فيلم ما يزال هنالك غد.. أمل وطموح لعائلة إيطالية في ظل الحرب بالأبيض والأسود
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
أصوات وظلال لشخصيات منسية من قاع مجتمع يتخلص من أزماته
لا شك أن الحروب التي ضربت أوروبا بشكل خاص كانت ولا تزال من الموضوعات المفضلة التي تصدت لها العديد من الأفلام السينمائية وخاصة أجواء الحرب العالمية الثانية وآثارها وتبعاتها الاجتماعية إذ ما زلنا نشاهد المزيد من الأفلام التي تحكي قصصا من أجواء تلك الحرب الكارثية.
وفي هذا الإطار تنوّعت المعالجات السينمائية لهذا النوع الفيلمي، فهنالك أفلام جسدت وقائع ويوميات الصراع العنيف بين القوى المتحاربة وبشكل مباشر وبما في ذلك المعارك الطاحنة التي شهدتها العواصم والمدن الأوروبية ومنها معارك دونكريك وستالينينغراد ولندن وبيرل هاربر وكراكوف وبرلين وغيرها بينما عالجت أفلام أخرى أحداثا ووقائع اجتماعية تحت ظل الحرب أو بعدها وكيف انعكست آثار الحرب على المجتمع وعلى الأفراد وعلى سلوكياتهم والقصص واليوميات التي عاشوها.
ينتمي الفيلم للمخرجة باولا كورتيليسي إلى النوع الثاني الذي ذكرناه آنفا، فهذا الفيلم الذي تم تصويره بالكامل بالأبيض والأسود يحكي يوميات عائلات تعيش في روما بعيد الحرب العالمية الثانية وتحديدا منتصف عام 1946 ويبدو أن اختيار المخرجة التصوير بالأبيض والأسود كان هدفه هو تقريب الأحداث من ذائقة المشاهد وكأنه كان يعيشها كما هي في وقت وقوعها.
ولعل المسألة الأخرى الملفتة للنظر في هذا الفيلم هو إقدام الممثلة باولا كورتيليسي بالإخراج وهي التي عرفها الجمهور في إيطاليا وأوروبا من خلال ظهورها في أكثر من 20 فيلما، لتقدم لنا فيلمها الروائي الطويل الأول من إخراجها وليحظى بنجاح ملفت للنظر في شباك التذاكر في إيطاليا ويحصد عدة جوائز من مهرجان روما السينمائي فضلا عن عرضه في العديد من المهرجانات من حول العالم فضلا عن اهتمام النقاد وإشادتهم به.
ها نحن مع ديليا وهي الممثلة الرئيسية والمخرجة، في وسط أسرتها المكونة من ولدين صغيرين وفتاة في سن المراهقة بالإضافة لزوجها ووالد زوجها المقعد لكننا ومنذ المشاهد الأولى سوف نكون مع ظاهرة التعنيف والإيذاء التي تتعرض لها الزوجة على يدي الزوج ولو من أبسط خطأ وكلما أمعن الزوج ايفانو – يقوم بالدور الممثل فاليريو ماستندريا، في تعنيف ديليا كلما أرجع ذلك إلى تأثيرات الحرب على نفسيته، حيث كان جنديا فيها.
لكن معالجة المخرجة للأحداث لم تكن بتلك الصورة القاسية بل إنها لجأت إلى تغليفها بغطاء سردي كوميدي مختلف إذ كان من الطريف أنه كلما أقدم الزوج على تعنيف زوجته ما يلبث أن يقوم بمراقصتها بينما هي كائن مسلوب الإرادة ليس لها سوى التضحية من أجل أبنائها.
يتابع الفيلم يوميات شخصيات آذتها الحرب بشكل أو بآخر فضلا عن طبقية سادت المجتمع وعمقت الفقر وكل هذه المعطيات تم الاشتغال عليها من خلال شخصية ديليا المضطهدة مسلوبة الإرادة التي تتحمل غلظة الزوج وترعى له والده وترعى ثلاثة أبناء وتعمل طيلة النهار متنقلة من عمل إلى عمل.
