جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-23@23:44:23 GMT

خشيتنا من شياطين الإنس أكثر من الجن!

تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT

خشيتنا من شياطين الإنس أكثر من الجن!

 

د. عبدالله باحجاج

تواصل معي ولي أمر طالب أنهى دبلوم التعليم العام بنسبة تفوق 70% في القسم الأدبي، ولم يقبله حتى الآن نظام فرز القبول الموحد رغم اختياره الكلية المهنية، وينتاب ولي الأمر، الخوف المُرتفع من مآلات تنتظر ابنه حال عدم التحاقه بأي دراسة جامعية أو مهنية ودون عمل، في ظل عجزه المالي على الإنفاق التعليمي عليه، وهذا العجز قد بدأ يظهر على نطاق واسع، رصدناه في صلالة من خلال تحويل الكثير من الأبناء من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية؛ مما يشكل الآن ضغطا متزايدًا على المدارس الحكومية التي لجأت مُضطرة إلى رفع عدد الطلاب في الصف إلى 40 طالبًا وطالبة، وإلى لجوء 20 مدرسة للعمل على فترتين صباحية ومسائية.

وسيشمل العجز المالي كذلك قدرة الكثير من أولياء الأمور على تعليم أبنائهم في الجامعات الخاصة داخليًا وخارجيًا، الذين لم يحصلوا على منحة دراسية على نفقة الحكومة؛ لأنَّ مآلات التحوُّلات المالية منذ سنوات، أصبحت الآن تلقي بظلالها على عجز أولياء الأمور في الإنفاق التعليمي على أبنائهم في المدارس الخاصة والتعليم الجامعي. إذن، كم عدد الطلبة الذين سيجدون أنفسهم الآن ومستقبلًا دون تعليم بعد الدبلوم العام؟ وأين سيكون مصيرهم؟

من هنا نعتبر خوف ولي الأمر سالف الذكر، مُبرَّرًا ويمثل الكثير من أولياء الأمور، وخطورته الآن أكبر مما سبق؛ لأنَّ شياطين الإنس قد أصبحوا أكثر من نظرائهم الجن، يتربصون ببلادنا بعيون مجهرية دقيقة، وسيستغلون أي ثغرة لكي ينفذوا منها إلى شبابنا، أو إلى أي هدف اجتماعي واقتصادي وجيوسياسي، وقد يحققونه من حالة فراغ الشباب وانسداد أفق التعليم والوظيفة.

وعندما أُعمِل التفكير فيما وراء الحدود، أُجزِم وكأنني أرى من يستهدف بلادنا في شبابها وفي جغرافيتها وفي فكرها وفي مواقفها وفي خيراتها وفي تاريخها، حفظكِ الله يا بلادنا. ويقينًا لن تتحقق غاياتهم بقوتهم الخشنة لعلمهم بخيارات الردع لبلادنا، ليست بالضرورة خشنة فحسب؛ بل والناعمة التي أبرزها علاقات بلادنا الدولية وسياستها الخارجية وقوة مجتمعها العُماني في إطار وحدته السياسية والجغرافية، وتعايشه المُقدَّس مع تعدُّده الفكري، وقدرتها التاريخية والحديثة على استقرار موقعها الجيوسياسي الذي تتقاطع فيه مصالح العالم أجمع.

لكن.. لا يعني هذا أن نصنع له ثغرات عميقة ينفذ منها إلينا، من هنا نُكيِّف قضية عشرة آلاف طالب وطالبة- ربما أكثر أو أقل- لم يتمكنوا من الحصول على فرص تعليمية جامعية أو مهنية، غير الطلاب الذين لم ينجحوا في اختبار الدبلوم العام (2024/ 2025)، والطلاب الذين سيتوقفون عن مواصلة التعليم لعجز أولياء أمورهم. ومن الأهميتين السياسية والاجتماعية، تقليص عدد الشباب العاطلين إلى المستويات الآمنة، ولا نجعلها تتراكم- عدديًا وسيكولوجيًا- مع فتح الأبواب لديموغرافيات عابرة لحدودنا، ومن مناطق التوترات والصراعات.

