لجريدة عمان:
2025-01-23@15:23:07 GMT

الذئب .. مجرم حرب

تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT

كل الصفات التي يشار بها إلى الذئب تذهب إلى إضفاء الكثير من صفات الشجاعة، والنخوة، والإقدام، والمبادرة ـ وأنا أتحدث هنا عن مرحلة متقدمة من عمر المجتمع ويبدو أن الفكرة حاليًا لا تزال تلقى القبول ـ فعندما يشار إلى فلان من الناس على أنه كان مبادرًا يقال: والله إن «فلان ذئب» وعندما يراد لعمل أن يتم على الوجه السرعة، فهناك فلان يمكنه ذلك لأنه التصقت به صفة «فلان ذئب».

ومع مرور الأيام تأصلت صورة الذئب على أنه «ضمنيًا» مصلح مصان الجانب، لا يتلبسه الهوان والضعف، والتراجع والتقهقر، مبادر، جسور، لا يهاب، بينما في المقابل هناك الكلب وهو من نفس فصيلة الذئاب، أو العكس، يدفع ثمن إنجازات الذئب، فكل الصفات المذمومة يشار بها إلى الكلب، ففلان كلب؛ لأنه لم يقم بواجبه، وآخر كلب لأنه أخل ما اتفق عليه، وأنه كلب لأنه انحاز نحو مصلحته، وأنه كلب لأن «ما فيه خير» انقض الوعد، أخلّ بالأمانة، كذب، سرق، انتصر لهواه، إذا فهو كلب، ومنها: «دع الكلاب تعوي فالقافلة تسير» أي أنه عواء ليس له قيمة، ولماذا أوتي بالكلب دون الذئب؟ مع أن هناك قناعة بأن الكلب: وفيّ، وأمين، ومخلص، وفي المقابل يؤكد الواقع أن الذئب ـ كحيوان ـ انتهازي، يتلصص، يغير على القطعان والزرائب خاصة في الليالي الحالكة، يهاجم عندما يستوحد بالشخص في الأماكن القاصية، يقتل، لا يراعي في إنسان «قرابة ولا عهدا». والمقارنة تذهب نفسها إلى الحمار الذي تكال عليه تهم الفساد، والغباء، وعدم القدرة على التصرف، ففلان من الناس حمار لا يفهم، لا يعي، لا يقدر، غبي لا يعرف كيف يتصرف، ومعنى هذا أن كل ذي مسؤولية أخل في جزء منها متعمدًا أو غير متعمد «ساهيًا» فهو معرض لأن تصوب إليه سهام صفة الحمير! بينما في الواقع أن الحمار صبور وقد سماه البعض «صابرا» لصبره على التحمل، وعلى المشاق في حمل الأمتعة والناس من مكان إلى آخر، وقد تعاملنا مع الحمير في القرية لمّا كنا صغارا، ولمسنا فيها الكثير من الذكاء، والتصرف بحكمة، بالإضافة إلى صبرها الكبير على الجوع والعطش، وتحملها الأكبر على مجموعة المسؤوليات الملقاة على عاتقها، والمنفذة عن طريق صاحبها الذي لا يقل وحشية في تعامله نحوها، في كثير من الأحيان، فقط لأنها «حمير» وفي عالمنا الإنساني هناك ذئاب بشرية كثيرة تصول وتجول، تقتل وتنهب، وترتكب الموبقات، ولا أحد يرد لها رأسا، وفوق ذلك هي مقدرة، ومحترمة، وتحصل على المؤازرة التامة من كل القوى.

فهذه المقاربات غير الواعية بين تصرفات الإنسان وأحكامه، وإلصاقها بحيوانات بعينها، تحتاج إلى كثير من المراجعة، ولا تقبل ولا تلقى بعواهنها هكذا دون تمحيص، وبالتالي فعندما يكون الحديث عن الظلم، فلا أتصور إطلاقًا أن الظلم حالة بشرية متبادلة بين البشر أنفسهم، سواء بالكلمة أو بالفعل، وإنما وفق تقييم خاص أن الظلم يشمل جميع الكائنات التي خلقها الله تعالى في هذا الكون، وبما أن الإنسان يتحدث عن العدالة، والمساواة، والإنصاف، في القول والفعل، فإن هذا المستوى من الترقي يحمله مسؤوليات أكبر في تعامله مع غيره من الكائنات الحية، وإن كانت هناك من الحيوانات سخرت لخدمة الإنسان، فذلك ليس معناه، أن يعمم الإنسان بذرة الشر، أو يؤصل صورًا نمطية على جميع الكائنات، وإن حدث ذلك فلا أتصور أن ذلك لن يدخله في دائرة المساءلة والعقاب. وإن كانت الفكرة هنا لا تتحدث عن هذا الجانب الضيق من المسألة العامة لها «الثواب والعقاب» ولكن تذهب إلى الأكثر من ذلك، وهو عدم إعطاء الشرعية في إلصاق الصفات التي تتميز بها الحيوانات القائم نشاطها على الغرائز بالإنسان الذي وهبه الله العقل المدبر، وخاطبه ربه في كثير من الآيات، وكلفه بحضور العقل الموكول إليه إحداث فارق نوعي في تمييز الخطأ والصواب، والصالح والطالح.