في المقابل هنالك خط سردي مواز يتمثل في وجود الجنود الأمريكان وحيث يتطوع أحدهم لتلبية رغبة ديليا بتعطيل المقهى الذي كان الزوج يطمع في الاستفادة منه ماديا في مقابل تزويج ابنته لابن صاحب المقهى وذلك في سلسلة مشاهد قلبت الأوضاع رأسا على عقب وصار العقاب الذي يتلقاه الزوج يأتيه من حيث لا يدري.
هذه الدراما الفيلمية التي محورها المرأة تتشعب بنا إلى مسألة التمييز الجندري واضطهاد المرأة من خلال شخصية ديليا وابنتها وهو ما سوف يتصاعد تدريجيا إلى درجة سعيها للهرب من المنزل وكل ذلك والمجتمع الإيطالي يخرج تدريجيا من شرنقة الحرب ليدشن أول انتخابات عامة وانتخابات تشريعية سنة 1946 وحيث تتمرد ديليا وتنظم لطوابير النسوة الإيطاليات اللائي يدلين بأصواتهن للمرة الأولى وذلك في سلسلة مشاهد مصنوعة بعناية وبشكل ملفت للنظر.
تلقى الفيلم انطباعات إيجابية من طرف عدد من نقاد السينما الإيطاليين والأوروبيين، فقد أشادوا بالإخراج والسيناريو خاصة في معالجة القضايا المتعلقة بالأنثوية والذكورية، فضلا عن مهارات التمثيل لدى الممثلين، وخاصة كورتيليسي نفسها، وفاليريو ماستاندريا، ورومانا ماجيورا فيرغانو.
وفي هذا الصدد كتب باولو ميريغيتي، في مراجعته للفيلم في صحيفة إل كورييري ديلا سيرا الإيطالية، أن عمل كورتيليسي "متميز للغاية" حيث تحاول من خلال حلولها الإخراجية "إيجاد توازن موضوعي بين ما هو واقعي وآخر أكثر مثالية وتعبيرا عن نزعة التمرد ضد تابوهات المجتمع التقليدي".
أما الناقد بوريس سولازو من هوليوود ريبورتر فيعرض كفاءة المخرجة في التقاط " المواقف الأكثر تطرفا وعنفا، وخاصة تلك التي تجلت من خلالها شخصية الزوج ايفانو، حيث تحققت المفارقة التامة ما بين الشخصيات المتضادة وخاصة ديليا وايفانو وهما يعودان لبعضهما بعد كل جولة صراع.
على أن تلك المساحة العريضة التي أعطيت لديليا ما تلبث أن تكافئها مساحة مقابلة لوالد الزوج الذي يعبر عن عقلية تقليدية داعيا لزواج أبناء وبنات العمومة ثم ظهوره في مشهد خطوبة حفيدته وكل ذلك في إطار ساخر حرصت قيه المخرجة على بث تلك المشاهد للحد من رتابة وقتامة المشهد.
في المقابل أعطيت مساحة إنسانية شفافة لتلك العلاقة التي تربط ما بين ديليا وصديق فتوتها وشبابها نينو – يقوم بالدور الممثل فينسيو مارتشيوني وهو الذي يدفعها إلى التمرد على الواقع الذي تعيشه.
وأما على صعيد الإيقاع الفيلمي، فالملاحظ أن المخرجة قد وظفت التصوير والمونتاج لتحقيق إيقاع موضوعي هادئ توالت فيه الحبكات الثانوية بما وفر متعة في المشاهدة مبنية على أسس واقعية، فلم يتم تضخيم دور ديليا ولا تحولها إلى رمز للكفاح الجندري بل بقيت ذلك الكائن المسالم الذي يتلقى الأذى بصمت في مقابل ملامسة هادئة لغرض إصلاح الحطام الذي ينتشر حولها.
وأما إذا انتقلنا إلى شخصية ايفانو، التي تختصر العنف الجندري بشكل مقيت فإنه عبر عن واقع تلك الشخصيات القادمة من قاع الحرب فيما هي عاجزة عن فعل شيء ذي قيم سوى ترهيب العائلة وإيذائها والتعامل بأنانية مفرطة معها وخلال ذلك هنالك شخصيات مطواعة ترتضي أن يقع عليها كل ذلك الثقل المفرط من التعنيف والاستخفاف.
