تواجه البنوك التجارية اليمنية، في مناطق سيطرة الحوثيين، أزمة سيولة غير مسبوقة باتت تهددها بالإفلاس مع استمرار قبضة الجماعة على العمل المصرفي، ومصادرة أرباح الودائع وفوائد أذون الخزانة والدين العام بحجة تحريم الربا، حيث اضطرت هذه البنوك إلى وقف السحب من أموال المودعين، وسرّحت أعداداً كبيرة من الموظفين.

 

ونقلت صحيفة«الشرق الأوسط» عن مصادر في القطاع التجاري في صنعاء أن كثيراً من البنوك التجارية مهدد بالتوقف عن العمل وسط مخاوف المودعين من إفلاسها؛ بسبب مصادرة الحوثيين عوائد أذون الخزانة والدين المحلي، التي كانت تستثمر فيها البنوك التجارية أموالها.

 

ومن ضمن الأسباب - وفق المصادر- أن الجماعة الحوثية أتبعت ذلك بقرار مصادرة الأرباح كافة على الودائع، ومنع العمل المصرفي بحجة تحريم الربا، إلى جانب احتجاز نسبة 30 في المائة من أموال البنوك التجارية في فرع البنك المركزي بصنعاء.

ووفق هذه المصادر، فإن الحوثيين يقايضون البنوك بالحصول على جزء من أموالها لدى فرع البنك المركزي اليمني بصنعاء، ولكن بسعر للدولار الأميركي الواحد يصل إلى 3 آلاف ريال يمني، في حين أن الحوثيين يفرضون على البنوك وشركات الصرافة بيع الدولار بمبلغ 500 ريال فقط، ولهذا ستؤدي أي خطوة من البنوك لاستعادة جزء من أموالها إلى خسارة كبيرة نتيجة الفارق الكبير في سعر الدولار داخل البنك المركزي وفي السوق.

وتعاني مجموعة من البنوك التجارية في صنعاء - بحسب المصادر- من أزمة سيولة خانقة، ناتجة عن مصادرة عائدات أذون الخزانة والدين الداخلي للحكومة، واستيلاء فرع البنك المركزي الذي يديره الحوثيون على تلك العائدات ابتداءً بخفض أرباحها إلى الصفر، ومن ثم تحويل الودائع إلى حسابات جارية، واعتماد الأرباح التي صُرفت في السابق عن تلك الودائع على أنها أموال غير شرعية، ولهذا يتم احتسابها من القيمة الأصلية للوديعة.

أزمة خانقة
أفادت 3 مصادر عاملة في البنوك التجارية الخاضعة للحوثيين بأن غالبية البنوك قامت بتسريح جزء كبير من موظفيها؛ نتيجة الأزمة المالية التي تواجهها، وبأنها خفّضت مقدار المبلغ الشهري الذي كان يُعطى للمودعين من 20 دولاراً إلى نحو 20 دولاراً.

وذكرت المصادر أن بعض البنوك أوقفت صرف هذا المبلغ المتدني خلال الأيام الأخيرة؛ بسبب العجز الكبير في السيولة، مع استمرار الحوثيين في منع تداول الطبعة الجديدة من العملة المحلية، وتهالك الطبعة القديمة المتداولة هناك.

 

إلى ذلك، أكدت مصادر مصرفية أن منظمات إغاثية أممية ودولية تواجه تحدياً كبيراً في التصرف بأرصدتها البنكية نتيجة الأزمة التي تواجهها البنوك التجارية، وأن كثيراً من البنوك لجأت إلى إنشاء إدارات إقليمية في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية منفصلة عن مناطق سيطرة الحوثيين، في مسعى لاستئناف العمل المصرفي في تلك المناطق، حيث ازدهر عدد من البنوك التجارية التي افتُتحت أخيراً، أو تلك التي استبقت إجراءات الحوثيين وأقامت إدارات مستقلة في مناطق سيطرة الحكومة.

ويرى مطهر العباسي، وهو نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق في الحكومة اليمنية، أنه مع إصدار الحوثيين بداية عام 2023، قانوناً بمنع التعاملات الربوية «تعمّق التقسيم النقدي والمصرفي»، وأُصيب قطاع البنوك بالشلل التام في مناطق نفوذهم، حيث قضى على المصداقية والثقة بين البنوك وكل من المدّخرين والمستثمرين.

