سلطنة عمان تسعى إلى استقطاب المزيد من الاستثمارات في القطاع الصحي
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
ـ التوسع في المستشفيات ومصانع الأدوية.. وخطة لجذب السياحة العلاجية
العُمانية: يُعد الاستثمار في القطاع الصحي بسلطنة عُمان واعدًا نظرًا لتوجه الحكومة نحو تحسين وتطوير النظام الصحي وزيادة الطلب على الخدمات الصحية؛ نتيجة لزيادة عدد السكان وارتفاع مستوى الوعي الصحي.
وتسعى وزارة الصحة إلى تعزيز الاستثمار في هذا القطاع في خطوة استراتيجية ضمن جهود التنويع الاقتصادي ومع وجود البنية الأساسية والإطار التنظيمي الداعم لها والآفاق المستقبلية الواعدة لهذا القطاع.
وأوضح راشد بن سليم الأغبري مستشار الاستثمار بوزارة الصحة، أن القطاع الصحي في سلطنة عُمان يشهد طلبًا متزايدًا بسبب الزيادة السكانية، ما يتيح فرصًا للاستثمار في المستشفيات والمراكز الصحية والتوجه نحو تحسين الخدمات الصحية من خلال سعي الحكومة إلى تحسين جودة الخدمات الصحية وتوسيع نطاقها، بما يعزز فرص الاستثمار في هذا القطاع والشراكات العامة والخاصة مع التوجه نحو تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص وإتاحة الفرصة أمام المستثمرين في تطوير مشروعات صحية جديدة والبنية الأساسية.
وقال: إن سلطنة عُمان تسعى لجذب السياحة العلاجية، ما يزيد من فرص الاستثمار في المستشفيات والمراكز الصحية والتوجه نحو الابتكار في الرعاية الصحية والتكنولوجيا الطبية والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة بالقطاع عبر صالة "استثمر في عُمان" والوصول إلى معلومات دقيقة ومفصلة حول المشروعات الحالية والمستقبلية.
وأشار إلى أنه من أجل جذب المزيد من الاستثمارات إلى القطاع الصحي خلال الفترة القادمة، فإنّ ذلك يتطلب التركيز على عدة جوانب أساسية أبرزها تحسين البيئة التنظيمية للقطاع عبر تبسيط الإجراءات وتطوير السياسات التنظيمية الخاصة ومنح بعض الحوافز لتشجيع الاستثمار في القطاع وتسهيل الحصول على التراخيص والموافقات وتذليل التحديات التي تواجه المستثمرين وتطوير وتحسين وتحديث البنية الأساسية الصحية والتركيز على الابتكار والتكنولوجيا والاستثمار في التقنيات الطبية المتقدمة وتدريب وتطوير وتحسين الكوادر البشرية الطبية والفنية.
وحول إجمالي الاستثمارات بالقطاع الصحي، أكد راشد بن سليم الأغبري، أن وزارة الصحة تبذل جهودًا حثيثة ومتواصلة لتطوير القطاع الصحي في سلطنة عُمان من خلال تنفيذ العديد من المشروعات الاستثمارية الكبيرة، مشيرًا إلى أن هناك عدة مستشفيات خاصة ومصانع طبية تم تدشينها خلال عامي 2023 و2024 أبرزها مصنعان للأدوية البشرية بمحافظتي ظفار ومسقط ومصنع لتقويم الأسنان الشفافة بمحافظة مسقط ومستشفى لخدمات الرعاية الصحية بمحافظة شمال الباطنة ومستشفى مُتعدد التخصصات بمسقط.
وقال: إن هناك تعاونًا وشراكات استراتيجية بين القطاعين العام والخاص في المجال الصحي مع التركيز المستمر على تطوير البنية الأساسية الصحية وتطوير المنظومة، ما يعكس التزام سلطنة عُمان بتحقيق أهداف رؤية "عُمان 2040" في تحسين جودة الخدمات الصحية وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.
