فزعة الجرافات تعكس فشل ضرب الحاضنة الشعبية في جنين
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
جنين– أسفر انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من مدينة ومخيم جنين شمالي الضفة الغربية عن دمار هائل في البنى التحتية والممتلكات العامة والخاصة في المدينة، كما كشف أيضا -على جانب آخر- عن صورة تكافل كبيرة ولافتة بين المواطنين والأهالي.
فمنذ الساعات الأولى لسحب الجيش الإسرائيلي آلياته من شوارع المدينة، كانت مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو للتوجه إلى جنين، ومساعدة الأهالي المنكوبين، وسط دعوات شبابية لإعانة من تضررت منازلهم وإعادة الحياة للمدينة والمخيم.
على الأرض كان مركز المدينة يزدحم بالجرافات والجرارات الزراعية والشاحنات التي قدمت من قرى المحافظة كاملة، لبدء العمل على ترميم الشوارع وإزالة أكوام الركام المتكدسة أمام أبواب المحال التجارية وعلى جوانب الطرق.
مبادرة شخصيةوعلى مداخل المدينة، كانت الآليات التابعة للمواطنين من قرى جنوب وغرب جنين تشكل طوابير مزدحمة، تنتظر دورها للوصول وبدء العمل في وسط وأحياء المدينة.
ولاقت المبادرة تفاعلًا في الشارع الفلسطيني وترحيبًا واسعًا، وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات الجرافات التي تقدم "الفزعة" لجنين، وسماها البعض "فزعة الجرافات".
وكانت "جبع" أولى البلدات التي شاركت في المبادرة، وخرج منها عدد من الشبان برفقة جرافاتهم الخاصة. وقال رباح أبو عون منسق المبادرة "منذ صباح الجمعة، تجمّع شبان البلدة مع مركباتهم، وجئنا بـ5 جرافات، و13 جرارًا زراعيًا، إضافة لصهاريج مياه".
بدأ أبو عون، ومجموعته، بأعمال الإغاثة على دوار السينما وسط مدينة جنين، وهو أحد أكثر الميادين التي تعرضت للتدمير الإسرائيلي، فيما انتقل قسم آخر من المجموعة إلى داخل مخيم جنين الذي شهد معارك واسعة، لمحاولة نقل ركام المنازل التي فجّرها الاحتلال ولا سيما في حارات "الحواشين" و"الدمج".
يقول أبو عون للجزيرة نت، إن "الفكرة كانت مبادرة منّا أصحاب الجرافات، والشاحنات، بدافع شخصي وبهدف الوقوف مع أهالي جنين، لأن الضرر كان كبيرًا. وهذه ليست المرة الأولى، فقد نزلت في الاقتحامات السابقة مع صديقين لي، وعملنا في ساحة المخيم وحي الزهراء المحاذي لمدخل المخيم، بجرافاتنا الخاصة، وبدون أي تنسيق مع أية جهة مسؤولة".
ويرى أن حجم الضرر في هذا الاجتياح كان أكبر واستدعى تدخلًا أوسع، وهو ما أدى لاندفاع الناس للمشاركة وتقديم المساعدة والدعم اللوجستي والمعنوي والمادي في بعض الأحيان.
"10 أيام دمرت فيها جرافات الاحتلال كل ما مرّت به، ناهيك عن تفجير المنازل، وأعمدة الكهرباء، كنا نرى ما تفعله جرافات الاحتلال، ونشعر بألم حقيقي. هذه المدينة جمعت ذكرياتنا في مراحل حياتنا المختلفة؛ أسواقها وشوارعها ومحالها، كل ذلك يعنينا" يقول أبو عون.
ويضيف "خلال فترة الاجتياح، كان الوضع في بلدتي (جبع) كئيبًا جدًا، الناس كانت في هم وضيق شديدين، في النهاية نحن شعب واحد، وأبناء محافظة واحدة، وكل ما يحدث في المدينة يصيبنا بشكل أو بآخر".
