إطالة الحرب هدية نتنياهو لترامب
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
توقّف سياسيون ومراقبون عند الردّ القصير بكلمة «لا» للرئيس جو بايدن عندما سأله أحد الصحافيين، عّما إذا كان بنيامين نتنياهو يبذل جهداً كافياً من أجل التوصل إلى صفقة لوقف الحرب وتبادل الأسرى بين «إسرائيل» و»حماس» وما إذا كانت «لا» تشكّل نقداً صريحاً لتعنّت رئيس الحكومة الإسرائيلي، لكن الرئيس الأمريكي سرعان ما تابع كلامه محمّلاً «حماس» المسؤولية عن مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة، عند فوهة أحد الأنفاق، كما حمّل «حماس» مسؤولية فشل الاتصالات وإعاقة المفاوضات، وأن الكرة ما زالت تالياً في ملعبها.
وزير خارجيته أنطوني بلينكن، كان قد عبّر عن الموقف ذاته خلال زيارته الأخيرة لكيان الاحتلال، متجاهلاً الشروط التعجيزية التي أعلنها نتنياهو ومن شأنها إعادة التفاوض بمقترح بايدن، الذي سبق لـِ»حماس» أن أعلنت موافقتها المبدئية عليه، شرط التفاهم على آلية لوضعه موضع التنفيذ.
الواقع أن نتنياهو لا يريد وقف الحرب، وقد استصدر أخيراً من الكنيست (البرلمان) قراراً بوجوب بقاء الجيش الإسرائيلي في منطقة فيلادلفيا على الحدود بين فلسطين المحتلة ومصر، بدعوى أنها تشكّل أنبوب الأوكسجين لـِ»حماس» ما يعزّز هدفها بإعادة سلطتها على قطاع غزة.
هل هذا كل ما يريده نتنياهو من وراء إصراره على استمرار الحرب؟
ليس أفضل من معارضي نتنياهو لمعرفة أغراض هذا الصهيوني العنصري الشرس. ففي مقالة لافتة كشف ألوف بن رئيس تحرير صحيفة «هآرتس»(2024/9/3) المعاني العميقة لخطاب نتنياهو الأخير، لكونها تتعدى حدود صفقة التبادل.
أوضح بن أنه «منذ دخول نتنياهو حلبة السياسة، كانت لديه ثلاثة أهداف: «البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة، واستبدال النخب السياسية في إسرائيل، وتفكيك الحركة الوطنية الفلسطينية، وأنه يراوغ ويكذب ويطرح أفكاراً متناقضة بالدرجة ذاتها من الاقتناع، لكنه يعود دائماً إلى الثلاثية ذاتها: رئاسة الحكومة، والتحريض ضد اليسار، وتأبيد الاحتلال في الضفة».
وقال بن إن بقاء «إسرائيل» في محور فيلادلفيا، «يعني تجميد المفاوضات مع حماس بشأن وقف الحرب وإعادة المخطوفين (الأسرى) والدفع بهذه الأهداف معاً مرة اخرى».
أرى أن ثمة هدفاً رابعاً لنتنياهو في هذه المرحلة: الحرص على خدمة حليفه القديم دونالد ترامب، المرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة في الانتخابات التي ستجري في 5 نوفمبر المقبل.
حرصه على ترامب يدفعه إلى عدم وقف الحرب وتبادل الأسرى
حرصه على ترامب يدفعه إلى عدم وقف الحرب وتبادل الأسرى، لأن ذلك يشكّل في رأيه هديةً ثمينةً لمنافسته كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي. لذا، لا وقف للحرب، أقلّه لحين الفراغ من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. بذلك يكون استمرار الحرب هديته هو إلى حليفه الأثير دونالد ترامب. لنفترض أن هاريس فازت، فماذا تراه يكون موقف الرئيس بايدن، الذي لا تنتهي ولايته عملياً قبل بدء الرئيسة الجديدة ممارسة سلطاتها في العشرين من شهر يناير 2025؟
قبل الانتخابات، كان بايدن يحاذر انتقاد نتنياهو مخافةَ إغضاب الناخبين اليهود الأمريكيين الذين يصوّتون غالباً لمصلحة مرشحي الحزب الديمقراطي.