وأضاف مستشار الاستثمار بوزارة الصحة، إنه تم تنفيذ عدد من المشروعات الاستثمارية المهمة بالقطاع الصحي بسلطنة عُمان في السنوات الأخيرة؛ فقد تم الإعلان في عام 2023م عن عدة مشروعات وفرص استثمارية ضمن هذا القطاع، ومبادرات تمكينية لتمكين الموارد البشرية وتحسين الخدمات الصحية، مؤكدًا أن هذه المشروعات تتماشى مع توجهات استراتيجيات القطاع الصحي وتركز على تطوير الصناعات الطبية وتحسين جودة وكفاءة الخدمات الصحية.
وأوضح أن هذه الاستثمارات الكبيرة والفرص الجديدة تبين الاهتمام المتزايد من قبل الحكومة بتعزيز القطاع الصحي وجعله أكثر جاذبية للاستثمارات الأجنبية والمحلية في المستقبل، مشيرًا إلى أنه جارٍ العمل على دراسة بعض الفرص الاستثمارية بقطاع الصناعات الطبية بالتعاون المشترك بين وزارة الصحة ووزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار والبرنامج الوطني للاستثمار وتنمية الصادرات "نزدهر".
وأكد أن وزارة الصحة تسعى بشكل مستمر إلى تشجيع الاستثمار في المجال الصحي في إطار ممكنات رؤية "عُمان 2040" لتشجيع الاستثمارات وإقامة مشروعات تسهم في التنوع الاقتصادي وتعزيز المكانة الاقتصادية لسلطنة عُمان وتوفير فرص العمل، والتي من بينها قطاع الأدوية الحيوية والمستلزمات الطبية، حيث تشكل الصناعات المحلية للأدوية والمستلزمات الطبية أحد القطاعات الصناعية المهمة والاستراتيجية ذات البعد الاقتصادي لسلطنة عُمان؛ لما لها من دور مهم في تعزيز الرعاية الصحية وتوفير المنتجات والخدمات الصحية الأساسية والمساهمة في تحقيق الأمن الدوائي.
وأشار إلى أن سلطنة عُمان تولي اهتمامًا كبيرًا بتعزيز القيمة المحلية المضافة لهذه الصناعات، ما يسهم في تعميق أثرها الإيجابي على الاقتصاد الوطني، وتتجلى هذه الاستراتيجية في تشجيع توطين التقنيات المتقدمة وتطوير الكفاءات المحلية وتعزيز سلسلة القيمة المحلية في صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية.
وقال راشد الأغبري: إن سلطنة عُمان تسعى إلى تحقيق التوازن بين تلبية احتياجاتها الصحية المحلية وتعزيز مكانتها كمركز إقليمي رائد في مجال الصناعات الدوائية والطبية، حيث شهدت في الآونة الأخيرة نموًّا ملحوظًا في قطاع الصناعات الطبية، حيث تزايد عدد المصانع العاملة في هذا المجال بشكل ملحوظ نتيجة زيادة الاستثمارات وتشجيع الحكومة لتوطين الصناعات الطبية لتقليل الاعتماد على الواردات.
وبين أن الحكومة أطلقت مبادرات عدة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة في مجالي الصناعات الدوائية والمستلزمات الطبية، موضحًا أن سلطنة عُمان تتمتع بعدة مزايا تنافسية تجعلها وجهة جاذبة للاستثمار في الصناعات الطبية من خلال موقعها الاستراتيجي وسهولة الوصول إلى أسواق منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا واتفاقيات التجارة الحرة التي تربطها مع الولايات المتحدة الأمريكية وسنغافورة وغيرها من الحوافز الجاذبة التي تقدمها للمستثمرين.
وأوضح أن قطاع الصناعات الطبية حقق استثمارات تقدر بحوالي أكثر من 55 مليون ريال عُماني موزّعة على 4 مشروعات استثمارية تم افتتاحها خلال عام 2023م، ومن المتوقع أن يحقق القطاع استثمارات إضافية خلال الأعوام القادمة لمشروعات استثمارية تحت الإنشاء وضمن خطة التنفيذ إضافة إلى أن هناك مجموعة من المشروعات الاستثمارية في مراحلها النهائية من الإجراءات والتي حصلت على موافقة مبدئية من مركز سلامة الدواء التابع لوزارة الصحة.