من جهة أخرى هنالك هامش من السخرية تغلف أكثر المشاهد تصعيدا دراميا، فلا شيء يجب بالضرورة أن يحمل على محمل الجد ما دام غير متزن وغير موضوعي وزائل ولهذا كانت تلك السخرية حلا إخراجيا بديلا آخر وظفته المخرجة بشكل متميز بالإضافة إلى توظيفها الناجح للتصوير بالأبيض والأسود وتوظيف اللقطات العامة بشكل مقنع فضلا عن توظيف المونتاج ليعزز ذلك البناء البصري -الذي جاء محملا بوفرة من الرسائل الجمالية- لم يضعف منها شيئا إنها قد صنعت بالأبيض والأسود.
إخراج/ باولا كورتيليسي
تمثيل/ باولا كورتيليسي- ديليا، فاليريو ماستندريا – ايفانو ، رومانا ماغيورا- مارسيلا، فينيسو مارتشوني- نينو، ايمانويلا فينالي – ماريسا
سيناريو/ باولا كورتيليسي، فيوريو اندريوتي
مدير التصوير/ ديفيد ليون
التقييمات/ بليكس 10من 10، روتين توماتو 98%، أي ام دي بي 8 من 10
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: بالأبیض والأسود فضلا عن من خلال
إقرأ أيضاً:
هل يحق للرجل منع زوجته من العمل؟.. الإفتاء توضح
زوج مقتدر لا يريد عمل زوجته، ورفضت الجلوس في المنزل، ثم خيرها بين العمل وبين الطلاق..فهل هذه معصية لكلامه؟ وما حكم الشرع في ذلك؟" هكذا ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية خلال إحدى حلقات بثها المباشر عبر صفحتها الرسمية على الفيسبوك.
وأجاب الدكتور محمود شلبي، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على السؤال مؤكداً ان المسألة لا تعالج بمثل هذا الأسلوب.
وأوضح “شلبي”: "نحن لسنا في صراع"، فهذه حياة زوجية وبيت يحتاج إلى وجود توافق بين الزوجين حتى تسير الحياة، فلا يمكن أن تمشي الحياة الزوجية وكل طرف يقف عند رأيه ويقرر الطلاق إذا لم ينفذ، فكل طرف يتنازل مرة.
وأشار الى أنه على السائل أن يتفاهم مع زوجته في الأمر ومحاولة الوصول إلى حل فيه تراضي بينهما، فإن لم يستطيعوا فليوسطوا بينهم أهل الخير والصلاح، فإن لم يحدث بينهما تفاهم فليذهبا إلى دار الإفتاء المصرية ليوضحا لهما كيف يكون التصرف في هذا الأمر.
ورد سؤال للصفحة الرسمية لدار الإفتاء المصرية عبر موقع التواصل الاجتماعي" فيسبوك"، جاء فيه،: "ما حكم منع الرجل لزوجته من العمل رغم أنه تزوجها تعمل؟".
وأجاب الدكتور محمد وسام، مدير إدارة الفتوى المكتوبة وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال البث المباشر للرد على استفسارات المتابعين، قائلًا: " إن الحقوق تتقابل مع الواجبات في الزواج، ومن حق الزوج احتباس الزوجة أي أنها تفرغ نفسها لهذه الأسرة وليس حبسها بمعنى الحبس في مكان ما ، ومن حق زوجها عليها ذلك.
وأضاف أن الزوج إذا أذن في اقتطاع جزء من الوقت لصالح الزوجة فهذا يعتبر تنازلًا عن حقه في هذا الوقت، فهو تزوجها تعمل وسكت عن هذا ويعتبر هذا إذن ضمني وفيه تنازل عن حقه في وقت عملها، طالما أنه لم يشترط عدم عملها في عقد الزواج أو يطالبها بالامتناع عن العمل".
وأوضح مدير إدارة الفتوى المكتوبة وأمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن الزواج مبني على التفاهم والمودة والرحمة، وعليهم ان يتفاهمون سويًا ويتنازل طرف للآخر لصالح الأسرة.
