9 سبتمبر، 2024

بغداد/المسلة: يبدو أن مغادرة فريق التحقيق الأممي لتعزيز المساءلة عن جرائم داعش (يونيتاد) للعراق في 17 سبتمبر هي نتيجة مباشرة للتوتر الذي نشأ بين الفريق والسلطات العراقية.

وهذا التوتر يبدو مرتبطاً بسوء تفاهم حول دور “يونيتاد” وطبيعة التعاون مع العراق.

فقد شعر العراقيون بعدم تحقيق نتائج ملموسة خاصة في المحاكمات الأجنبية، وهو ما أدى إلى انطباع بأن الفريق الدولي يتعاون بشكل أكبر مع الدول الأجنبية مقارنة مع العراق نفسه.

وتصريحات مسؤولة الفريق، آنا بييرو لوبيس، تعكس اعترافاً بأن الفريق لم يكن واضحاً بما يكفي في شرح طبيعة عمله، وهو ما أضر بالعلاقة مع السلطات العراقية. ولكنها أشادت في الوقت نفسه بالسخاء العراقي الذي سمح لهيئة دولية بالعمل على ملف حساس كهذا، وهو أمر نادر الحدوث.

وتصريح لوبيس يُظهر التقدير لدور العراق في استضافة هذه البعثة وتقديم التسهيلات لها.

من الواضح أن التوترات كانت تراكمية، وخصوصاً بعد تصريح مندوب العراق في مجلس الأمن الدولي في ديسمبر الذي أشار إلى عدم تلقي العراق لأي أدلة قابلة للاستخدام في الإجراءات الجنائية من قبل “يونيتاد”.

وهذه النقطة بالتحديد كانت حساسة، لأن العراق كان يبحث عن نتائج عملية ومباشرة تساعده في محاسبة عناصر داعش، وليس مجرد تحقيقات دولية يمكن استخدامها في الخارج.

وما حدث بين “يونيتاد” والعراق يعكس مشكلة متكررة تواجه الدول التي تستضيف بعثات تحقيق دولية، حيث يمكن أن تختلف التوقعات حول كيفية استخدام المعلومات والنتائج.

وكان العراق يأمل في استخدام الأدلة مباشرة في محاكماته الوطنية، في حين أن “يونيتاد” ربما كانت تعمل وفق نهج دولي يستهدف تحقيق نتائج قانونية على نطاق أوسع.

إلى جانب ذلك، كان يمكن لتواصل أفضل بين الطرفين أن يحول دون هذه النهاية.

والاعتراف بالفشل في التواصل من قبل رئيسة الفريق هو إشارة إلى أن هناك إدراكاً داخلياً بأن الأمور كان يمكن أن تتم بشكل أفضل، مما قد يفتح الباب لمزيد من التعاون في المستقبل إذا تم إصلاح الأخطاء التواصلية.

والنقطة الإيجابية في هذا السياق هي أن العراق أبدى استعداده للتعاون مع هيئات دولية، وهو أمر يدل على الانفتاح والشفافية.

تحليل

ومن المحتمل أن يكون وراء مغادرة فريق “يونيتاد” للعراق عوامل سياسية، إلى جانب الأسباب التي تتعلق بسوء التواصل وسوء الفهم بين الفريق الأممي والسلطات العراقية.

و العراق، كدولة ذات سيادة، قد يكون حساساً تجاه التدخلات الدولية في شؤونها الداخلية، خاصة فيما يتعلق بتحقيقات تتعلق بجرائم مثل تلك التي ارتكبها تنظيم داعش.

وترى تحليلات ان هناك ضغوطا على الحكومة العراقية تحت ضغوط داخلية من قِبل أطراف سياسية أو فصائل معينة ترفض التعاون الدولي أو ترى أن هناك مصالح أجنبية خفية وراء بعثات التحقيق الدولية.

ومن المعروف أن العراق يشهد تنافسات سياسية بين الأطراف المدعومة من دول مختلفة، وقد تنظر بعض الجهات إلى “يونيتاد” على أنه أداة لتعزيز نفوذ قوى أجنبية في البلاد.

وكان تنظيم داعش سيطر في 10 يونيو (حزيران) 2014 على الموصل في محافظة نينوى في شمال العراق.

وأعلن منها بعد 19 يوماً إقامة سيطرته على مساحات واسعة من العراق وسوريا.