ونعود إلى الذئب كشخصية محورية في هذه المناقشة، وما سجله التاريخ في حقه أو ضده، فمرة يظهر على أنه مغلوب على أمره، ومرة يظهر على أنه قاتل منتصر لغريزته، ولعل حادثة العجوز التي تعيش في الصحراء وآوت جرو ذئب فاعتنت به وأطعمته حتى تحركت فيه الغريزة الطبيعية للحيوان المتفترس، فإذا به يفترس شياهها، واحدة تلو الآخر، وأنشدت في نكرانه للجميل قولًا، ما يعيد للأذهان شيئًا من المراجعة في مجموعة من المقاربات التي يقيمها البشر بين الحيوانات وصفاتها الحقيقية، وتأثير ذلك على الواقع. تقول المرأة التي اغتال الذئب شياهها:

«بقرت شويهتي وفجعت قومي

وأنت لشاتنا ابن ربيب

غذيت بدرها ونشأت معها

فمن أنباك أن أباك ذيب»

وتختم أنشودتها بهذه الحكمة البالغة الرائعة:

«إذا كان الطباع طباع سوء

فلا أدب يفيد ولا أديب»

والقصة موجودة في كثير من المواقع لمن يريد أن يستزيد بكثير من التفاصيل، والعبرة كما أراها هي في البيت الأخير، فالمسألة عند هذا المعنى أن لا عبرة في الانتماء، سواء أكان انتماء إلى الإنسانية، أو إلى الحيوانية، فالمسألة مرتبطة كثيرا بالطباع التي يكون عليها هذا الكائن، ومهما حاول الإنسان وهو الذي بيده العصمة في ترويض بني جنسه، أو في ترويض الكائنات الأخرى من حوله، فإن الطبيعية الفطرية هي التي تمهر على خاتمة السلوك، ولكم رأينا رأي العين كيف تلتهم الأسود مربيها ومدربيها أمام الجمهور في برامج «السيرك» العالمية، فلم تنفع كل سنوات الترويض والجهود المضنية التي بذلت لإخراج هذا الكائن من حالته الطبيعية القائمة على الافتراس، والهجوم والتوحش، إلى حالة الانكسار والامتثال والخضوع. وعندما أنشبت الغريزة أظفارها، ضرب بكل ما تم لإيقاف هذه اللحظة الحاسمة عرض الحائط، وبعد أن أكمل الأب أو الأم تربية أحد أبنائهما، فإذا هو يقف الند بالند أمام منصة المحكمة، يحاكم أحدهما على شيء من متع الحياة، وإذا بالطالب «الصعلوك» الذي للتو يبدأ في فك حروف الكلمات، يتعالى صوته مهددا متوعدا معلمه أمام زملائه، وإذا بهذا الموظف الأمين المخلص الذي اغتاله الزمن وهو يجهد بين الأوراق أو أجهزة الحاسب الآلي يرى قائمة المكرمين والمجيدين فقط؛ لأن في المؤسسة ذئبا بشريا، يقتحم حواجز النظم الإدارية لغايات في نفسه، منها المؤسسة والوطن براء كبراءة الذئب من دم يوسف (فأكله الذئب) حيث انتقلت غريزة الاشتهاء من الذئب الحقيقي «الحيوان» إلى الذئب البديل «الإنسان» في لحظة زمنية فارقة بين الخير والشر، وهي ذات اللحظة الزمنية التي ترمى فيها القنابل والأسلحة المسمومة من فوق آلاف الأمتار على شعوب مغلوبة على أمرها، لا تملك من معززات الدفاع عن نفسها ضد صنوها، فالقاتل إنسان متوحش في جلد ذئب، والمقتول إنسان ضعيف في جلد عنزة ترتعد فرائصها حيث يقبل الجزار لجز عنقها، ومع ذلك تلقى هذه الذئاب المتوحشة في حالتيها الحيوانية والبشرية التقدير والعون والدعم.