عوائق تمدد الفزعةويقول المشاركون في هذه "الفزعة" "لو كانت الإمكانيات متاحة لوصلنا مدينة طولكرم أيضًا، ولانتقلت الجرافات والشاحنات لإزالة الركام من مخيمي نور شمس وطولكرم، ولترميم شوارعها التي طالها ما طال جنين أيضًا، لكن الوضع الأمني المحيط بمحافظات شمال الضفة، أعاق الشباب المبادرين، عن الوصول إلى هناك".
يقول أبو عون إن "هدف الاحتلال هو ضرب التلاحم الشعبي، والحاضنة في كل المدن، يريدون تفرقتنا، وأن نتحول إلى مناطق معزولة، يفكر كل واحد منا في مصلحته الشخصية فقط، لكنهم لن يفلحوا في ذلك".
أما عضو بلدية جبع عباس غنام، فقال "رأينا حماس الشباب للمشاركة في أعمال الإغاثة الميدانية وترميم الشوارع، وإزالة الركام، حاولنا تنسيق الجهود خاصة مع وجود عدد كبير من المتطوعين، وحتى لا يحدث ازدحام وتضارب في العمل، تحدثنا مع الدفاع المدني بالمدينة ومع بلدية جنين، وأطلعناهم على عدد الآليات التي تحرّكت من البلدة باتجاه المدينة".
ترحيب أهل جنينيقول محسن حثناوي، أحد سكان الحي الشرقي الذي طاله تدمير إسرائيلي واسع، إنه فوجئ بجرافة تطوّع صاحبها لإزالة الركام في محيط منزله وقد جاء من قرية اليامون غربي المحافظة. والسائق شاب يبلغ من العمر 22 عامًا، قال الحثناوي إن أحدًا لم يطلب منه القدوم للحي الشرقي، أو المشاركة في إزالة الدمار من جنين، وإنه جاء بدافع داخلي.
أما المواطن عماد زايد، فيقول إن مشهد ازدحام الجرافات والآليات المتطوعة القادمة من القرى والبلدات المحيطة بجنين، أعطى انطباعا لأهالي المدينة ومخيمها بأن الاحتلال فشل في تحقيق هدفه بترك جنين مدمرة، غير صالحة للعيش، وأن إسرائيل فشلت في كسرها، وتركها في حاله صعبة.
كانت الصورة صعبة جدًا في جنين بعد انسحاب الاحتلال، لكنها انقلبت إلى مشهد جميل مع تجمع مئات الشبان والفتية أيضا للمشاركة بأنفسهم في إزاحة الأذى عنها، وإعادتها لحالتها السابقة، تضج بالحياة والحركة.
عماد زايد، من سكان جنين؛ عاش الحصار لمدة 10 أيام، وانقطعت الكهرباء عن منزله خلال الاجتياح العسكري بفعل تدمير البنية التحتية، يرى أن جنين تختلف عن باقي المناطق لأن طبيعة المدينة قريبة جدًا من الريف، وأهلها متشابهون في لهجتهم وطريقة عيشهم، ولا يوجد إحساس بالفرق بين المدينة وقراها وبلداتها المحيطة، "وهذا ما خلق التعاضد الذي رأيناه في هذه الفزعة من القرى والأرياف".
ويشدد زايد على أن "ما رأيناه من طوابير الجرافات في الشارع، يؤكد لإسرائيل أن جنين لن يكسرها التدمير ولن يتحقق هدفه في كسر الحاضنة الشعبية للمقاومة، وهو ما تحاول فعله من خلال تحويل جنين إلى خراب".
وبحسب بلدية جنين، فإن الاحتلال دمر 70% من شوارع المدينة خلال الحملة العسكرية الأعنف عليها في الأيام العشرة الماضية، حيث جرى تجريف 20 كيلومترا من الشوارع، كما أحرقت إسرائيل 10 منازل في المخيم بشكل كامل، جراء استهدافها بقذائف "الأنيرجا".
