معركة جديدة للإحتلال .. الصين تملأ الفراغ الغربي في أفريقيا
تاريخ النشر: 9th, September 2024 GMT
كان الرئيس الصيني شي جين بينغ أقل تحفظا أمام زعماء نحو 50 دولة أفريقية خلال منتدى التعاون الصيني الأفريقي في بكين، حين قال في خطابه: “إن عملية التحديث التي يقودها الغرب في أفريقيا تسببت في معاناة كبيرة لشعوب المنطقة”. يأتي ذلك في وقت تزداد فيه المخاوف الأميركية والغربية أيضا من هذا “الغزو الصيني الناعم” للقارة الأفريقية التي كانت معقلا تقليديا لنفوذه.
التغيير ــ وكالات
يضيف الرئيس الصيني، في المنتدى، الذي اختتم يوم السادس من سبتمبر 2024، متطرقا إلى أحد أبرز أسباب التقارب الصيني الأفريقي: “بدءا من منتصف القرن العشرين، حاربت الصين والدول الأفريقية معا ضد الإمبريالية والاستعمار ويجب علينا أن نواصل طريق التحديث والنمو معا”.
جاء خطاب شي جين بينغ مختلفا، فقد دأبت الصين غالبا إلى التأكيد أن شراكاتها لا تستهدف “أي طرف ثالث”، في إشارة إلى الغرب نفسه -المستعمر أو الحليف التقليدي السابق لمعظم البلدان الأفريقية- لكن اطمئنان شي إلى رسوخ علاقات الصين الأفريقية وإلى تنامي قوة بلاده، وخصوصا تغير نظرة أفريقيا للغرب جعلته يصرح بما كان سابقا يخفيه بمنطق الصبر الإستراتيجي وطول النفس الصيني المعهود.
طموح الصين وهواجس أفريقياحتى سنوات قليلة ماضية، كانت الصين في قائمة بلدان العالم الثالث -وفق المعايير والتصنيفات الجيوسياسية القديمة- جنبا إلى جنب مع الدول الأفريقية نفسها ومعظم الدول الآسيوية، لكنها صعدت إلى مركز الريادة العالمية اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وتكنولوجيا، بما يشبه المعجزة، لتطرح نفسها “بديلا موثوقا” لأفريقيا.
عمليا بات بإمكان الصين أن تقدم كل شيء لأفريقيا، من لعب الأطفال إلى مشاريع البنية التحتية الضخمة والقروض والتكنولوجيا فائقة الدقة، وهذا ما يؤرق الغرب الذي كان يحتكر كل ذلك.
يشير محللون إلى أن أفريقيا تغيرت أيضا بما يخدم مصلحة الصين كقوة كبرى ومعززة بكل عوامل التفوق تلك. ففي السنوات الأخيرة ازدادت هواجس الدول الأفريقية وإحباطها من “عملية التحديث التي يقودها الغرب في أفريقيا” -وفق تعبير الرئيس الصيني- فلا الديمقراطية تحققت، ولا التنمية الحقيقية على النمط الغربي حصلت. وبقيت البلدان الأفريقية في معظمها تراوح مكانها في مربعات الفقر والجهل والمرض والفساد والانقلابات العسكرية والديون التي تجاوزت تريليون دولار عام 2023 حسب تقرير البنك الأفريقي للتنمية.
بدا أن تحويل الكثير من الدول الأفريقية البوصلة نحو الصين -بدرجة أقل روسيا وتركيا- يمثل بشكل ما استيعابا لدرس عقود من “الإهمال الغربي لأفريقيا”، ونتيجة لذلك “الإحباط في العالم النامي وتطلعاته” وفق توصيف صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
قبل 4 سنوات، جاءت أزمة لقاحات كورونا، التي أهملت فيها أفريقيا بشكل جعلها الأكثر تضررا، كجزء من هذا الدرس، ثم أتت مفارقة منح الدول الغربية نحو 500 مليار دولار من المساعدات المختلفة لأوكرانيا في ظرف سنتين، بما يفوق ما منح لأفريقيا خلال عقود، منها نحو 50 مليار دولار كقروض ومساعدات من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، تأكيدا لهذا الدرس.