بعد الانتخابات، وفي حال فوز كامالا هاريس، لا تعود ثمة حاجة إلى الحذر والحرج، فهل يُقدِم بايدن على الإقتصاص من نتنياهو بكشف نفاقه وتقلّباته وحرصه على إفشال المفاوضات بقصد إطالة حربه الوحشية؟ حسناً، إذا فعلها بايدن، ماذا تراه يحصل؟ ستزداد وتتوسع التظاهرات المعادية لنتنياهو، والمطالبة باستقالة حكومته، وإجراء انتخابات جديدة.
وربما يخضع نتنياهو أيضاً لضغوط الشارع، فيوافق على وقف الحرب، لكنه سيتشدّد في رفض إطلاق بعض الأسرى الفلسطينيين بغية حمل «حماس» على رفض «صفقة» تبادل الأسرى الأمر الذي يتيح له العودة إلى شن الحرب والمساومة على وقفها لقاء مطالب تعجيزية يطرحها مجدداً. إلى ذلك، ثمة احتمال أن يتمسك نتنياهو بموقفه وشروطه ويعود إلى متابعة الحرب، مستنداً إلى واقعة امتلاكه اكثرية في الكنيست لا تقل عن 63 نائباً من اصل 120، وإلى اكثرية محسوسة لدى الجمهور الإسرائيلي، كما يتضح من استطلاعات الرأي التي تجريها بعض الصحف أسبوعياً.
أما إذا كان حليفه ترامب هو الفائز فإن نتنياهو سيصبح أكثر تطرفاً وتشدّداً وتعاوناً مع الوزيرين الأكثر منه تعصباً وعنصرية، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش الناشطين في توسيع رقعة الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية والمنادين بوجوب ضمها إلى الكيان، وكذلك إقامة مستوطنات في جنوب لبنان.
أطراف محور المقاومة يدركون بالتأكيد مخاطر الاحتمالات سابقة الذكر، ويحاولون تطويقها وتعطيلها. إيران، مثلاً، تباطأت في توجيه ضربتها الموعودة انتقاماً لاغتيال «إسرائيل» رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية في قلب طهران، لإدراكها أن تنفيذها قبل إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية من شأنه استنفار قوى اليمين الأمريكي المحافظ المؤيدة لترامب، كما قوى اليمين العنصري في كيان الاحتلال المؤيدة لنتنياهو.
غير أن تأجيل الضربة الانتقامية لا يعني إلغاءها. ذلك أن إيران، قيادةً وحرساً ثورياً وجماهير غاضبة، مصرّة على تنفيذ الضربة الانتقامية عاجلاً أو آجلاً.
أخيراً وليس آخراً، ما من أحد يمكنه التنبؤ في مَن سيكون الفائز هاريس أم ترامب، والسياسة التي سيعتمدها كل منهما إزاء أطراف محور المقاومة عموماً، وإيران خصوصاً.
هذا مع العلم أن الولايات المتحدة ليست في وضع مريح في الوقت الحاضر. فهي تشكو من تضخم كبير ينعكس سلباً على اقتصادها، وتنشغل كثيراً في حربٍ مكلفة في أوكرانيا ضد روسيا، وتتوجس من تنامي قدرات الصين اقتصادياً وتوسّع نفوذها ودورها سياسياً، كما تعاني واشنطن من تراجع نفوذها وانعكاس ذلك سلباً على مصالحها في دول غرب آسيا العربية والإسلامية من شواطئ البحر الأبيض المتوسط غرباً إلى شواطئ بحر قزوين شرقاً.
