سواليف:
2025-05-02@12:07:12 GMT

واقع الحال

تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT

#واقع_الحال

د. #هاشم_غرايبه

كثيرا ما يخطر في البال تساؤل: لماذا تكون الغلبة في هذه الدنيا للشر؟، ولماذا يسود الظلمة ويُقصى الصالحون؟.
الإجابة نجدها في قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم: “وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ”.


هي من حكمة الخالق التي لا يمكننا الإحاطة بكافة جوانبها، لأنها متداخلة مع حكم أخرى كثيرة أرادها حينما خلق الإنسان.
الأنانية وحب الذات هي السمة الأساسية لطبيعة الكائنات الحية، لأنها مستمدة من غريزة حب البقاء، والإنسان المتميز بينها بالعقل لا يختلف عنها في ذلك، إلا أنه يغلف هذا الطبع بأقنعة تجميلية مختلفة.
لذلك يسود الطمع والظلم أكثر بكثير من الإيثار ونفع الآخر، فيتغلب على الصلاح البشري المستمد من الفطرة التي أوجدها الله في النفوس (الضمير)، ويصبح الميل الى اتباع الهوى وإشباع الغرائز، أقوى بكثير من الميل الى الصلاح والإنصياع الى ضوابط الضمير.
ولما كان الدين أحكاما ضابطة تسعى لتوفيق السلوك مع الفطرة، وكبح نوازع الأنانية، لذلك سيجد معارضة وعداء من متبعي الشهوات والهوى، وممن يربحون من تعميم المفاسد، وهؤلاء هم الغالبية العظمى بين الناس.
طوال التاريخ البشري منذ أن أنزل الله هديه برسالاته، ظلت هذه الفئة أشد المناوئين لرسل الله، ونجحوا في تقليل حجم متبعيهم، لكن مع ذلك ظل تأثير الذين استقاموا في الناس بأضعاف تأثير المعادين، لعلو همتهم ومضاء عزيمتهم ولتسلحهم بالمنطق، ولدعم الله لهم، لذلك طور محاربو الدين أساليب مادية بالمحاربة والحصار والملاحقة، لقمع الدعاة لاتباع منهج الله، وأساليب فكرية بالدعاية والتضليل لرد الناس عن اتباع الدين.
من هذه الأساليب (فصل الدين عن الدولة)، بهدف تحييد الدين عن التأثير، وتحويله الى مجرد معتقدات فردية، وتفريغه من مضامينه لإبقائه بشكل شعائر وطقوس، فيشيع الرافضون لتحكيم شرع الله في أمور الناس وحياتهم أن الدين رجعي، أي يعيد الناس الى الماضي ويعيق انفتاحهم على العلوم والتقنية، وبالتالي مانع من التقدم في عصر السباق التقني والعلمي.
أغلب هؤلاء لم يعتمدوا قناعاتهم هذه من دراسة مقارنة بين التشريعات البشرية والدينية، بل قد لا يكون أغلبهم درس تلك التشريعات ولا يعلم من تفصيلاتها شيئا، ولو سألتهم كيف حكمت إذاً؟، سيقول: من ملاحظتي للدول الإسلامية، فهي تطبق الإسلام ولذلك جميعها متخلفة!.
بالطبع من العبث إزالة هذه الفكرة الغبية من عقول معادي منهج الله، حتى بالاستدلال بوقائع التاريخ، التي تؤكد أنه لا دولة في العالم تطبق الإسلام منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى، لأنه أمر محظور، فجميع الدول المؤهلة لذلك (من كانت في نطاق دار الإسلام)، جميعها وقعت تحت الهيمنة الغربية المباشرة، حيث كانت سابقا أوروبية: بريطانية أو فرنسية أو إيطالية أو اسبانية، ثم تسلمتها أمريكا منها بعد الحرب العالمية الثانية، وحافظت على النهج ذاته: منع قيام نظام حكم إسلامي، ولو حاول أي نظام إظهار نوايا لذلك يتم استبداله فورا، والتجارب التاريخية شاهدة مثل الإنقلاب على عدنان مندريس (1961) وإعدامه، واعدام ذوالفقار علي بوتو(1979) بعد الانقلاب عليه من قبل ضياء الحق، والإنقلاب على أربكان(1997)، والإنقلاب على مرسي (2013) ثم تدبير مقتله في السجن، والإنقلاب الفاشل على أردوغان(2016)، وأخيرا وليست آخرا، محاولتهم القضاء على النظام الوحيد الباقي مصرا على انتهاج الإسلام في القطاع، فحاصروه عشرين عاما، ثم أغروا الكيان اللقيط بالتدخل العسكري الدموي، فمولوه وغطوا على جرائمه، حالمين باجتثاثه نهائيا.
يتبين لنا أنه يسمح للدول التي أنشأت على أنقاض الدولة الإسلامية التاريخية أن تعلن أنها إسلامية لكن من غير تطبيق النظام الإسلامي، وتظل تحت المراقبة المشددة طوال الوقت، ولا تحصل على حسن السلوك إلا إذا بطشت بكل من يدعو الى تطبيق الإسلام.
القوى الكبرى تستخدم طوابير من العلمانيين اختارتهم من أبناء الأمة، دربتهم في معاهدها، وتشربوا الولاء لقيمها ومبادئها، فهم يحاربون الدين نيابة عنها، مقابل أن يتم اختيار الإدارات والقيادات من بينهم، لحرمان ذوي التوجهات الإسلامية منها.
بذلك استطاعوا أن يسجنوا الأمة في أقبية التخلف، وحراسها أنظمة مستبدة مستأجرة، وذلك لأننا أطعنا الغرب بمسمى خادع هوالتقدم، فأضلونا عن سبيل الله، الذي أرادنا خير أمة، فأبى أكثرنا الا كفورا.

مقالات ذات صلة الأزمة المتوقعة بين الحكومة والبرلمان 2024/09/08

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: واقع الحال هاشم غرايبه

إقرأ أيضاً:

في عيد العمال.. كيف حث سيدنا النبي على إعطاء حقوقهم؟

عيد العمال، الإجارة والعِمالة شُرِعَت لأن الناس في حاجة إليها، لاختلاف المواهب والتخصصات، وتحقيقا للتكامل والتعاون، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاء ليُتَمِّمُ أحوال الناسِ ويُحقق المصالح بينهم، وقد شاء الله ـ تعالى ـ بحكمته أن يجعل بعض الناس أغنياء وبعضهم فقراء.

ومعلوم أنَّ الغنيَّ بحاجة إلى الفقير، وأنَّ الفقيرَ بحاجةٍ إلى الغنيَّ، والله ـ سبحانه ـ جعل الناس بهذه الصِّفةِ كلٌّ يحتاج الآخر حتى تتكامل حركة الحياة وتعمر الأرض، قال الله تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا}.. (الزخرف : 32)، فإذا قام كلٌّ بحقِّه وواجِبِهِ كما ينبغي تحققتْ السعادة والائتلاف، وأصبح المجتمع المسلم كالجسد الواحد كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).. رواه البخاري.

دعاء لمن تعسر عليه الرزق .. احرص عليه يرزقك الله من حيث لا تحتسبدعاء الستر من الفضيحة.. تقرب إلى الله بهذه الكلمات وكررها بيقيندعاء آخر الليل لتفريج الهم .. كلمتان يكفيانك هموم الدنيادعاء تسهيل الأمور الصعبة وقضاء الحاجة.. احرص عليه في جوف الليل

ودعا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحاب الأعمال إلى معاملة العمال معاملة كريمة، وإلى الشفقة عليهم، والبرِّ بهم وعدم تكليفهم ما لا يطيقون من الأعمال، بل ارتفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بدرجة العامل والخادم إلى درجة الأخ، وهذا ما لم يُسْبَق في حضارة من الحضارات، أو في أمة من الأمم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يديه فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلّفوهم ما يغلبهم، فإن كلّفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم).. [رواه البخاري] .

كذلك ألزم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب العمل أن يسارع في وفائه وسداده للعامل والخادم أجره المكافئ لجُهده، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).. [رواه ابن ماجه]، وفي رواية: (حقه) بدل (أجره).

وهذه الوصية النبوية تتعلق بعدم تأخير حق الأجير، وأما عدم إعطاء الأجير أجره ومنعه بالكلية فذلك من كبائر الذنوب، وقد حذر الله تعالى من ذلك وجعل آكل حق الأجير خصما له يوم القيامة، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره).. [رواه البخاري] .

وكذلك حذَّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ظلم العمال باقتطاع شيئا من أجورهم ولو كان صغيرا، فعن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي - رضي الله عنه - أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (من اقتطع حقّ مسلم بيمينه، حرم الله عليه الجنة، وأوجب له النّار، قالوا: وإن كان شيئا يسيرا؟، قال: وإن كان قضيبا عودا) من أراك (سواك).. [رواه مسلم] .

وإذا كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر بالرحمة العامة مع الناس جميعا ـ بل مع الحيوان ـ فقال: (الراحمون يرحمُهم الرحمن، ارحموا من في الأرضِ يرحمكم من في السماء).. [رواه الترمذي]، فمما لا شك فيه أن العامل والخادم داخل في ذلك، فينبغي التعامل معهما برحمة وشفقة، ومن ثم أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب العمل عدم تكليف العامل أو الخادم ما لا يطيق.

ومع الأمر بالمسارعة في إعطاء العامل أجره، وعدم الإنقاص منه، والتخفيف عنه، حث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب العمل والمخدوم على شكر العامل والخادم، فالإنسان بطبعه يحب من يحسن إليه ويشكره ويقدر عمله، وشُكْرُ من أسْدَى إلينا معروفا أو صنيعا مِنْ شكرِنا لله ـ عز وجل ـ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا يَشْكرُ اللهَ مَنْ لا يشكرُ الناس).. [رواه أبو داود]

وقد حرم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ استغلال العامل، وعدم إعطائه ما يستحق من أجر بسبب حاجته إلى المال: فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا ضرر ولا ضرار).. [رواه ابن ماجه]، وهذه القاعدة العامة التي وضعها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم تصل إليها النظريات الاقتصادية والقوانين الوضعية، وهي أصل عظيم من أصول الدين، فإن الفرد إذا التزم بصيانة حقوق غيره وعدم الإضرار بها، فإن من شأن ذلك أن تقل المنازعات بين الناس، فينشأ المجتمع على أساس صيانة الحقوق والاحترام المتبادل بين أفراده، وهذا الحديث على قصره يدخل في كثير من الأحكام الشرعية، ويبيّن السياج المحكم الذي بنته الشريعة لضمان مصالح الناس، في العاجل والآجل .

واعتبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إعطاء الأجير حقه من أفضل الأعمال التي يتقرب بها صاحب العمل إلى الله، والشاهد على ذلك حديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة وهم في جوف الغار، ودعا كل منهم ربه بأفضل ما لديه من أعمال صالحة، راجيا من الله أن يكشف عنهم المحنة التي أصابتهم، وذكر أن أحد الثلاثة كان أمينا وحريصا على حفظ حق الأجير رغم بُعْد الزمان والمكان، فقال: (اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله، أد إليّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنَّا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون).. [رواه البخاري] .

لقد سبق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كل الأنظمة والقوانين والمواثيق في حفظ حقوق العمال والخدم بغض النظر عن ديانتهم وجنسياتهم، وجعل العلاقة بين صاحب العمل والعامل ـ أو الموظف أو الخادم أو الأجير ـ تحكمها قاعدة واضحة وهي: أنه على الأجير أن يحسن عمله على الوجه الأكمل ويراقب اللهَ فيه، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).. [رواه الطبراني وصححه الألباني].

وعلى صاحب العمل أن يحفظ للعامل حقه المادي وحقه المعنوي بلا قهر أو إذلال، أو احتقار أو إساءة معاملة، مع معاملته برحمة وشفقة، والمسارعة في إعطائه حقه لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه).. [رواه ابن ماجه].

طباعة شارك عيد العمال كيف حث النبي على اعطاء العمال حقوقهم حقوق العمال

مقالات مشابهة

  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • خطبتي الجمعة من المسجد الحرام و المسجد النبوي
  • داعية: افعل الخير وارمه في البحر.. إن لم يعرفه السمك عرفه رب السمك
  • أمين الفتوى: مصادر التشريع في الإسلام أربعة.. والقرآن والسنة الأصل
  • في عيد العمال.. كيف حث سيدنا النبي على إعطاء حقوقهم؟
  • سجناء المُطالبات المالية
  • الآية اليمانية…
  • ما حكم تطليق زوجتي إرضاء لأمي وأخواتي لكثرة المشاكل بينهم؟.. الإفتاء تجيب
  • فيلم "صبيان وبنات" يعود بعد 30 عامًا ويثير الجدل: هل فضح يسري نصر الله واقع الطبقة الكادحة قبل الأوان؟
  • التصالح مع الذات (السعادة الأبدية)