بشكل عام، يمكن فهم متلازمة الانقلابات التي شهدتها بعض دول الساحل والصحراء وإنهاء النفوذ الفرنسي والأميركي فيها (النيجر ومالي وبوركينا فاسو وبدرجة أقل تشاد) وكذلك أفريقيا الوسطى وغيرها، والاتجاه نحو روسيا والصين في سياق إحباطات أفريقية، ومراجعات وجرد لمكاسب الارتباط لعقود بالغرب، جاءت نتائجه سلبية لتعزز فك الارتباط والبحث عن خيارات أخرى.
يشير محللون إلى أن الغرب لا يتحمل وزر كل أزمات القارة الأفريقية المعقدة، لكنه بالمحصلة جزء مهم رئيسي منها، ويعكس ذلك التحول الفارق في مقاربة معظم الدول الأفريقية لعلاقاتها السياسية والاقتصادية تبعات إرث استعماري وعقودا من الفشل الاقتصادي والتنموي وفق المقاربات الغربية، وانتشار الفقر والفساد رغم الثروات الضخمة التي تمتلكها في ظل أحادية العلاقة مع الدول الغربية.
في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2023، انتقد الرئيس الغاني نانا أكوفو آدو بشكل حاد -وهو مقرب من الغرب- تلك العلاقة غير المتوازنة وغير المثمرة، حين قال: “الكثير من ثروات الغرب تم بناؤها من دماء ودموع ورعب تجارة العبيد وقرون من الاستعمار والاستغلال”.
من جهته، قال القائد العسكري لغينيا (المستعمرة الفرنسية السابقة) مامادو دومبويا أيضا على المنبر نفسه: “لقد حان الوقت للكف عن إلقاء المحاضرات علينا ومعاملتنا مثل الأطفال”، وفي كل ذلك إشارة إلى نهاية حقبة من “الوصاية”.
وفي سياق تلك التحولات، تنقل صحيفة نيويورك تايمز عن إريك أولاندر، رئيس تحرير موقع “مشروع الجنوب العالمي للصين” (China Global South Project) قوله: “إن الصين تحاول الاستفادة من الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وأوروبا، اللتان تنفصلان بشكل متزايد عن أفريقيا”. ويبدو أن هذا الانفصال يتم بزخم سريع مقابل تمدد الأواصر الأفريقية مع الصين.
بناء الجسور وملء الفراغاتمنذ سنة 2000، حين أنشئ منتدى التعاون الصيني الأفريقي (FOCAC) بدأ التوجه الصيني نحو أفريقيا بمنطلقات جديدة، وباتت بعد نحو عقدين أكبر شريك تجاري للقارة، والمستثمر الأكبر فيها، وهي أكبر دائن لها أيضا، وما زال هذا المنتدى الذي يعقد كل 3 سنوات يمثل حجر الرحى في العلاقات الأفريقية الصينية، وانبثقت عنه عمليا 36 وكالة تنفيذية.
ويعد المنتدى أحد البرامج والمبادرات والتجمعات التي أطلقتها بكين، لتحفيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع دول الجنوب العالمي، بما فيها أفريقيا، ومنها “مبادرة الحزام والطريق” (عام 2013) التي تضم 52 دولة أفريقية، و”مبادرة التنمية العالمية” (عام 2021)، التي تهدف إلى تضييق الفجوة بين الشمال والجنوب، إضافة إلى “مبادرة الحضارة العالمية” و”مبادرة الأمن العالمي” التي يندرج ضمنها “منتدى السلام والأمن الصيني الأفريقي”.
ودأبت الصين في سياق التحولات العالمية والصراعات الجيو إستراتيجية للترويج لنفسها باعتبارها نموذجا ومرجعية “أكثر فائدة لأفريقيا من الغرب”، نظرا إلى أنها تتشارك مع دولها “الخلفيات التاريخية المتشابهة، ونقاط انطلاق متماثلة، ومهمة مشتركة تتمثل في ضرورة التحول السريع، وفق شي جين بينغ، الذي بات يعتبر بلاده “المدافعة عن العالم النامي”.