كل هذه المخاطر والتحديات ستنعكس بالضرورة على علاقتها مع «إسرائيل» ما قد يؤدي، على الأرجح، إلى تقليصٍ ولو قليلٍ من تأييدها الأعمى للكيان الصهيوني ومن تمويلها البالغ السخاء له.
يدرك أطراف محور المقاومة المخاطر والتحديات سابقة الذكر ويتحضُرون لمواجهتها. عسى أن يكونوا مدركين ايضاً أن أيّاً مَن يكون رئيس حكومة كيان الاحتلال في الحاضر والمستقبل فإن الجمهور الإسرائيلي، وبالتالي قياداته الفاعلة يبقى مترعاً بمطامع توراتية آمرة ومحفّزة تجعله معبّأ ومتوثّباً لمتابعة تأجيج الصراع مع العرب وحلفائهم من أجل تحقيق حلم اليهود الخرافي «ملكك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل».
من أجل تحقيق حلم اليهود الخرافي: «ملكك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل». خلاص العرب والعالم بأن يعتمدوا المقاومة دائماً وأبداً في مواجهة الصهيونية وكيانها وحلفائها.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه نتنياهو غزة ترامب هاريس غزة نتنياهو العدوان ترامب هاريس مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وقف الحرب
إقرأ أيضاً:
يوم “السكاكين الطويلة”.. كيف أربكت حماس “إسرائيل” إلى الأبد؟
#سواليف
على الرغم من الاختلال الفادح في توازن القوى العسكرية، بين حركة المقاومة الإسلامية ” #حماس ” و” #إسرائيل “، فقد أدخلت تداعياتُ #حرب_الإبادة على قطاع غزّة (2023-2025)، متغيراتٍ جديدة على الشكل الكلي للعلاقة بين الطرفين، ما قد يعني إمكانية تحوّلها، ضمن عملية صيرورة معقّدة، نحو توازنات مختلفة.
ويعكس هذا تآكل “القيمة النسبية” للأبعاد العسكرية في مستقبل العلاقة، في مقابل تصاعد وزن أبعاد “القوة الشاملة”، بما فيها الأبعاد المعنوية والرمزية والتحررية والسياسية، بما قد يُعزّز، في نهاية المطاف، قدرة حماس على الاستمرار في سياساتها التفاوضية، وربما تسجيلها “أهدافًا متكررة” في المرمى الإسرائيلي، دون أن تضطر لتقديم أشياء إضافية، لم يتم التوافق عليها في اتّفاق وقف إطلاق النار و #تبادل_الأسرى في قطاع #غزة (15/1/2025).
وفي سياق تحليل العوامل/ المحدّدات المؤثّرة في علاقة حماس بـ”إسرائيل”، وسياقاتها الخارجية، ومساراتها، في المدى المنظور، ثمّة أربع ملاحظات:
مقالات ذات صلة بلدية رفح تحذر من كارثة إنسانية جراء انقطاع المياه 2025/03/15الملاحظة الأولى: #العجز_الإسرائيلي
عجزت حكومة بنيامين نتنياهو عن حسم المعركة بالأداة العسكرية، على الرغم من دمجها بكل أدوات حرب الإبادة، مثل: ( استخدام تجويع المدنيين سلاحًا، وإحكام الحصار الاقتصادي عليهم، واستهداف متلقّي المساعدات الإنسانية عدة مرات، وتكرار الاستهداف المتعمّد للمستشفيات والملاجئ والمدارس ومنشآت البنية التحتية، وتنفيذ سياسات “الأرض المحروقة” و”التهجير” و”التطهير العرقي”، ضمن ما عرف بـ “خطة الجنرالات”.. إلخ). كما أخفق نتنياهو وأركان جيشه، في إرغام حماس خصوصًا، وفصائل المقاومة الفلسطينية عمومًا، على “رفع الراية البيضاء”، والنزول على شروط الاستسلام الإسرائيلية، في المفاوضات.
