لجريدة عمان:
2024-12-23@15:12:26 GMT

هل تستطيع أوروبا الدفاع عن نفسها؟

تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT

ترجمة: أحمد شافعي

تتزايد في واشنطن الدعوات إلى تولي أوروبا مهمة الدفاع عن نفسها، فترتعد فرائص بروكسل. غير أن تحولا دائما في نظرة جانبي الأطلنطي إلى موقف أحدهما الآخر قد يمثل الدفعة اللازمة للاتحاد الأوروبي لكي يصبح حليفا للولايات المتحدة أقل اعتمادا عليها وأشد قدرة وندية.

يتزايد قلق زعماء الاتحاد الأوروبي مع احتمال تولي ترامب الرئاسة مرة ثانية (ومعه فانس نائبا) بشأن أمن الكتلة مرة أخرى.

وذلك لأن الجدالات التي أثيرت في الفترة من 2016 إلى 2021 حول الاعتماد الكامل على الناتو والولايات المتحدة في الدفاع عن الاتحاد الأوروبي لم تنته إلى نتيجة مرضية.

في عام 2016 زادت نسبة إنفاق الناتو الدفاعي إلى إجمالي الدخل الوطني للمرة الأولى خلال سبع سنوات. وقامت السويد ولتوانيا ـ وهما جارتان لروسيا ـ بإعادة الخدمة العسكرية الإلزامية أو زيادة مدتها. وفي بروكسل، طرحت مراجعة (خطة العمل الدفاعية الأوروبية) حاجة الاتحاد الأوروبي إلى استهداف «الاستقلال الذاتي الاستراتيجي» لأوروبا فزاد الاتحاد الأوروبي إنفاقه العسكري وأضفى الطابع الرسمي على هيكل التعاون العسكري فيه بالتبعية.

في ما بين عامي 2018 و2021، أنشأت بروكسل أيضا (الصناديق الدفاعية الأوروبية)، فمكنت الاتحاد الأوروبي من تمويل حمايته جماعيا ومطالبة الدول الأعضاء بتخصيص «ما لا يقل عن 20% من ميزانيات الدفاع لديها للمعدات، و2% للتنمية التكنولوجية» فخصصت تسعين مليون يورو لتمويل بحوث الدفاع على مستوى الاتحاد في ما بين 2016 و2020 تحديدا وثلاثة عشر مليار يورو في ما بين 2021 و2027 للسياسة الدفاعية الصناعية عامة.

تضمن تغيير التعاون العسكري بين الدول الأعضاء جهودا لتنسيق الإنفاقات العسكرية وتحديد مشاريع السياسة الأمنية المشتركة. وهذه العزيمة على التعاون وزيادة الإنفاق والخطط الملموسة للتغير، تشير إلى عزم الاتحاد الأوروبي على أن يصبح أكثر من محض «موضع رعاية أمريكية» ولو في الوقت الراهن على أقل تقدير.

ولعل المناخ السياسي الذي سعى الاتحاد الأوروبي فيه إلى التقدم بمزيد من القوة إلى استراتيجية أمنية مستقلة ذاتية يلقي شيئا من الضوء على السبب في عدم تجذر هذه الاستراتيجية. لقد طرحت الفترة فيما بين 2015 و2021 أكثر التهديدات مباشرة وأهمية للاتحاد الأوروبي منذ الحرب العالمية الثانية. فمنذ ضم شبه جزيرة القرم في 2014، باتت قوة روسيا المخيفة أكثر ظهورا، إذ استعرضت نفسها استعراضا حاسما في غزو كامل النطاق لأوكرانيا سنة 2022. واستمر الرئيس ترامب في وصف الناتو بـ«البائد» العاجز عن تحقيق أهدافه الإنفاقية فزاد ذلك من احتمالات تغيير الترتيب الأمني الذي دام لسبعة عقود.