ومقابل “إهمال” الغرب لأفريقيا، تتسم سياسة الصين في القارة بطابع مؤسسي شديد التنظيم، لا تركز على الاقتصاد فقط، بل أيضا على الجوانب السياسية والبرلمانية والتعليمية والإعلامية والأمنية والعسكرية ويتم تحت إشراف مباشر من كبار مسؤوليها وقادتها.
فبين عامي 2008 و2018، زار كبار المسؤولين الصينيين أفريقيا 79 مرة، وقام الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني والرئيس شي جين بينغ بين عامي 2014 و2020 بـ10 زيارات إلى أفريقيا مقابل 48 زيارة لوزير الخارجية وانغ يي.
وعلى الصعيد السياسي يعمل المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني (التابع للحزب الشيوعي الصيني) مع 59 منظمة سياسية في 39 دولة أفريقية، ويرتبط بعلاقات مع 35 برلمانا أفريقيا.
كما تدير إدارة الاتصال الدولي للحزب الشيوعي الصيني -وهي جهاز تابع للجنة المركزية ووكيل تنفيذي لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي- بعلاقات مع 110 أحزاب سياسية في 51 دولة أفريقية، وتشرف إدارة الجبهة المتحدة باللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني على أكثر من 30 “جمعية واجهة” في 20 دولة أفريقية، وفق بيانات مركز الدراسات الإستراتيجية لأفريقيا.
ومنذ عام 2018، تستضيف الصين سنويا مسؤولين حكوميين أفارقة وملحقين عسكريين وأمنيين من 50 دولة أفريقية لمدة أسبوعين، لحضور ندوات وزيارة مواقع جيش التحرير الشعبي والبحرية، تتولى تدريب قوات أمنية وعسكرية. وتتولى أيضا تدريب آلاف الطلاب والمهنيين الأفارقة، بنسبة أكثر من أي دولة صناعية أخرى، وفق تقرير لمجلة فورين أفيرز الأميركية.
وحسب بيانات وزارة التعليم الصينية، يبلغ عدد الطلاب الأفارقة المسجلين في المؤسسات الصينية أكثر من 81 ألف طالب عام 2018، مقارنة بأقل من 2000 في عام 2003، وهو ما يمثل 16.5% من إجمالي الطلاب الأجانب في البلاد. وتشير منظمة اليونسكو إلى أن 16% من جميع المنح الدراسية للطلاب الأفارقة تتم عبر الحكومة الصينية.
وتخطط الصين أيضا لتدريب 500 مدير ومعلم من ذوي الكفاءة العالية في الكليات المهنية كل عام، و10 آلاف موظف فني لتدريبهم على اللغة الصينية والمهارات المهنية.
وحسب آخر الإحصاءات (عام 2019) قدمت الصين نحو 50 ألف منحة جامعية للطلاب الأفارقة سنويا، و50 ألف حصة تدريبية لموظفي الخدمة المدنية، وكبار المسؤولين التنفيذيين والقادة الطموحين، و2000 حصة تدريبية للشباب بينها حوالي 10% مخصص لقطاع الأمن في أفريقيا. وتنتشر أيضا معاهد كونفوشيوس لتعليم اللغة الصينية في 46 دولة أفريقية، إضافة إلى مدارس الحزب الشيوعي الصيني في بعض البلدان.
وتمثل هذه الأنشطة المتنوعة، التي “تستثمر في بناء رأس المال الاجتماعي والبشري إضافة إلى مشاريع البنية الأساسية العملاقة” -حسب تقرير لفورين أفيرز- توسعا هائلا لنفوذ الصين في مختلف أنحاء القارة، يستند إلى تصور واضح للأهمية الجيوسياسية لأفريقيا حاضرا ومستقبلا. وتشير الصحيفة إلى أن جهود بكين تؤتي ثمارها مبدئيا، حيث يقيّم 63% من الأفارقة نفوذ الصين في القارة بشكل “إيجابي”.