«كان لوبو ذئبًا رماديًا من أمريكا الشمالية، وعاش في وادي كورومبا (كورومبا كريك في نيو مكسيكو. وخلال تسعينيات القرن التاسع عشر، اضطر لوبو وقطيعه، بعدما حُرموا من فرائسهم الطبيعية مثل البيسون، والأيائل، والقرن المشقوق من قبل المستوطنين، إلى الاعتداء على ماشية المستوطنين للبقاء على قيد الحياة. وحاول مربو الماشية (في مزرعة كروس إل) قتل لوبو وقطيعه عن طريق تسميم جثث الحيوانات، ولكن الذئاب أزالت الأجزاء المسمومة وألقتها جانبًا، وأكلت الباقي (...) وكان إرنست طومسون سيتون يَشْعُرُ بإغْراءٍ قويّ لهذا التحدي، والمكافأة التي كان قدرها 1000 دولار لرأس لوبو، قائد القطيع (...) وعندما امتدت الجهود التي كان من المفترض في البداية أن تستغرق أسبوعين، ثم أصبحت عقب هذه الأحداث أربعة أشهر من المحاولات الفاشلة للقبض على لوبو، أدرك سيتون التعب والإحباط (القصة منقولة بتصرف)، فكم من «لوبو» يعيش بين ظهرانينا متوشح باللباس الإنساني؟.

أحمد بن سالم الفلاحي كاتب وصحفي عماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: على أنه کثیر من

إقرأ أيضاً:

ما الذي يحدث في الضفة الغربية؟

بدأت إسرائيل من جنين حملة عسكرية جديدة في الضفة الغربية بعد يومين فقط من سريان اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

وفي ما يلي محاولة لفهم ما يجري في الضفة بعد العدوان على غزة:

متى بدأت العملية التي أطلقت عليها إسرائيل "السور الحديدي"؟

بدأت العملية الإسرائيلية التي أطلق عليها الاحتلال "السور الحديدي" أول أمس الثلاثاء، ويشارك فيها مئات العناصر من الجيش والشرطة وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك).

وتوغلت هذه القوات في جنين مدعومة بآليات مدرعة وجرافات وطائرات مسيرة.

ولم تحدد تل أبيب سقفا زمنيا محددا للعملية، لكن بعض المسؤولين الإسرائيليين قالوا إنها ستتواصل وقد تستغرق أشهرا.

جنديان إسرائيليان يركضان داخل مخيم جنين (الأوروبية)

ما أبرز مناطق الاشتباكات؟

حتى الآن، يتركز الهجوم الإسرائيلي في محافظة جنين شمالي الضفة.

وبالإضافة إلى مخيم جنين الذي شهد اشتباكات عنيفة بين القوات المتوغلة ومقاومين، كما اقتحم الجيش الإسرائيلي بلدات قريبة بينها برقين وقباطية وعرابة وفحمة.

وبالتوازي مع العمية العسكرية، مزّقت قوات الاحتلال أوصال الضفة الغربية من خلال إقامة حواجز عسكرية جديدة، وتشديد القيود على تنقل الفلسطينيين.

ما حصيلة الشهداء والمصابين؟

حتى اليوم الخميس، استشهد 12 فلسطينيا وأصيب أكثر من 50 في العملية العسكرية الإسرائيلية الجارية، ومعظم الشهداء من مخيم جنين.

إعلان

كذلك اعتقلت قوات الاحتلال عشرات الفلسطينيين في مخيم جنين وأجبرت مئات على النزوح من منازلهم.

قوات الاحتلال تجبر المرضى على مغادرة مستشفى جنين و تمنع سيارات الإسعاف من نقلهم#فيديو #حرب_غزة pic.twitter.com/JhnbHiQs23

— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) January 22, 2025

لماذا في هذا التوقيت؟

قالت وكالة أسوشيتد برس إن هذه الحملة العسكرية تأتي بينما يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضغوطا من قبل اليمين المتطرف بعد أن توصلت حكومته وحركة حماس إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.

