يجدون بديلًا لتنظيف مخلفات حصادهم!

وكما يبدو، لا تزال البنية التحتية للتدوير هشّة، إذ نفتقرُ لوجود حاوياتٍ مُخصّصة لفرز النفايات بحسب أنواعها، فتختلطُ ببعضها، مما يجعل عملية فرزها لاحقًا عبئًا يتطلّبُ جهدًا ووقتًا وتكلفةً عالية، كما يتبدّى ضعف الوعي العام لدى الناس كعقبة موازية أيضا. هنالك بعض المحاولات المتواضعة لتوزيع حاويات صديقة للبيئة، ولكن ماذا لو انتشرت بصورة أوسع: في الأحياء والمدارس والحدائق، ليُدرِك الناس أنّ الفرز ليس رفاهية تجميلية، بل ضرورة ماسة في كوكبٍ يتألم!

أشارت دراسة نشرتها شركة «بيئة» ضمن تقرير الاستدامة لعام 2022، إلى أنّ حجم النفايات في سلطنة عمان والقابلة لإعادة التدوير تُقدر بنحو 2.3 مليون طن سنويًا، ويمكن تحقيق عوائد بقيمة 530 مليون ريال سنويًا في حال إعادة تدويرها محليًا. مما يعني إمكانية التعامل مع مُعضلة التلوث البيئي إلى جوار تحويل النفايات إلى مورد اقتصادي جديد. تفصحُ بعضُ الدراسات عن أنَّ ما يتعذّر تدويره من النفايات يمكن أن يتحوّل إلى طاقة كهربائية تُنير البيوت، وتُعزّز الأمن الطاقي في زمنٍ تتزعزعُ فيه الموارد، كما يُمكن للتشريعات أن تكبح جماح «المنتجات البلاستيكية قصيرة العمر، وأنْ تدفع الشركات إلى ابتكار حلول تغليفٍ مُستدامة». وفي المقابل، على الدولةُ أن تمد يد العون عبر حوافز ماليةٍ وإعفاءاتٍ ضريبيةٍ تُشجّع على الالتزام بالمسار الأخضر المنشود. وإذا ما ابتعدنا قليلًا عن نفاياتنا المنزلية، سنجد أنّ البلاء الأعظم مُختبئٌ في المناطق الصناعية. إذ تُصنّف شركة بيئة -كما ورد في تحقيق نُشر في العربي الجديد- الإطارات التالفة، والبطاريات المستهلكة، والنفايات البلاستيكية، والمواد الكيميائية، والزيوت، على أنّها نفايات خطرة؛ تُلزم منتجيها بوضعها في حاويات مُخصّصة، لتنقل عبر شركاتٍ مُرخّصة ومؤهلة لاحقا، لكن السؤال: هل يجري ذلك حقًا كما ينبغي؟ أم أنّ جزءًا من هذا الخطر يتسللُ ليختلط بترابنا ومياهنا وهوائنا!

بعد نحو ستة عشر عامًا من تولّي شركة «بيئة» مسؤولية جمع ونقل النفايات في محافظة مسقط، استعادت بلدية مسقط هذه المهمة مجددا داخل الأحياء السكنية والتجارية، وللقرار -كما يبدو- قراءتان: فهناك من يراه إشارةً صريحةً إلى تعثُّر تجربة «بيئة»، بدليل تراجع مستوى النظافة في بعض المناطق، وتزايد الشكوى، وعدم استثمار البنية التحتية للتدوير على النحو الأمثل. وفي المقابل، يرى آخرون في هذا التحوّل مسارًا تصحيحيًا يهدف إلى لَمِّ ما انفرط من عِقد المدينة، وإعادة تنظيمٍ للأدوار؛ بحيث تعود البلديات إلى تقديم الخدمة المباشرة، بينما تُمنح «بيئة» فسحةً أوسع للتركيز على المشاريع الاستراتيجية. وفي ذلك ما يشبه الاعتراف الضمني بحاجة هذا القطاع إلى رقابة حكومية وثيقة على الخدمات التي تمسّ حياة كلّ فردٍ منّا، لكن لا يمكن تجاهل الحقيقة الأعمق: فالتوسّع العمراني المتسارع، وارتفاع عدد السكان، وتحوّل أنماط الاستهلاك؛ جميعها أفرزت تحدياتٍ مُضاعفة، جعلت منظومة النفايات أكثر تعقيدًا، وأكثر ارتباطًا بالصحة والاقتصاد ومؤشّرات التحضّر. ومن هنا، يظلّ الرهان معقودًا على ما ستقدّمه البلديات في المرحلة المقبلة: فهل تُعيد للمدينة صفاء وجهها؟ وهل ننجحُ في تحويل النفايات إلى موردٍ فعّال في قطاعٍ واعد؟

هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير مجلة «نزوى»

مقالات مشابهة

  • الانتخابات العراقية.. لا حظر تجوال أو قطع طرقات في المدينة التي لا تنام
  • النفايات وعِقدُ المدينة المنفرط!
  • توقيع بروتوكول بين معهدي "بحوث الإلكترونيات" و"أمراض العيون"
  • بروتوكول تعاون بين معهدي «بحوث الإلكترونيات» و «أمراض العيون» لتعزيز التكامل التكنولوجي
  • الطريقة الصحيحة لإزالة مكياج العيون والحفاظ على صحة البشرة
  • بصحبتهم 15 حدث.. الداخلية تضبط 16 رجل وسيدة لأعمالهم في التسول
  • فيلم فيها إيه يعني يجني مليونًا ونصف في آخر ليلة
  • اليونسكو: إدراج المدينة المنورة ضمن شبكة المدن المبدعة في فن الطهي
  • بصحتهم 3 أطفال.. الداخلية تضبط 17 رجل وسيدة متسولين
  • علي جمعة: الذكر حياة القلب.. والكلمات العشر المباركات زاد المسلم في الحياة