غير أن فوز الرئيس بايدن بانتخابات 2020 لم يلق فقط ترحيبا حماسيا من بروكسل ولكنه كان محملا أيضا بتوقعات بإعادة بناء الصداقة عبر الأطلنطي. وفي ظل رجوع قائد أشد تعاطفا مع الحماية الأوروبية إلى رئاسة الولايات المتحدة، بات بوسع الاتحاد الأوروبي أن يصرف انتباهه إلى أي وجهة غير توفير أمنه لنفسه.

وحدث ذلك. ففي مايو وديسمبر 2023، أرسل الاتحاد الأوروبي بعثة مدنية إلى مولدوفا لتعزيز قطاع الأمن هناك وأقرّ مبادرة أمنية دفاعية دعما لبلاد غرب أفريقيا في خليج غينيا. أما عن الدفاع عن حدوده الخاصة فقد رجعت بروكسل إلى نهجها المألوف من إيثار الأقوال على الأفعال. فكان من ذلك خطاب الرئيس الفرنسي ماكرون حول أوروبا في جامعة السربون في أبريل، ومن المفارقات أنه اعترف فيه بأن التقدم ضئيل للغاية منذ خطابه الأول فيما يتعلق بتقوية أوروبا جيوسياسيّا قبل سنين، وكان منه أيضا اجتماع يونيو لقادة الاتحاد الأوروبي لمناقشة فجوات القدرات الحساسة واستراتيجية وبرامج الصناعة الدفاعية الأوروبية.

ويحسب لبروكسل أنها أقرت في 2022 «البوصلة الاستراتيجية» وهي «خطة عمل طموحة لتقوية سياسة الاتحاد الأوروبي في الدفاع والأمن بحلول 2030»، واستمرار الدول الأعضاء في زيادة الإنفاق الدفاعي. غير أنه لا بد من الاعتراف بأنه على الرغم من وجود رئيس أمريكي ميال إلى أوروبا، فإن خطر الجارة المهددة قد ازداد. ومع ذلك، وفي ظل تفادي تهديد أمني واحد، بدا الاتحاد الأوروبي مستعدا للسماح بفتور للجهود النشطة الرامية إلى زيادة قدراته الدفاعية.

يشير هذا التحول في التركيز على القدرات الدفاعية أول ما يشير إلى أن تقدم الأمن الأوروبي يظل رد فعل لتهديدات سلامة الاتحاد الأوروبي. ويشير هذا السلوك، في المقام الثاني والأهم، إلى أن ما حال دون قيام القارة العجوز بإنشاء سبل محترمة للحماية الذاتية لم يكن الافتقار إلى القدرة على إدراك ومعالجة النقاط واجبة التحسين أو غياب الموارد. ولكنها أيديولوجية الاتكال على الولايات المتحدة والناتو في الضمانات الأمنية وهي أيديولوجية متأصلة لدى قادة الاتحاد الأوروبي وهي التي منعت بروكسل من إنشاء السبل الكافية للحماية الذاتية. فليس الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى ساعة إنذار أخرى ليشرع في توفير دفاعه، ولكنه يحتاج إلى تحول دائم في الذهنية وذلك ما لا يمكن لرئيس أمريكي واحد أن يدفع إليه دفعا.

وليس الاتحاد الأوروبي وحده في ذلك. فواشنطن هي الأخرى ينبغي أن تعيد تقييم تصورها لموقف أوروبا ودورها في تبعية أوروبا. بعد انهيار الاتحاد السوفييتي سنة 1991، الذي تزامن تقريبا مع توقيع معاهدة تأسيس الاتحاد الأوروبي، والتي حددت أيضا أهدافا لسياسة أمنية وخارجية مشتركة، كان بوسع واشنطن أن تتراجع عن اشتراكها النشط في الأمن الأوروبي. وبدلا من ذلك، وحتى عام 2016، ظلت كل إدارة أمريكية تعيد تأكيد التزامها بتوفير الحماية للاتحاد الأوروبي، فبلغ ذلك في بعض الأوقات حد تثبيط استثمارات جيدة في القدرات كان يمكن أن تضمن لأمن الاتحاد الأوروبي مزيدا من الاستقلال عن الولايات المتحدة والناتو.