وعلى الرغم من مناورات التفاوض الإسرائيلية المتنوعة واللامتناهية، وقدرة نتنياهو على تعطيل صفقة تبادل الأسرى، عدة أشهر، فقد تصاعدت تدريجيًا ضغوط عائلات المحتجزين في قطاع غزّة، وتعالت الأصوات التي تطالب بتشكيل لجنة تحقيق في إخفاق الدولة في التعامل مع هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ما يعني أمرين:
أحدهما أن نتنياهو وأركان حكومته قد يواجهون، في أمد غير بعيد، يوم “السكاكين الطويلة”، وتبادل الاتهامات بالتقصير والمسؤولية عن الفشل، بين المستويين السياسي والعسكري.
والآخر محدودية أدوات الضغط الإسرائيلية المتبقية، وتآكل جدواها، ضد حماس وقطاع غزّة عمومًا، اللهم إلا في “شراء الوقت” و”التأجيل”، بعد وضوح نتيجة حرب الإبادة في فشل تهجير الغزيين، ناهيك عن كسر إرادة المقاومة.
الملاحظة الثانية: قدرة حماس على #الإرباك
أثبتت حماس قدرتها على “إرباك” الإستراتيجية الإسرائيلية وحرمانها ميزات “المبادرة الاستباقية”، ضد الجانب الفلسطيني؛ إذ يكشف نهج حماس التفاوضي معرفةً عميقة بالعقلية الإسرائيلية، وإمكانية التعويل على المقاومة في تفجير تناقضات الداخل الإسرائيلي وصراعاته، كما تجلّى من الرسائل في العبارات التي وضعتها كتائب القسّام في خلفيات مشاهد تسليم المحتجزين الإسرائيليين، (مثل: “نحن الطوفان… نحن اليوم التالي”، “الأرض تعرف أهلها.. من الأغراب مزدوجي الجنسية”، “اخلع حذاءك، فكل شبر من هذه الأرض روي بدماء الشهداء”، “وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق”، “نحن الطوفان.. نحن البأس الشديد”، صورة قائد كتائب القسام محمد الضيف التي كُتب عليها: “نستطيع أن نغير مجرى التاريخ”.. إلخ).
ويكشف تحليل هذه الرسائل مهارة حماس على الصعد التفاوضية والإعلامية والدعائية؛ إذ قدمت نموذجًا مختلفًا عن نهج “الاعتدال التفاوضي العربي”، منذ اتفاقيات فض الاشتباك بين كل من مصر وسوريا والجانب الإسرائيلي (1974 – 1975)؛ الذي أوصل الدول العربية إلى مسارات التسوية والتطبيع ( كامب ديفيد 1978، ومؤتمر مدريد 1991، واتفاقات أوسلو 1993)، بكل نتائجها السلبية على تماسك المواقف العربية وخلق التضارب بينها.
لقد نجحت حماس في المزاوجة بين المرونة والالتزام بثوابتها وحقوق شعبها، ودفعت “إسرائيل” إلى تغيير معاييرها في الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، على نحو أبرز درجة من “الندية السياسية”، عبر تحسين المركز التفاوضي الفلسطيني عمومًا، والتركيز على قيمة حرية الأسرى، بعد تشكّل طرف فلسطيني مقاوم على الأرض، يستطيع التعبير عن الإرادة الشعبية والتطلعات المجتمعية في تحرير الأسرى من جلاديهم.
وهي قضية تمس كل بيت فلسطيني تقريبًا، وذلك على عكس ما فعله المفاوض العربي والفلسطيني، الذي تجاهل قضية الأسرى، في إطار عملية التسوية، التي ركزت على العملية دون تحقيق السلام الحقيقي، خصوصًا في ظل مسار أوسلو المتعثر.