وقال: إن المنتجات التي تصنعها المصانع الطبية في سلطنة عُمان لا تقتصر على السوق المحلي، بل يتم تصدير جزء منها إلى أسواق أخرى في المنطقة وخارجها، مبينًا أن هذه المصانع تسهم بشكل كبير في تلبية احتياجات السوق المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مضيفًا: إن هناك توجها لزيادة الاستثمارات في تصنيع المعدات الطبية المتقدمة والأدوية البيولوجية إضافة إلى تعزيز البحث والتطوير في القطاع الصحي.
وذكر أن التعمين في القطاع الصناعي يشكل ركيزة أساسية في استراتيجية المفاضلة التي يتم تطبيقها قبل الموافقة على إقامة المشروعات الاستثمارية حيث يهدف هذا النهج إلى ضمان مساهمة هذه الاستثمارات في تحقيق التنمية المستدامة عبر توفير فرص عمل للمواطنين العُمانيين، وتطوير الكفاءات المحلية.
وقال: إن التطور في التقنية أسهم في تحسين التشخيص والعلاج وسرعة تقديم الخدمات الصحية وتوفير فرص عمل جديدة للشباب العُماني في مجالات متعددة منها التمريض والطب والصيدلة والتكنولوجيا الحيوية، وإن البرامج التدريبية المستمرة والتطوير المهني التي تقدمها المستشفيات والمؤسسات الصحية مكنت الشباب من اكتساب المهارات اللازمة للعمل في هذا القطاع الحيوي.
وأشار إلى أنه مع زيادة الاستثمار تم توجيه موارد إضافية نحو التعليم والتدريب الطبي، فتم إنشاء برامج تعليمية وتدريبية متخصصة تركز على تأهيل الشباب العُماني للعمل في مختلف التخصصات الطبية والتكنولوجية وأن الاستثمار في البحث والتطوير الصحي شجع على الابتكار الطبي والتكنولوجي.
وأكد مستشار الاستثمار بوزارة الصحة في ختام حديثه لوكالة الأنباء العُمانية أن مستقبل الاستثمار في القطاع الصحي بسلطنة عُمان مشجعٌ ومع استمرار الجهود الحكومية لتذليل التحديات وتهيئة بيئة استثمارية جاذبة سيقوم القطاع بدور محوري في تعزيز الصحة العامة وتحقيق التنمية المستدامة في سلطنة عُمان.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المشروعات الاستثماریة والمستلزمات الطبیة الصناعات الطبیة فی القطاع الصحی الخدمات الصحیة فرص الاستثمار الاستثمار فی وزارة الصحة هذا القطاع إلى أن فی هذا
إقرأ أيضاً:
إذاعة سلطنة عمان تقدم 4 أعمال درامية في دورتها البرامجية الرمضانية
بشرى خلفان: تحويل «دلشاد» إلى دراما إذاعية تجربة محفوفة بالمخاوف أخوضها بدافع التجريب
نور الدين الهاشمي: إعداد الرواية دراميًا يتطلب تفكيكها وإعادة ترتيبها وفق منطق الزمن الدرامي
محمود عبيد الحسني: سوالف الجد حميد.. صراع الأجيال بين الماضي والتكنولوجيا في قالب كوميدي خفيف
حمد الوردي: التعامل مع «دلشاد» كان تحديا فنيا تطلب الدقة والإبداع
زاهر الراشدي: الرحلة شاقة تحمل بين طياتها تجربتين.. بناء البيت وبناء العلاقات في المجتمع الجديد
علي العجمي: قلائد الياسمين.. عمل جريء يحمل إرثًا تراثيًا عظيمًا وقضايا معاصرة
شيخة الفجرية: نجاح الدراما في نقل روح النص يعتمد على ترجمة إبداعية محكمة
فـي خطوة متجددة تعكس اهتمام وزارة الإعلام بإبراز الهوية الأدبية المحلية وتحويل الإبداع السردي إلى أعمال درامية مسموعة، تستعد إذاعة سلطنة عمان فـي الدورة البرامجية الرمضانية لبث 4 مسلسلات جديدة، تجمع بين النصوص الأدبية العمانية والدراما الإذاعية، ما يعزز حضور الإنتاج الثقافـي العماني فـي المشهد السمعي العربي.
يتصدر هذه الأعمال مسلسل «دلشاد»، المستوحى من رواية الكاتبة العمانية بشرى خلفان، والتي نالت جائزة كتارا للرواية العربية 2022 فـي فئة الروايات المنشورة، كما وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» فـي العام ذاته. وقد أعدها دراميًا الكاتب نور الدين الهاشمي، وأخرجها حمد الوردي، فـي تجربة تعكس أهمية نقل الرواية العمانية إلى فضاءات درامية أوسع... إلى جانب «دلشاد»، يضم الموسم الجديد مسلسل «الرحلة شاقة» للكاتب زاهر الراشدي وإخراج حمد الوردي، ومسلسل «قلائد الياسمين» من تأليف شيخة الفجرية وإخراج علي العجمي، ومسلسل «سوالف الجد حميد»، الذي يجمع بين الكتابة والإخراج بتوقيع محمود عبيد. فـي هذا الاستطلاع، نسلط الضوء على آراء الكتاب والمخرجين حول هذه التجارب الدرامية، ونناقش أهمية تحويل الأعمال الأدبية العمانية إلى إنتاجات إذاعية، ومدى مساهمة هذه الخطوة فـي إثراء المشهد الدرامي المحلي وتعزيز حضور الأدب العماني فـي المنصات السمعية. كيف يرى صناع الدراما هذه المشاريع؟ وما الذي تضيفه هذه التجارب للمشهد الثقافـي والإعلامي العماني؟ أسئلة نطرحها على المعنيين فـي هذه الساحة لنستشف آفاق هذه التحولات الدرامية الواعدة.
مسلسل «دلشاد» للروائية بشرى خلفان أعده للدراما نور الدين الهاشمي وأخرجه حمد الوردي ويمثله كل من عصام الزدجالي، مريم الفارسي، هلال الهلالي، زهى قادر، ووفاء الراشدية.
تقول كاتبته الروائية العمانية بشرى خلفان «حول أثر تحويل رواية «دلشاد» إلى دراما إذاعية، ومدى انعكاس ذلك على رؤيتها وما إذا كانت هناك مخاوف من أن يؤثر الإعداد الدرامي على عمق الشخصيات وتعقيداتها كما رسمتها فـي الرواية: هي تجربة جديدة، وتتجه إلى جمهور مختلف، والإعداد الدرامي يراعي هذا الاختلاف. العمل لم يبث حتى الآن، لذا سيكون مبكرا الحكم عليه، فـي كل الأعمال الأدبية عندما تحول لعمل درامي مسموع أو مرئي هناك خوف من تشويه العمل، وقد حدث ذلك مرارا، لذا ترددت طويلاً قبل الموافقة، إلا أن ثقتي بكاتب السيناريو والحوار نور الدين الهاشمي كبيرة، كونه أديبا سبق له كتابة الرواية، مع ذلك، علينا ألا نتسرع فـي الحكم.
وحول قدرة الدراما الإذاعية على نقل البعد السردي العميق الذي تحمله الرواية، قالت بشرى خلفان: لا علاقة لي بالعمل بعد تحويله لعمل مسموع، لذا ستكون تجربتي هي تجربة المستمع، الذي سيستمع للعمل لأول مرة، وسأحاول جاهدة أن أتعامل معه فـي صيغته الجديدة بحيادية الغريب وإن كان ذلك أمرا صعبا. خروج العمل من صيغته الكتابية الأدبية إلى الصيغة الدرامية سيؤثر في عمق النص بطبيعة الحال، العمق اللغوي والعمق الأدبي، بل يبدو شبه مستحيل أن يحافظ على ذلك، فكل صيغة لها اشتراطاتها وحدودها وجمهورها أيضا، ومن يظن غير ذلك فهو واهم. مع ذلك، ندخل التجربة مدركين لكل هذه المحاذير، لكننا نفعل ذلك من باب التجريب، تجريب أثر النص فـي صيغه المتعددة.
توظيف التخيّل
من جانبه يؤكد الكاتب نور الدين الهاشمي، المعد الدرامي لمسلسل «دلشاد»، أن النص الدرامي الإذاعي يعتمد بشكل أساسي على حاسة السمع، مع توظيف ميزة التخيل لدى المستمع، حيث يصبح للصوت والإيقاع والحوارات دور محوري فـي بناء عالم الرواية داخل أذهان الجمهور. ويرى أن التحدي الأكبر فـي إعداد الروايات دراميًا يكمن فـي إعادة ترتيب الأحداث بطريقة تتناسب مع الزمن الدرامي المتسلسل، ما يساعد المستمع على استيعاب الحبكة والتفاعل مع الشخصيات ومساراتها المختلفة.