في عام 1996، أعلن الرئيس بيل كلينتن في خطاب حول توسيع الناتو في أوروبا، أن أمريكا هي «الأمة التي لا غنى للعالم عنها» والتي في بعض الأوقات «تحدد الفارق بين الحرب والسلام، وبين الحرية والقمع، وبين الرجاء والخوف». وفي عام 1998، رحبت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية كلينتن «بأوروبا شريكا أقدر» غير أن «ما يجب على أي مبادرة اجتنابه... هو فك الارتباط عن الناتو، واجتناب ازدواج الجهود القائمة، واجتناب التمييز ضد الأعضاء غير الأوروبيين». وبهذه التصريحات ثبطت الإدارة الأمريكية عمل القادة الأوروبيين المهم. واتبعت إدارة جورج دبليو بوش النهج نفسه، فقبلت زيادة قدرات الدفاع الأوروبية ما دامت أدنى من الناتو والولايات المتحدة.

سعى نفوذ الولايات المتحدة على القارة إلى الحفاظ على اعتماد الاتحاد الأوروبي على الولايات المتحدة، ومنعه من أن يصبح منافسا كفؤا. وفي 2010 وصفت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتن الأمن الأوروبي بأنه «أكبر من مصلحة استراتيجية» و«تعبير عن قيمنا» التي «لا يمكن أن تنفصم عراها أبدا».

بعد سنين من الوعود القاطعة بحماية أوروبا وصلت في بعض الأوقات إلى تثبيطها عن تأسيس قدرات أمنية، يبدو غير غريب أن يجاهد القادة الأوروبيون الآن في مهمة زيادة قدرة الاتحاد على حماية نفسه وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة وحلف الناتو. وتحول الذهنية الحقيقي في واشنطن بحيث تنصرف عن الرغبة في المحافظة على تبعية أوروبا والتركيز على دعم حقيقي لأوروبا في زيادة قدراتها الأمنية، بما يتيح للاتحاد الأوروبي أن يصبح حليفا أقدر وأكثر ندية، هو ما قد يكون الاتحاد الأوروبي بحاجة إليه ليتذكر أنه كان قادرا على بدء عملية الاعتماد بشكل أكبر على نفسه في دفاعه وأمنه.

وقد يكون ذلك هبة لواشنطن أيضا، فأكثر من 60% من الناخبين يوافقون على أن الاتحاد الأوروبي يفرط في الاعتماد على الدعم العسكري الأمريكي، و70% من الراشدين يعتقدون أن الولايات المتحدة تنفق أكثر مما ينبغي على مساعدة بلاد أخرى. والولايات المتحدة حاليا مشتبكة في العديد من الصراعات، في حين يتطلب النمو والأنشطة العسكرية الصينية تحويل محور اهتمام الولايات المتحدة إلى آسيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وقد لا يكون تضاؤل اتكال أوروبا بدعم من تغيير في الذهنية الأمريكية محض استجابة لرغبة الناخبين وحسب، بل إنه قد يتيح لواشنطن أن تكون أكثر انتقائية في اشتراكها العسكري، ومن ثم أكثر فعالية فيما توفر من مساعدة. قد يجري اقتسام عبء أوكرانيا على نحو منطقي. وقد يكون بوسع اتحاد أوروبي أكثر ثقة في نفسه ويستطيع أن يوفر لنفسه الأمن أمرا كبير المزايا لكل من جانبي الأطلنطي.

لينا كلينك متدربة في ذي ناشونال إنتريست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: للاتحاد الأوروبی الاتحاد الأوروبی الولایات المتحدة الدفاع عن غیر أن ما بین

إقرأ أيضاً:

ترامب يريد من أوروبا زيادة الإنفاق الدفاعي للناتو إلى 5%

ذكرت وكالة “فايننشال تايمز”، أن الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب يريد من أوروبا زيادة الإنفاق الدفاعي للناتو إلى 5%، وفقا لما ذكرته فضائية “القاهرة الإخبارية” في نبأ عاجل.