من هنا.. نُطالِب بناءً على كل الاعتبارات- القديمة والجديدة- سالفة الذكر بزيادة عدد المقاعد الدراسية بمؤسسات التعليم العالي الحكومية والخاصة، الداخلية والخارجية؛ لضمان استيعاب ما يُمكِن استيعابه من تلكم الأعداد؛ فمكوثهم في مقاعد الدراسة يعني قضاء فترة زمنية تمتد لسنتين أو 4 سنوات، بمجموعة آمال وغايات؛ أمل تأسيس الذات، وأمل أن تتطور بيئات العمل في بلادنا وتستوعب المخرجات، وغاية أن الحاضنة التعليمية ستحتويهم وتحصنهم من اختراقات شياطين الإنس والجن. وهذه الأمور في غاية الأهمية الآن، وطوال السنوات الخمسة المقبلة، وما قد يحدث خلالها سيُشكِّل ملامح المُستقبل.

إنَّنا نتفهم القيود التي تتحكم في الميزانية العامة للدولة والموارد المالية، لكننا ومع ذلك نرى أن التعليم- عامةً وما بعد الدبلوم العام خاصةً- ينبغي أن لا يشمله تقليص الإنفاق؛ بل زيادته، وكذلك قطاع الصحة؛ لأن التعليم- محور حديثنا في هذا المقال- بخلاف ما يحتمله من إدارة للتحديات سالفة الذكر، فهو مدخل التطور الشامل للبلاد لمواجهة تحديات وإكراهات تطور التقنية في كل المجالات، وحاجة بلادنا لكوادر وطنية مُتخصِّصة ومُؤهَّلة في تخصصات، مثل: الذكاء الاصطناعي وهندسة النظم المستدامة والأمن السيبراني والفضاء وتقنيات الطائرات المسيرة؛ وهي مجالات تتطور تقنياتها بصورة مذهلة من حيث السرعة والمحتويات.

تلكم المجالات تشهد سباقًا إقليميًا مُحتدِمًا، وصلت فيه الدول إلى أشواط متقدمة من حيث النوع والكم، مما ينبغي فتح هذه المجالات في بلادنا للنسب المئوية العالية- كميًا ونوعيًا- وبتشجيع دافع للتوجه إليها، بعد أن حطم طلبتنا النسب الفلكية في اختبارات الدبلوم العام، على أن تكون بعثات خارجية وفي أرقى الجامعات؛ مما سيرفع من عدد البعثات الخارجية التي هي الآن في أدنى مستوى لها والبالغة 603 مع المنح.

وستُتاح للطلبة الآخرين الفرص لشغل التخصصات التي يتجدد الاحتياج إليها سنويًا، أمَّا بالنسبة للسيولة المالية، فإذا تعذّر انفتاح ميزانية الدولة عليها، فهناك خيار توسيع دور القطاع الخاص وكذلك الاستعانة بالوقف الذي تتوافر فيه أموال كبيرة ومُستدامة، وهناك الآن توجهات لاستثمارها في الداخل والخارج بعد المرسوم السلطاني بإنشاء المؤسسة الوقفية العُمانية، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي. وقد عرِفت بلادنا عبر تاريخها الطويل الوقفَ، ووُظِّفَ لصالح كل المجتمع؛ فكانت هناك أوقاف عامة للفقراء، وأخرى نوعية مثل التعليم والاعتناء بالمؤسسات الدينية والمعالم التاريخية والبيئة وحتى إطعام الطيور، وبالتالي، فإنَّ الوقف سينتقل الآن لكي يتماهى مع متطلبات الحياة المعاصرة انتقالًا مؤسساتيًا مُتخصصًا، وسيتم استثمار أمواله في مشاريع اقتصادية عديدة في الداخل والخارج.

وما تقدم يُظهر لنا الأهمية المتعددة الأغراض لزيادة عدد المقاعد للدراسة الجامعية والمهنية؛ فهي ضرورة لإدارة تحديات جيوسياسية، وضرورة لإدارة إكراه انتشار المخدرات والأفكار الدخيلة، وضرورة الحصانة من أجندات التنظيمات ذات الفكر الضَّال، واستخدامها للتقنيات لغسل الأدمغة والعقول، وكذلك هي ضرورة وطنية اقتصادية وسياسية لإدارة مستقبلنا الجديد بموارد بشرية متخصصة ومؤهلة وواعية. وإذا لم يستوعبها سوقنا العُماني، فإنها ستكون مطلوبة لذاتها، خاصة في المجالات التي حددناها سلفًا؛ مما سيظهر التعليم باعتباره استثمارًا استراتيجيًا لمواردنا الوطنية، ومخرجاته ستتماهى مع الواقع المُعاصر لبلادنا وعابرة للحدود بتخصصاته النوعية والدقيقة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

