فاروق القدومي: مناضل فلسطيني من زمن آخر
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
غيّب الموت في عمّان يوم الخميس 22 أغسطس 2024، القيادي الفلسطيني فاروق القدومي، المكنّى بـ«أبو اللطف»؛ أحد القادة التاريخيين المؤسسين لحركة «فتح» عام 1965. وطوال هذه السنوات الطويلة عايش القدومي كثيرًا من المعارك والانتصارات، والأزمات والنكسات، وشهد مصارع القوم الذين ناضلوا وكافحوا معه من أجل تحرير فلسطين، وعايش الانكسارات العربية، والضغوط العربية العديدة لمنظمة التحرير الفلسطينية حتى تتجه إلى التسوية.
وبما أنّ الراحل كان رئيس الدائرة السياسية بمنظمة التحرير الفلسطينية ممّا يعني منصب وزير الخارجية، فقد رأى بحنكته أنّ اتفاق أوسلو ليس إلا فخًّا لإسقاط كفاح الشعب الفلسطيني؛ لذا عارض الاتفاق علانية، لأنه -حسب رأيه- يشكل خيانة للمبادئ التي قامت عليها منظمة التحرير الفلسطينية، ورفض العودة إلى الأراضي الفلسطينية برفقة صديقه ياسر عرفات، وكان من نتيجة ذلك أن تراجع دورُه مع تأسيس السلطة الفلسطينية حتى انتهى تمامًا وانزوى في العاصمة الأردنية حتى وفاته عن عمر ناهز 93 عامًا، بعد أن أُغلق مكتب الدائرة السياسية في تونس. لقد اختفى أبو اللطف أكثر من ثلاثة عقود، وهو الذي كان نجمًا ساطعًا في السياسة الفلسطينية، إذ كان صريحًا وواضحًا وصارمًا في مداخلاته في الأمم المتحدة وحركة عدم الانحياز والقمم العربية والإسلامية وغيرها.
ظلّ القدومي يحمل ودًّا للرئيس ياسر عرفات، رغم اختلاف توجهات الإثنين بعد اتفاقيات أوسلو، وكان يؤمن بأنّ الأيام كفيلة بإظهار الحقيقة لعرفات عن فخ أوسلو، وهو ما حدث بالضبط فيما بعد. وفي ذلك يقول الصحفي غسان شربل: سألتُه ذات يوم عن الاتهامات التي كانت توجّه إلى الرئيس عرفات بالتفرد، فردّ مبتسمًا: «أبو عمار شيخ قبيلة فتح، وبحسب أعرافنا يجوز لشيخ القبيلة ما لا يجوز لغيره». ويعلق شربل على ذلك بأنّ ملاحظات القدومي على أسلوب عرفات لم تدفعه يومًا إلى التشكيك بأنه قائد الشعب الفلسطيني و«أنه أول من دخل إلى الأراضي المحتلة وأعدّ الخلايا للانطلاقة».
لا يمكن الحديث عن القدومي دون التطرق إلى مواقفه التي أثارت الجدل، ومنها أنه بمعارضته لاتفاق أوسلو رفض العودة إلى فلسطين بإذن إسرائيلي، وقاطع جلسة اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير الفلسطينية» في أغسطس 1995، كما التقى مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في دمشق، وهو المعارض الشديد أيضًا بشدة للاتفاق؛ لكن القنبلة التي فجّرها القدومي وتناثرت شظاياها في كلّ مكان، هي تصريحه التاريخي، بعد وفاة الرئيس عرفات بأنه قُتل، وأنّ الوفاة لم تكن طبيعية. قد تكون تهمة كهذه كلامًا عابرًا لو جاءت من شخص آخر، إلا أنّ القدومي أصر على رأيه، واتهم مسؤولين في السلطة الفلسطينية بالضلوع في القتل وأنّ لديه ما يثبت ذلك، ونشب خلاف بينه والرئيس محمود عباس عام 2004، حول خلافة عرفات على رأس حركة فتح، انتهى بتنازله لعباس حفاظًا على الوحدة الوطنية الفلسطينية كما صرح بعد ذلك.