وأكدت البلدية، في بيان لها، أن طواقمها لا تستطيع وحدها إزالة الركام وإصلاح ما دمره الاحتلال، مما يتطلب مساعدة الدفاع المدني ووزارة الأشغال العامة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أبو عون
إقرأ أيضاً:
ذاكرة الركام .. شهادة على الإرهاب الأمريكي المستمر
الثورة / عبدالواسع احمد
كان منزل صالح السهيلي يضج بالحياة والطمأنينة، أطفال يركضون في أرجائه، وضحكات تدفئ جدرانه، عائلة يمانية بسيطة، تعيش يومها بأمل رغم التحديات.
لم يكن أحد يتوقع أن يتحول هذا البيت، في لحظة خاطفة، إلى ركام وصمت دائم، بعد أن اخترق صاروخ أمريكي الليل، ليحمل معه الموت إلى حضن الأسرة.
في مساء الأحد الماضي، اخترق الصاروخ الصمت كوحش مفترس، لينهش منزل المواطن صالح السهيلي في منطقة شعب الحافة بمديرية شعوب،، لحظات فقط، وتحول كل شيء إلى رماد.
ارتقى أربعة من أفراد الأسرة شهداء في الحال، وأصيب أكثر من 25 آخرون، معظمهم نساء وأطفال، بعضهم لا يزال يصارع الموت في غرف الإنعاش.
لم يكن في المنزل أي موقع عسكري، ولا مستودع ذخيرة، ولا حتى عنصر مسلح، فقط أسرة يمنية، نامت على أمل، وصحَت على مجزرة.
القرار الأمريكي كان واضحًا : لا مكان آمن في صنعاء، الكل مستهدف، لا فرق بين مدني وعسكري.
جريمة بلا مبرر، ولا إنذار. الطائرات لم تُسمع، وكأنها كانت تتقن القتل بصمت.
لم يكن هذا مشهدًا من فيلم رعب، بل جريمة واقعية مكتملة الأركان، ارتُكبت أمام مرأى العالم، في قلب العاصمة صنعاء .
وسط الأنقاض، عُثر على دمية محترقة، وكتب مدرسية، وملابس عيد لم تُلبس بعد، اختلط الركام بأحلام الطفولة، وتحولت تفاصيل الحياة اليومية إلى شواهد على كارثة.
صورة واحدة من هناك، باتت اليوم أيقونة للفاجعة، تختزل الألم، وتفضح الإرهاب الأمريكي الذي لا يحتاج إلى محاكمات، بل إلى ضمير عالمي توقّف عن العمل.
الجيران هرعوا إلى المكان حفاةً مذهولين، لم يستوعبوا ما حدث، والمشهد في المستشفى كان أفظع .
تدفق المواطنون من كل حدب وصوب، حاملين المصابين على الأكتاف، والطواقم الطبية في سباق مع الوقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
الأطفال، من يحملون في أعينهم أحلام المستقبل، كانوا الأكثر تضررًا، جراحهم أعمق من أن تُوصف.
تساءل بعضهم من على أسرتهم البيضاء : “لماذا نحن ؟ هل هذا المنزل خطر على أمريكا ؟ هل كنا نهدد أمنهم ؟”
وفي مواقع التواصل، ضجّت الأصوات الغاضبة، وتداول الناس صور الضحايا ودمار المنزل، مرفقة بوسم : #الإرهاب_الأمريكي .
أما الإعلام العربي الموالي للعدوان، فكان حضوره مشينًا، لم يأتِ على ذكر الحادثة إلا كخبر مشوّه ومزيّف، يبرر الجريمة بسقوط أخلاقي لا مثيل له، لكن الأقبح، كان تشفّي بعض المرتزقة في وسائل الإعلام ومنصات التواصل، فبدلًا من إدانة المجرم، وجدوا في الجريمة مبررًا، وروّجوا لتأويلات كاذبة تغطي وجه الحقيقة، بل ذهب بعضهم للقول إن الضربة “مبررة”، متجاهلين تمامًا الدماء، والدموع، وفقدان الأطفال .
هذه الجريمة، التي طالت منزل السهيلي، ليست الأولى ولا الأخيرة، فقد سبقتها جرائم عديده لا تحصى ..
** وتستوقفنا هنا فاجعة أخرى مماثلة، لا تقل ألمًا، لا وهي مجزرة أسرة الزميل بشير الحرازي التي لا تُنسى .
ففي ليلة مشابهة، استهدفت طائرات العدوان منزل بشير الحرازي الكائن في أرضية سكن الحراس المدنيين المجاور لسكن موظفي الأمم المتحدة بمنطقة حدة، وكان حينها في عمله، بعيدًا عن المنزل لا يعرف ما تخبئ له الأقدار .
عندما استشهدت زوجته وأطفاله، دون سابق إنذار، لم يكن أحد يعتقد أن أيادي الإجرام يمكن أن تصل إلى أسرة نائمة، في حي سكني آمن،
يومها عاد بشير الحرازي إلى منزله مسرعًا بعد إبلاغه بالاستهداف الوحشي الجبان، يقطع صمت الشوارع بنبض قلبه الذي سبق خطواته .
لم يكن يعلم أن البيت الصغير، الذي كان يأوي إليه كل مساء، قد صار حفنة من الرماد والغبار، وأن ضحكات أطفاله، التي كانت تملأ الأركان، قد سكنت إلى الأبد .
وقف أمام الركام، تتطاير في رأسه شظايا الذكريات — أصواتهم، ضحكاتهم، آخر لحظاتهم، غير مصدّق بما حدث .. أسرته الصغيرة غادرت دون عوده (زوجته وأطفاله الأربعة) .. والى جانبهم ضيوفه ( شقيق زوجته وأطفاله الاثنين ) جميعهم الثمانية في غمضة عين اصبحوا ضحايا عدوان همجي لا يرحم ..
بكى بشير ألمآ ، لكنه لم يجد دموعًا لأن الوجع أعمق من البكاء ..
جلس على ركام كان يومًا جزءًا من جدار منزله، وراح ينادي أسماء أبنائه ( هاجر – عزالدين – عمر – احمد ) واحدًا تلو الآخر، كما لو أنهم سيخرجون من بين الحطام ليقولوا له : “ن حن هنا يا أبي، لم نذهب بعيدًا” .
لم يكن بشير سياسيًا، ولا حمل سلاحًا، بل كان موظفًا بسيطًا، (حارس مدني) في هيئة التأمينات يؤمن بأن كلمة الحق ضد العدوان أشرف من الصمت المعيب ..
مرت الأيام، وترك بشير أطلال البيت كما هو، لم يشأ أن يزيل الركام.
فالركام هناك لايزال الشاهد الأخير على حياةٍ كانت، وانطفأت، دون ذنب، سوى أنهم كانوا يحلمون بيوم آخر، أقل قسوة، في وطنٍ حر ينعم بالأمن والاستقرار .
في الختام …
ما يجري في صنعاء من جرائم متكررة، عنوانها الواضح هو “الإرهاب الأمريكي”، لن يُنسى، ولن يُغتفر.
وهذه الجرائم الموثقة بالدم والصور والأنين، ستبقى شاهدة على عصر غابت فيه العدالة، وتواطأ فيه الكثيرون .
واليمن، رغم الجراح، لن يسكت عن حقه وسيسجّل التاريخ أن هذه الأرض، رغم كل المحن، بقيت مقاومة، عصيّة على الانكسار، وصامدة في وجه الارهاب الامريكي الصهيوني على الدوام ..