التعليم: مراجعات مكثفة ودعم للطلاب المتعثرين قبل الامتحانات

أصدرت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني توجيهات جديدة لجميع المدارس على مستوى الجمهورية، تضمنت التأكيد على ضرورة تكثيف المراجعات النهائية خلال ما تبقى من العام الدراسي، تمهيدًا لانطلاق امتحانات نهاية العام لصفوف النقل.

وأكدت الوزارة في تعليماتها أهمية منح الطلاب المتعثرين دراسيًا أولوية خاصة، لضمان دعمهم ومساعدتهم على تحسين مستواهم التعليمي قبل دخول الامتحانات.

وشملت التوجيهات دعوة الإدارات التعليمية إلى التنسيق مع المدارس لتنظيم مجموعات تقوية للطلاب، تكون مجانية أو منخفضة التكلفة، مع التركيز على تقديم مراجعات مبسطة وفعالة تراعي الفروق الفردية بين الطلاب، وتركز على شرح المفاهيم الأساسية بشكل واضح يساعد على الاستيعاب والتطبيق.

وشددت الوزارة على ضرورة التعاون بين المعلمين داخل كل مدرسة لرصد الموضوعات الأكثر صعوبة في كل مادة، وتخصيص وقت كافٍ لمعالجتها خلال المراجعات.

كما تم التأكيد على أهمية تبسيط الشرح واستخدام أساليب تعليمية تعتمد على الأنشطة الصفية والتدريبات التطبيقية، لتنمية مهارات الفهم والتحليل لدى الطلاب، بدلًا من الاعتماد على الحفظ فقط.

وأكدت الوزارة أن الهدف من المراجعات ليس تكرار ما سبق شرحه، بل تقديم فرصة لتثبيت المعلومات وتصحيح المفاهيم الخاطئة، مع إعداد الطلاب لشكل الأسئلة المتوقع في الامتحانات، سواء في المواد الأساسية أو تلك التي لا تضاف إلى المجموع.

وعلى صعيدا أخر، دعت الوزارة إدارات المدارس إلى تهيئة بيئة هادئة وداعمة داخل المدرسة، تخفف من حدة التوتر الذي قد يشعر به الطلاب مع اقتراب موعد الامتحانات.

كما أوصت بتشجيع الطلاب وتحفيزهم، وتوجيه المعلمين إلى التعامل الإيجابي مع الطلاب في هذه المرحلة الحساسة.

ومن المقرر أن تبدأ امتحانات نهاية العام خلال شهر مايو المقبل، وسط استعدادات مكثفة من جانب المديريات التعليمية والمدارس، لضمان سير العملية الامتحانية بسلاسة وانضباط، وتوفير بيئة آمنة ومناسبة لجميع الطلاب.

مقالات مشابهة

  • بعد تهديد واشنطن.. بريطانيا: أوكرانيا هي التي تقرّر مستقبلها.
  • التقرير الاقتصادي الفصلي لبنك عوده: تعدّد التحدّيات الاقتصاديّة التي تواجه العهد الجديد
  • الدفاع المدني ينفذ أكثر من 1880 عملاً خدمياً منذ بداية العام الحالي
  • إسطنبول: المدينة التي حملت أكثر من 135 اسمًا عبر التاريخ
  • التعليم: مراجعات مكثفة ودعم للطلاب المتعثرين قبل الامتحانات
  • عن الابادات الجماعية التي عايشناها .. لكم أحكيها
  • أسوان تورد أكثر من 40 ألف طن قمح حتى الآن.. وتسهيلات للمزارعين
  • أسعار البيض تحلّق في أوروبا... من هي الدولة التي تدفع أكثر من غيرها؟
  • خطوة جديدة نحو التميز.. بلادنا تشارك في اجتماع الاعتماد الخليجي بالكويت
  • اتحاد الصحفيين: أكثر من 1400 طلب انتساب إلكتروني ‏وعشرات الطلبات الورقية حتى الآن