حكم اخذ الزوج جزء من راتب زوجته إذا سمح لها بالعمل ؟هكذا ورد السؤال إلى دار الإفتاء المصرية، لتجيب قائلة: إنه من المقرر شرعًا أن للزوج ذمة مالية مستقلة عن زوجته، وأن للزوجة كذلك ذمة مالية مستقلة عن زوجها، و لا يحق للزوج أن يجبرها على أخذ راتبها.
ونوهت بأنه من المقرر شرعًا أن الزوجة لا يجوز لها العمل إلا بإذن زوجها، فإن خرجت وعملت بدون إذنه الصريح أو الضمني كانت عاصية، لأن الحقوق الزوجية متقابلة، إذا تم عليه الإتفاق أو عليها الاحتباس في منزل الزوجية لحقه.
واستشهدت بقول الله تعالى «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا» النساء/34.
وأكدت أنه لا يقدح هذا في الحق المقرر للمرأة في العمل المشروع، وأن لها شخصيتها وذمتها المالية متي كانت بالغة عاقلة، لأن المشروعية لا تنافي المنع، إذ من المقرر شرعا أن للزوج أن يمنع زوجته من صلاة النوافل وصومها مع أنها عبادة مشروعة.
وأوضحت أن الإذن الصريح يتمثل في أن يعلم الزوج زوجته به، والإذن الضمني أن تعمل دون اعتراض منه أو يتزوجها عالما بعملها، وكما أن الزوج هو الذي له حق الإذن في عمل الزوجة خارج البيت، فإن بعض الفقهاء جعلوا له كذلك حق إلغاء هذا الإذن ومنع الزوجة من الاستمرار في العمل إلا إذا كان هناك التزام عليها في هذا العمل ألزمت به نفسها قبل الزواج فإن الزوج لا يملك حينئذ منعها منه.
وأضافت: "وصرح الشافعية والحنابلة بأن للمرأة أن تخرج للإرضاع إن كانت أجرتنفسها له قبل عقد النكاح ثم تزوجت، لصحة الإجارة، ولا يملك الزوج فسخها ولا منعها من الرضاع حتىتنقضي المدة؛ لأن منافعها ملكت بعقد سابق علىنكاح الزوج مع علمه بذلك، وهذا المعنىهو الذي أخذ به القانون عندما قيد هذا الحق للزوج وجعل من إذن الزوج للزوجة بالعمل خارج المنزل إذنا ملزما للزوج يدوم بدوام العلاقة الزوجية بينهما حقا مكفولا لها، فإذا طلب منها بعد ذلك الامتناع عن العمل فلم تمتثل فإنها لا تعد ناشزا ولا تسقط نفقتها، لأنه رضي بهذه الصورة من الاحتباس وأسقط حقه فيما زاد عليها، إلا إن كان عملها هذا منافيا لمصلحة أسرتها أو مشوبا بإساءة استعمال هذا الحق".
واستطردت: "من المقرر شرعا أن للزوج ذمة مالية مستقلة عن زوجته، وأن للزوجة كذلك ذمة مالية مستقلة عن زوجها، وقد روي أن النبي صلىالله عليه وآله وسلم قال: «كل أحد أحق بماله من والده وولده والناس أجمعين» فهذا الحديث يقرر أصل إطلاق تصرف الإنسان في ماله، وعليه: فلا يترتب على الزواج في الشريعة الإسلامية اندماج مالية أحد الزوجين مع مالية الآخر، سواء الأموال السائلة أو العقارات أو الأسهم أو غير ذلك من صور المال المختلفة، ولا يحق للزوج أو للزوجة بموجب عقد الزواج في الإسلام أن يتحكم أحدهما في تصرفات الآخر المالية، كما لا يعطي الشرع حقا ماليا لأحدهما علىالآخر فوق ما يجب على الزوج لزوجته وفوق ما قد يلزمان به أنفسهما أو يتفقان عليه من حقوق أخري. وبناء علي ذلك وفي واقعة السؤال: فذمة الزوجة المالية منفصلة عن ذمة الزوج المالية تماما".