الجرحى والمرضى يعيشون أوضاعًا مأساوية في غزة
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
تئن سوسن ذات (26) عاما من الألم فقد أصيبت بسرطان القولون قبل عام ونصف العام، وجهها شاحب وجسمها نحيل لا تستطيع الوقوف أكثر من خمس دقائق، جلست أمامي وهي تبكي: «أعاني من الموت البطيء، لا استطيع الوقوف أو السير مطلقًا اصرخ طوال الليل بسبب الألم الذي أصاب جسمي، لا يوجد علاج منذ أن تم تدمير مستشفي الصداقة التركي من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي وهو المستشفى الوحيد الذي كنت أتلقى العلاج فيه، كان من المفترض أن أتلقى أكثر من جلسة للعلاج الكيميائي بعد إجراء العملية الجراحية التي فقدت بعدها جزءا كبيرا من أمعائي، لكن هدم الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى حرمني من ذلك، كنت على قائمة الانتظار للسفر إلى جمهورية مصر العربية لكن إغلاق معبر رفح البري أحال بيني وبين سفري للعلاج».
لم تقوَ على الحديث أكثر فأخبرتني والدتها المسنة التي ترعاها أنها تذهب يوميًا للمستشفي من أجل الحصول على بعض المسكنات القوية أو بعض العقاقير التي تساعد على النوم لكن دون جدوى. «لا يوجد علاج داخل المستشفيات، كنا نقضي يومًا كاملا ونحن نبحث عن مسكن للألم، نبحث أيضًا داخل الصيدليات ولكن دون جدوى، قلبي يعتصر ألما وأنا أنظر لابنتي وهى تتألم دون قدرتي على مساعدتها أو التخفيف عنها أو حتي توفير الطعام الذي يعزز من المناعة لديها في ظل انتشار المجاعة ونقص الطعام».
أما الطفلة سماح ذات (10 أعوام) فكانت برفقة والدتها وهي على كرسيها المتحرك متجهه إلى جناح أحد المستشفيات المكتظة في غزة ترتدي فستانا أزرق اللون، تضع غطاء فوق رأسها بعد أن فقدت شعرها بالكامل، وتظهر علامات النحافة الشديدة على جسدها جراء إصابتها بسرطان الدم، مما تسبب في تدمير جهازها المناعي واستنزاف قواها لتصبح غير قادرة على المشي أو حتي الحديث.
ويقول الطبيب المعالج: إن العلاج الكيميائي سيساعدها على التعافي، لكنها لا تستطيع الحصول عليه في غزة، كما أنه ليس بمقدورها الخروج من القطاع لتلقي العلاج بعد أن أغلقت القوات الإسرائيلية المنفذ الوحيد للخروج عبر معبر رفح على الحدود مع مصر.
قالت سماح: «من قبل شهر، لم تعد لدي القدرة علي المشي والتنقل، كل يوم تزداد حالتي سوء، أعاني من آلام شديدة، أتمني أن أعود للسير واللعب مع صديقاتي، لا أستطيع النوم ليلًا، أخاف من صوت القصف، كما أخشي أن أموت بسبب القصف ويهرب الجميع ويتركوني لأنني لا أستطيع المشي، نفسي يفتح المعبر وأقدر أسافر وأتعالج وأرجع أمشي زي زمان، نفسي شعري يرجع زى الأول».
وقالت ختام (43) عامًا، والدة سماح: «إن ابنتها حصلت على تحويلة طبية للعلاج بالخارج، وكانت تأمل في إخراجها قبل إغلاق الحدود وإغلاق المعبر بعد أن أصبحت مستشفيات قطاع غزة خالية من الأدوية والإمكانيات والأجهزة الطبية بعد اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي عليها مع بداية الدخول البري لقطاع غزة».
كما أضافت: «إن سماح تحتاج لعلاج كيميائي مكثف وفحوصات وصور أشعه وتحاليل، بالإضافة لحاجتها لزراعة نخاع شوكي، كان من المقرر أن تُجري لها العملية بعد أن وجدنا تطابقا بين خلاياها وخلايا دم أحد أشقائها».
يعيش الجرحى والمرضى، وتحديدًا مرضى السرطان، أوضاعًا مأساوية في قطاع غزة، لا سيما في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على القطاع، وانهيار المنظومة الصحية، ونقص الإمكانيات والمستلزمات الطبية وإغلاق معبر رفح البري من قبل الجيش الإسرائيلي.