وفي هذا الإطار، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" إن إسرائيل حوّلت تركيزها إلى الضفة بعد أن كانت تعتبرها جبهة ثانوية طوال حربها على قطاع غزة ولبنان.

وربطت الصحيفة بين توقيت العملية العسكرية في جنين وإحباط المسؤولين من أقصى اليمين الإسرائيلي من اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، مشيرة إلى أن هؤلاء يدفعون باتجاه التصعيد العسكري في الضفة.

ما أهداف إسرائيل من العملية؟

قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تعليقا على العملية العسكرية في جنين إن إسرائيل تواصل التحرك ضد محور إيران وأذرعه في غزة وسوريا ولبنان واليمن وما سماها يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، بحسب تعبيره.

كما قال وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش إن الهجوم على جنين سيكون مقدمة لحملة قوية ومتواصلة لحماية المستوطنين والمستوطنات التي يعيش فيها 700 ألف مستوطن.

من جانبه، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن الجيش يطبق حاليا في الضفة "الدروس" التي تعلمها في غزة، مضيفا أنه "يجري العمل على ضمان عدم عودة ما سماه الإرهاب إلى مخيم جنين، ومنع إقامة "جبهة إرهاب" ضد إسرائيل من الشرق.

ما موقف السلطة الفلسطينية والفصائل؟

نددت الخارجية الفلسطينية بما وصفته بالعدوان على جنين، وحذرت من مخططات إسرائيلية لضم الضفة.

من الناحية العملية، ومع بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، سحبت السلطة الفلسطينية قواتها الأمنية من مخيم جنين، وقد بررت ذلك بتجنب الصدام مع القوات المهاجمة، ولكن الأجهزة الأمنية واصلت رغم ذلك استهداف المقاومين واعتقالهم داخل المخيم وخارجه.

إعلان

وقد وصفت حركة حماس مشاركة أجهزة السلطة في هجوم الاحتلال على مخيم جنين، بأنه جريمة في حق الشعب الفلسطيني، وتنكر لدم الشهداء.

كما حمّلت حركة الجهاد الإسلامي السلطة وأجهزتها الأمنية ما سمتها مسؤولية المشاركة والتواطؤ في هذا العدوان بعدما قدمته للاحتلال من خدمات من خلال محاصرة مخيم جنين لأكثر من 40 يوما، وفق ما جاء في بيان للحركة.

ما التداعيات المتوقعة المحتملة لهذه الحملة؟

قال محللون للجزيرة إن العملية العسكرية في جنين ومناطق أخرى بالضفة محاولة لتدمير البنية التحتية للمقاومة، مرجحين أن يشمل الهجوم لاحقا مخيمات أخرى ينشط فيها مقاومون.

وأشار المحللون إلى أن هذه الحملة العسكرية الإسرائيلية قد تعزز الاستيطان وتمهد لتنفيذ مخطط الضم الذي يدعو إليه وزراء في حكومة نتنياهو.

من جهتها، قالت وكالة أسوشيتد برس إن ما يجري في الضفة قد يضر باتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وقد تأتي العملية أيضا بنتائج عكسية، إذ تقول إسرائيل إن هناك احتمالا لحدوث هجمات كبيرة في الفترة المقبلة انطلاقا من الضفة.

وأكدت فصائل المقاومة الفلسطينية أن الحملة العسكرية الإسرائيلية الحالية لن تكسر إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته.

مقالات مشابهة

  • ما الذي يحدث في الضفة الغربية؟
  • فيديو يهز مصر.. مجرم يتجول برأس مقطوع ويشرب دم القتيل
  • حرائق في الحدود السعودية مع اليمن.. ما الذي جرى ..! (فيديو) 
  • دار الإفتاء تكشف السبب الرئيسي للهم والحزن الذي يصيب الإنسان فجأة
  • فيديو يهز مصر.. مجرم يتجول برأس مقطوعة ويشرب دم القتيل
  • القبض على مجرم أحرق سيارات وقتل رجلي أمن بالعراق
  • مشاهد صادمة لحجم الدمار والخراب الذي خلفه الاحتلال بمدينة رفح
  • الزبيب الأسود وصحة القلب: كنز من الفوائد التي قد تجهلها
  • شرطة البصرة تروي تفاصيل القبض على مجرم قتل إخوته: اختبأ في حفرة
  • حماس : غزة ستنهض من جديد رغم الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية