إتاوات مرهقة وتوظيف سياسي حوثي لذكرى المولد النبوي
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
منذ أن سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، بدعم من أطراف محلية وخارجية؛ هدف حينها إلى تقويض المكاسب السياسية والاجتماعية الرفيعة للتغيير الذي أنتجه ربيع اليمن، هيمنت على المحافظات الأكثر كثافة سكانية في شمال غرب البلاد، طقوسٌ تمزجُ بين التصوف والاستعلاء، وتسعى بوضوح إلى توسل المكانة النبوية الشريفة في تمرير المشروع السلطوي (الثيوقراطي) القائم على فكرة الاستحقاق السلالي للحكم.
الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بات مناسبة لبناء مشهد عام (كاريكاتوري) بائس يقوم على فكرة تعميم اللون الأخضر، وفرضه كلون رسمي على واجهة المنازل والمحلات والمقار الحكومية، والأضواء الملابس الرجالية والنسائية، وتحويله إلى مساحيق لطلاء الأجساد طيلة فترة الاحتفال بهذه المناسبة التي تصادف الثاني عشر من ربيع الأول من كل عام هجري.
تمثل عودة هذه المناسبة السنوية سببا في استثارة مخاوف الناس، بسبب ما يفرضه الحوثيون على اليمنيين من إتاوات مرهقة، إذ تقوم هذه المناسبة على تمويلاتهم القسرية من موارد شحيحة، فالأمر لا يتوقف على دعم المظاهر المبالغ فيها، ولكن أيضا تتحول إلى مناسبة لإثراء العناصر المسلحة، التي تطوف بإيعاز من الطغمة المتسلطة في صنعاء، على المحلات والبيوت والشركات لأخذ الأموال تحت طائلة التهديد.
تمثل عودة هذه المناسبة السنوية سببا في استثارة مخاوف الناس، بسبب ما يفرضه الحوثيون على اليمنيين من إتاوات مرهقة، إذ تقوم هذه المناسبة على تمويلاتهم القسرية من موارد شحيحة، فالأمر لا يتوقف على دعم المظاهر المبالغ فيها، ولكن أيضا تتحول إلى مناسبة لإثراء العناصر المسلحة
وفي حين يصر الحوثيون على إضفاء البعد الديني للمناسبة، يزداد وعي الناس بالأهداف السياسية النهائية لتشبثهم بإحيائها على هذا النحو المبالغ فيه، والمرهق والمستنزف لأرزاق الناس، ما أدى إلى أن تتحول هذه المناسبة من احتفال تذكاري طوعي بالمولد النبوي، كما كان يفعل اليمنيون عشية ذكرى المولد في بعض مساجد المدن، إلى حدث يتصادم مع القناعات السياسية والوطنية للشعب اليمني، وهم يرون هذه الموجة الشيعية الجديدة، تعيدهم إلى عهد سياسي مظلم وحالك السواد، كانوا قد دفنوه في السادس والعشرين من أيلول/ سبتمبر1962.
في الفترة الممتدة من 1918 وحتى 1962، والتي حكمت فيه الدولة المتوكلية الزيدية (الشيعية) شمال اليمن، عانى اليمنيون ما عانوا من بؤس شديد، لا يمكن قياسه بأي عهد من عهود الانحطاط السابقة، بل يصح أن تكون تلك الفترة أنموذجا شديد السوء، تقاس عليه الفترات والعهود التي يعاني منها الناس -في أي مكان من العالم- من شظف العيش والتخلف الحضاري والعمراني، والجهل والأمراض، خصوصا أن اليمنيين عانوا من عانوه فيما كان الناس من حولهم يشهدون تطورات متسارعة في كل مجالات الحياة خلال النصف الأول وشطرٍ من النصف الثاني من القرن العشرين.
ومنذ أواخر القرن الثالث الهجري ثمة نماذج سيئة، كرسها الأئمة الزيدون في المناطق التي كانت تقع تحت أيديهم على فترات متقطعة. فقد كانت المذابح وهدم المنازل ومصادرة الأرزاق وفرض الحرمان المعيشي، من العوارض الجانبية المعتادة لانتصار أحد الأئمة أو اتساع نفوذه. ومرد ذلك إلى أن الحكم الذي يضع الأئمة أيديهم عليه، لم يكن يحمل تصورا إيجابيا حول ما ينبغي أن يقدمه الإمام للناس، بل على ما سوف يسلبه منهم، في سياق عملية انتقامية لا تكاد تتوقف من العرب (الأعراب)، وتعبيرا عن الانتصار في معركة استرداد "الحق الإلهي" المزعوم في الحكم الذي "سُلب" من علي ابن أبي طالب (رضي الله عنه) وأبنائه من بعده منذ عهد السقيفة.
الطغيان السياسي لمناسبة المولد النبوي بفعل السطوة الحوثية على الناس، أفقد هذه المناسبة الدينية مذاقها الروحي التي اعتاد عليها اليمنيون طيلة قرون طويلة من الزمن
إن الطغيان السياسي لمناسبة المولد النبوي بفعل السطوة الحوثية على الناس، أفقد هذه المناسبة الدينية مذاقها الروحي التي اعتاد عليها اليمنيون طيلة قرون طويلة من الزمن. إذ أن بلدهم كان أحد أهم ساحات التصوف على مستوى الوطن العربي، إلى فترة متأخرة من القرن المنصرم، وكانت الطرق الصوفية التقليدية الست: القادرية، والشاذلية، والرفاعية، والمغربية، السهروردية، والنقشبندية، بمثابة ملاذات روحية ومدارس للنشاط العام والتحشيد الاجتماعي، وكان معظم هذه الطرق يكرس الزعامة الروحية للرموز الهاشمية السنية، فتحولت بالنسبة لهم سلطة موازية على الناس تجلب لهم الكثير من المنافع المادية والمعنوية.