وقد صرح الدكتور محمد أبو ندى، رئيس مشفى الصداقة التركي، المختص في علاج مرضى السرطان في قطاع غزة: «لقد حاصر الجيش الإسرائيلي المشفى مع بداية الحرب علي غزة، وقام بتدمير أجزاء واسعة منه، إذ حرم حوالي 12 ألف مريض سرطان من تلقي العلاج وجرعات الكيماوي وأجبر الكثير منهم على الخروج من المستشفى بعد أن حوله الاحتلال إلى ثكنة عسكرية قبل تدميره بشكل كامل».
وأضاف أبو ندى: إن «مرضى السرطان يشعرون بمعاناة شديدة جدًا في ظل عدم توفر علاج أو بدائل لعلاجهم داخل القطاع، إذ إننا يوميًا نفقد مرضى مصابين بالسرطان من دون القدرة على توفير أي خدمة علاجية».
وتابع أنه «مع استمرار إغلاق معبر رفح بسبب السيطرة الإسرائيلية وبسبب العملية العسكرية على مدينة رفح، ازداد الوضع صعوبة وسوءًا؛ إذ يمنع الجيش الإسرائيلي آلاف المرضى من تلقي العلاج اللازم خارج قطاع غزة موضحًا أن هذه القرارات بمثابة حكم بالإعدام الميداني لهؤلاء المرضى، وتحويل حياتهم وحياة ذويهم إلى جحيم في ظل انعدام الأدوية والعلاجات اللازمة».
وأوضح أبو ندى أن ما نسبته 35% وأكثر من حالات مرضى السرطان في القطاع هم لأطفال دون سن 15 سنة.
وفي تصريح لوزارة الصحة الفلسطينية حول تأثير إغلاق معبر رفح البري المنفذ الوحيد لقطاع غزة على المرضي والجرحي فقد صرح إسماعيل الثوابتة مدير مكتب وزارة الصحة في مؤتمر صحفي عقد وسط قطاع غزة: «أكثر من أربعة اشهر والاحتلال يمنع سفر 25 ألف مريض وجريح لديهم طلبات سفر وتحويلات للعلاج في الخارج، وبسبب هذا المنع توفي أكثر من ألف طفل ومريض وجريح، والباقون مهددة حياتهم بالموت بسبب سياسة الاحتلال غير الإنسانية وغير الأخلاقية بسبب منعهم من السفر لتلقي العلاج». وأضاف الثوابتة: «إن إسرائيل تمنع دخول شاحنات المساعدات الإنسانية والمستلزمات الطبية والوفود الصحية، والأدوية والعلاجات، كما تمنع إدخال المساعدات بأنواعها المختلفة، مما ساهم في تأزيم الواقع الصحي والإنساني بشكل خطير». وشدد على أن الكارثة الإنسانية تتعمق في قطاع غزة على كل الأصعدة جراء إغلاق المعبر الوحيد الذي يربط غزة بالعالم الخارجي.
ووفقا لمحمد زقوت، المسؤول الرفيع في وزارة الصحة في غزة، فقد تم إجلاء نحو خمسة آلاف مريض منذ بدء الحرب، لكن 25 ألفا آخرين «ما زالوا بحاجة إلى العلاج في الخارج».
وقال زقوت للصحفيين خلال مؤتمر صحفي: «إن من بين هؤلاء حوالي 10,200 مريض سرطان، بينهم نحو ألف طفل، و250 مريضا بحاجة إلى مغادرة غزة على الفور».
أما المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان فقد صرح أيضا بأن استمرار إغلاق معبر رفح البري بين قطاع غزة وجمهورية مصر العربية بعد السيطرة عليه في السابع من مايو الماضي يفاقم خطورة الأزمة الإنسانية الكارثية للمدنيين الفلسطينيين ويسرع وتيرة تنفيذ جريمة الإبادة الجماعية الحاصلة منذ السابع من أﻛﺗوﺑر الماضي.
وحسب تصريحات المركز الفلسطيني للإحصاء، يعتبر سرطان الثدي هو السرطان الأكثر انتشارا بين النساء يليه سرطان القولون وسرطان الرئتين وسرطان الغدة الدرقية.
كما تعتبر نسبة إصابة النساء بالسرطان أعلى من غيرهن فيما يقارب 54% من مجموع السرطانات التي تحدث في قطاع غزة ويرجع ذلك إلى إصابتهن بأنواع من السرطان لا تصيب الرجال منها سرطان الثدي والرحم والمبايض.
وحسب الإحصائيات فقد بلغ عدد مرضى ومريضات السرطان في قطاع غزة 12.000 حالة مسجلة منهن 2000 مريضة تحت العلاج و10.000 تحت المتابعة والفحص لكنهن اليوم يتعرضن لإهمال طبي بسبب تدمير المستشفى التركي وهو المستشفى الوحيد لعلاج السرطان في قطاع غزة.