وخلال سنوات بثّ التنظيم الرعب وحوّل حياة الناس إلى جحيم، وتم تنفيذ إعدامات بقطع الرأس، وعقوبات بقطع أصابع أو أيدي السارقين، وخطفوا نساء وحولوهن إلى سبايا، ودمّروا كنائس وجوامع ومتاحف، وأحرقوا كتباً ومخطوطات.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author moh moh

See author's posts

المصدر: المسلة

إقرأ أيضاً:

الثقافة والسياسة

حينما بدأ العمل في مشروع السد العالي (١٩٦٠)، بعد أن تجاوز العديد من العقبات المالية والسياسية، إذا بسفير الولايات المتحدة الأمريكية بالقاهرة ومعه مدير متحف المتروبوليتان (روريمر) يطلبان لقاء وزير الثقافة المصري ثروت عكاشة ويعرضان عليه شراء قطعة أو اثنتين من معابد النوبة المقدر لهما الغرق خلف السد العالي، بحجة أن مصر لن تتمكن من حماية هذا التراث الإنساني، كان وزير الثقافة المصري رجلاً سياسيا، مثقفا ورقيقا ومهذبا، وقد أجابهما معاتباً: (عليكما أن تبادرا بالعون العلمي لإنقاذ هذا التراث بدلاً من التفكير في شرائه والاستحواذ عليه)، في اليوم التالي لهذا اللقاء كان وزير الثقافة المصري قد بدأ رحلته بصحبة نخبة من علماء الآثار المصريين إلى جنوب مصر حتى خزان أسوان، متفقدا أعمال التنقيب الجارية في المنطقة، وقد تبين له أن ما يتم بشأن الآثار الغارقة خلف السد هو مجرد تسجيل وتوثيق وحصر بحكم أن هذا هو كل ما تسمح به إمكانات الدولة المصرية وقتئذ.

لقد أدرك جمال عبد الناصر حجم المخاطر الجانبية الناجمة عن مشروع السد العالي، فكيف وهو يقيم هذا الصرح الكبير، بينما الحضارة المصرية بتراثها غارقة في المياه، وهو ما يهدد جزءا مهما من الذاكرة المصرية والإنسانية، وقد راح كثير من المثقفين والأثريين المصريين والأجانب يتناولون هذه القضية في كتاباتهم، وبدأ الموقف ينذر بمخاطر كبيرة، بينما مشروع السد العالي يمضي بخطى واثقة وسريعة، لكن لم يدرك القائمون عليه المخاطر الجانبية الناجمة عن هذا العمل الكبير، لذا وجد جمال عبد الناصر نفسه أمام مشكلة، فخلف السد تتكون بحيرة صناعية كبيرة بامتداد ثلاثمائة كيلو متر في الأراضي المصرية، ومائة وسبعة وثلاثين كيلومتراً في الأراضي السودانية، لكي يرتفع منسوب المياه إلى مائة وثمانين متراً فوق مستوى سطح البحر، وهو ما يؤدي إلى إغراق جميع آثار النوبة المصرية والسودانية، بما في ذلك معبد (أبو سنبل)، وعلى ما يبدو فان جمال عبد الناصر والخبراء الروس قد أدركوا هذه الحقيقة متأخراً، ولم يكن في قدرة مصر مالياً وفنياً أن تنقذ هذا التراث العريق الغارق في أعماق المياه، لذا رأت مصر مخاطبة العالم من خلال منظمة اليونسكو، وبدأت رحلة شاقة حينما درست اليونسكو المشروع.

شعر مدير منظمة اليونسكو (السينيور بيتو رينون) بأهمية المشروع والمكانة الكبيرة التي يمكن أن تحظى بها اليونسكو في عمل كبير هو الأول من نوعه في مجال نشاطها، من هنا ظهرت فكرة دعوة العالم للمشاركة في إنقاذ هذا التراث باعتباره تراثاً إنسانيا كبيرا، وقد تبنت المنظمة هذا العمل عندما بدأ الإعلان عنه في يناير ١٩٥٩م، من خلال ثلاث مراحل، أولهما: التنقيب والكشف عن كل المناطق الأثرية في النوبة، وثانيهما: نقل المعابد والآثار الغارقة إلى مناطق مرتفعة على اليابسة بعيدا عن غمر المياه، وثالثهما: تسجيل آثار النوبة تسجيلا علميا دقيقا، وفي ٨ مارس ١٩٦٠، أصدرت اليونسكو نداء إلى كل دول العالم تدعوها إلى المشاركة في هذا المشروع الحضاري والإنساني، وتم تشكيل لجنة برئاسة ملك السويد (چوستاف الثالث)، وأخرى استشارية من اثني عشر عضواً، ثمانية من الخبراء الأجانب وأربعة من المصريين.

أحدث النداء الذي أطلقه مدير منظمة اليونسكو دوياً هائلا في الأوساط السياسية والأكاديمية والإعلامية في كل دول العالم، وتوارت كل القضايا السياسية وخصوصاً الموقف الأوروبي والأمريكي من النظام المصرى لكي تتصدر آثار النوبة المشهد الدولي، وفي سياق هذا الحدث الكبير، فقد اقترح ثروت عكاشة وزير الثقافة المصري على الرئيس جمال عبد الناصر فكرة كانت هي الأولى من نوعها، حيث يتم اختيار نماذج من الآثار المصرية تجوب دول العالم شرقاً وغرباً، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى أوروبا وصولاً إلى اليابان حتى يعرف العالم هذا التراث، لكي تحظى مصر بدعم دولي لإنقاذه، وعلى مدار ثلاث سنوات طاف المعرض الكثير من دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية، حاملاً روح الحضارة المصرية القديمة، وتفاصيل عبقريتها، والذي يعود إلى متابعة الصحف المصرية والعالمية خلال هذه الفترة يمكن أن يلحظ كيف كان الناس يقفون ساعات طوال لكي يشاهدوا هذه الآثار، وهو ما أحدث ضجة كبيرة في كثير من دول العالم، لدرجة أن المجلس الأوروبي قد تلقى طلباً من حكوماته بدعم المشروع فنياً ومالياً، وأصدرت اللجنة بياناً قالت فيه:(إن آثار النوبة هي إحدى الكنوز الكبرى للتراث الإنساني، وهو ما يضاعف من مسئولية الدول الأوروبية لكي تتحمل مسئولياتها في إنقاذ هذا التراث).