وتحصد الصين ثمار هذه الإستراتيجية سياسيا المحافل الدولية، في سياق صراع دولي على النفوذ، وتجتذب البلدان الأفريقية أكثر إلى رؤيتها للعالم، فقد أقنعت من 50 دولة أفريقية في الأمم المتحدة بعدم الاعتراف بتايوان كدولة أو إلغاء الاعتراف بها كدولة، باستثناء دولة إسواتيني (سوازيلاند سابقا)، وهي واحدة من بين 13 دولة في العالم ما زالت تعترف بتايوان.
الوسومأطماع أفريقيا الصين المنتدي الصيني الأفريقيالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: أطماع أفريقيا الصين
إقرأ أيضاً:
في الـ71 من عمره وحطم أرقاما قياسية.. من هو نجم ألعاب القوة الصيني جين هوي؟
في قصة ملهمة تُثبت أن العمر مجرد رقم، سطع نجم الرياضي الصيني جين هوي، البالغ من العمر 71 عامًا، ليُذهل عالم ألعاب القوى، محطمًا الأرقام القياسية في بطولة الصين لألعاب القوى 2024، ما جعل كثيرين يتبادلون قصته عبر منصات التواصل الاجتماعي لما يتمتع به من إرادة قوية.
جين هوي «العم المتشدد»لُقِب الرياضي جين هوي بـ«العم المتشدد» في الصين؛ إذ لم يكتفِ بالفوز بخمس ميداليات ذهبية في فئته العمرية فحسب، بل أصبح أول صيني يتجاوز السبعين من عمره يقطع مسافة 100 متر في أقل من 14 ثانية، حسب ما ورد على موقع «odditycentral».
وجاء هذا الإنجاز المذهل خلال بطولة تنافس فيها رياضيون من أعمار 35 إلى 84 عامًا؛ إذ أظهر جين هوي تفوقًا ساحقًا في جميع المنافسات التي خاضها؛ فبعد مشاركته الأولى في البطولة عام 2023 وتحقيقه المركز الثاني في سباق 100 متر بزمن قدره 15.26 ثانية، عاد هذا العام ليُبهر الجميع بأداء استثنائي.
تحطيم الأرقام القياسيةوتحدث «جين» لقناة «CCTV News» عن إنجازه الهائل، قائلًا: «شاركت في 5 أحداث ببطولة الماسترز هذه وفزت بالميداليات الذهبية في جميعها.. لقد استمتعت، كان تحطيم الأرقام القياسية أسعد لحظة في حياتي، إنه شعور رائع أن تكسر حدودك».
لم يقتصر تألق «العم المتشدد» على سباق 100 متر، بل امتد ليشمل سباق 200 متر، والقفز الطويل، وسباق التتابع 4× 100 متر، وسباق التتابع 4× 400 متر، مُثبتًا مهاراته الرياضية الفائقة في كل منافسة، وفي سباق 100 متر التاريخي، قطع جين هوي المسافة بزمن قدره 13.97 ثانية، مُسجلًا رقمًا قياسيًا وطنيًا جديدًا لفئته العمرية، ليُصبح أول صيني يُحقق هذا الإنجاز.
بداية جين هوي في ممارية رياضة الجريوالمُثير للدهشة أكثر، أن جين هوي لم يبدأ ممارسة ألعاب القوى إلا بعد تقاعده من وظيفته كعامل صيانة في مصنع للصلب في منغوليا الداخلية عام 2008؛ فبعد فترة من التردد بشأن كيفية قضاء وقت فراغه، شجعه ابنه على الانضمام إلى فريق كرة القدم الأول في تشينغداو، ورغم أنه لم يكن يتمتع بمهارات عالية في البداية، فإنه أصر على التدريب بجدية أكبر من أي شخص آخر.
«نظرًا لأنني لم أكن أمتلك مهارات جيدة، فقد ركضت 7000 متر بينما ركض الآخرون 5000 متر، وهكذا طورت لياقتي البدنية»، حسب جين هوي، الذي أشار إلى أن هذا الأسلوب في التدريب هو الذي لفت انتباه زملائه في الفريق إلى سرعته، ما دفعهم إلى اقتراح تسجيله في مسابقة الجري.