ويشرح «الهاشمي» أن العديد من الروائيين يلجؤون إلى تقنية التقديم والتأخير فـي الزمن وفق رؤيتهم الفنية، وهو ما يستدعي من المعد تفكيك الأحداث وإعادة بنائها بشكل خطي متسلسل، بحيث تنساب من البداية إلى الوسط ثم النهاية، دون إرباك المستمع أو تعقيد خط السرد الإذاعي. إذ تمنح الرواية المكتوبة القارئ فرصة التوقف وإعادة القراءة، بينما يتلقى المستمع القصة بشكل متواصل، ما يستوجب تبسيط البناء الزمني وتقديم الأحداث بسلاسة.
ويشدد الكاتب نور الدين الهاشمي على أن الإعداد الدرامي يجب أن يكون مكثفًا ومركزًا، حيث يتطلب الأمر التخلص من الوصف المطول، الذي قد يكون ضروريًا فـي الرواية المكتوبة لكنه يصبح مصدر ملل فـي الدراما الإذاعية، فالإذاعة تعتمد على الحوار والمؤثرات الصوتية لتوصيل المشاهد والأفكار، ما يجعل من الضروري اختصار الحوارات الطويلة والتركيز على جوهر الحديث بدلا من الاستطرادات التي قد تضعف إيقاع القصة... فإحدى المهام الرئيسية للمُعدّ هي استبعاد التفاصيل الثانوية التي لا تؤثر على الحبكة الرئيسية. ففـي حين أن الرواية المكتوبة تستطيع التوسع فـي الشخصيات الجانبية والأحداث الفرعية، فإن المسلسل الإذاعي يقتصر على ما يخدم التصعيد الدرامي ويُبقي المستمع فـي حالة ترقب مستمر. وهذا الدور «للمعد» لا يقتصر على حذف الزوائد فقط، بل يمتد إلى إعادة صياغة الحوارات بشكل يجعلها أكثر تأثيرًا وعمقًا، مع التركيز على تعزيز التشويق، وإضفاء لمسات درامية على الأحداث لجعلها أكثر قوة وإقناعًا للمستمع. وفـي بعض الأحيان، يكون هناك حاجة إلى إدخال الراوي لسد الفجوات الزمنية أو تسهيل الانتقال بين المشاهد دون إرباك الجمهور. ويرى «الهاشمي» أهمية أن يراعي الإعداد الدرامي الثوابت الوطنية والقيم الاجتماعية والدينية، حيث يتم استبعاد أي محتوى قد يتعارض مع هذه المبادئ، بما يضمن انسجام العمل مع الثقافة المحلية ويحافظ على رسالته التوعوية والتثقيفـية.
ويتحدث نور الدين الهاشمي عن صعوبة العثور على الروايات القادرة على جذب شريحة واسعة من الجمهور، حيث لا تنجح فـي الإذاعة إلا الأعمال التي تمتلك حبكة قوية وأحداثًا متسارعة، مع تناول قضايا اجتماعية تلامس هموم المستمعين، ويؤكد أن الروايات الفكرية أو الفلسفـية، رغم قيمتها الأدبية، ليست خيارًا مثاليًا للإذاعة بسبب طبيعتها التأملية التي قد لا تتناسب مع إيقاع الدراما الإذاعية الذي يتطلب حركة وصراعات واضحة... كما أن هناك تحديا آخر يتمثل فـي عدد الحلقات، حيث يجب أن تمتد الرواية لحوالي شهر كامل من البث، ما يستبعد العديد من الروايات القصيرة رغم جمالها الفني. وبالتالي، يكون الاختيار موجهًا نحو الروايات الطويلة التي توفر مادة درامية غنية يمكن تقسيمها إلى عدد مناسب من الحلقات دون الإخلال بالسياق العام.