 

تقارير الناتو بشأن أوكرانيا هي تصريحات للشأن المحلي داخل دول الحلف أردوغان: تركيا كدولة في الناتو لا يمكنها القبول ببقاء المنظمات الارهابية في سوريا

 

وفي إطار آخر، قال مراسل القاهرة الإخبارية، من موسكو، خلال رسالة عبر شاشة القانة إنه يمكن ترجمة الخطابات التابعة لحلف الناتو بمسارين المسار الأول هو أن هذه الخطابات التي تخرج من حلف الناتو ليست سوى تصريحات للاستهلاك المحلي لداخل دول حلف الناتو وأيضًا للداخل الأوكراني وذلك من أجل رفع سقف المواجهات والمطالب قبل وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.

 

 

حل الأزمة الروسية الأوكرانية

وأضاف  أن هناك تقارير أمريكية تشير إلى إمكانية حل الأزمة الروسية الأوكرانية، ويمكن ان يكون حلف الناتو بدأ يستخدم الفترة الحالية لرفع سقف المواجهات مع روسيا من أجل تخفيف من حدة المطالب والأهداف الروسية.

حلف الناتو

وتابع: «المسار الثاني هو أن حلف الناتو شعر جديًا بأن ترامب ربما سوف يوقف الدعم العسكري الأمريكي إلى أوكرانيا خلال الفترة المقبلة لذلك حلف الناتو والقارة الأوربية هما من سيستمران في مواصلة الدعم إلى أوكرانيا».

لا مفاوضات حول أوكرانيا دون مشاركة كييف

يذكر أن الدكتور ميكولا باستون، الأكاديمي والباحث السياسي، قال إن تصريحات الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، التي أكد فيها أنه لا يحق لأي زعيم أن يتحكم أو يفرض سلطته على بلاده دون أخذ رأي الشعب الأوكراني، يقصد رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي بدأ في الآونة الأخيرة مفاوضات نشطة وتحركات سياسية بشأن القضية الأوكرانية.

وأشار باستون  خلال مداخلة مع الإعلامية نهى درويش، على قناة القاهرة الإخبارية، إلى أنه تم إثبات مبدأ سابقًا مفاده أنه لا يمكن إجراء أي مفاوضات بشأن أوكرانيا أو اتخاذ خطوات سياسية في هذا الصدد دون مشاركة كييف أو من دون موافقتها المسبقة، مضيفًا أن الوضع الدولي اليوم يشبه الأمواج المتلاطمة، ففي البداية، كان هناك تقلص في نفوذ روسيا السياسي، ولكن الآن نلاحظ أن هذا النفوذ بدأ يتوسع تدريجيًا، حيث بدأت دول عدة تتبنى مواقف مفادها أنه ربما لا يجب معاقبة روسيا على تصرفاتها، بل التفاوض معها وأخذ مواقفها بعين الاعتبار.


 

مقالات مشابهة

  • على الاتحاد الأوروبي البناء على نجاحاته السابقة
  • ترامب يهدد أوروبا بعقوبات ورسوم جمركية ويطالب بزيادة إنفاق الناتو إلى 5%
  • ترامب يهدد أوروبا بفرض رسوم جمركية إذا لم تزد شراء النفط والغاز
  • ترامب مهددا دول الاتحاد الأوروبي: اشتروا المزيد من نفطنا وغازنا أو واجهوا التعريفات الجمركية
  • ترامب يريد من أوروبا زيادة الإنفاق الدفاعي للناتو إلى 5%
  • تتعلق بشراء الغاز والنفط.. ترامب يهدد أوروبا بفرض رسوم
  • ترامب يهدد الاتحاد الأوروبي: اشتروا النفط والغاز وإلا…
  • فايننشال تايمز: ترامب يريد من أوروبا زيادة الإنفاق الدفاعي للناتو إلى 5%
  • ترامب: على أوروبا زيادة شراء الطاقة أو مواجهة الرسوم
  • ترامب يوجه تهديدا إلى دول الاتحاد الأوروبي