ووفقًا لعدة تقارير ثم إصدارها من بينها تقرير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الذي يسلط الضوء على الانتهاكات الإسرائيلية التي تحول دون تمتع مريضات السرطان بحقوقهن الصحية التي تدخل ضمن أفعال جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، إذ استهدف المنظومة الصحية في القطاع وأخرج عن الخدمة المستشفى الوحيد المخصص لعلاج مرضى السرطان وهو مستشفي الصداقه التركي الفلسطيني بالإضافة إلي عرقلته لسفر مريضات السرطان من أجل تلقي العلاج في الخارج بالإضافة إلى فرض ظروف صحية سيئه تشكل خطرًا حقيقيا على صحة مريضات السرطان ومنها تعرضهن لمختلف الهجمات العسكرية وفرض النزوح عليهن إلى مراكز إيواء تفتقر لأدنى المقومات الصحية.
كما يوثق التقرير تداعيات الانتهاكات الإسرائيلية على مريضات السرطان خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي حيث تواجه مريضات السرطان خطر الموت بشكل مستمر جراء انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الصارخة لحقهن في الحياه وحقهن في تلقي العلاج حيث أسفرت هذه الإجراءات المجحفة عن وفاة بعض مريضات السرطان فيما جعلت البقية منهن يواجهن خطر الموت بسبب تدهور وضعهن الصحي.
فيما طالب المركز المجتمع الدولي بالضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل إجباره على وقف أفعال الإبادة الجماعية كافة بما فيها القيود المفروضة على سفر مريضات السرطان الذي يرتبط ارتباطا مباشراَ بزيادة أعداد الضحايا من النساء في قطاع غزة. كما يوصي التقرير بالضغط على دولة الاحتلال لتنفيذ التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية الأخيرة، هو ما سيكفل توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية. ويدخل من ضمنها السماح بإعادة تشغيل مستشفى الصداقة التركي- الفلسطيني بجميع طاقمه ومعداته بالإضافة إلى إمداده بالأدوية والعلاجات الضرورية. كما يوصي التقرير بضرورة قيام إسرائيل بالتزاماتها كقوة قائمة بالاحتلال، حيث يقع على عاتقها ضمان تمتع كل إنسان بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه، وكذلك سهولة الوصول للرعاية الصحية.
*كاتبة فلسطينية من غزة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: إغلاق معبر رفح البری الاحتلال الإسرائیلی مریضات السرطان مرضى السرطان تلقی العلاج فی قطاع غزة السرطان فی أکثر من فی غزة بعد أن
إقرأ أيضاً:
ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي إلى 45399 شهيدًا في غزة
أكدت وزارة الصحة الفلسطينية في تقريرها اليومي، اليوم الخميس، ارتفاع عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي بقطاع غزة إلى 45399 شهيدًا وإصابة 107940 آخرين منذ 7 أكتوبر لعام 2023.
وأفادت الصحة الفلسطينية، بأن قوات الاحتلال الإسرائيلية الاحتلال ارتكبت نحو 3 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، مما وصل منها للمستشفيات 38 شهيدًا و137 مصابًا خلال الـ 24 ساعة الماضية.
وتابعت الصحة الفلسطينية، أنه لايزال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، مشيرة إلى أن طواقم الإسعاف والدفاع المدني لا تستطيع طواقم الإسعاف الوصول إليهم.
العدوان الإسرائيلي على غزةيذكر أن، حركة حماس بدأت عملياتها العسكرية «طوفان الأقصى» ضد الاحتلال الإسرائيلي، يوم السبت الموافق 7 أكتوبر 2023، وجاء ذلك كرد فعل على كافة الأعمال الإجرامية والمجازر المتنافية للقوانين الدولية التي ترتكب ضد المدنيين الفلسطينيين.
وفي منتصف تلك الأحداث نفذت هدنة بين طرفي الصراع لمدة 7 أيام تقريبًا، وتم ذلك بوساطة جهود مصرية قطرية أمريكية، وشملت هذه الهدنة وقف إطلاق النار داخل قطاع غزة والحفاظ على أرواح الأطفال والمدنيين، بالإضافة إلى تبادل الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين المتواجدين في أيدي المقاومة والاحتلال الصهيوني.
ويواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة لليوم الـ 447 ردًا على عملية طوفان الأقصى، مما أسفر العدوان الإسرائيلي عن وقوع أكثر من 54 ألف شهيد وآلاف المصابين والمفقودين.
اقرأ أيضاًمع استمرار «بطش» الاحتلال.. البرد والقصف يحصدان الأرواح في غزة
شهيد و15 مصابا فى غارة إسرائيلية على منزل بحى الزيتون جنوب مدينة غزة
ارتفاع ضحايا العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 45 ألفا و361 شهيدا و107 آلاف مصاب