اللافت للنظر أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض الدول الأوروبية، التي كانت تكنّ عداء لمصر ولجمال عبد الناصر كانت في مقدمة الدول التي سعت لدعم المشروع، فضلاً عن الدعم الفني والتقني من المؤسسات المعنية بهذا النوع من التراث، ووصل حجم الدول الداعمة لهذا المشروع إلى خمسين دولة، وقد بادر جمال عبد الناصر بدعم المشروع بمبلغ عشرين مليون دولار، وقد حدد الخبراء فترة العمل بسبع سنوات ١٩٦١ -١٩٦٨، وبمجرد أن افتتح معرض توت عنخ آمون في واشنطن ٣ نوفمبر ١٩٦١، إذا بالثقافة المصرية تحقق انتصاراً على السياسة، فقد افتتح المعرض السيدة چاكلين كيندي قرينة الرئيس الأمريكي، وقد حظي المعرض بحفاوة كبيرة، وكتب عنه المثقفون والسياسيون والأثريون وأشادوا بمقتنياته وعبقرية ما أنجزته الحضارة المصرية من تراث معماري وفني خلَّاق، وحينما وصل المعرض إلى باريس، كان في استقباله الرئيس الفرنسي شارل ديجول (٩مايو ١٩٦٧)، بعد أن أصبحت مصر وحضارتها حديث كل الأوساط الفرنسية، لدرجة أن الإبداع المصري القديم قد أصبح مصدر إلهام لبيوت الأزياء ومصممي رقصات البالية و الرقصات الاستعراضية، وقد أبدى الرئيس الفرنسي رغبته في زيارة مصر ولقاء جمال عبد الناصر.

المتابع للصحافة وكل وسائل الإعلام في كثير من كل دول العالم خلال هذه الفترة التاريخية يلحظ أن مصر قد أصبحت في صدارة المشهد، بعد أن تفوقت الثقافة تفوقاً ملحوظاً على السياسة، وتبوأت مصر مكانتها في الأوساط الدولية، بعد أن راح مشروع السد العالي يمضي قدما على الرغم من المشاكل السياسية التي كانت تواجه مصر في حربها في اليمن أو في صراعها مع إسرائيل، لكن كانت عملية إنقاذ الآثار تمضي قدما، وكان السد العالي يرتفع يوماً بعد يوم، لكن كانت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية تخطط لعدوان على مصر وقع صباح ٥ يونيو ١٩٦٧.

لقد احتفى العالم بالانتهاء من إنقاذ آثار النوبة ٢٢ سبتمبر ١٩٦٨، بعد أن تم إنقاذ أروع ما خلفته الحضارة المصرية القديمة، وتبدو المفارقة العجيبة واللافتة للنظر، فقد دعمت بعض الدول الأوروبية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية العدوان الإسرائيلي على مصر ١٩٦٧، ولعلها مفارقة غريبة ولافتة للنظر، فقد كان الضمير الإنساني أكثر تحضرا وهو يشارك في إنقاذ درة الحضارة الإنسانيةــ ما أحوج العالم المعاصر في ظل هذه الأزمات المتلاحقة أن يعتصم بالثقافة والوعي، وأن يستعيد روحه الإنسانية. بكل تأكيد فإن الثقافة بإنسانيتها المفرطة جديرة بأن تبدد ما أفسدته السياسة في كثير من دول العالم.

مقالات مشابهة

  • السفيرة الأمريكية: لدينا ثقة بالمصارف العراقية والعلاقات مع العراق في تطور
  • الحكومة العراقية تكشف عن عدد سكان البلاد
  • المشهداني: ندعم الخارجية العراقية في مواجهة أي تدخل يمس بقراراتها السيادية
  • العنف ضد النساء.. ما وضع المرأة العراقية؟
  • اليابان تدعو شركاتها إلى الدخول للسوق العراقية
  • عقيلة صالح: إصدار قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية خلال أيام
  • الثقافة والسياسة
  • العراق لمجلس الأمن: إسرائيل تخلق مزاعم وذرائع لتوسيع رقعة الصراع
  • العراق في قلب الثورة الإقليمية: بوصلة جديدة في الصراع
  • العراق يوجه رسائل متطابقة الى جهات دولية وعربية بشأن تهديدات إسرائيل