كان أبو اللطف يؤمن بالنضال الفلسطيني من أيّ جبهة كانت، ويرى أنّ كلَّ الجبهات تؤدي إلى هدف واحد هو تحرير فلسطين وإعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني؛ لذا عارض الخلاف الكبير بين حركتي فتح وحماس الذي أدى إلى إخراج فتح من قطاع غزة سنة 2007، وكان يرى أنّ ذلك الخلاف سيؤدي إلى صراع شامل بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وقد حافظ على علاقة متينة معها، بما فيها الجهاد الإسلامي وحماس التي نعته بعد الرحيل بصفته «قائدًا تاريخيًّا للحركة الوطنية الفلسطينية».
أتى رحيل القدومي بعد أقل من شهرين من وفاة زوجته «أم اللطف». وعن أيامه الأخيرة يقول بسام أبو شريف الذي ارتبط معه بصداقة شخصية ونضالية امتدت أكثر من خمسين عامًا في مقال كتبه لموقع «رأي اليوم»: «في لقائي الأخير معه خلال فترة مرضه، وجدتُ فيه تلك الروح والمعنويات العالية الصلبة والإيمان بحتمية الانتصار وتحقيق الأهداف التي آمن بها وناضل في كلِّ المجالات والمواقع، ونذر نفسه من أجل تحقيقها». لكن ما هي تلك الأهداف؟ لقد عاش القدومي مدافعًا عن فلسطين وعروبتها، رافضًا كلّ المشاريع والتسويات التي تنتقص من حقوق الشعب الفلسطيني في تحرير وطنه وتقرير مصيره وفي مقدمتها اتفاق أوسلو - كما سبقت الإشارة.
ومن متابعتي لتعليقات قراء المواقع الإلكترونية حول رحيل القدومي، وجدتُ أنّ الكثيرين تناولوا مواقفه المشرّفة والمتميزة عن بقية قيادات حركة فتح، حتى وصل الأمر إلى اتهام الحركة والمهيمنين على منظمة التحرير الفلسطينية، بأنّ تيارًا ما في المنظمة «باع القضية» من أجل المكاسب والمصالح الشخصية، وأنّ من أبرموا اتفاقية مشؤومة لم تؤد إلا إلى مزيد من الخسائر والتراجع والهزائم لأعدل قضية في تاريخ البشرية، لا يحق لهم أن يقودوا الشعب الفلسطيني، ووصل الأمر إلى تناول الرئيس ياسر عرفات نفسه بأنه تنازل عن الثوابت الفلسطينية؛ لكن في الواقع يجب أن لا تأخذنا الأخطاء التي ارتكبت إلى تجاهل نضال حركة فتح أو القيادات الفلسطينية التاريخية، التي وهبت أرواحها دفاعًا عن القضية؛ فالواقع أثبت أنّ الرئيس عرفات أخطأ كلَّ الخطأ، وكان اتفاق أوسلو مغامرة في حدّه الأدنى - وفق تعبير الراحل محمد حسنين هيكل -، الذي نصح عرفات حسب ما قاله للإعلامي محمد كريشان شخصيًا، «بأنْ يخوض التجربة دون أن يضع كلّ بيضاته في هذه السلة، وبالذات ألا يعود هو شخصيًا إلى الداخل، واقترح عليه أن يبقى في الخارج قيادةً جامعةً للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات ليراقب تقدّم التجربة، حتى لا يصبح في يوم من الأيام رهينة هذا الخيار».
ولكي نعرف لماذا وافق عرفات على ذلك الاتفاق، نعود إلى تحليل كريشان لشخصيته إذ يقول: «ككلّ الزعماء كان عرفات مسكونًا بالخوف من الانقلاب عليه، بدسائس تُطبخ هنا أو هناك، قد تسعى لتلميع قيادات بديلة تسحب البساط من تحت أقدامه، ربما كان هذا سببًا في عدم قبول نصيحة هيكل. فهل كان محقًا في توجسه هذا»؟! في ظني أنّ الإجابة عن سؤال كريشان هي «نعم كان محقًا»، فبعد وفاة عرفات، ظهرت أكثر من شخصية تريد أن ترث مكانه، حتى لو كان على حساب الثوابت الفلسطينية. كان تقدير عرفات -وهو يرفض نصيحة هيكل- أنّ مجرد موطئ قدم على أرض الوطن كفيلٌ بأن يجعله في موقع أفضل لتجسيد حلم الدولة الفلسطينية، وراهن على أنّ قيام السلطة الوطنية سيكون بلا شك مقدمة لذلك؛ أما إسرائيل -كما رأى كريشان- فإنها راهنت على أمر آخر، إذ خطّطت لتجويف هذه السلطة وجعلها خالية من الدسم، بمعنى تحويلها تدريجيًا وبفعل سياسة الأمر الواقع وموازين القوى المختلفة، إلى مجرد وسيط بين الاحتلال والشعب الفلسطيني في الداخل، بل ومندوب عن هذا الاحتلال مع سعي حثيث ويومي إلى تقزيم دورها وإفساد عناصرها وتشويه صورتها والابتعاد عن أهداف وجودها.
هناك من يرى أنّ أبا اللطف خسر الكثير عندما رفض الانضمام إلى جوقة أوسلو، بعد أن قُطعت المخصصات المالية المخصصة له وللدائرة السياسية؛ وهذه في الواقع نظرة قصيري النظر دائمًا، الذين يزنون الأمور بميزان التجارة في المكسب والخسارة؛ لكن الرجل يكفي أنه كسب نفسه وثبت على مواقفه، إذ كان من أوائل من حذروا من خطورة هذا المشروع على القضية الفلسطينية، ولم يبال باستهدافه من قبل المتخاذلين ودعاة التسوية بأيِّ ثمن. وفي اعتقادي أنّ كلَّ ما تخوّف منه القدومي قد وقع؛ ويبقى أنّ بغيابه يرحل آخر شاهد على كلِّ مراحل القضية الوطنية الفلسطينية، ولم يبق من مؤسسي حركة فتح إلا الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ولم يبق أيضًا من فتح إلا ذكريات الماضي.
زاهر المحروقي كاتب عماني مهتم بالشأن العربي ومؤلف كتاب «الطريق إلى القدس»
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: التحریر الفلسطینیة الشعب الفلسطینی حرکة فتح
إقرأ أيضاً:
مستشار بمجلس العاصمة الرباط يفجر قضية ترقية موظفين مقابل 7 ملايين
زنقة 20 ا الرباط
فجر عضو المجلس الجماعي للعاصمة الرباط، عن حزب فدرالية اليسار الديمقراطي، فاروق مهداوي، فضيحة من العيار الثقيل، حين تحدث على “رشاوى بـ7 مليون مقابل ترقية الموظفين من السلم 10 إلى السلم 11”.
وقال مهداوي، خلال دورة الجماعة، المنعقدة الأسبوع الماضي : “مؤخرا تم تنظيم إمتحانين للكفاءة المهنية، لكن للأسف هناك من داخل هذا المجلس موظفين يسمسرون في الامتحانات”.
وأضاف مهداوي، الذي كان يتحدث بحضور الأعضاء وممثلي سلطة المراقبة، “بخصوص امتحان الترقي من السلم 10 إلى السلم 11، طُلِب من مجموعة من الموظفين المتبارين تقديم 7 مليون كرشوة من طرف موظفين حاضرين في هذه الجلسة و لدينا الاسماء”.
مهداوي طلب من رئيسة مجلس الجماعة تصحيح الوضع قبل الاعلان عن لائحة أسماء الموظفين الناجحين في امتحان الكفاءة المهنية.
بعد مرور أسبوع على هذه الجلسة، طالبت رئيسة جماعة الرباط، فتيحة المودني، في مراسلة مكتوبة العضو الجماعي فاروق مهداوي، تقديم أدلته وحجج حول واقعة رشاوى ، وذلك تبعا لما تم تداوله في الدورة الاستثنائية للمجلس ، حيث اتهم المستشار المذكور، أعضاء لجنة الامتحانات بتلقي رشوة بقيمة سبعة ملايين سنتيم لإنجاح أحد المتبارين في امتحانات الكفاءة المهنية لهذه السنة.
وتعليقا على طلب العمدة، أكد المستشار فاروق المهداوي توصله بالمراسلة المذكورة ، مشيرا الى انه سيرد على طلب العمدة بشكل دقيق في أقرب وقت ممكن.