جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-27@19:43:38 GMT

إعادة النظر في النظريات الاقتصادية

تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT

إعادة النظر في النظريات الاقتصادية

 

محمد بن أنور البلوشي

قراءة السطر الأول من المقدمة تقول: "في 17 مارس 1883، حضر جنازة كارل ماركس أحد عشر مشيعًا فقط"، والكتاب الذي يتحدث عن كارل ماركس، من تأليف فرانسيس وين، ويستعرض حياة هذا المفكر العظيم.

وبما أن القراءة أثناء شرب الشاي، تُعزِّز اهتمامي بالقراءة، فقد طلبت "شاي كرك" على الفور؛ حيث كنتُ جالسًا، لكي أتمكن من إنهاء المقدمة والفصل الأول من الكتاب.

أصبح "شاي كرك" شائعًا جدًا في عُمان وأجزاء أخرى من دول الخليج. في الأصل، نشأ في دولة قطر الشقيقة، ثم تم تحضيره هناك قبل أن ينتشر إلى دول الخليج الأخرى على حسب معلوماتي.

"ماذا تقرأ ومن هو في الصورة؟"، سألني الطفل الصغير وهو ينهج. بينما كنت أقرأ الكتاب، طلب هو وشقيقته السندويشات وبدأوا بطرح الأسئلة علي. فأجبت: "إنه كارل ماركس."، فقال الطفل بدهشة: "كارل ماركس!" في تلك اللحظة، فوجئت أيضًا. لم يسبق لي أن سُئلت هذا النوع من الأسئلة من طفل في عمره من قبل.

"أخبرنا ماذا فعل كارل ماركس؟"، طلبت شقيقته بإصرار على أن أشاركهم بعض المعلومات عنه، وقالت "أنا في الصف السابع وأود أن أعرف المزيد عنه"،. لكنني لم أتمكن من الإجابة بشكل كافٍ لأنني لم أكن قد قرأت حتى الجملة الثانية من المقدمة. غير أني تمكنت من مشاركة بعض المعلومات عن كارل ماركس التي قرأتها وعرفتها سابقًا. قلت للفتاة الصغيرة: "كان فيلسوفًا، اقتصاديًا، ومفكرًا".

لم أدخل في تفاصيل حياة كارل ماركس، مثل أين وُلد وأين تُوفي. في الواقع، لم أخبر الأطفال عن هوايات كارل ماركس عندما كان طفلًا؛ حيث يحب الأطفال سماع مثل هذه القصص.

في تلك اللحظة، لم أتمكن من متابعة قراءة الفصل الأول من كتاب كارل ماركس كما خططت. لقد انتهيت فقط من قراءة المقدمة.

أثناء قراءة الكتاب، أخذت لحظة للتفكير في الطفل الصغير. لقد جذبني بلغة جسده. وضع يدًا واحدة على طاولة "المقهى" والأخرى في الهواء، وبدأ الحديث معي قبل أن يحرك شفتيه.

فتح فمه ليتحدث، وكان يبدو كطائر يطير بلا حدود. بمعنى آخر، لقد أثار إعجابي بشجاعته في طرح الأسئلة. كان يبدو أنيقًا في سروال قصير أحمر وقميص.

ذكّرني زيه الكروي بطفولتي عندما كنت ألعب كرة القدم ثم أذهب إلى المقاهي المحلية في "وادي البحائص" لشراء "بيبسي وبسكويت نبيل". ماركة بسكويت نبيل معروفة جيدًا في عُمان.

في مقدمة الكتاب، على الصفحة الثانية، قرأت القصيدة التالية:

"من يحمل إنجيلًا

ليطلقه على البشر،

رغم أنه يخدمه تمامًا

بجسده، روحه وعقله

رغم أنه يذهب إلى الجلجثة

يوميًا من أجل مكسبه

إنه تلميذه

سيجعل عمله عبثًا"

بينما كنت أحاول فهم معنى هذه القصيدة، قاطعتني الفتاة الصغيرة بسؤال جديد عنها. رغم أننا في عصر المعلومات والتكنولوجيا الذي ينشغل فيه معظم الأطفال في مثل هذا العمر بـ"الهواتف المحمولة" والألعاب، يظهر هذا الطفل الصغير وأخته اهتمامًا كبيرًا بالكتب.

يبدو أن الاقتصاد العالمي غير مستقر ومخيف، لذلك ينبغي إعادة النظر في مثل هذه النظريات الاقتصادية التي طرحها كارل ماركس وتطبيقها. يجب اتخاذ القرارات الاقتصادية بطريقة مناسبة حتى لا يستمر الاقتصاد العالمي في الاتجاه الخاطئ.

انتقاد الرأسمالية وعيوبها كان أحد الموضوعات الرئيسية في نظرياته. وفقًا لكارل ماركس، فإن النظام الرأسمالي سيدمر نفسه في النهاية.

نشهد يوميًا كيف يزداد الأثرياء ثراءً، بينما يزداد الفقراء فقرًا تحت النظام الرأسمالي. سيستمر هذا الاتجاه ما لم يُعاد تقييم النظام ويُعاد توزيع الثروة بشكل أكثر عدالة في المجتمع.