وعلى الرغم من أن عملية “التفاوض غير المباشر” بين حماس و”إسرائيل”، قد تكون أصعب مفاوضات في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي برمته، فإنها أدّت لثلاث نتائج متداخلة:
أولاها تأكيد “التفوق الأخلاقي” للشعب الفلسطيني على عدوه، وحرص كتائب القسّام على حسن التعامل مع الأسرى الإسرائيليين، (كما تجلّى في صورة المجند المحتجز عومرشيم كوف، الذي قبّل رؤوس آسريه من القسّام في منطقة النصيرات في 22 فبراير/ شباط 2025، ما يؤكّد اهتمام حماس بـ “معركة كسب العقول والقلوب”، بالتوازي مع صمود فصائل المقاومة الميداني.
وثانيتها تكريس مكانة حماس التفاوضية، وإسباغ درجة من “الشرعية الواقعية الإقليمية” عليها، بوصفها “طرفًا مفاوضًا ومسؤولًا وملتزمًا” أمام الوسطاء القطريين والمصريين، على الرغم من تصاعد التهديدات الأميركية، وتكرار المراوغات التفاوضية الإسرائيلية.
وثالثتها أن صمود العامل الفلسطيني وصلابة الإرادة، في مقاومة ضغوط العامل الأميركي الإسرائيلي، قد يحرّكان في نهاية المطاف قدرًا من المساندة العربية والإقليمية، والتوافق حول “الحد الأدنى”، المتمثل في رفض تهجير الشعب الفلسطيني، و”الحد الأقصى” المتمثل في أمرين؛ أحدهما العودة إلى دعم مسار الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967، بوصفه “مخرجًا واقعيًا” في التعامل مع تداعيات حرب الإبادة.
والآخر الانفتاح الرسمي العربي على قوى المقاومة الفلسطينية، التي تتلاقى مع الأهداف العربية المعلنة، في منع تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، وبهذا تلعب قضية فلسطين دور “الرافعة”، تمهيدًا لتأسيس حالة من “تماسك” النظام الإقليمي في المنطقة، ضد الضغوط الخارجية، خصوصًا الأميركية.
الملاحظة الثالثة: زيادة مستوى التعقيد
كان لطبيعة الصراع بين حماس و”إسرائيل” انعكاسات على زيادة مستوى التعقيد والتشابك في علاقتهما، خصوصًا بعد هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي جاء في سياق مقاومة تحولات المشروع الصهيوني بعد صعود تيارات “الصهيونية الجديدة”، ذات الطابع القومي/الديني، والتخلّي الإسرائيلي عن سياسات إدارة الصراع أو “تجميده”، والتوجّه نحو مرحلة “حسم الصراع”، بالتهجير والإبادة للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزّة، مع استمرار حصار غزّة وعزلها تمامًا عن الجسد الفلسطيني، ومنع أي احتمال لتوحيد الساحات الفلسطينية، (كما حدث إبان عملية سيف القدس في مايو/ أيار 2021).
وبهذا المعنى، تكون حرب غزّة الراهنة، أعادت تشكيل قواعد صراع حماس و”إسرائيل”، وكذا تفسير الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، معاني الانتصار والهزيمة؛ إذ سيعتمد الانتصار على القدرة على إدارة الصراع، والاستمرار في حشد الطاقات المجتمعية لدى الطرفين، في هذا “الصراع الاجتماعي السياسي المصيري الممتد”.
خصوصًا مع دخوله مرحلة الحسم، ربما في المدى المنظور، وتصاعد احتمال حدوث تصدّعات جوهرية في “إسرائيل” ومعسكر داعميها الدوليين والإقليميين، بالتوازي مع احتمال انتقال الصراع تدريجيًا نحو الضفة الغربية والقدس المحتلة، وربما وصولًا إلى اندلاع انتفاضة فلسطينية شاملة، بسبب “التصادم الحتمي”، بين مكوّنات الإستراتيجية الإسرائيلية: (العنف، وإرهاب الدولة، والإبادة، والتهجير)، في مقابل تداعيات مشاهد “العودة الفلسطينية” الملهمة، على الصعيدين الرمزي والسياسي.