فـي ختام حديثه، يؤكد نور الدين الهاشمي أن الهدف الأساسي من تحويل الروايات إلى دراما إذاعية هو نشر الثقافة وتعزيز وعي المستمع، وإتاحة الفرصة أمام الجمهور لاكتشاف عوالم الرواية والتعرف على أبرز الكتاب فـي هذا الفن الأدبي الممتع. فمن خلال الدراما الإذاعية، لا يتم تقديم الترفـيه فقط، بل يتم أيضًا تحفـيز الخيال وتنمية الفكر ونقل تجارب إنسانية غنية، تساهم فـي بناء إنسان المستقبل الواعي والمثقف.
مهارة وإبداع
وحول كيفـية تعامله مع رواية «دلشاد» أثناء تحويلها إلى عمل درامي، قال المخرج حمد الوردي: الرواية تتحدث عن سيرة الفقر والجوع اللذين كانا يخيمان على حياة الناس فـي فترة تاريخية معينة فـي عمان، حيث واجه دلشاد، بطل المسلسل، صعوبات وتحديات كبيرة فـي مسيرة حياته، بداية من وفاة والده، ثم الجوع والفقر الذي كان يخيم على المنطقة، وتنقله بين حارات وأزقة المنطقة بحثًا عن لقمة العيش.
لذلك، كان لا بد لي من التعامل مع هذه الرواية، خاصة أنها رواية حائزة على جوائز، بكل التفاصيل الدقيقة التي روتها لنا الكاتبة بشرى خلفان، وحكت لنا تفاصيلها العميقة. كان اختيار الممثلين عنصرًا أساسيًا، فحرصت على اختيار ممثلين قريبين من بيئة الرواية ومن تفاصيلها، ليجسدوا الرسالة العميقة التي تحتويها... بدأت رحلتي بقراءة الرواية لفهم الشخصيات، دوافعها، أهدافها، وكيفـية تطورها عبر الأحداث، ومن ثم اختيار الممثل المناسب لكل شخصية بناءً على هذا الفهم.
وحول التحديات الفنية فـي تحويل الرواية إلى دراما مسموعة، قال «الوردي»: تحويل الرواية العمانية إلى عمل درامي، ثم الاشتغال عليه فنيًا ليصل إلى المستمع بذائقة جميلة وصورة مرئية فـي ذهنه، يتطلب المهارة والإبداع. لذلك كان لا بد لي من اختيار الممثلين بعناية، مع التركيز على عدة عناصر أساسية، أولها اللغة، ثم طبقة الصوت المناسبة لكل شخصية، بحيث يجسد الممثل الشخصية المسندة إليه بواقعية.
إلى جانب ذلك، كان عليّ العمل على الإحساس والمشاعر الخاصة بكل شخصية، بحيث يستطيع المستمع التفاعل مع القصة كما لو كان يشاهدها. كما أوليت اهتمامًا خاصًا بإنتاج «التتر» ليعكس روح العمل، وكذلك الفواصل والمؤثرات الصوتية التي تمنح المسلسل حياة وجمالية، تجعل المستمع يشعر وكأنه يعيش الأحداث، ليس فقط عبر الصوت، بل بالصوت والصورة معًا.
سوالف الجد حميد
يؤكد المؤلف والمخرج محمود عبيد الحسني أن مسلسل «سوالف الجد حميد» يأتي ضمن الأعمال الكوميدية الخفـيفة التي تحرص الإذاعة على تقديمها خلال شهر رمضان، مراعيةً أجواء المتلقي وما يناسبه خلال هذا الموسم. ويروي العمل قصة الجد حميد الذي يدخل فـي غيبوبة لفترة طويلة، ثم يستيقظ ليجد العالم قد تغير تمامًا، خاصة فـيما يتعلق بأسلوب حياة أحفاده الصغار. وبين محاولاته لغرس القيم والعادات الشعبية فـيهم، وبين تطورهم السريع فـي ظل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ينشأ صراع بين الرافض والموافق، فـي قالب فكاهي قائم على المواقف الكوميدية الخفـيفة التي تعكس هذا التباين بين الأجيال.