وقد انتشرت هذه الطرق في المناطق الغربية والجنوبية والشرقية من البلاد، التي تضم العدد الأكبر من سكان اليمن من معتنقي المذهب الشافعي، واكتسبت نفوذا متزايدا في عهد الدولة الرسولية التي كانت تحكم من مدينة تعز.
وقد شاب الممارسات الصوفية بعض التجاوزات المسيئة للدين الحنيف، لكن لم تتعمد هذه الطرق توسل المولد النبوي للحشد السياسي المباشر، ولم تمس الناس في أرزاقهم وكرامتهم، كما يحدث اليوم في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، بقدر ما عملت بوعي أو بدون وعي إلى تحويل الاحتفالات بالمولد النبوي إلى بهجة اجتماعية يتشاركها الناس دون كلف أو إرهاق.
x.com/yaseentamimi68
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه اليمن المولد النبوي اليمن الحوثيين المولد النبوي سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المولد النبوی الحوثیون على هذه المناسبة
إقرأ أيضاً:
تصاعد الاشتباكات في قيفة رداع وسط قصف وحصار حوثي خانق
شهدت منطقة قيفة رداع بمحافظة البيضاء تصاعدًا خطيرًا في المواجهات بين مليشيا الحوثي وقبائل آل مسعود، حيث توسعت دائرة الاشتباكات لتشمل قرى ومناطق جديدة وسط قصف مكثف على الأحياء السكنية وفرض حصار خانق على الأهالي.
ووفقًا لمصادر قبلية، اندلعت اشتباكات بالقرب من معسكر القصير، مرورًا بغول أهل الذراع والحركة، وصولًا إلى وادي الصراري والوثبة.
كما امتدت الاشتباكات إلى قرى السبلة والسوداء المجاورتين لمنطقة حنكة آل مسعود بمديرية القريشية.
وأوضحت المصادر أن مليشيا الحوثي شنت حملة عسكرية ضخمة شملت تعزيزات ثقيلة من دبابات وعربات مدرعة، بالإضافة إلى استحداث نقاط عسكرية مفاجئة في منطقة عبس الواقعة بين مديريتي السوادية والشرية، وصولًا إلى نقطة القرن شمال رداع.
قصف وحصار خانق
واستهدفت مليشيا الحوثي منازل المواطنين في حنكة آل مسعود بالدبابات والطيران المسير من معسكر القصير المجاور.
وأفادت مصادر محلية باستمرار القصف الممنهج على المنازل والمساجد، بما في ذلك استهداف مسجد أبو بكر الصديق ومسجد زيد بن حارثة في الحنكة باستخدام الطيران المسير والمفخخ.
كما أسفرت الهجمات عن استشهاد عدد من المدنيين، بينهم نساء وأطفال، وإصابة آخرين بجروح بالغة، وسط تدهور الوضع الإنساني بسبب الحصار الحوثي المفروض على القرية، والذي يمنع نقل الجرحى للعلاج في مستشفيات المنطقة.
استمرار القصف العشوائي تسبب في دمار واسع بمنازل المواطنين والبنية التحتية للمنطقة، كما أدى إلى حالة من الذعر بين الأهالي، خاصة النساء والأطفال.
وتشير المصادر إلى أن الوضع الإنساني يزداد سوءًا مع تصاعد الانتهاكات الحوثية.
فشل الوساطات وتصاعد التوترات
تحدثت مصادر محلية عن فشل الوساطات القبلية في التوصل إلى اتفاق لتهدئة الأوضاع، حيث رفضت قبائل آل مسعود مطالب الحوثيين بتسليم أربعة من أبنائها كرهائن، في مقابل الإفراج عن أربعة آخرين تحتجزهم المليشيا منذ أربع سنوات.
كما تطالب المليشيا بفرض سيطرتها بالقوة على المنطقة، بما في ذلك فرض "عناصرها الثقافيين" الطائفيين في مساجد القرية لنشر أفكارها العقائدية.
وخلال تلك المفاوضات وفرض الحملة العسكرية الحصار على السكان بالمنطقة منذ أيام حاولت المليشيا اقتحام منطقة "الخشعة" القريبة مما أدت إلى اشتباكات مسلحة مع القبائل أسفرت عن إصابة اثنين من مرافقي قائد الحملة بجروح خطيرة.
ومع ذلك، لا تزال المليشيا تحاول فرض سيطرتها بالقوة على المنطقة، بما في ذلك فرض "عناصرها الثقافيين" الطائفيين في مسجد القرية لنشر أفكارها العقائدية.
وتشير المصادر إلى أن الحادثة تأتي في سياق انتقامي مرتبط بثأر قديم يعود إلى سنتين، عندما اقتحمت المليشيا مسجدًا محليًا ومنعت حلقات تحفيظ القرآن، ما أدى إلى مقتل اثنين من أبناء المنطقة آنذاك ولم يتم محاسبة عناصر المليشيا.
في المقابل، ترفض القبائل تسليم أبنائها وتؤكد تمسكها بالدفاع عن أراضيها، وسط مخاوف من تصعيد عسكري قد يؤدي إلى تفجر الأوضاع بشكل واسع.
وأكدت القبائل رفضها القاطع للخضوع للابتزاز الحوثي، مشددة على حقها في الدفاع عن أراضيها وأبنائها، ومطالبة بالإفراج الفوري عن المختطفين السابقين.
ووجهت قبائل آل مسعود دعوة إلى قبائل قيفة والبيضاء ومذحج وبكيل للاستجابة لنداء "النكف" والدفاع عن أبناء قيفة
والوقوف صفًا واحدًا لوقف الانتهاكات والعدوان الحوثي وردعه.