إذ تابع العالم عودة المهجّرين قسريًا، إلى منطقة شمال غزة: (محافظتي غزة والشمال)، عبر شارع الرشيد سيرًا على الأقدام، التي أكدت “عظمة الشعب الفلسطيني، ورسوخه في أرضه، وانتصاره، وإعلان فشل وهزيمة الاحتلال ومخططات التهجير”، كما قالت حماس في بيانها في 27 يناير/ كانون الثاني 2025.
الملاحظة الرابعة: أثر البيئة الخارجية
للبيئة الخارجية، الدولية والإقليمية، أثر على علاقة حماس بـ”إسرائيل”، في ظل تفاعل الضغوط الأميركية في موضوع تهجير أهالي قطاع غزّة، والاعتراض الأممي والدولي عليه، وبروز التحفظ المصري، السعودي، التركي، الإيراني على أطروحات الرئيس دونالد ترامب، بالتوازي مع تآكل أوراق الضغط الإسرائيلية على حماس وقطاع غزّة، بعد استنفاد كل أساليب الضغط المتاحة؛ (سواء عبر الضغط العسكري، أم التجويع والحصار والتهجير، أم شنّ الدعاية والحروب النفسية، كما سلف القول).
وليس مبالغة القول إن هذه التفاعلات الدولية والإقليمية المركّبة تؤكد أن تأثير تبادل الأسرى في نمط العلاقة بين حماس و”إسرائيل”، يكشف مفارقة مهمّة، تُظهر تضعضع صورة نتنياهو وحكومته أمام الجمهور الإسرائيلي، خصوصًا عائلات الأسرى، في مقابل تعزيز صورة حماس أمام أهالي غزّة والشعب الفلسطيني، وكذلك أمام العالم، بوصفها “حركة تحرر وطني”، تعمل على تحرير الأسرى والإنسان والأرض الفلسطينية، من سيطرة الاحتلال الغاشم.
يبقى القول إن المحصلة النهائية لتداعيات حرب غزّة تدفع بالعلاقة بين حماس و”إسرائيل” نحو “توازنات مختلفة”، تعكس طبيعة معارك التحرر الوطني، أكثر من معادلات توازن القوى، بالمنظور الواقعي في العلاقات الدولية، علمًا بأن طبيعة “المرحلة الانتقالية” التي يمرّ بها النظامان الدولي والإقليمي، تسمح، أقله نظريًا، للفاعلين الدوليين والإقليميين بتخفيف قيود بنية النظامين الدولي والإقليمي، (كما تفعل تركيا وإيران وقطر وجنوب أفريقيا.. إلخ).
كما أن تمادي دولة الاحتلال في عدوانها على فلسطين ولبنان وسوريا، وإقليم الشرق الأوسط عمومًا، ربما يدفع إلى تصاعد الصراعات الإقليمية، نحو خروج الأمور عن السيطرة، وبروز تياراتٍ راديكاليةٍ، جهاديةٍ، أو حتى فوضويةٍ عنفيةٍ، بالتوازي مع تدشين مسار عمليةٍ عالميةٍ طويلةٍ لعزل “إسرائيل” ومعاقبتها على جرائمها، خصوصًا بعد انضمام دولٍ عدّةٍ إلى قضية الإبادة المرفوعة من قبل جنوب أفريقيا ضدّ “إسرائيل”.
وكذلك بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحقّ كلّ من بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق، يوآف غالانت، وهي جوانب هامة تعزز “الانتصارات المعنوية” لقضية فلسطين، وتؤكد أبعادها السياسية والتحررية والإنسانية، في مقابل وضوح فشل “السردية الإسرائيلية/ الأميركية”، التي ستبقى تحاول شيطنة الإنسان الفلسطيني العربي، وتجريم حق الشعوب في المقاومة المشروعة للظلم والإرهاب.