وعن تجربته فـي الجمع بين التأليف والإخراج، يرى «الحسني» أن هذه التجربة تمنحه السيطرة الكاملة على كل أضلاع العمل، بدءًا من صياغة النص إلى إخراج الأداء التمثيلي بالشكل الذي يراه مناسبًا للمتلقي، كما أنها تجربة تمنحه حرية الإبداع فـي توجيه الممثلين وصياغة المشاهد بطريقة متكاملة، ما يجعله يقدم العمل وفق رؤيته الخاصة، وبما يتماشى مع متطلبات الجمهور. ويضيف «الحسني» أنه يحرص فـي كل رمضان على تقديم أعمال خفـيفة ومسليّة، هدفها إدخال السرور على المستمعين مهما كانت ظروفهم، مؤكدًا أن المزج بين نجوم التمثيل العماني والمواهب الشابة من منصات التواصل الاجتماعي منح المسلسل نكهة ، حيث أضاف هذا التفاعل بين الأجيال طابعًا خاصًا للتجربة. ويشير إلى أن التعاون مع بعض الوجوه الجديدة كان تجربة مشوقة، حيث يأمل أن تتكرر هذه الفرصة فـي أعمال إذاعية مستقبلية.
الرحلة شاقة
مسلسل «الرحلة شاقة» للمؤلف زاهر الراشدي اخرجه حمد الوردي ويمثله عابدين البلوشي، غالية السيابية، زاهر الصارمي، ومحمد الحارثي، ومهلب العمري، ووفاء الراشدية.
يرى الكاتب زاهر الراشدي، مؤلف المسلسل، أن العمل يعكس تجربة حياتية حقيقية تمر بها شريحة واسعة من المجتمع، حيث يتناول فـي 30 حلقة رحلتين متداخلتين؛ الأولى تتعلق بتحديات بناء المنزل وما يرافقها من صعوبات مع المقاولين والشركات والإجراءات، وحتى اكتمال البناء واستلام المنزل، بينما تتمثل الرحلة الثانية فـي التكيف مع السكن فـي بيئة جديدة، وما يحمله ذلك من تحديات اجتماعية.
ويؤكد «الراشدي» أن كل حلقة من حلقات المسلسل ليست مجرد تطور فـي الحبكة، بل هي رسالة اجتماعية مستقلة، تعكس قضايا حياتية يواجهها الكثيرون، مع تقديم رؤى وحلول تساعد فـي التعامل معها بحكمة وروية. كما أن المسلسل لا يقتصر على استعراض المشكلات، بل يسعى إلى تعزيز القيم المجتمعية النبيلة وغيرها من المبادئ التي تسهم فـي بناء مجتمعات متماسكة ومتآلفة، مؤكدًا أن هذه القيم يجب أن تبقى حاضرة فـي الوجدان الجمعي، خصوصًا فـي ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة.
وعن عوامل نجاح العمل، يشدد «الراشدي» على أن الدراما الإذاعية ليست مجرد قصة وحوار، بل هي منظومة متكاملة تقوم على الفكرة، والصياغة الدرامية، والأداء التمثيلي، والإخراج، والمونتاج، والتوظيف الدقيق للمؤثرات الصوتية التي تعزز من تأثير المشاهد الدرامية وتجعلها أكثر واقعية وقربًا من المستمع. ويؤكد ثقته الكبيرة بفريق العمل، وعلى رأسهم فاطمة الغيلانية، رئيسة قسم الدراما الإذاعية بإذاعة سلطنة عمان، مشيرًا إلى أن الجميع بذل أقصى ما لديه من جهد وإبداع ليخرج المسلسل فـي أفضل صورة ممكنة.
قلائد الياسمين
مسلسل قلائد الياسمين تأليف شيخة الفجرية وإخراج علي العجمي ومثله صالح زعل، فخرية خميس، أمينة عبدالرسول، هلال الهلالي، عصام الزدجالي، جاسم البطاشي، يعقوب الحارثي، سعود الخنجري، خميس الرواحي، جنان آل عيسى، خالد الجديدي، مهلب العمري، ونورة الفارسية.
حول الرسالة الأساسية التي أرادت إيصالها من خلال «قلائد الياسمين» تقول الكاتبة شيخة الفجرية: الرسالة الأساسية هي فـي التخطيط الجاد والمتوازن فـي استغلال الوقت لصنع السعادة فـي الحاضر والمستقبل، ألا يستسلم الناس للوظيفة فقط، بل عليهم السعي لاستغلال مواهبهم وصقلها ما أمكن لتشكل لهم مصدر دخل. كذلك، التمسك بالأرض من خلال زراعتها وتعميرها، فالمتقاعد والمسرّح عن العمل والباحث أمام فرصة كبيرة لتوجيه بوصلتهم نحو العمل الحر فـي الزراعة والتدريب على الخيل وصياغة الذهب وغيرها من المهن المتوارثة والمستحدثة ما استطاعوا إليه سبيلًا.»