ما هي أهمية تعاليم ونظريات كارل ماركس في سياق الاقتصاد العالمي اليوم؟

ماركس قدم إطارًا لفهم الصراع بين الطبقات الاجتماعية، خاصة بين الطبقة الرأسمالية (البرجوازية) والطبقة العاملة (البروليتاريا). هذا التحليل لا يزال يُستخدم لتفسير التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية التي نراها اليوم؛ حيث تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء. وهذا ما نسمي "تحليل الصراع الطبقي".

باختصار.. نظريات كارل ماركس توفر إطارًا نقديًا قويًا لفهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها العالم اليوم، وهي بمثابة مرجع مُهِم للنقاش حول الإصلاحات الاقتصادية والبحث عن نظم أكثر عدالة واستدامة.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

قراءة في حالة الترابط الاجتماعي للعمانيين

قبل أشهر نشر المركز الوطني للإحصاء والمعلومات استطلاعًا مهمًا في (موضوعه)، حاول من خلاله بناء مؤشر للترابط الاجتماعي بين العُمانيين، ولعل النتائج في عمومها تشير إلى حالة من ترابط المجتمع في مختلف مستوياته، سواء كان على مستوى الأسرة، أو الأقارب، أو أفراد المجتمع ككل. حيث تشير أهم النتائج إلى أن 81% من العمانيين يرون أن هناك ترابطا اجتماعيا في المجتمع العُماني عام 2023، وأن 87.4% من العُمانيين يشعرون بالترابط الأسري داخل المنزل، وأن 79.4% نسبة العُمانيين الذين يلجأون إلى فرد من أفراد الأسرة عند مواجهة مشكلة ما. الاستطلاع كـ (مؤشر أولي) يعتبر إطارًا جيدًا لفهم حالة تحرك الفرد والروابط التي يخلقها في حركته الاجتماعية في سياق الأسرة (المنزل الواحد)، وفي سياق الأقارب (المنزل الأوسع)، وفي سياق المجتمع عمومًا. وكما أشرنا أنه كنتائج (كمية) يمكن القول إن الفرد في المجتمع العُماني يتحرك ضمن منظومة مترابطة إلى حد بعيد، يعتمد عليها ويتبادل معها (رأس المال الاجتماعي)، وتوفر له في المقابل الحماية المجتمعية والمعنوية التي يحتاج إليها ضمن إطار حركته الاجتماعية.

وإن كان الأمر يقتضي مزيدًا من الدراسة (الكيفية)، والفهم للتفاوتات عبر آليات منهجية متعددة، فإن النتائج المتاحة حاليًا توفر نقطة جيدة للبدء، حيث ركز الاستطلاع على وضع أسئلة (غير مباشرة) لقياس مستويات الترابط، وهذا مهم على المستوى المنهجي، فقد سأل عن موضوعات من قبيل لجوء الفرد إلى الأسرة والجيران في حالة مواجهته مشكلة ما، ومن قبيل مستوى انخراط الفرد في الأعمال الخيرية والتطوعية في مجتمعه، ومن قبيل مدى مشاركته في العناية بالأفراد الذين يحتاجون عناية خاصة داخل الأسرة ككبار السن، وكلها تعطي دلالات لحالة الترابط الاجتماعي المنشودة، يبقى دور البحث الأكاديمي والتنقيب المعرفي في التوسع بفهم حالة الترابط الاجتماعي عبر 3 أولويات في تقديرنا:

- علاقة مستويات الترابط الاجتماعي بعوامل التحضر (مكان السكن و«مستويات التعليم» والحالة المهنية) وهل تؤثر مثل هذه العوامل على قدرة الفرد والأسرة والمجتمع عمومًا على الترابط الاجتماعي. قد ينشأ عن البحث في مثل هذه الأولوية نتائج مهمة، فهل على سبيل المثال انتقال الأسرة من منطقة ريفية إلى منطقة حضرية يقلل مستويات ترابطها الاجتماعي؟ وهل مستويات التعليم العالية تدفع الفرد إلى مستويات أضعف من الترابط في محيطه الاجتماعي؟ هذه أسئلة مهمة لتطوير الموانع الاجتماعية لاحقًا، وهي المحكات والآليات والمبادرات التي يمكن أن تقودها الدولة والمجتمع لاستدامة حالة الترابط الاجتماعي المنشودة.

- الأولوية الأخرى هي في دراسة المؤثرات التي تهدد الترابط الاجتماعي، سواء كانت هذا المؤثرات طارئة عرضية على المجتمع، أو أنها ناشئة بحكم تطور الحالة الاجتماعية والتغير الاجتماعي، فهل انتشار الجريمة في محيط اجتماعي ما يؤثر على حالة الترابط الاجتماعي؟ وهل انخراط الأفراد في شبكة واسعة من العلاقات الافتراضية يقلل لجوءهم لأسر ومحيطهم الاجتماعي عمومًا، وبالتالي يؤثر على حالة الترابط الاجتماعي لديهم؟

- الأولوية الثالثة في تقديرنا هي في توسيع فهم ومفهوم الترابط الاجتماعي ليشمل علاقة الأفراد بالمؤسسات الاجتماعية، ونقصد بها تلك المؤسسات التي تنخرط في أداء شكل من أشكال التنشئة أو التكوين أو إشباع الاحتياجات الاجتماعية، كعلاقة الأفراد بالمسجد كمؤسسة اجتماعية أكثر من كونها مكان عبادة، وعلاقتهم بالمجلس العام أو الشعبي، وعلاقتهم بالأندية الاجتماعية باختلافها سواء أندية رياضية أو ثقافية أو مجتمعية. تشكل المؤسسات الاجتماعية بمضمونها وأعمالها وممارساتها وسيلة مباشرة وغير مباشرة لزيادة مستويات الترابط الاجتماعي في أي مجتمع، ومتى ما كانت هناك سياسات وبرامج داعمة لاستدامة هذه المؤسسات وتقوية حضورها متى ما أسهمت في تعميق علاقة الأفراد بمختلف مكونات مجتمعاتهم.

على الجانب الآخر هناك بعض الأفكار والرؤى التي من شأنها تعزيز حالة الترابط الاجتماعي، ونعتقد أن حوكمة منظومة العمل الأهلي (الجمعيات الأهلية و«الأندية الرياضية» وأنشطة التطوع و«اللجان الشبابية» والمبادرات الأهلية) وقيادتها عبر الحوكمة الصحيحة إلى أفق يتسق مع متغيرات المجتمع والمستقبل، وتحديد الأدوار والممارسات وربطها بمؤشرات أداء، وتعزيز أنماط الاستدامة، والتوسع في بناء قدرات الممارسين للعمل الأهلي من قادة وتنفيذيين يعتبر أولوية قصوى اليوم، وذلك للدور المشهود الذي يلعبه العمل الأهلي في تمكين اندماج الفرد بالحالة القصوى في مجتمع، وفي انسجامه مع حركة المجتمع، في حالة الازدهار، أو في مواجهة الصعاب، في حالات الرخاء، أو في مواجهة الشدائد. كما أن التوسع في بناء المجالس العامة وربطها بمكاتب المحافظين بمجموعة من الأنشطة المجتمعية والثقافية (الدورية) والمجدولة وفق ثيمات محددة، وموضوعات مثرية يمكن أن يسهم بتطوير حالة الترابط المجتمعي في مستوياته . كما أن توفير الحوافز الحكومية للأسر التي تسهم في رعاية الأفراد من ذوي الاحتياجات القصوى ككبار السن، وحالات الإعاقة، وتشجيعها وتحفيز التنافس لديها لتقديم أفضل رعاية منزلية ممكنة وصديقة لهم يشكل ضرورة مرحلية، أولها لتعزيز حالة الترابط الاجتماعي من ناحية، وثانيها للتوافق مع متغيرات السياسات التي تؤكد أن أنماط الرعاية داخل الأسرة لمثل هذه الحالات تعتبر في كثير من الأحيان ممارسات فضلى على ما سواها من سياسات. اشتغلت الكثير من المحافظات في السنوات الأخيرة على توفير مساحات اجتماعية وترفيهية في القرى والمدن، ونشطت هذه الجهود الحالة الاجتماعية فأصبحنا نشاهد مبادرات مجتمعية لتصميم مسارات للمشي والتنزه، ومبادرات للماراثون، ومبادرات لتطوير الحالة السياحية في بعض القرى، وتشجيع هذه الجهود والتركيز عليها كمحدد وإطار ضمن سياسات تنمية الإدارة المحلية في تقديرنا يعتبر كذلك عنصرًا مهمًا في ترقية حالة الترابط الاجتماعي في بعدها الرمزي والممارس. إن الترابط الاجتماعي رافعة مهمة للعمل التنموي أيما كان، ومتى ما كانت السياسات العامة بما فيها السياسات الاجتماعية تضع في محوريتها دعم حالة الترابط المجتمعي متى ما قد سعى ذلك المجتمع لمزيد من الاستقرار والتماسك الداعم للتنمية.

مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان

مقالات مشابهة

  • 4 معاني عميقة في الإسراء والمعراج ستغير نظرتك للحياة
  • الخارجية تبحث تطوير التعاون مع صربيا في كافة المجالات
  • الاتحاد الأوروبي يبحث اليوم تخفيف العقوبات الاقتصادية على سوريا
  • العدسات اللاصقة: بين التجميل وتصحيح النظر.. من يناسبها ومن لا؟
  • سيناتوران جمهوريان يحضّان ترامب على إعادة النظر بقرارات إلغاء الحماية لمسؤولين
  • بعد إيقاف الإيفاد والتوظيف مؤخرا.. تشكيل لجنتين لإعادة النظر في الملف
  • قراءة في حالة الترابط الاجتماعي للعمانيين
  • غارديان: أوروبا تعيد النظر في تمويل تونس بسبب انتهاكات ضد المهاجرين
  • وزيرة البيئة تناقش مع نظيرتها الكولومبية رؤية مصر في تمويل التنوع البيولوجي
  • إبراهيم العنقري: قراءة الأرقام يجب أن تكون بالمشاهدة