ويذكر العباسي، وهو أيضاً أستاذ للاقتصاد في جامعة صنعاء، أن البيانات والتقارير تشير إلى أن معظم البنوك في مناطق سيطرة الحوثيين «في حالة إفلاس»، وتواجه أزمة حقيقية في السيولة من النقدَين المحلي والأجنبي، على حد سواء.

وأضاف المسؤول اليمني والأستاذ الجامعي: «يمكن القول إن القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين يكاد يكون معاقاً وعاجزاً عن المساهمة في تمويل الأنشطة التجارية والاقتصادية».

مخاطر الإفلاس
كانت ورقة بحثية اقتصادية نبّهت إلى ارتفاع مخاطر التعثر وإفلاس البنوك التجارية في مناطق سيطرة الحوثيين؛ بسبب أزمة السيولة الحادة؛ نتيجة عديد من الممارسات المُقوّضة للعمل المصرفي.

وبيّنت الورقة، التي نشرها «مركز اليمن والخليج للدراسات»، أن كثيراً من البنوك، أغلقت عديداً من الأقسام والأعمال، حيث لم تعد تقدم أي خدمات، في حين اقتصر العمل في بعض الأقسام على عدد لا يزيد على 5 موظفين في الفرع الواحد.

 

وأعادت الورقة البحثية سبب أزمة السيولة إلى احتجاز أرصدة البنوك، من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء الذي يديره الحوثيون، حيث استفحلت مأساة البنوك، مع ضخامة المبالغ المحتجَزة من قبله، في حين أن البنوك التجارية كانت تستثمر أغلب أرصدتها، إضافة إلى ودائع العملاء، في أذون الخزانة، وأدوات الدين العام بالبنك المركزي بصنعاء، منذ ما قبل سيطرة الحوثيين على البنك في نهاية عام 2014.

وطبقاً لما ذكره الصحافي الاقتصادي وفيق صالح، فإن الإجراءات التي اتخذها الحوثيون جعلت بنوكاً تجارية تدفع رواتب موظفيها بشكل جزئي، وعلى فترات طويلة، كما جعلت السحب وفقاً لحجم السيولة المتوفرة.

ورأى صالح أن البنوك تلقت خلال هذه الأزمة «الضربة الأعنف»، التي تمثلت بالشلل الكبير الذي أصابها في التعامل مع القطاع التجاري، وهو في تقديره مؤشر على «انعدام الثقة، وهشاشة الوضع» القائم في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية.

 

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

رغم توقيعها الاتفاق مع دمشق.. لماذا تعتقل قسد أبناء العشائر العربية بمناطق سيطرتها؟

سجلت مناطق شمال شرقي سوريا الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) منذ توقيع زعيم الأخيرة مظلوم عبدي اتفاقاً مع الرئيس السوري أحمد الشرع، في 10 آذار/ مارس الحالي، عشرات حالات الاعتقال الموثقة بحق أبناء العشائر العربية من الذين شاركوا في احتفاليات الثورة السورية، أو رفعوا علم سوريا.

وأفرجت "قسد" تحت الضغط الشعبي، عن بعض المعتقلين، وخاصة بعد المطالبات بوقف الاعتقالات، ومطالبة الحكومة السورية بالتدخل للإفراج عن المعتقلين، واتخاذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم.

وذكر بيان صادر عن ناشطين من أبناء المحافظات الشرقي، أن الاعتقالات طالت مؤيدين للحكومة السورية أو أنصار للثورة، إضافة إلى أشخاص شاركوا في إحياء الذكرى الرابعة عشرة للثورة.

وكان من المُنتظر بعد التوصل للاتفاق الذي ينص على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة لـ"قسد" ضمن مؤسسات الدولة السورية، أن تفتح "قسد" مناطقها، وأن تُلغي الاعتقالات بحق الموالين للدولة السورية، لكن ما جرى خلال الأيام الماضية، كان مخالفاً للتوقعات.


ويفسر الكاتب والسياسي الكردي علي تمي، إلى "وجود تيارات داخل قسد"، ويقول: " نعم من يقود الميدان هو حزب العمال الكردستاني، أما قسد فهي مجرد واجهة للتعاطي مع التحالف الدولي، هناك تصاعد في الاعتقالات والسبب أن هناك طرف داخل "قسد" يعارض تسليم المنطقة للحكومة ويستعد للحرب".

ورجح في حديثه لـ"عربي21"، أن لا يطبق الاتفاق الموقع بين الشرع وعبدي، لسببين الأول أن قرار "قسد" هو عرضة للمصادرة، وبالتالي لا تستطيع الالتزام بتعهداتها، أما السبب الثاني، بحسب تمي، على صلة بتركيا التي لن تسمح أبدا ببقاء هذا الحزب في سوريا.

وكانت شبكة "الخابور" المراقبة للأحداث في شمال شرقي سوريا، قد أكدت أن "قسد" لا تزال تعتقل بعض عناصرها من الذين أُلقي القبض عليهم في 10 آذار الجاري، وذلك على خلفية الاحتفالات التي رافقت توقيع الاتفاق بين الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي.

ويقول رئيس "المجلس الأعلى للقبائل السورية"، الشيخ مضر حماد الأسعد، إن "قسد" تعرضت لضغط دولي وسياسي (أمريكي)، وعسكري (تركي) حتى ذهبت نحو الاتفاق مع الدولة السورية، ما يعني أنها أجبرت على الاتفاق، ولذلك هي تماطل في تطبيق بنوده.

حسابات متعلقة بالعشائر العربية
ويضيف لـ"عربي21" أنه بعد الاتفاق أخذت العشائر العربية دعماً كبيراً من القيادة السورية ومن الشعب السوري، وهذا ما أخاف "قسد"، ودفعها إلى شن الاعتقالات بحق كل من يظهر الولاء للدولة السورية في مناطق سيطرتها، وخاصة من المكون العربي.

وبجانب ذلك، تحدث حماد الأسعد عن صراع أجنحة تعيشه "قسد"، بين تيار داعم للاتفاق مع الدولة السورية، وآخر يتبع لـ"العمال" الكردستاني (قنديل)، يرفض الاتفاق، ويمعن في الانتهاكات بحق المدنيين.

وقال الشيخ القبلي، إنه لم يبق أمام "قسد" إلا المماطلة في تنفيذ البنود التي تم التوافق عليها مع دمشق، وأضاف: "تقوم "قسد" بتنفيذ الاعتقالات للقول إنها لا زالت الطرف المسيطر.


قطع الطريق على حكومة دمشق
أما الباحث بالشأن السوري أحمد السعيد، يرى أن الاعتقالات بحق المدنيين، يأتي في إطار "تحسب قسد لفشل الاتفاق"، موضحاً لـ"عربي21" أن "قسد تخشى أن يكون هناك صلة لهؤلاء مع الدولة السورية، واعتقالهم يأتي في إطار قطع الطريق على حكومة دمشق".

وكان ناشطون قد طالبوا الحكومة السورية في دمشق بالتدخل العاجل للإفراج عن جميع المعتقلين واتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم، وحذروا من أن "التهاون مع هذه الممارسات قد يؤدي إلى تصعيد أوسع ويفتح الباب لمزيد من التجاوزات بحق المدنيين".

وتسيطر "قسد" على محافظتي الرقة والحسكة وريف دير الزور الشرقي، وهي مناطق غنية بالثروات النفطية والزراعية. 

مقالات مشابهة

  • خريطة حديثة توضح مواقع سيطرة الحكومة السودانية
  • جريمة بشعة في صنعاء تحت سيطرة الحوثيين: عصابة تقتل رب أسرة أمام زوجته وأطفاله
  • أزمة بيئية غير مسبوقة.. كوريا الجنوبية تواجه صعوبة باحتواء حرائق الغابات
  • مجلس الأمن القومي الأميركي: نراجع الطريقة التي أُضيف بها صحفي لمجموعة بشأن الحوثيين باليمن
  • الأهلي يتخذ خطوة رسمية جديدة في أزمة القمة.. تعرف عليها
  • بيان عاجل من القوات المسلحة السودانية: مستمرون في تطهير البلاد من المليشيات
  • بيان البنك المركزي التركي بعد الاجتماع مع ممثلي البنوك
  • "المركزي" التركي يجتمع مع البنوك التجارية لبحث أزمة السوق
  • لإثبات وجودها في العراق.. الكشف عن استراتيجية جديدة لعصابات داعش
  • رغم توقيعها الاتفاق مع دمشق.. لماذا تعتقل قسد أبناء العشائر العربية بمناطق سيطرتها؟