وحول قدرة العمل الدرامي على إيصال روح القصة الأصلية إلى المتلقي، قالت «الفجرية»: عملية التحويل تقتضي ثلاث أمانات: الإنتاج وتوفـير الأدوات اللازمة حسب حاجة النص، والترجمة الأولى على يد السيناريست، والترجمة الثانية على يد المخرج، الذي يكون ممسكًا بتلابيب العمل كله، ويضع له رؤيته الإخراجية المحكمة التي لا ينازعه أحد فـي تنفـيذها، من خلال اختيار طاقم العمل المثالي فـي التصوير والتسجيل والتمثيل، واختيار أماكن التصوير وتوفـير لوازم العمل كلها.
كلما كان المخرج الدرامي ضليعًا فـي ترجمة اللغة المكتوبة إلى اللغة الدرامية المتحركة أو المسموعة، كان العمل الدرامي أكثر قدرة على نقل روح النص إلى حد الإمتاع البصري والسمعي. ورأينا الكثير من الروايات والمسرحيات الضعيفة فـي البناء الأدبي تحولت إلى أعمال درامية خالدة بسبب ترجمتها الإبداعية من الشكل النصي الأدبي إلى المنجز الفني الدرامي.
تجربة مميزة
من جانبه يؤكد المخرج علي العجمي أن مسلسل «قلائد الياسمين» يمثل تجربة متميزة من نوعها، حيث تعامل مع كل شخصية وفق أبعادها الخاصة، واضعًا فـي اعتباره الجو العام للعمل ورؤيته الإخراجية التي تعتمد على نقل المستمع بين المشاهد المختلفة عبر إيقاع موسيقي ومؤثرات صوتية دقيقة، صُممت بعناية لتناسب كل مشهد على حدة، مما يخلق تجربة سمعية غنية تتناغم مع تطور القصة وتصاعد أحداثها.
ويشير «العجمي» إلى أن أسلوب الإخراج فـي المسلسل ارتكز على لغة الحوار المكتوب، حيث تتمتع كل شخصية بأبعاد متعددة تتطور مع تقدم الأحداث. وقد كان من الضروري أن يتم ترجمة ذلك الأداء التمثيلي بطريقة حرة، مع استخدام الموسيقى والأجواء الصوتية لتعزيز الأحداث وإبراز معانيها العميقة، كما أثنى على احترافـية الفنانين المشاركين، مؤكدًا أنهم كانوا على قدر المسؤولية وأبدعوا فـي تقديم أدوارهم بما يليق بقيمة العمل. ويصف «العجمي» العمل بأنه اجتماعي تراثي يحمل أبعادًا جمالية فـي اللغة واللهجات المستخدمة، حيث تعامل مع هذه الجوانب بحس دقيق، مما أضفى على المسلسل طابعًا مميزًا وقيمة إضافـية. وأعرب عن تأثره الشديد بالتفاعل الكبير مع المشروع، مشيرًا إلى أن القضايا المطروحة فـي العمل تحمل أهمية كبيرة فـي واقعنا الحالي، ما يجعله إضافة نوعية للدراما الإذاعية.
ومن أبرز ما يميز هذه التجربة، كما يوضح العجمي، هو إعادة إحياء جلسات قراءة الطاولة، وهي خطوة كانت غائبة إلى حد ما فـي الفترات السابقة، فقد تم جمع الممثلين على طاولة واحدة لقراءة النصوص والتعرف على أبعاد الشخصيات قبل بدء التسجيل، وهو ما ساهم بشكل كبير فـي تحقيق فهم أعمق للشخصيات وانعكس إيجابيًا على الأداء النهائي.
ويختتم المخرج علي العجمي حديثه متمنيًا أن يحقق المسلسل الأهداف المرجوة منه، مؤكدًا أن العمل خرج بصورة مرضية تعكس الجهود المبذولة فـيه، سواء من فريق التمثيل أو من الطاقم الفني، وأنه ينتظر تفاعل الجمهور وتقييمه لهذه التجربة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة.