لجريدة عمان:
2024-09-17@00:04:00 GMT

الموت نشاط

تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT

(1)

الذين يقولون بسعادةٍ واطمئنان بالغي الثِّقة بنفسيهما: «انظروا كيف ذهب الطُّغاة، وزال الطَّواغيت، وغاب الظَّالمون، ورحل الجلَّادون، وغُلَّت الشَّياطين، وجاءت الملائكة» عليهم أن يتساءلوا، بالثِّقة الزَّائدة نفسها: «وإلى أين سنذهب نحن بعد كل ذلك الذي حَدَث»؟

سأردد هنا المقطع الشهير لقسطنطين كافافيس:

«والآن، ما الذي سيحل بنا بعد رحيل البرابرة؟

لقد كان هؤلاء البرابرة نوعًا من الحل».

ولكني، أيضًا، أسعى إلى تَجَلٍّ آخر للسؤال المُعَذِّب في محاولة استكشافٍ جديد للورطة التي لا تزال في طور التَّكون في غير مكان.

(2)

أيها الجندي المجهول: تعال نقتسم آخر الفضيحة.

(3)

أتعفَّفُ على هيكلي في القضاء، وأعزُّ على القدر والصَّحائف. أتنزَّه عن الخلق أشرارًا وطيبين، ولا أترك شيئًا لأحد، ولا أدري لماذا أتذكَّرك.

(4)

اللَّحد ليس المكان المثالي للقلب واللِّسان (وليست الحياة من مقامات الإقامة أو الهلاك لكل إنسان).

(5)

أحبُّكِ في الزَّوال، في آخر خطوة خارج مجز الصُّغرى، في العودة نعشًا، ولا أبغيكِ في النَّخيل، لا أزال أتذكر لون ورائحة الطَّلع.

أشتهيكِ في الرَّحيل، وأسعى إلى القيامة.

(6)

طَعم الموت القادم في المرَّة الأولى يشبه نكهة الثَّدي الأول وعبق النَّهد الثَّاني (لا تتذكَّر الأم ولا الحبيبة في المرَّة القادمة).

كُن قريباً من الفحم والحليب أكثر في المرَّة التي لا شيء بعدها، ولا أحد.

(7)

لا يتَّخذون أيَّة تدابير ضد عاصفة تتخلَّق فيهم (بعد نصرٍ منقوصٍ على الأعداء، وعلى الرَّغم من آخر تنبؤات الطَّقس حسب النَّشرات المناخيَّة في الإذاعة الوطنيَّة).

(8)

يقتتلون، وقطعان الإبل المطرودة من نجٍد إلى سهلٍ تلوك قصص الشَّهامة، والمروءة، وإغاثة الملهوف، ونجدة المحتاج، وإكرام الوفادة، وأخبار مراعي العرب في القرن الحادي والعشرين، وتلك القصص السَّخيفة المرويَّة عن حاتم الطائي (أستثني لازمة الوقوف على الأطلال في المُعَلَّقات الجاهليَّة).

(9)

نحن لا نعلم، لكن الرِّيح (أيضًا) تمضي إلى مكان لا تعلمه.

(10)

ازدحمت الكنائس والمعابد، وهرب الأنبياء من النَّوافذ (وكثيرون في الرِّيش لا يزالون ينتظرون السَّماء).

(11)

نسي الكرسي قانون الرَّفس عند الموت، فصار يبتسم بفتور كلما صار عرشًا جديدًا.

(12)

يتَّسع ما تبقى من العمر لخطيئة أخرى (وأنا خائف، ليس للمرَّة الأولى، بل للمرَّة الأخيرة).

(13)

فليطمئنوا ولتقَرَّ عينك: الموت يمضي قُبالتك (من خلفهم، ومن أمامهم، وقد جعل التَّاريخ سدَّاً).

(14)

تعالي نُقَشِّر النار؛ هَلُمِّي نختصر الصُّوْر.

(15)

لم يبدأ اليوم، ولستُ في وارد حصاد البارحة.

(16)

كأن في حلوقهم الطَّير، وعلى رؤوسهم الطَّير، وكأن الطَّير في حجرتك.

(17)

أعيش في النَّار، وأستدرج الأصل الذي عندي من الصُّورة التي لديكم.

(18)

يَرْشُونَهم بالتَّيَمُّم بعد سرقة الآبار.

(19)

أموتُ في التِّذكار (الغيلة، كلمة أخرى ومناسبة قادمة).

(20)

يهلكون في القوائم (ويُبعثون في القائمة القادمة).

(21)

كلُّ هذا الحديد الذي في غرفة النَّوم، وفي كلِّ اقتباس من الشِّعر والذِّكريات.

(22)

معلومٌ هنا أن القَتَلَةَ مبنيُّون للمجهول.

(23)

وا أسفاه، يهدر هذا الميّت كل وقته في الزِّيارات.

(24)

يبدو أفقيّا في الحياة أمام النَّاظرين، عموديٌّ في الكتابة قبالة من لا ينظر، ولا ينتظر.

(25)

الهلاك يقين، والتبرير هلاك (أو ما ندعوه: الكتابة).

(26)

أنتِ في الأعالي يا أكثر شجرة «شريش» حزنًا في هذا العالم.

(27)

بَحْرٌ بحجم قدمين على عُشبٍ لَدِن، على طينٍ غائر وشفرة مصقولة.

(28)

الدُّمع ليس التَّضحية لأجل القصيدة، بل خسرانها (حتَّى ولو لم يكن ذلك صحيحًا).

(29)

شاطئ مليء بالحصى، وفي كل حصاة ذكرى آبقة من بحَّار لا يزال في درس الغرق.

(30)

الضَّرع والنَّخلة منفى، والثَّدي موت.

(31)

في تلك البلاد صاروا يكرِّرون تاريخ تلك البلاد.

(32)

ألا مرحى، ألف مرحى لهؤلاء الثُّوار؛ فقد أداموا المَلِك وأبقوا على السُّلالة.

(33)

الذين ينسون ويصفحون فيهم مُرَكَّب نقصٍ ما. أما الذين يتذكَّرون ولا ينتقمون ففيهم مُركَّب نقصٍ ما (أيضاً).

(34)

بين عينيك جُثَّة نسر، ومكحلة، وقصيدة غير منشورة.

(35)

يطاردهم السَّراب، ولا يعودون إلى الفَزَّاعات.

(36)

لا أنتِ ولا أنا: لا أُضاعِفُ الغد، لا أقبِّلكِ خلف النَّافذة، لا أحتضنكِ لدى الباب، لا أقول لكِ نكتة بذيئة في السَّيارة، ولا أقرص خصركِ في المطبخ.

(37)

لن يحصل السُّعداء على ما ينقصهم، أبداً.

(38)

يأخذون الصَّريع إلى العريش (وفي الغُسل والتَّكفين لا يفهمون كلام السَّعف).

(39)

لا تقتلُ المسافة الناس. ما يُهِلِكهم هو قلِّتهم في الطَّريق.

(40)

يتمتَّع الأشخاص الذين يتكلمون كثيرًا، ليلًا ونهارًا، بمزارع كبيرة تقع على حافة اللسان والأخدود (بالضبط).

(41)

أستدركُ الدَّراجة الناريَّة (ولا أحب أدوات التَّشبيه).

(42)

القتلُ كلُّ الحب (وهذا قد يكون جوهره).

(43)

العذاب خيرُ استغناء (وينتج من ذلك إلغاء الطُّقوس والبروتوكولات في النهايات).

(44)

يصارعوننا حتَّى على هذا (أولئك الذين سبقونا في الموت).

(45)

لا أقصدكِ في المناجاة، لا أسعى إليكِ في التَّبَتُّل. لا أشتمُّ رائحتكِ في خزانة الثياب أو الحقائب. أراكِ في إرث القمر، في «نجم سهيل»، في بنات الخرافات والأساطير، في انكسار المجاذيف على الأشواق، وفي خنجر الصَّحراء على حنجرة حادي القافلة المتَّجهة إلى قريةٍ في «وادي المُر» (مهد وموطن الذكريات التأسيسيَّة للمترجم والروائي العُماني محمد عيد العريمي) التي ابتلعتها -أي القرية- عن بكرة ذكرياتها، وبالمعنى الحرفي للكلمة، الرِّمال في المنطقة الشَّرقيَّة من عُمان («كان الصَّوت «غناء الرِّمال»، ويسميه العرب زمجرة» (وِلفرِد ثسِجَر، «الرِّمال العربيَّة»).

(46)

الموتُ نشاطٌ (بمعنى: activity).

عبدالله حبيب كاتب وشاعر عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی الم

إقرأ أيضاً:

في 14 أيلول 1982...هكذا أنقذني من الموت

في مثل هذا اليوم قبل أثنين وأربعين سنة أنقذ حياتي. وله يعود الفضل، بعد ربّ العالمين، بأني لا أزال أتنفس حتى الساعة.
لأنني كنت أعتقد أن صداقة غير كل الصداقات كانت تجمعني به، مع ما يصاحبها من احترام ورهبة، كلفتني إدارة "الوكالة اللبنانية للأنباء"، ومنذ اليوم الأول لانتخابه رئيسًا للجمهورية، أن أرافقه في حلّه وترحاله؛ وكانت كثيرة. كأنه كان يدرك أن أيامه على الأرض ستكون قصيرة، ولذلك أراد أن يملأ كل ثانية مما تبقّى له من وقت حركة لا تستكين ولا تهدأ. كنت أقصد منزله الزوجي في الأشرفية صباح كل يوم لننطلق في جولاته على النواب، سواء الذين صوتوا له أو الذين لم يصوتوا. وكان يكّن لمن رفض التصويت له الاحترام نفسه الذي في قلبه لمن رأى فيه مشروعًا إنقاذيًا، ومن بينهم الرئيس كامل الأسعد والنائب عثمان الدنا.
ومن بين النواب الذين رفضوا النزول إلى المدرسة الحربية في الحازمية لتأمين نصاب جلسة الانتخاب النائب الدكتور ألبير مخيبر. وبعد انتخابه رئيسًا أصر بشير الجميل على أن تكون أولى زيارات الشكر لمخيبر في منزله في بيت مري. لا أزال أذكر تلك اللهفة وتلك الحفاوة، التي لاقاه بها "الحكيم". وما قاله له في تلك اللحظة لا تزال كلماته تصدح، وقد سبقني إلى تدوينها الوزير والنائب الصديق ملحم الرياشي، وكان من بين أكثر المقربين إلى النائب مخيبر. وعلى رغم أهمية الكلام الذي قاله الدكتور مخيبر للشيخ بشير، وفيه الكثير من الحكمة والفروسية، فإن ما قاله يومها الرئيس المنتخب للنائب المسيحي الوحيد في المنطقة الشرقية، الذي تجرأ ولم ينزل إلى المدرسة الحربية، ولكنه قال للوزير السابق المرحوم ميشال المر ما معناه إذا كان النصاب يحتاج إلى صوتي فأنا على استعداد لتأمينه، ولكني لن انتخب بشيرًا، أذهل جميع الحاضرين وكانوا كثرًا، وأتحفظ على ذكر الأسماء لئلا تخونني الذاكرة وأنسى ذكر من لا يجب أن يُنسى. قال له، وبشيء من الخجل؛ وكانت هذه سمة مميزة لدى بشير الجميل، الذي جمع بين قوة الشخصية وذاك الخجل، الذي جعله قريبًا أكثر من الناس: جيت يا حكيم حتى أشكرك لأنك بعدم تصويتك لي أعطيت صورة جلية عن الديمقراطية الحقيقية، وخليتني أشعر بأنو بعد في رجال بهيدا البلد بتقول رأيها بكل حرية وراحة ضمير من دون ما تحسب حساب لأي شي آخر. هيك عرفناك حكيم وهيك بدنا ياك تضّل. جيت اتشكرك لأنك بعدم تصويتك ألي عطيتني تدرس مش راح انساه طوال حياتي. وعندها قال له الدكتور مخيبر الكلام الذي ورد في كتاب "البير مخيبر" الصادر عن دار المشرق العام 2022.
وبالعودة إلى يوم 14 أيلول من العام 1982، وكالعادة رافقته في جولته؛ وكان له لقاء غداء مع راهبات دير الصليب، ومن بينهن شقيقته الأخت أرزة. بعد الغداء قال لي، وهي آخر كلمات سمعتها منه، "الله يقويك "دده". بكفّيك اليوم. روح ارتاح وبشوفك بكرا. أنا بعد الظهر ما عندي شي ورايح بس على اجتماع حزبي ببيت كتايب الأشرفية". ودعته وانصرفت إلى "تفريغ" كلمته، و"ترجمتها" من اللغة المحكية إلى اللغة العربية ومن ثم توزيعها. عدت إلى البيت على غير عادتي، فتفاجأت بي زوجتي أرليت وسألتني عن سبب عودتي باكرًا، فقلت لها إن ليس لدى الشيخ بشير أي نشاط غير اللقاء في بيت الكتائب. وما أن أسندت رأسي على المخدة، وكانت الساعة الرابعة وعشر دقائق، حتى سمعنا صوت انفجار، وكان منزلنا في حي البرجاوي في الأشرفية، فأفقت مذعورًا، وقلت لزوجتي "راح بشير". أسرعت إلى بيت الكتائب في الأشرفية، فوصلت إليه مشيًا على الأقدام بصعوبة. لم نـتأكد عن حقيقة استشهاده، لأنني رأيت يومها الصديقين عاطف زلاقط وايلي اندريا خارجين من تحت الركام مدممين، وكانا يجلسان بالقرب من بشير في اللقاءات الحزبية. قصدت مبنى جريدة "العمل" في الكرنتينا، حيث كنت أعمل أنا وأرليت. وكانت ساعات ثقيلة قضيناها بين الشك واليقين حتى جاءنا أستاذ جوزف أبو خليل وقال لنا بأنه تم التعرف على جثة "البشير" من محبسه السداسي الأضلع.
كان حلمًا وأنطفأ. المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • شاهد.. ينجو من الموت بعد سقوطه في بالوعة
  • شاهد بالصور.. تفاصيل الزواج الأسطوري لرجل أعمال سوداني بالقاهرة.. تكلفة الزواج بلغت 300 ألف دولار والفنان المصري حمادة هلال والسلطانة أبرز المطربين الذين تغنوا في الفرح
  • رحلة الموت من أجل بطارية شحن في غزة
  • الموت يسافر مع المواطنين على طريق تكريت - كركوك ويحصد الأرواح
  • النصب عبر تطبيق إلكتروني.. حبس "مستريح" جديد في التجمع الخامس
  • ديلور: “الذين لم يُؤمنوا بي منحوني قوّة سأضعها في خدمة المولودية”
  • رصد نشاط لتأجير الدراجات النارية المخالفة في خليج سلمان
  • لحج.. والد يقتل طفلته بضربها حتى الموت
  • أبرز النجوم الذين تعرضوا للنصب عن طريق المنتجين(تقرير)
  • في 14 أيلول 1982...هكذا أنقذني من الموت